الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا البيت لم أقف على تتمته، ولا على قائله، مع أنه مشهور، وقلما خلا عنه كتاب نحوي، والله تعالى أعلم.
[أيّ]
وأنشد في "أيّ" بالتشديد، وهو الإنشاد الرابع عشر بعد المائة:
(114)
تنظَّرت نصرًا والسِّماكين أيهما
…
عليَّ من الغيث استهلَّت مواطره
على أن "أي" الاستفهامية قد تخفف كما في البيت.
قال ابن جني في "المحتسب" عند قراءة الحسن: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ)[القصص/ 28] خفيفة: في تخفيف هذه الياء طريقان يكادان يعذران:
أحدهما: تضعيف الحرف، وقد امتد عنهم حذف أحد المثلين إذا تجاورا، نحو: أحست ومست وظلت، وحكى ابن الأعرابي: ظنت في ظننت.
والآخر: أن الياء حرف ثقيل منفردةً، فكيف بها إذا ضعّفت؛ غير أن في واجب الصنعة شيئًا أذكره لك، وذلك أن "أيًّا" عندنا مما عينه واو ولامه ياء، وهذا من باب أويت، هكذا موجب القياس والاشتقاق جميعًا:
أما القياس؛ فلأن ما عينه واو ولامه ياء أضعاف ما لامه وعينه ياءان، ألا ترى إلى كثرة باب: لويت، وشويت، وطويت؟ وإلى قلة باب: عييت وحييت؟ فأصل "أي" على هذا: أوي، فاجتمع الواو والياء، وسبقت الواو بالسكون، فقلبت ياء، وأدغمت في الباء، فصارت أي.
وأما الاشتقاق؛ فلأن "أيًا" أين وقعت غير متبلغ بها، فإنها بعض
من كل، كقولنا: أي الناس عندك؟ وأيهم قام قمت معه، وأيهم يقوم زيد وبعض الشيء آوٍ إلى جميعه، ألا ترى إلى قول العجلي:
يأوي إلى ملط له وكلكل
أي: يتساند إليها، ويعتمد عليها. فإذا حذفت الياء تخفيفًا فإنها الثانية، وإذا زالت الثانية أوجب القياس أن تعود الأولى إلى أصلها، وهي الواو، فيقال: أو ما الأجلين قضيت. والذي حسَّن عندي إظهار العين هنا ياء، مع زوال الياء الغالبة لها من بعدها، أنها إنما حذفت اللام تخفيفًا، وهي منوية مرادة، فأقرت العين مقلوبة ياء، دلالة على إرادة الياء التي هي لام، كما صحت الواو الثانية في قوله:
وكحَّل العينين بالعواور
دلالة على إرادة الياء في عواوير، وأنها إنما حذفت استحسانًا وتخفيفًا. وأنشدنا أبو علي للفرزدق:
تنظّرت نصرًا والسِّماكين أيهما
…
البيت
فهذا كقراءة الحسن (أيما الأجلين) سواء. انتهى.
وأورده أيضًا في أوائل سورة البقرة، عند قراءة ابن محيصن:(ثُمَّ أَضْطَرُّهُ)[الآية/ 126] بإدغام الضاد في الطاء. قال: أراد: أيهما، فاضطر إلى تخفيف الحرف، فحذف الياء الثانية، وكان ينبغي أن يرد الياء الأولى إلى الواو، لأن أصلها الواو، وأن يكون قياسًا واشتقاقًا جميعًا أولى، ولم يقل:"أو هما" فيرد الواود الأصلية، لأنه لم يبن الكلمة على حذف الياء البتة، لأنه إنما اضطر إلى التخفيف، وهو ينوي الحرف المحذوف كما ينوي الملفوظ به. وقد ذكرنا أخوات لهذا أكثر من عشر في كتاب "الخصائص" انتهى.
وأورده صاحب "الكشاف" والقاضي أيضًا عند قراءة الحسن: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ)[القصص/ 28] قال شارح شواهدهما خضر الموصلي: قال أبو حيان: هو من قصيدة للفرزدق وبعده:
إذا ما أتى نصر أتى الناس كلُّهم
…
وقد عزَّ من نصر لدى الخوف ناصره
هو الملك المهديُّ والسابق الذي
…
له أوّل المجد التّّليد وآخره
ولو أنّ مجدًا في السَّماء وعندها
…
إذن لسما نصر إليه يساوره
والتنظر: الانتظار وقصد به استعجال نصر بالعطاء، ونصر بالصاد المهملة: هو الممدوح، قال ابن الملا: هو نصر بن سيار، أمير خراسان لمروان بن محمد، الملقب بالحمار، آخر الأمويين، لا ملك العراقين، كما قال الشمني، فإن أمير العراقين إذ ذاك كان يزيد بن عمرو بن هبيرة الفزاري. وتوفي
نصر فارًا من عسكر أبي مسلم الخراساني، صاحب دعوة بني العباس بساوة قريبًا من همدان، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، سنة إحدى وثلاثين ومائة. انتهى.
والفرزدق توفي في أول السنة العاشرة بعد المائة.
ورواه ابن مالك "نسرًا" بالنون والسين المهملة، وكذا رأيته في "القاموس" في نسختين، قال: أي: حرف استفهام، عما يعقل و [ما] لا يعقل مبنية، وقد يخفف كقوله:
تنظّرت نسرًا والسماكين أيهما
…
. . . . . البيت
انتهى. وأراد بقوله حرف: أداة، أو كلمة. وقال ابن مالك في شرح "الكافية" في باب المعرف باللام: وربما حذفت الألف واللام دون نداء ولا إضافة، قال الشاعر:
تنظّرت نسرًا والسّماكين أيهما
…
. . . . . البيت
انتهى. وفي هذه الرواية نظر من وجوه:
أحدها: أنها لا تلائم الأبيات المذكورة، فإنها تقتضي أن يكون "نصرًا" بالصاد.
وثانيها: يقتضي أن يكون النسر بأل علمًا بالغلبة على النجم المعروف، وهو اثنان، يقال لأحدهما: الواقع، وللآخر الطائر. قال ابن قتيبة: النسر الواقع ثلاثة أنجم كأنها أثافي، وبإزائه النسر الطائر، وهو ثلاثة أنجم مصطفة، وإنما قيل للأول: الواقع، لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه، ويقولون: قد
ضمهما إليه كأنه طائر وقع، وقيل للآخر: طائر، لأنهم يجعلون اثنين منه جناحيه، ويقولون: قد بسطهما كأنه طائر. والعامة تسميهما: الميزان. انتهى.
وثالثها: يقتضي أن يكون النسر مما له نوء ومطر، وليس كذلك، وإنما النوء يختص بمنازل القمر الثمانية والعشرين، وليس النسر منها.
وأراد بالسماكين أحدهما، وهو السماك الأعزل، وهو الذي له النوء، وأما السماك الرامح فلا نوء له. قال ابن قتيبة: السماك الرامح سمي رامحًا بكوكب يقدمه، يقولون: هو رمحه. والسماك الأعزل: حد ما بين الكواكب اليمانية والشامية، سمي أعزل كأنه لا سلاح معه، كما كان للآخر. انتهى.
قال الزجاج في كتاب "الأنواء": نوء السماك لثلاث يمضين من نيسان، يسقط السماك في الغرب غدوة مذ طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ويطلع الحوت من المشرق غدوة في هذا الوقت، وتنزل الشمس البطين، وهو نوء غزير المطر قلما يخلف، وفيه أول حصاد الشعير، ومطره من مطر الربيع، قال ذو الرمة:
ولا زال من نوء السِّماك عليكما
…
ونوء الثُّريَّا قبله متبطِّح
وصفة السماك الأعزل: هو كوكب أزهر إحدى ساقي الأسد، والسماك الرامح الساق الأخرى، ومع السماك الرامح كوكب قدامه، يقال: هو رمحه، وسمي الأعزل أعزل لأنه لا كوكب معه، كما يقال: رجل أعزل، إذا لم يكن معه رمح، وقد قيل: الأعزل من الرجال: الذي لا سلاح معه، وقيل: سمي السماك الأعزل، لأن القمر لا ينزل به، وإنما سمي سماكًا لأنه سمك، أي: ارتفع، كذا قال سيبويه. انتهى. وقال قبله: والذي اختار، وهو مذهب الخليل، أن النوء اسم المطر الذي يكون مع سقوط النجم، فاسم مطر الكوكب الساقط: النوء. انتهى.
وقوله: أيهما: ضمير الاثنين، راجع على نصر وعلى السماكين إجراءً لهما مجرى الواحد، لأنه المراد، ولهذا وحد الضمير في "مواطره". ونقل ابن الملاعن ابن القاص أنه إنما يقال: نوء السماك، وقد غلط ابن مقبل في نسبة المطر إلى السماكين حيث قال:
وغيث مغبٍّ لم يجدّع نباته
…
ولته أهاليل السِّماكين معشب
وذلك أن العرب لا تنسب النوء والمطر إلى غير منازل القمر، ألا ترى قول قائلهم:
أولئك معشري كبنات نعش
…
خوالف لا تنوء مع النجوم
يقول: لا نفع عندهم، كبنات نعش لا نوء لها، والخالفة: من لا خير عنده، لأن بنات نعش ليس من منازل القمر. انتهى. وهذا تهور منه، وحكمة التثنية تحقيق الماطر منها، ونظيره قوله تعالى:(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)[الرحمن/ 22] وإنما يخرجان من أحدهما، وهو البحر الملح دون العذب. وقوله:"علي" متعلق باستهلت، والاستهلال: كثرة الانصباب، والمواطر: جمع ماطرة. أراد: السحب المواطر، والغيث: المطر، وقد بالغ في ممدوحه بجعله معادلًا للمطر في النفع العام. وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني.