الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله تعالى عنه. وقد شرحنا رجز لبيد في الشاهد السادس والتسعين بعد السبعمائة من شواهد المحقق الرضي.
والربيع بن زياد العبسي مع إخوته يضرب بهم المثل في النجابة. قال الزمخشري في "مستقصى الأمثال": أنجب من بنت الخرشب، هي فاطمة الأنمارية، ولدت لزياد العبسي الكملة ربيعًا الكامل، وعمارة الوهاب، وقيس الحفاظ، وأنس الفوارس، وقيل لها: أي بنيك أفضل؟ فقالت ربيع، بل عمارة، بل قيس، بل أنس، ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل؛ والله إنهم كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها.
والنعمان بن المنذر: وهو آخر ملوك الحيرة، وهو صاحب الذبياني.
وأنشد بغده، وهو الإنشاد الرابع والثمانون:
(84)
فإمَّا أن تكون أخي بصدق
…
فأعرف منك غثيّ من سمييني
وإلَاّ فاطَّرحني واتَّخذني
…
عدوّا أتَّقيك وتتَّقيني
على أنه قد يستغنى عن "إما" الثانية بذكر ما يغني عنها، وهو قوله هنا:"وإلا"، وهي "إن" الشرطية المدغمة "بلا" النافية، والأصل: وإما أن تطرحني، وتتخذني عدوًا. وقد يغني عنها "أو" كقوله:
فقلن لهنَّ امشين إمَّا نلاقه
…
كما قال أو نشف الصُّدور فنعذرا
وكقول آخر:
يعيش الفتى في النَّاس إما مشيَّعًا
…
على الهمَّ أو هلباجة متنعِّما
والبيتان من قصيدة طويلة، عدتها أربعة وأربعون بيتًا للمثقَّب العبدي، أوردها المفضل في "المفضليات" وبعدها:
وما أدري إذا يمَّمت أمرًا
…
أريد الخير أيهما يليني
أالخير الذَّي أنا أبتغيه
…
أم الشَّر الذي هو يبتغيني
وهذا آخر القصيدة، ولم يذكر فيها المخاطب بهما من هو، وكأنه محذوف منها.
وقوله: فإما أن تكون، في تأويل مصدر مرفوع خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: إما شأنك كونك أخًا بحق، وإما كونك عدوًا ظاهرًا، أو يجوز أن يكون في تأويل مصدر منصوب مفعولًا لفعل محذوف، والتقدير: اختر إما كونك أخًا، وإما كونك عدوًا، كما قال الآخر:
تخيَّر فإمَّا أن تزور ابن ضابئٍ
…
عميرًا وإمَّا أن تزور المهلَّبا
وقوله "بحق" نائب عن المفعول المطلق، أي: إما أن تكون أخي كونًا ملتبسًا بحق. وقال العيني: هو صفة لأخي، وهو غلط في المسألة. وقوله: فأعرف بالنصب: معطوف على تكون، ومنك: في موضع الحال
المقدمة من المفعول، واستعير الغث للغش، والسمين للنصح. ومن الثانية للتمييز متعلقة بأعرف. والمروي في المفضليات "غثي أو سميني" والغث، بالفتح: وصف من غث اللحم إذا صار مهزولًا. وقوله: وإلا فاطرحني، بتشديد الطاء المفتوحة من الطرح، أراد به الترك. وقوله: عدوًا أتقيك
…
إلخ، كان الظاهر أن يقول: عدوًا تتقيه وأتقيك، لكنه راعى المعنى، وقوله: وما أدري إذا يممت
…
إلخ، ما: نافية، وأدري: أعلم، ويممت: قصدت وجملة "أيهما يليني" في موضع المفعول لأدري، لأنه معلق عن العمل باسم الاستفهام. وإذا: ظرف لأدري. وأنشده الفراء في تفسيره عند قوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ
…
) [آل عمران/ 113]، قال: ذكر أمة، ولم يذكر بعدها أخرى، والكلام مبني على أخرى، لأن "سواء" لابد لها من اثنين فما زاد، كأنك قلت: لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة، وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه، ثم أنشد هذين البيتين، وكذا أنشدهما عند قوله تعالى:(إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ)[يس/ 8]، قال: كنيّ عن هي، وهي للأيمان ولم تذكر، وذلك أن الغل لا يكون إلا في اليمين، والعنق جامعًا لليمين والعنق، فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه، ثم أنشدهما فقال: كنى عن الشر، وإنما ذكر الخير وحده، وذلك أن الشر يذكر مع الخير. انتهى كلامه.
وكأنه يريد أن التقدير: أريد الخير لا الشر، ولا يجوز أن يكون التقدير أريد الخير والشر، لأنه غير مراد له بدليل ما بعده، فيكون من حذف المعطوف بلا النافية وهو غريب. وقوله: أألخير الذي
…
إلخ، هو من شواهد "شرح الشافية" للرضي، والشر: بدل من "أي" ولهذا قرن بحرف الاستفهام،
والألف الثانية من "أالخير" وصل دخلت عليها ألف الاستفهام وكان القياس أن تحذف، لكنها خففت بتسهيلها بين بين، إذ لولا ذلك لم يتزن البيت، ولا سبيل إلى دعوى تحقيقها، لأنه لا قائل به، وهمزة بين بين عند البصريين متحركة بحركة ضعيفة ينحى بها نحو السكون، ولذلك لا تقع إلا حيث يقع الساكن غالبًا، ولا تقع في أول الكلام بحال. وفيه رد على الكوفيين في دعوى سكونها، لأنها في مقابلة ثاني أحرف وتد مجموع وهو لن يكون ساكنًا، ولأنها لو كانت ساكنة لزم التقاء الساكنين على غير حده، وروي:
أم الشرُّ الذي لا يأتليني
قال ابن الأنباري: أي: لا يألو في طلبي، أي: لا يقصِّر.
والمثقِّب العبدي: شاعر جاهلي قديم كان في زمن عمرو بن هند، قاله ابن قتيبة في كتاب الشعراء. وقال: اسمه محصن بن ثعلبة – بكسر الميم، وفتح الصاد – وسمي المثقب لقوله في هذه القصيدة:
رددن تحيَّة وكففن أخرى
…
وثقَّبن الوصاوص للعيون
وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لو كان الشعر كله على وزن هذه القصيدة لوجب على الناس أن يتعلموه. انتهى.
وقال ابن الأنباري اسمه عائذ بن محصن بن ثعلبة وأنهى، نسبه إلى عبد القيس ابن أفصى بن دعمي بن أسد بن جديلة بن ربيعة بن نزار، والمثقب: اسم فاعل من ثقب تثقيبًا بالثاء المثلثة، وصحفه الدماميني بالنون، وهو لقب له لقوله ذلك البيت، والعبدي: نسبة إلى عبد القيس، ويقال في النسبة إليه عبقسي أيضًا.