الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمر شخص سمعه وهو ينشد هذه الأبيات، فقال له: أتعرف هذه الأبيات لمن هي؟ فقال: لا، فقال: هذه الدار لصاحب هذه الأبيات، وهو الشريف الرضي، فتعجبا من حسن الاتفاق. انتهى.
وفي معنى الشعر الشاهد قول الشريف الرضي أيضًا:
غيري أضلَّكم فلم أنا أناشد
…
وسواي أفقدكم فلم أنا واجد
عجبًا لكم يأبى البكاء أقارب
…
منكم ويشرق بالدّموع أباعد
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والعشرون بعد المائة:
(121)
هل ترجعينَّ ليال قد مضين لنا
…
والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا
على أن الجملة المضاف إليها "إذ" قد حذف عجزها، التقدير: إذ ذاك كذلك، وهو أول أبيات ثلاثة أنشدها أبو زيد في "كتاب الهمز" وفي "النوادر" وقال في كتاب "الهمز": وأنشدني شيخ أعرابي من بني تميم لنفسه:
هل ترجعينَّ ليال قد مضين لنا
…
والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا
إذ نحن في غرَّة الدنيا وبهجتها
…
والدار جامعة أزمان أزمانا
لمّا استمرَّ بها شيحان مبتجح
…
بالبين عنك بما يرآك شنآنا
وقال في "النوادر" بعد هذه الأبيات: الشيحان: الغيور، والمبتجح: المفتخر، والذي يعرف. انتهى. ومراد الشاعر من هذا الاستفهام عود لياليه الماضية، قال الدماميني: الأفنان: إما جمع فنن، وهو الغصن الملتف، أو جمع فن، وهو الحال والنوع، ونصبه على الحال من ليال، وإن كانت نكرة؛ لتخصصها، وعامل إذ "منقلب" واسم الإشارة يرجع إلى العيش باعتبار حاله. والثاني المحذوف المجرور بالكاف، يرجع إلى حال الأفنان، والجملة المقترنة بالواو حال من ضمير مضين، والمعنى: هل ترجع ليالينا، حال كونها مثل الأغصان الملتفة في نضارتها وحسنها، أو حال كونها ذات فنون من الحسن، وضروب شتى من اللذة؟ وهذه الليالي اللاتي مضين في حال أن عيشنا منقلب من طور إلى طور، إذ حال ذلك العيش مثل حال تلك الأغصان في الرونق والبهجة، أو مثل حال تلك الفنون المختلفة في الحسن. انتهى.
وكون أفنان حالًا من ليال بعيد، والقريب أن يكون حالًا من ضمير منقلب، وأقرب منه أن يكون خبرًا له، بناء على أنه من أخوات صار، وفي إرجاع الإشارتين لما ذكر، كما قال ابن الحنبلي؛ تعسف؛ قال: وإنما قيد العيش بقوله: "باعتبار حاله" ليتم له أمر التشبيه بين المشار إليه أولًا، والمشار إليه ثانيًا مع أنه لا يتم، ولهذا اضطر آخرًا إلى تشبيه حاله بحالها، قال: وجعل اسم الإشارة الأول لنفس العيش، وهو للمتوسط للتفخيم. والثاني لنفس الأفنان، وإن كانت جمعًا، وهو للمفرد بتأويل المذكور، مرادًا بها الليالي، أو ما شبهت به أحسن، ووجه الشبه حسن الحال فيهما. وأحسن منه أن يكون اسم الإشارة المذكور لانقلاب العيش ذي الأفنان، والمقدر للانقلاب الثابت لليالي الماضية، إذ كانت أنواعًا مختلفة. انتهى.
وقوله: إذ نحن
…
إلخ، هو بدل من قوله: إذ ذاك، والغرة بكسر الغين المعجمة: الغفلة عن الشر، وفعل قبيح، والبهجة: الحسن والرونق واللطافة. وجملة: "والدار جامعة": حال من الضمير المستقر في الظرف، وأزمان: اسم امرأة مفعول الجامعة، وهو غير منصرف، وفيه معطوف محذوف، أي: جامعة أزمان وإياي، وأزمانا: ظرف لجامعة.
وقوله: لما استمر بها، أي: بالدار، وشيحان، بالشين المعجمة والحاء المهملة: الغيور السيئ الخلق، والمبتجح روي بالرفع، صفة شيحان، وبالنصب: حال منه، اسم فاعل من ابتجح بالشيء: افتعل، قال الأزهري في "التهذيب": فلان يتبجح بفلان، ويتمجح، بالميم بدل الباء: إذا كان يهذي به إعجابًا، وقال اللحياني، أي: يفتخر ويباهي به. انتهى. وقول أبي زيد في تفسيره: "والذي يعرف" لم أره في "التهذيب" و"القاموس" وغيرهما، وكلامه حجة. والباء متعلقة بمبتجح. والبين: البعد، وعن: متعلقة به، قال أبو حاتم: الكاف في الموضعين خطاب لمذكر، والباء في "بما" سببية، وما: مصدرية، وروى الأزهري هذا البيت في مادة "شيحان" عن المفضل:
بالبين عنك بها يرآك شنآنا
بضمير الغائبة العائدة إلى أزمان، فيكون "بها" الأولى كذلك لأزمان، ويكون يرآك جواب لمَّا على الشذوذ، لأنه مضارع. وشنآن، بسكون النون: البغض، وكذلك بفتح النون، وفيه مضاف محذوف، أي: يراك رؤية بغض. ونقل الأزهري عن الفراء أنه قال في قوله تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ)[المائدة/ 2 و 8]، قال أبو عبيدة: يقال: الشنآن، بتحريك النون والهمزة،