الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبيت من آخر قصيدة للمتنبي، مدح بها شجاع بن محمد المنبجي، وقبله:
وما تنقم الأيَّام مَّمن وجوهها
…
لأخمصه فيكلِّ نائبةٍ نعلُ
وما عزَّهُ فيها مراد أرادهُ
…
وإن عزَّ إلا أن يكون له مثل
وبعده:
وويل لنفس حاولت منك غرَّةً
…
وطوبي لعينٍ ساعة منك لا تخلو
فما بفقيرٍ شام برقك فاقة
…
ولا في بلادٍ أنت صيِّبها محل
وهذا آخر القصيدة، وترجمة المتنبي تقدمت في الإنشاد التاسع.
وأنشد بعدـ، وهو الإنشاد الثاني والخمسون بعد المائة:
(152)
ألم يأتيك والأنباء تنمي
…
بما لاقت لبون بني زياد
على أن قوله "بما" فاعل "يأتيك" وزيادة الباء في الفاعل في غير تينك الصورتين للضرورة، قال ابن عصفور في "كتاب الضرورة" ومنها زيادة حرف الجر في المواضع التي لا تزاد فيها في سعة الكلام، نحو: ألم يأتيك .. البيت.
فزاد الباء في فاعل يأتي، وزيادتها لا تنقاس في سعة الكلام إلا خبر "ما"
وخبر "ليس" وفاعل: كفي" ومفعوله، وفاعل "أفعل" بمعني: ما أفعله، وما عدا هذه المواضع لا تزداد فيها الباء إلا في ضرورة، أوشاذ من الكلام يحفظ ولا يقاس عليه، انتهي، وزعم الأعلم وابن الشجري: أن زيادة الباء فيه ليست للضرورة، قالا: إن الباء زائدة بمنزلتها في: {كفي بالله شهيداً} [الرعد/43 والإسراء/96] وحسن دخولها في "ما" أنها مبهمة مبنية كالحرف، فأدخل عليها حرف الجر إسعاراً بأنها اسم، وقيل: إن الباء غير زائدة، ويأتي، وتنمي، تنازعاً قوله: "بما" الأول يطلبه للفاعلية، والثاني للمفعولية، فأعمل الثاني على المختار، وأضمر الفاعل في الأول، وهو ضمير "ما لاقت" بتقدير مضاف، أي: خبر ما لاقت، وسيذكر المصنف في بحث الجملة المعترضة من الباب الثاني: أنه مرجوح، وقيل: لبون: فاعل يأتي، على تقدير مضاف، أي: ألم يأتيك خبر لبونهم؟ ويكون في "لقت" ضمير يعود إلى بنون لأن لبونًا في نية التقديم، فتكون الباء متعلقة بـ "يأتي"، وفيه التنازع مع إعمال الأول على خلاف المختار، وفيه تغسف، لتقدير المضاف في الأول، وعدمه في الثاني، وقيل: فاعل "يأتي" مضمر، والباء متعلقة به، والتقدير: ألم يأتيك النبأ بما لاقت؟ ودل على النبأ قوله: والأنباء تنمي وقال ابن جني في "المجتسب": زاد الباء في "بما لاقت" لما كان معناه: ألم تسمع بما لاقت لبونهم انتهي.
يريد: أنه من قبيل التضمين.
وفي البيت شاهد ثان، وهو الاعتراض بجملة "والأنباء تنمي" بين الفعل والفاعل، وأورده المصنف في بحث "الجملة المعترضة" وشاهد ثالث، وهو أن حرف العلة قد لا يحذف مع الجازم ضرورة، وأورده سيبويه في موضعين من كتابه، على أنه أثبت الياء في حال الجزم ضرورة؛ لأنه إذا اضطر ضمها في حال.
الرفع تشبيهاً بالصحيح، قال الأعلم: وهي لغة ضعيفة، فاستعلمها عند الضرورة، وهذا قول الزجاجي في "الجمل" وتبعه الأعلم، قال ابن السيد في "شرح أبيات الجمل، وقوله: إنه لغة، خطأ ومثله للصفار في "شرح الكتاب" قال: إثبات حروف العلة في المجزوم ضرورة، نحو: ألم يأتيك
…
، وقيل: إنه لغة، يعرب بحركات مقدرة، والصحيح أنه ليس لغة، ولا أعلم من قاله غير الزجاجي، ولا سند له فيه، ومما يدل علي أنه غير معرب بحركات مقدرة أنهم لا يقولون: لم تخشي؛ لأنه لا يظهر يه حركة بوجه، بخلاف الياء، فإنق لت: إنه سمع في قوله تعالي: {لا تخف دركًا ولا تخشي} [طه/77] وقوله:
إذا العجوزُ غضبت فطلًّق
…
ولا ترَّضاها ولا تملَّق
قلت: لا دليل فيه كما زعمت، لأن الأول مقطوع، أي: وأنت لا تخشي، أي: في هذه الحال، وكذا ولا ترضاها، أي: طلقها، وأنت لا تترضاها، ثم قال: ولا تملق، فلا دليل فيه، انتهي.
وقال ابن خلف: هذا البيت، أنشده سيبويه في باب الضرورات، وليس يجب أن يكون منها؛ لأنه لو أنشد بحذف الياء لم ينكسر، وإنما موضع الضرورة ما لا يجد الشاعر منه بدًا في إثباته، ولا يقدر على خلافه؛ لئلا ينكسر الشعر، وهذا يسمي في عروض الوافر المنقوص، أعني: إذا حذف الياء، من قوله:"ألم يأتيك" هذا كلامه، ولا يخفي أن ما فسر به الضرورة مذهب مرجوح مردود،
والتحقيق: أنها ما وقع في الشعر، سواء كان للشاعر منه مندوحة أم لا، وقال ابن جني في "سر الصناعة": رواه بعض أصحابنا: "ألم يأنك"على ظاهر الجزم. وأنشده أبو العباس عن أبي عثمان عز الأصمعي: "أل هل أتاك والأنباء تنمي". انتهي. فالأول فيه الكف، والثاني فيه نقل حركة الهمزة من أتاك إلى لام هل، وحذفها، ورواه بعضهم:"ألم يبلغك والأنباء تنمي" فلا شاهد فيه على الروايات الثلاث.
والكاف في "يأتيك" لمخاطب غير معين، بل لمن يصلح للخطاب، والأنباء: جمع نبأ، وهو خبر له شأن، قال أبو زيد: اللبون من الإبل والشاه ذات اللبن، غريزة كانت أم بكيئة، فإذا قصدوا قصد الغريزة قالوا لبنة، وقال ابن السيد، وابن حلف: اللبون؛ الإبل ذوات اللبن، وهو اسم مفرد أراد به الجنس.
وبنو زياد: هم الكملة؛ الربيع، وعمارة، وقيس، وأنس، بنو زياد أبن سفيان بن عبد الله العبسي، وأمهم فاطمة بنت الخرسب الأنمارية، والمراد إبل الربيع بن زياد، فإن القصة معه فقط، كما يأتي بيانها.
والبيت أول أبيات لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي، وكان سيد قوه، وحدثت بينه وبين الربيع بن زياد شحناء في شأن درع سلومه فيها، فلما نظر
إليها، وهو على ظهر فرسه، وضعها على القربوس، ثم ركض بها، فلم يردها عليه؛ فاعترض قيس بن زهير أم الربيع، فاطمة بنت الخرسب المذكورة، في ظعائن من بني عبس، فاتقاد جملها يريد أن يرتهنها بدرعة، فقالت له: ما رأيت كاليوم قط فعل رجل! أين ضل حلمك يا قيس؟ ! أترجو أن تصطلح أنت وبنو زياد أبداً وقد أخذت أمهم؟ فذهبت بها يمينًا وشمالاً! فقال الناس في ذلك ما شاؤوا أن يقولوا "وحسبك من شر سماعه" فأرسلتها مثلاً فعرف قيس ما قالت، فخلي سبيلها، ثم أطرد إبلاً له، وقيل: إبله وإبل إخوته، فقدم بها مكة، فباعها من عبد الله بن جدعان التيمي معارضة بأدراع وسيوف، ثم جاور ربيعة بن قرط ابن سلمة بن قشير، وهو ربيعة الخير، ويكني أبا هلال.
وفاطمة الأنمارية: هي إحدى المنجيات، وسئلت عن بنيها أيهم أفضل؟ فقالت: الربيع، لا بل عمارة، لا بل قيس، لا بل أنس: ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة، لا يدري أين طرفاها! وكانت امرأة لها ضيافة وسؤودد، والبيت أول أبيات بعدها:
ومحبسها على القرشيِّ تشري
…
بأدراعٍ وأسيافٍ حداد
كما لاقيت من حمل بن بدرٍ
…
وإخوته على ذات الإصاد
هم فخروا عليَّ بغير فخرٍ
…
وردُّوا دون غايته جوادي
وكنت إذا منيت بخصم سوءٍ
…
دلفت له بداهيةٍ نئاد
بداهيةٍ تدقُّ الصُّلبَ منهم
…
بقسمٍ أو تجوبُ عن الفؤاد
أطوِّفُ ما أطوِّف ثُمَّ آوي
…
إلى جارٍ كجار أبي دؤاد
منيع وسط عكرمة بن قيسٍ
…
وهوبٍ للطَّريف وللتِّلاد
تظلُّل جيادُ يعسلن حولي
…
بذات الرِّمث كالحدا العوادي
كفاني ما أخاف أبو هلالٍ
…
ربيعةُ فانتهت عني الأيادي
كأنِّي إذا أنختُ إلى ابن قرطٍ
…
أنختُ إلى يلملم أو نضاد
قوله: ومحبسها، بالرفع، معطوف على فاعل "يأتيك" وهو مصدر ميمي، والقرشي هنا: عبد الله بن جدعان، بضم لجيم، وسكون الدال، ابن عمرو ابن كعب بن سعد بن تميم بن مرة القرشي، وابن جدعان من أجواد قريش في الجاهلية، وشذ ابن السيد في قوله: إن قيسًا لما قدم مكة بإبل الربيع باعها لحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة، بخيل وسلاح.
وتشري، بالبناء للمفعول؛ الجملة: حال من ضمير المؤنث في محبسها، وقالوا: بمعني تباع، ويجوز أن يكون المعني: يشتريها القرشي، وهذا البيت بيان لما لاقته لبون بن زياد، وافتخار وبتجج بما فعله من أخذ إبله وبيعها بمكة، وقوله:"كما لاقيت" قال ابن الشجري: العامل فيه محذوف تقديره: لاقيت منهم كما لاقيت من جمل بن بدر، وذات الإصاد:[مكان].
وهذا البيت مع البيت الذي بعده إشارة إلى حرب داحس والغبراء، وهذا إجمالها من كتاب "الفاخر" للمفضل بن سلمه، قال: داحس: فرس قيس بن زهير العبسي، والغبراء فرس حذيفة بن بدر الفزاري، وكان منحديثهما أن رجلاً من بني عبس يقال له: قرواش بن هني ماري حمل بن بدر أخا حذيفة في
داحس والغبراء، فقال حمل: الغبراء أجود، وقال قرواش: داحس أجود؛ فتراهنا عليهما عشرة في عشرة، فأتي قرواش إلى قيس بن زهير فأخبره، فقال له قيس: راهن من أحببت وجنبني بني بدر، فإنهم قوم يظلمون قدرتهم على الناس في أنفسهم، وأنا نكد أباء، فقال قرواش: إني قد أوجبت الرهان، فقال قيس: ويلك! ما أردت إلى أسأم أهل بيت! والله لتنغلن علينا شراً، ثم إن قيسًا أتي حمل بن بدر فقال: إني أتيتك أواضعك الرهان عن صاحي، قال حمل: لا أواضعك أو تجيء بالعشر، فإن أخذتها أخذت سبقي، وإن تركتها تركت حقًا؛ فأحفظ قيسًا فقال: هي عشرون، قال حمل: ثلاثون، فتزدايدا حتى بلغ به قيس مائة، وجعل الغاية مائة غلوة- بفتح المعجمة، وسكون اللام: مقدار رمية سهم- فضمروهما أربعين يومًا، ثم استقبل الذي ذرع الغاية من ذات الإصاد، وهي ردهة في ديار عبس، وسط هضب القليب –قال الأصمعي: هضب القليب بنجد.: جبال صغر، والقليب في وسط هذا الموضع، يقال له: ذات الإصاد، وهو اسم من أسمائها، والردهة: نقيرة في حجر يجتمع فيها الماء- فانتهي الذرع إلى مكان ليس له أسم، فقادوا الفرسين إلى الغاية، وقد عطشوهما، وجعلوا السابق الذي يرد ذات الإصاد، وهي ملأي من الماء، ولم يكن ثمة قصبة، ووضع حمل حيسماً في دلاء، وجعله في شعب من شعاب هضب القليب على طريق الفرسين، وكمن معه فتيانًا، وأمرهم إن جاء داحس سابقاً أن يرد وجهه عن الغاية، وأرسلوهما من منتهي الذرع، فلما دنوا وقد برز داحس، وثب الفتية فلطموا وجه داحس فردوه عن الغاية، فقال قيس: يا حذيفة أعطني سبقي، وقال الذي وضع عنده السبق: إن قيسًا قد سبق، وإنما أردت أن يقال: سبق حذيفة، وقد قيل، فأمره أن يدفعه لقيس، ثم إن حذيفة ندِّمه الناس، فبعث
ابنه بأخذ السبق، فقتله قيس، فاجتمع الناس، فاحتملوا ديته مائة عشراء، فقبضها حذيفة، وسكن الناس، ثم إن حذيفة استفرد أخًا قيس، وهو مالك بن زهير فقتله، وكان الربيع بن زياد، يومئذ، مجاور بن فزارة، عند امرأته، وكان مشاحنًا لقيس بن زهير في درعها لتي اغتصبها من قيس، فلما قتل مالك بن زهير ارتحل الربيع بن زياد، ولحق بقومه، وأتاه قيس بن زهير فصالحه، ونزل معه، ثم دس قيس أمة إلى الربيع تنظر ما يعمل، فأتته امرأته تعرض له، وهي علي طهر فزجرها، وقال:
منع الرقاد فما أغِّمض حار
…
جلل من النَّبأ المهمِّ السَّاري
من كان مسروراً بمقتل مالكِ
…
فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النِّساء حواسراً يندبنه
…
يندبن بين عوانسٍ وعذاري
أفبعد مقتل مالك بن زهيرِ
…
ترجو النِّساء عواقب الأطهار
فأخبرته الأمة قيسًا بهذا، فأعتقها، ثم إن بني عبس تجمعوا ورئيسهم الربيع ابن زياد، وتجمع بنو ذبيان ورئيسهم حذيفه بن بدر، وتحاربوا مراراً، ثم إن الربيع بن زياد أظفره الله تعالي في جفر الهباءة على حذيفة بن بدر وأخويه حمل بن بدر، ومالك بن بدر، فقتلهم، ومثلوا بحذيفة، فقطعوا ذكره، فجعلوه في فيه، وجعلوا لسانه في ديره، وقال الربيع بن زياد يرثي حمل بن بدر:
تعلَّم أنَّ خير الناس طرّاً
…
على جفر الهباءة ما يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكي
…
عليه الدَّهر ما طلع النجومُ
ولكنَّ الفتي حمل بن بدرٍ
…
بغي والبغي مرتعة وخيم
أظنُّ الحلم دلَّ علىَّ قومي
…
وقد يستجهل الرجل الحليم
ألاقي من رجال منكرات
…
فأنكرهُا وما أنا بالظَّلوم