الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجزون من ظلم أهل الظُّلم مغفرةً
…
ومن إساءة أهل السُّوء إحسانا
كأنَّ ربَّك لم يخلق لخشيته
…
سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما
…
. . . . . البيت
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والأربعون بعد المائة:
(145)
أربٌّ يبول الثُّعلبان برأسه
…
لقد خاب من بالت عليه الثَّعالب
على أن الباء بمعنى على، بديل المصراع الثاني، قال ابن قتيبة في "أدب الكاتب": الثعلبان: أي: بضم المثلثة واللام: ذكر الثعالب، قال الشاعر:
أربٌّ يبول الثُّعلبان برأسه
…
لقد ذلَّ من بالت عليه الثعالب
انتهى. وتوفي في سنة ست وسبعين ومائتين من الهجرة، وقال شارحه أبو منصور موهوب بن أحمد بن الخضر الشهير بالجواليقي: هذا البيت يضرب مثلًا للذليل الضعيف، وهو فيما أخبرت عن الحسن بن علي، عن محمد بن العباس عن أحمد بن معروف، عن الحارث بن أبي سلمة، عن محمد بن سعد لراشد بن عبد ربه، وهو أحد الوفد الذين قدموا على رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، يوم فتح مكة من بني سليم فأسلموا، وأعطاه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رهاط، وفيها عين يقال لها: عين الرسول، وكان راشد يسدن صنمًا لبني سليم، فرأى يومًا ثعلبانًا يبول عليه، فقال:
أربٌّ يبول الثُّعلبان برأسه
…
البيت
ثم شد عليه فكسره، ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال:"ما اسمك؟ " فقال: غاوي بن عبد العزى، فقال:"أنت راشد بن عبد ربه" فأسلم وحسن إسلامه، وشهد الفتح مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خير قرىً عربيةٍ خيبر، وخير بني سليم راشد" وعقد له على قومه. انتهى كلامه. وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ببغداد.
وقال شارحه الآخر أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي: البيت لغاوي بن ظالم السلمي، ويروى لأبي ذو الغفاري، ويروى للعباس بن مرداس السلمي، ورواه جمهور اللغويين كما روى ابن قتيبة. انتهى. وتوفي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وكابن قتيبة كتب الجوهري – ومات في سنة ست وثمانين وثلاثمائة – وكتب ابن بري في "أماليه" عليه نسبة البيت إلى أحد الثلاثة الذين ذكرهم ابن السيد، ولم يزد على ذلك، وتوفي بمصر في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. وكتب ياقوت بن عبد الله الكاتب في هامش "صحاح الجوهري": قائل البيت عادي بن ظالم السلمي، ويروى لأبي ذو الغفاري، ويروى لعباس بن مرداس بن عبد يغوث الظفري، خرج هو ونفر من قومه إلى صنم كانوا يعظمونه، واسم الصنم: سواع، وكان بالعلاة برهاط، فذبحوا عنده شاة لهم وأقاموا، ثم غفلوا غفلة، فأتى ثعلبان فرمّ موضع الذبيحة، ثم صعد الصخرة فبال عليها، فرأى ذلك ظالم، ففكر فيه ثم قال:
ما عذر من أمسى يدين لصخرة
…
ظنون لها فرع منيف وجانب
يؤمِّلها جهلًا ويرجو نجاحها
…
وهل في السِّلام الصُّم ما أنت طالب
أربٌّ يبول الثُّعلبان برأسه
…
البيت
فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وافدًا، فدعاه إلى الإسلام فأجابه، وقال: يا رسول الله، معي في جفيري هذا خمسون سهمًا كلها مسموم، فإن لقيت عدوك رجوت أن أقتل بكل سهم رجلًا، فسأله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن اسمه، فقال: أنا ظالم بن عبد يغوث، فقال:"بل راشد بن عبد ربه" فقال: يا رسول الله، أقطعني ماء برهاط، فأقطعه إلى بلد العين التي برهاط، وهو ماء يخرج من أصل جبل، لهم عليه نخيل وزروع، وهو في يد ولده إلى اليوم. انتهى كلامه.
وقال ابن الأثير في مادة "عصل" من "النهاية": كان لرجل صنم كان يأتي بالخبز والزبد، فيضعه على رأسه ويقول: اطعم، فجاء ثعلبان فأكل الخبز والزبد، ثم عصل، على رأس الصنم، أي: بال، والثعلبان: ذكر الثعالب. انتهى. وعصل بفتح العين والصاد المهملتين. ولقد تحامل صاحب "القاموس" على الجوهري في قوله: [واستشهاد الجوهري بقوله
…
البيت] هو غلط صريح [و] هو مسبوق فيه. والصواب في البيت فتح الثاء. [لأنه مثنى]. كان غاوي بن عبد العزَّى ساندنًا لصنم لبني سليم، فبينا هو عنده إذ أقبل ثعلبان يشدان حتى تسنماه، فبالا عليه، فقال البيت، ثم قال: يا معشر سليم، لا والله لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع! فكسره ولحق بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال:"ما اسمك؟ " قال: غاوي بن عبد العزى، فقال بل:"أنت راشد بن عبد ربه" انتهى كلامه وهو منقول عن أبي حاتم الرازي، نقله عنه جماعة، منهم ابن السيد في "شرح أدب الكاتب" وقال ابن الأثير في "النهاية"
بعد كلامه السابق: وفي كتاب الهروي: فحاء ثعلبان، فأكلا الخبز والزبد، ثم عصلا. أراد تثنية ثعلب. انتهى. قال الدميري في "حياة الحيوان": قال الحافظ ابن ناصر: أخطأ الهروي في تفسيره، وصحف في روايته، وإنما الحديث: فجاء ثعلبان، وهو الذكر من الثعالب، اسم له معروف لا يثنى، فأكل الخبز والزبد، ثم عصل على رأس الصنم، فقام الرجل فضرب الصنم فكسره ثم جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فأخبره بذلك وقال:
لقد خاب قومٌ أمَّلوك لشدّةٍ
…
أرادوا نزالًا أن تكون تحارب
فلا أنت تغني عن أمور تواترت
…
ولا أنت دفَّاع إذا حلَّ نائب
أربٌّ يبول الثُّعلبان برأسه
…
البيت
قال: والحديث مذكور في "معجم البغوي" وابن شاهين وغيرهما، والرجل راشد بن عبد ربه، وأهل اللغة يستشهدون بهذا البيت في أسماء الحيوان والفرق فيما بين الذكر والأنثى، كما قالوا: الأفعوان لذكر الأفاعي،
والعقربان لذكر العقارب. انتهى.
واعلم أن ابن دريد في "الجمهرة" والأزهري في "تهذيب اللغة" والصاغاني في "العباب" لم يستشهدوا بهذا البيت، فاستراحوا من نقل الخلاف.
وقال الميداني في "مجمع الأمثال" قيل: أصله أن رجلًا من العرب كان يعبد صنمًا، فنظر يومًا إلى ثعلب جاء حتى بال عليه، فقال:
أربّ يبول الثعلبان برأسه
…
البيت
ولم يزد على هذا شيئًا. وأصله تفسير أبي عبيدة، نقله عنه أبو عبيد القاسم بن سلام في "أمثاله" قال: قال أبو عبيدة: من أمثالهم في الذليل: "لقد ذل من بالت عليه الثعالب" قال أبو عبيدة: وأصل هذا
…
إلى آخر ما نقله الميداني. والزمخشري ما أورده في "مستقصى الأمثال"، وحمزة الأصبهاني أورده في أمثاله التي على وزن أفعل التفضيل، لكنه لم يعرج على معنى البيت، قال: وأما قولهم: "أذل من بال عليه ثعلب" فإنه يضرب مثلًا لكل شيء يستذل، ويقال في الشر يقع بين القوم وقد كانوا على صلح: بال بينهم الثعلب، وفسا بينهم ظربان، وكسر بينهم رمح، ويبس بينهم الثرى. هذا كلامه.
ونقل السيوطي هنا عن أبي نعيم في "دلائل النبوة" حديثًا طويلًا وفيه: قال راشد: فألفيت سواعًا وقت الفجر، وثعلبين يلحسان ما حوله، ويأكلان ما نهدي له، ثم يعرجان عليه ببولهما، فعند ذلك يقول راشد: أرب يبول