الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"المجمل في اللغة" وعليها خطة وخطوط العلماء قراءة وإجازة .. والأنعمان: موضع، وحدوج: جمع حدج بالكسر، وهو مركب من مراكب النساء.
وترجمة أبي ذؤيب تقلعت في الإنشاد الخامس من أول الكتاب.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والأربعون بعد المائة:
(147)
فلثمت فاها آخذاً بقرونها
…
شرب النزيف ببردماء الحشرج
لما تقدم قبله، وقيل: الباء زائدة، وأنشده الجوهري في "لثم" الجميل. قال: واللثم أيضاً القبلة، وقد لثمت فاها، بالكسر: إذا قبلتها، وربما جاء بالتفح قال ابن كيسان: سمعت المبرد ينشد قول جميل:
فلثمت فاها آخذًا بقرونها .. البيت
بالفتح. وأنشده في الحشرج أيضاً لعمر ابن أبي ربيعة، قال: الحشرج: الحسي يكون في حصي، قال عمر ابن أبي ربيعة: فلثمت فاها .. البيت. وكتب ابن بري في أماليه على "الصحاح" على هذا الموضع قال: وذكر في فصل "حشرج" بيتًا شاهدًا على الحشرج للحسي، ونسب البيت لعمر ابن أبي ربيعة، وهو:
فلثمت فاها .. قال الشيخ: البيت لجميل بن معمر، وليس لعمر. والنزيف: المحموم الذي منع من الماء، ولثمت فاها: قبلته، ونصب شرب على المصدر المشبه به، لأنه لما قبلها امتص ريقها، فكأنه قال: شربت ريقها كشرب النزيف للماء البارد، وقبله:
قالت وعيشِ أبي وحرمة إخوتي
…
لأنبِّهَّن الحي إن لم تخرجِ
فخرجتُ خيفةَ قولها فتبسَّمَت
…
فعلمت أن يمينها لم تحرجِ
انتهي. وأورد المبرد في "الكامل" البيت الشاهد مع أبيات آخر غفلاً، أي: غير منسوبة لأحد، قال: وأنشدني أبو العالية:
ما زلت أبغي الحي أتبع ظلَّهم
…
حتى دُفِعتُ إلى ربيبة هودجِ
قالت وعيشِ أبي وأكبر إخوتي
…
لأنبئن الحي إن لم تخرجِ
فخرجت خيفة قولها فتبسمت
…
فعلمت أن يمينها لم تحرجِ
فلثمت فاها .. البيت. وزاد فيها الجاحظ عمرو بن بحر:
وتَناوَلَت رِأسي لتعرف مسه
…
بمخضبِ الأطراف غير مشنجِ
تقول العرب: هودج، وبنو سعد بن زيد مناة ومن وليهم يقولون: فودج.
وقوله: فعلمت أن يمينها لم تحرج، يقول: لم تضق عليها، يقال: حرج يحرج – أي: من باب فرح – إذا دخل في مضيق، والحرجة: الشجر الملتف المتضانق ما بينه، قال الله تعالي:(فلا يكن في صدرك حرج منه)[الأعراف /2] وقوله: ببرد ماء الحشرج، فهو الماء الجاري على الحجارة، انتهي كلام المبرد.
وكتب الحافظ مغلطاي في هامشه عند الأبيات: هذا الشعر لجميل بن معمر،
أوردها أبو طاهر في "الكتاب المسلسل" وابن بري في "الإفصاح" وأنكر على الجوهري كونه عزاء لعمر، وأنشدها التوزي في "شرح شعر أبي نخيلة" لابن أبي ربيعة، وكذا أنشدها أبو الفرج الأصبهاني في "الأغاني" لابن أبي ربيعة، وأنشدها الجاحظ في كتاب "الحيوان" لعبيد بن أوس الطائي في أخت عدي.
انتهي. ورأيت الأبيات في ديوان جميل بن معمر هكذا:
فدونوت محتقيًا أضرّ ببينها
…
حتى ولجت بها خَفِي المولجِ
فتناولَت رأسِي لتعرفَ مسَّه
…
بمخضَّب الأطراف غير مُشّنج
قالت وعيش أخي ونعمة والدي
…
لأنبَّهِّن الحيَّ إن لم تخرجُ
فخرجت خيفة أهلها فتبسمَّمت
…
فعرفت أنَّ يمينها لم تلحجِ
فلثمتُ فاها قابضاً بقرونها
…
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
ومحتقيًا: من الحقو بالفتح، وهو الإزاز، محتقيًا: مؤتزرًا. قال الأزهري في "التهذيب": الحقو الإزاز والخاصرة، وغير مشنج، أي: ناعمة طرية، وقوله: لم تلحج، بفتح الحاء المهملة، وتكسر في الماضي، قال الأزهري: لحج الشيء: إذا ضاق، والقرون: جمع قرن بالفتح، وهو الضفيرة من شعر الرأس، وقال الأزهري: يقال للرجل الذي عطش حتى جفت عروقه ولسانه: نزيف ومنزوف، ومنه قوله: شرب النزيف ببرد ماء الحشرج، قال أبو عمرو: النزيف: السكران، والنزيف: المحموم، وقال أبو العباس: الحشرج: النقرة في الجيل يجتمع فيها الماء فيصفو، انتهي. وقوله: ببرد ماء الحشرج، أي: بماء الحشرج البارد، فهو من قبيل إضافة إلى الموصوف، قال الأزهري:
الحشرج: الماء العذب من ماء الحسي، قلت: الحشرج الماء الذي تحت الأرض، لا يفطن له في أباطح الأرض، فإذا حفر عنه وجه الأرض قدر ذراعين جاش بالماء الرواء، وتسميها العرب الأحساء، ومنه قوله: فلثمت فاها آخذًا بقرونها .. البيت، وقيل: هو الحسي الحصب، وروي أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: الحشرج: النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو، قال: وقال المبرد: الحشرج في هذا البيت: الكوز الرقيق الحاري، والنزيف: السكران، ويكون المحموم، انتهي كلامه. وهذا خلاف ما نقلناه من "كامل المبرد" والحاريّ، بالحاء المهملة وتشديد الياء: نسبة إلى الحيرة بالكسر، وهي بلد قرب الكوفة، وقال صاحب "الأغاني" بسند له إلى أبي بكر القرشي أنه قال: كان عمر جالسًا بمني على فناء مضربه، وغلمانه حوله، إذا أقبلت امرأة عليها أثر النعمة، فسلمت فرد السلام عليها، فقالت له: أنت ابن أبي ربيعة؟ قال: نعم، قالت: هل لك في محادثة أحسن الناس وجهًا، وأتمهن خلقًا، وأكملهن أدبًا، وأشرفهن حسبًا؟ قال: ما أحبّ إليّ ذلك! قالت: على شرط أن تمكنني أن أربط عينيك وأقودك، حتى إذا توسطتُ المحل الذي أريد حللت عنك، ثم أفعل ذلك عند إخراجك، قال: شأنك، ففعلت، فلما كشفت عن وجهي، فإذا أنا بامرأة على كرسي لم أر مثلها جمالاً، فسلمت وجلست، فقالت: أنت عمر ابن أبي ربيعة؟ قلت: نعم، قالت: أنت الفاضح للحرائر؟ قلت: وما ذاك، جعلني الله فداك؟ ! قالت: بقولك:
قَلت وعيشِ أخي وحرمةِ والدي
…
إلى آخر الأبيات الأربعة
قم فاخرج، فقامت المرأة، فشدت على عيني ثم أخرجتي حتى انته إلى مضربي وتركتني وانصرفت، ودخلني من الكآبة والحزن ما الله عالم به، وبت ليلتي، فلما أصبح إذا أنا بها، فقالت: هل لك في العود؟ قلت: شأنك،
ففعلت مثل ما فعلت بالأمس حتى انتهت بي إلى ذلك الموضع، وإذا بتلك الفتاة على الكرسي، فقالت: إيه يا فضاح الحرائر، قلت: بماذا جعلني الله فداك؟ قالت: بقولك:
وناهدةِ الثَّديينِ قلت لها أتّكِى
…
على الَّرملِ من جنباته لم توسَّد
فقالت على أسمِ الله أمرك طاعةُ
…
وإن كنتُ قد كُلِّفت ما لم أعوَّدِ
فلمَّا دَنا الإصباحُ قالت فضحتَنِني
…
فقم غير مطرود وإن شئت فازددِ
فبتنا دُوَين الحيِّ يضر بنا الهوي
…
نَلَذُّ كما شئنا وإن لم نُجَرَّدِ
وقامت كمثل الغصن يهتز رِدفها
…
وتَلقطُ شيئًا من جُمانٍ مُبَدَّدِ
قَدِ أزددتُ منها وأتَّشَحتُ بمرطهَا
…
وأشفيتُ نفسي من رضاب مُبرَّدِ
قم فاخرج عنا، فخرجت، ثم رددت فقالت: لولا خوف الرحيل، ومحبتي لمناجاتك والاستكثار من محادثتك لأقصيتك، هات الآن فحدثني وأنشدني، فكلمت أدب الناس وأعلمهم بكل شيء، ثم نهضت وأبطأت العجوز، وخلا البيت، فإذا أنا بتور فيه خلق، فأخذته وخبأته في ردني، ثم جاءت العجوز فشدت علي عيني، وجعلت تقودين حتى إذا صرت على باب المضرب، أخرجتُ يدي فضربت بها على باب المضرب ثم صرت على مضر بي فدعوت غلماني وقلت: أيكم يقف لي على باب مضرب عليه خلوق كأنه أثر كف فهو حر، وله خمسمائة درهم، فلم ألبث أن جاءني بعضهم فقال: قم، فنهضت معه، فإذا أنا بالكف طرية، وإذا المضرب مضرب فاطمة بنت بن الملك بن مروان، فأخذت في أهبة السفر، فلما نفرت
نفرت معها، فبصرت في طريقها بقباب ومضرب وهيئة جميلة، فسألت عن ذلك فقيل لها: عمر، فساءها ذلك، وقالت للعجوز: قولي له: ناشدتك الله والرحم أن تفضحني، ويحك! ما شأنك؟ ، وما تريد؟ انصرف ولا تفضحني ونشيط بدمكّ! فقلت: ما أنا بمنصرف، أو توجّهَ إلى بقميصها الذي على جدلك، ففعلت فزادني بها سغفاً، ولم أزل أتبعهم ولا أخالطهم حتى [إذا] صاروا على أميال من دمشق، انصرف عمر وقال:
ضاق الغداة بحاجتي صدري ويئستُ بعدَ تقرب الأمرِ
وذكَرتُ فاطمة التي عُلِّقتَها
…
عرضاً فيا لحوادث الدَّهر
هي أبيات تزيد على عشرة هذا ما أورده الأصبهاني، وقد روي الجاحظ هذه الحكاية، وفيها مخالفة لما تقدم في عدة أحببت إيرادها هنا، وإن كان فيها طول؛ قال في كتاب "المحاسن والأضداد" عن الكلبي: وقال عمر أبن أبي ربيعة: بينا أنا خارج محرم إذا أتتني جارية كأنها دمية في صفاء اللجين، في ثوبي قصب كقضيب على كئيب، فسلمت على وقالت: عمر ابن أبي ربيعة فتي قريش وشاعرها؟ قلت: أنا والله ذاك، قالت: فهل لك أن أريك أحسن الناس وجهاً؟ قلت: ومن لي بذلك؟ قالت: أنا والله لك بذلك، على شريطة، قلت: وما هي؟ قالت: أعصِّبك وأربط عينيك، وأقودك ليلاً، قلت: لك ذلك، قال: فاستخرجت معجرًا من قصب عجرتني به، وقادتني حتى أتت بي مضربًا، فلما توسطته فتحت العصابة من عيني، فإذا أنات بمضرب ديباج أبيض مدثر
بحمرة، مفروض بوشي كوفي، وفي المضرب ستارة مضروبة من الديباح الأحمر عليها تماثيل ذهب، ومن ورائها وجه لم أحسب أن الشمس وقعتعلى مثله حسناً وجمالاً، فقامت كالخجلة، وقعدت قبالتي وسلمت علي، فخيل لي أن الشمس تطلع من جبينها، وتغرب في شقائق خدها، قالت: أنت عمر ابن ابي ربيعة، فتي قريش وشاعرها؟ قلت: أنا ذلك، قالت: أنت القائل:
بينمَا يَبغينني أبصرنني
…
دون قيد الميل يعدو بي اأغر
قالت الكبريَ: أما تعرفن ذا
…
قالت الوسطي بلي هذا عمر
قالت الصغري وقد تّيمتُها
…
قد عرفناهُ وهل يخفَي القَمَر
قلت: أنا والله قائلها يا سيدتي، قالت: ومن هؤلاء؟ قلت: يا سيدتي، والله ما هو عن قصد مني ولا في جارية بعينها، ولكني رجل شاعر أحب الغزل وأقول من النساء، قالت: يا عدو الله، يا فاضح الحرائر، قد فشما شعرك بالحجاز، وأنشده الخليفة والأمراء، ولم يكن في جارية بعينها؟ ! يا جواري أخرجنه، فخرجن إلى الوصائف فأخرجنني، ودفعنني إلى الجارية، فعجرتني وقادتني إلى مضربي فبت بليلة كانت أطول من سنة، فلما أصبحت بقيت بها هائمًا لا أعقل ما أصنع، فما زلت أرقب الوقت، فلما حان وقت المساء جاءتني الجارية، فسلمت علي وقالت: يا عمر، هل رأيت ذلك الوجه؟ قلت: أي واله، قالت: أفتحب أن أريكة ثانية؟ قلت: إذا تكرمت تكونين أعظم الناس منه علي، فقالت: على الشريطة، فاستخرجت المعجر فعجرتني، وقادتني، فلما توسطت المضرب فتحت العصابة عن وجهي، فإذا أنا بمضرب ديباج أحمر مدنر ببياض مفروش بأرمني، فقعدت على نمرقة من تلك النمارق، فإذا أنا بالشمس الضاحية، قد أقبلت من وراء الستر تتمايل من غير سكر، فقعدت كالخجلة، فسألتني وسلمت علي
فقالت: أنت عمر أبن أبي ربعية فتي قريش وشاعرها؟ قلت: أنا ذلك، قالت أنت القائل:
وناهدة الثَّديين قلت لها أتَّكي
…
على الرَّمل في ديمومةٍ لم تُوسَّدِ
فقالت على اسم اللهِ
…
البيت
فما زلتُ في ليلٍ طويل ملثمًا
…
لَذيذَ رُضابِ المسك كالُمتشِّهدِ
فلما دتا الإصباح .. البيت
فما ازددت منها واتَّشحتُ بمرطها
…
وقلت لعينيَّ اسفحا الدمع من غدِ
فقامت تُعّفِّي بالرِّداءِ مكانها
…
وتطلبُ شذراً من جمانِ مُبددَّ
قلت: أنا قائلها، قالت: فمن الناهدة الثديين؟ قلت: يا سيدتي، قد سبق في الليلة الأولى، والله ما هو مني قصد ولا في جارية بعينها، قالت: يا عدو الله! أنت قد فشا شعرك، ورواه الخليفة، وتزعم أنه لم يكن في جارية بعينها! يا جواري ادفعنه، فأخرجنني ودفعنني إلى الجارية، فعجرتني وقادتني إلى مضربي، فبت في ليلة كانت أطول من الليلة الأولى، فلما أصبحت أمرت بخلوق فضرب لي، وبقيت أرقب الوقت هائمًا، فلما كان في وقت المساء جاءتني الجارية، فسلمت على وقالت: يا عمر، هل رأيت ذلك الوجه؟ قلت: أي والله، قالت: أفتحب أن أريكة الثالثة؟ قلت: إذن تكونين أعظم الناس منه علي، قالت: على الشريطة، قلت: نعم، فاستخرجت المعجر وعجرتني به، وقادتني حتى أتت بي إلى المضرب، فلما توسطته، فتحت العصابة عن عيني، فإذا أنا بمضرب ديباج أخضر مدنر بحمرة مفروش بخز أحمر، وإذا أنا بالشمس الضاحية قد أقبلت من وراء الستر كحور الجنان،
فسلمت علي وقالت: أنت عمر فتي قريش وشاعرها؟ قلت: أنا ذاك، قالت: أنت القائل:
نعبَ الغُرابُ يبين ذات الدملجِ
…
ليتَ الغُرابَ ببينها لم يَشحجِ
ما زلت أتبعُهُم وأتبعُ عيسهمُ
…
حتى دفعتُ إلى ربيبة هودج
قالت وعيش أخي وحمرة والدي .. إلى آخر الأبيات التي تقدمت
قلت: أنا قائلها، قالت: يا عدو الله! يا جواري أخرجنه، فوثبت إلى الوصائف، فأخرجنني ودفعنني إلى الجارية فعجرتني وقادتني إلى مضربي، وقد كنت عند خروجي ودفعنني إلى الجارية فعجرتني وقادتني إلى مضربي، وقد كنت عند خروجي من مضربي ضربت يدي بالخلوق، وأسدلت عليها ردائي، فلما صرت إلى باب مضربها أخرجت يدي ووضعتها على جانب المضرب وضعًا بينًا، فلما أصبحت صحت بغلماني وعبيدي، ولي ألف عبد: من أتاني بخبر المضرب الذي ضرب فيه بكذا وكذا فهو حر لوجه الله تعالي، فلما كان في وقت الماء أتتني وليدة سوداء فقالت: قد عرفت المضرب، وهو لرملة أخت عبد الملك بن مروان، فأعتقتها وأمرت لها بمائتي دينار، وأمرت بمضربي يقلع ثم يضرب بحذاء مضربها، وكتب بالخبر إلى عبد الملك، فكتب إليها بالرحيل، فركبت هودجها، وركبت وكتب بالخبر إلى عبد الملك، فكتب إليها بالرحيل، فركبت هودجها، وركبت فرسي فزاحمتها على بعض الطريق، وأشرفت علي من هودجها فقالت: إليك عني أيها الرجل، قلت: خاتم أو قميص أذكرك به، فقالت لبعض جواريها: ألقي إليه قميصاً من قمصي، فأخذته وأنا أقول:
فلا وأبيكِ مَا صَوتَ الغواني
…
ولاشرب التي هي كالفصوص
اردتُ برحلتي وأريدُ حَظّاً
…
ولا أكل الدَّجاج ولا الخبيصِ
قميص ما يفارقني حياتي .. أنيسي في المقام وفي الشخوص
وجعلت أنزل بنزولها وأركب بركوبها، حتى كنا من الشام على ثلاث وجعلت أنزل بنزولها وأركب بركوبها، حتى كنا من الشام على ثلاث مراحل، فاستقبلنا عبد الملك مع خاصته، فدخل إليها ثم قال لها: يا رمله، ألم أنهك أن لا تطوفي إلا ليلاً يحفك الجواري، ويحف الجواري الخدم، ويحف الخدم الوكلاء، لئلا يراك عمر أبن أبي ربيعة! قالت: والله، وحياة أمير المؤمنين ما رآني ساعة واحدة قط، فخرج من عندها، فبصر بمضربي [ف] قال: لمن هذا المضرب؟ قيل: لعمر أبن أبي ربيعة، قال: علي به، فأتيته بلا رداء ولا حذاء، فدخلت عليه وسلمت عليه فقال: يا عمر، ما حملك على الخروج من الحاجز من غير إذني؟ قلت: سوقًا إليك يا أمير المؤمنين، وصبابة إلى رؤيتك، فأطرق مليًا ينكث في الأرض بيده، ثم رفع رأسه فقال: يا عمر هل لك في واحدة؟ قلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رملة أزوجكها، قلت يا أمير المؤمنين، وإن هذا لكائن؟ ! قال: إي ورب السماء، ثم قال: قد زوجتكما، فادخل عليها من غير أن تعلم، فدخلت عليها فقالت: من أنت هبلتك أمك؟ قلت:
يا سيدتي أنا المعذب في الثلاث، فارتحلت وأنا عديلها، ثم أنشأت أقول:
لعمري لقد نلتُ الذي كنتُ أرتجي
…
وأصبحتُ لا أخفي الذي كنت أُحذرُ
فليس كمثلي اليوم كسري وهرمز
…
ولا الملكُ النعمان مثلي وقيصر
فلم أزل معها بأحسن عيش وغبطة. هذا آخر ما حكاه الجاحظ
وترجمة عمر تقدمت في الإنشاد السادس من أول الكتاب.