الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأم كريمة، والأب خسيسًا قيل له: المذرع، قال الفرزدق:
إذا باهليٌّ تحته حنظلّية
…
البيت
وقال الآخر:
إنَّ المذرَّع لا تغني خؤولته
…
كالبغل يعجز عن شوط المحاضير
وإنما سمي المذرع للرقمتين في ذراع البغل، وإنما صارتا فيه من ناحية الحمار، قال هدبة:
ورثت رقاش اللُّؤم عن آبائها
…
كتوارث الحمرات رقم الأذرع
وقال عبد الله بن العباس في كلام يجيب به ابن الزبير: والله إنه لمصلوب قريش، ومتى كان عوام ابن عوام يطمع في صفية بنت عبد المطلب! من أبوك يا بغل؟ فقال: خالي الفرس! . انتهى. وقول الفرزدق: له مسمع واف وآخر أجدع؛ المسمع: موضع السماع، وهو الأذن، والوافي: التام، والجدع: قطع الأذن والأنف. وترجمة الفرزدق تقدمت في الإنشاد الثاني من أول الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثلاثون بعد المائة:
(130)
استغن ما أغناك ربُّك بالغنى
…
وإذا تصبك خصاصة فتجمَّل
على أن "إذا" لا تجزم إلا في الشعر كما في البيت. وفيه رد على ابن مالك في "التسهيل" فإنه قال: قد يجزم بإذا الاستقبالية حملًا على متى، فإنه لم يخص جزمها بالشعر، ويفهم منه جواز جزمها في الكلام بقلة. وصرح به في "التوضيح" فقال: هو في النثر نادر، وفي الشعر كثير، وجعل منه قوله، عليه الصلاة والسلام، لعلي وفاطمة، رضي الله تعالى عنهما: "إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعًا وثلاثين
…
" الحديث.
والبيت من قصيدة لعبد قيس بن خفاف مثبتة في أواخر "المفضليات" مشتملة على نصائح ومواعظ وهي ثمانية عشر بيتًا وهي:
أجبيل إنَّ أباك كارب يومه
…
فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح
…
طبن بريت الدَّهر غير مغفَّل
الله فاتَّقه وأوف بنذره
…
وإذا حلفت مماريًا فتحلَّل
والضَّيف أكرمه فإنَّ مبيته
…
حقٌّ ولا تك لعنة للنزَّل
واعلم بأنَّ الضَّيف مخبر أهله
…
بمبيت ليلته وإن لم يسأل
ودع القوارص للصَّديق وغيره
…
كيلا يروك من اللِّئام العزَّل
وصل المواصل ما صفا لك ودُّه
…
واحذر حبال الخائن المتبدِّل
واترك محلَّ السَّوء لا تحلل به
…
وإذا نبا بك منزل فتحوَّل
دار الهوان لمن رآها داره .. أفاراحل عنها كمن لم يرحل
وإذا هممت بأمر شرٍّ فاتَّئد
…
وإذا هممت بأمر خير فافعل
وإذا أتتك من العدوِّ قوارص
…
فاقرص كذاك ولا تقل لم أفعل
وإذا افتقرت فلا تكن متخشِّعًا
…
ترجو الفواضل عند غير المفضل
وإذا لقيت القوم فاضرب فيهم
…
حتى يروك طلاء أجرب مهمل
واستغن ما أغناك ربُّك بالغنى
…
وإذا تصبك خصاصة فتجمَّل
واستأن حلمك في أمورك كلِّها
…
وإذا عززت على الهوى فتوكَّل
وإذا تشاجر في فؤادك مرَّة
…
أمران فاعمد للأعفِّ الأجمل
وإذا لقيت الباهشين إلى النَّدى
…
غبرًا أكفُّهم بقاع ممحل
فأعنهم وايسر بما يسروا به
…
وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
قوله: أجبيل؛ الهمزة للنداء، وجبيل بضم الجيم وفتح الموحدة: ابن الشاعر، قال ابن الأنباري: روى أحمد عن الحرمازي: "إلى المكارم" وقال الضبي: كارب، من كرب: إذا قرب ودنا. انتهى. وكارب: مضاف إلى قومه، وأصله، كارب يومه بالتنوين، أي: قريب يوم وفاته. واستشهد به المصنف في "الأوضح" على مجيء اسم الفاعل من كرب الناقصة، ثم قال: والصواب أن كاربًا اسم فاعل من كرب التامة في نحو قولهم: كرب الشتاء، إذا قرب، وبهذا جزم الجوهري. انتهى.
وقوله: أوصيك
…
البيت. الطبن الحاذق، يقول: أنا ناصح لك، وبصير بالدهر وما يريب منه، لست في غفلة عن ذاك.
وقوله: الله فاتقه
…
البيت. الله: منصوب بفعل يفسره ما بعده، وأرف، بفتح الهمزة: أمر من أوفى، لغة في وفى، ومماريًا: عارضًا ومجادلًا، وتحلل: أمر من تحلة القسم، وهو الاستثاء، وهو قولك: إن شاء الله تعالى. ولعنة، بضم اللام وسكون العين: من يلعنه الناس، وبفتح العين: من يلعن الناس، ومثله ضحكة وهزأة، والقوارص: الكلمات المؤذية، من القرص وهو الأخذ بالأظافر، والعزّل جمع عُزُل: بضمتين، وهو المنفرد المنقطع، والمتبدل: بكسر الدال المهملة.
وقوله: وإذا نبا بك
…
إلخ، استشهد به المصنف في شرح البيت الأول من "شرح بانت سعاد" ونبا المكان به: إذا لم يوافقه.
وقوله: دار الهوان لمن رآها
…
البيت، قال ابن الأنباري: يقول: من أقام في دار الهوان فهي داره، وليس من لم يقم فيها وأنف، كمن احتمل الضيم وأقام. وائتد: تأن وتمهل.
وقوله: وإذا لقيت القوم، هو من اللقاء في الحرب، قال الضبي: يقوم: حتى يتقوك ويتحاموك، كما قال عنترة:
لا تذكري مهري وما أطعمته
…
فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
أي: أحرّمك على نفسي فلا أقربك، وأتحاماك كما يتحامى الأجرب المهمل المتروك، حذرًا أن يعدي غيره، ولا شيء أغلظ عند العرب من الجرب لأنه يعدي.
وقوله: واستغن ما أغناك ربك
…
البيت، ما: مصدرية ظرفية، وبالغنى: يحتمل أن يتنازعه الفعلان، ويحتمل تعليقه بالأول فقط. والخصاصة: الفقر والحاجة،
وتجمل: إما بالجيم، أي: أظهر الجمال وعدم الحاجة، أو: كل الجميل، وهو الشحم المذاب تعففًا؛ وإما بالحاء المهملة، أي: تكلف حمل هذه المشقة، قاله الدماميني، واستأن: من الأناة، والهوى: هوى النفس والمطلوب.
وقوله: وإذا بقيت الباهشين
…
البيت، قال الضبي: الباهش: الفرح، يقول: الذين يأتونك يلتمسون نائلك، وقيل: إن الباهش المتناول، يقال: بهش يبهش؛ إذا تناول، والقاع: الموضع الصلب الحر الطين، الواسع يمسك الماء، والممحل: المجدب، والندى: الإحسان، وغبرة الكف: كناية عن خلّوها من مال، وليس عليها غير الغبار.
وقوله: فأعنهم وايسر بما يسروا به، قال الضبي: أسرع إلى إجابتهم، والضنك: الضيق، أي: آسهم في ضيقهم. وقوله: وايسر بما يسروا به مثل:
لو ييسرون بخيل قد يسرت بها
…
وكلُّ ما يسر الأقوام مغروم
يقول: لو ضربت العرب بالقداح على الخيل، لفعلت بفرسي ذلك. وروي "فابشر بما بشروا به" من البشارة.
وقد وقع البيت الشاهد مع بعض أبيات هذه القصيدة في شعر للحارثة بن بدر الغداني، أورده الشريف السيد الأجل المرتضى، علم الهدى، ذي المجدين، أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي، تغمدهم الله برحمته في كتابه "غرر الفرائد ودرر القلائد" المشهور "بأمالي الشريف المرتضى" قال: ومن مستحسن قول حارثة:
ولقد وليت إمارة فرجعتها
…
في المال سالمة ولم أتموَّل
ولقد منعت النُّصح من متقبِّل
…
ولقد رفدت النصح من لم يقبل
فبأيَّ لمسة لامس لم ألتمس
…
وبأيِّ حيلة حائل لم أحتل
يا طالب الحاجات يرجو نجحها
…
ليس النجاح مع الأخفِّ الأعجل
فاصدق إذا حدَّثت تكتب صادقًا
…
وإذا حلفت مماريًا فتحلَّل
معنى تكتب صادقًا، أي: تكون عند الله صادقًا، وقوله فتحلل: أي: استثن.
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى
…
غبرًا أكفُّهم بريث فاعجل
معنى الباهشين: المادين أيديهم إلى الشيء المبتهشين له.
واحذر مكان السَّوء لا تنزل به
…
وإذا نبا بك منزل فتحوَّل
وإذا ابن عمِّك لجَّ بعض لحاجة
…
فانظر به عدة ولا تستعجل
وإذا افتقرت فلا تكن متخشِّعًا
…
ترجو الفواضل عند غير المفضل
استغن ما أغناك ربُّك بالغنى
…
وإذا تكون خصاصة فتجمَّل
انتهى. وعلى هذه الرواية لا شاهد في البيت.
وعبد قيس بن خفاف – بضم الخاء المعجمة وخفة الفاء – هو من بني عمرو ابن حنظلة من البراجم، وهم خمسة من أولاد حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم، وهو شاعر جاهلي، معاصر لحاتم الطائي، جاء إليه في دماء تحملها عن قومه فعجز عنها، فأعطاه حاتم أكثر من ثلاثمائة بعير، وقال السيوطي: عبد قيس أدرك الإسلام.
والحارثة بن بدر الغداني، نسبة إلى غدانة، بضم الغين المعجمة: أبو قبيلة من تميم، وهو من فرسان بني تميم وساداتها وأجوادها، أورده ابن حجر في قسم المخضرمين من "الإصابة" قال الأصبهاني في "الأغاني" أحسبه أدرك
النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، في حال الصبا، وهو من لدات الأحنف بن قيس، وليس بمعدود في الفحول، ولكن كان يعارض نظراءه في الشعر، وكان من الدهاة العقلاء، وكان زياد بن أبيه يأنس به ويكرمه، ويقبل رأيه، ويحتمله على ما يعلم منه من تناول للشراب، ومعاقرته لها.
قال السيد المرتضى: ولحارثة بن بدر يخاطب عبيد الله بن زياد لما تغير عليه بعد اختصاصه كان بأبيه:
أهان وأقصى ثمَّ تنتصحونني
…
وأيُّ امرئ يعطي نصيحته قسرا
رأيت أكفَّ المصلتين عليكم
…
ملاءً وكفِّي من عطائكم صفرا
وإنِّي مع السَّاعي إليكم بسيفه
…
إذا أحدث الأعداء في عظمكم كسرا
متى تسألوني ما عليَّ وتمنعوا الَّذي لي لم أسطع على ذلكم صبرا
فولاه "رام هرمز""وسرّق" فلما شيعه الناس، قال أنس بن أبي أنيس، وقيل: ابن أناس الديملي:
أحار بن بدر قد وليت ولايةً
…
فكن جرذًا فيها تخون وتسرق
فإنَّ جميع الناس إمّا مكذِّب
…
يقول بما يهوى وإمَّا مصدِّق
يقولون أقوالًا ولا يعلمونها
…
فإن قيل هاتوا حقِّقوا لم يحقِّقوا
وهذه الأبيات تروى لأبي الأسود الدؤلي، وأنه كتب بها إلى حارثة لما ردت