الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: صاحب الماشية، يقال: أمشى الرجل، يقول: سواء سيركم إن سرتم، وإن أقمتم، فأنتم في جدب. وروى الدينوري:"وقال رائدهم سيان سيركم".
وقوله: وكان مثلين .. إلخ، هذا على القياس، قال السكري: أراد أن لا يسرحوا أو تسريح، سواء، ومعنى أن لا يسرحوا: أن لا يراعوا، واسترادت مواشيهم، أي: ترود وتطلب المرعى، أي: فهو جدب رعوا أم لم يرعوا. وقوله: واعصوصبت بكرًا
…
إلخ، قال الدينوري: اعصوصبت: اجتمعت من البرد يتقي بعضها ببعض. والبكر بفتحتين: جمع بكرة، وهي الناقة الشابة، والحرجف بتقديم المهملة المفتوحة على الجيم: الريح الباردة اليابسة، والرذيلة: الهزيلة الساقطة، وكذلك المرازيح، وهي التي رزحت فلا حركة لها، ولم يقل السكري في هذا البيت شيئًا. وقوله: ألات الذرى، قال السكري: هي ذوات الأسنمة. فعاصبة، أي: قد عصبت واستدارت لا تبرح، والأقاديح: جمع قداح، أي: تجول القداح بين مناقبها، وهو أن يضرب عليها بالقداح. يقول: يختار منقياتها، أي: سمانها للعقر. وقوله: لا يكرمون
…
إلخ، قال السكري: يقول: ينحرون كريمات المخاض - وهي الحوامل - فهي أنفس عندهم إذا نحروها، وعقائلها: كرائمها، أي: أنساهم الجوع، والترزيح: وهي الرازح: التي قد قامت من الهزال وسقطت. انتهى. وترجمة أبي ذؤيب تقدمت في الإنشاد الخامس.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التسعون:
(90)
إنَّ بها أكتل أو رزاما
…
خويربين ينقفان الهاما
على أن الكوفيين ومن تبعهم قالوا: "أو" فيه بمعنى "الواو"، لأن الشاعر أراد: أكتل ورزامًا، فلذلك قال: خويربين، ونصبه على الحال منهما، ولو كانت على بابها، لقال: خويربًا ونصبه على الحال من أحدهما.
وأجاب الخليل على أن "أو" على بابها لأحد الشيئين، "وخويربين" منصوب على الذم لا على الحال من أكتل ورزام، وهذا نص سيبويه: وسألت الخليل، رحمه الله تعالى، عن قوله، وهو لرجل من بني أسد:
إنَّ بها أكتل أو رزاما
فزعم أن خويربين انتصبا على الشتم، ولو كان على "إن" لقال: خويربًا، ولكنه انتصب على الشتم، كما انتصب (حمّالة الحطب) انتهى كلامه.
قال أبو جعفر النحاس في شرح شواهده: يعني أنك إذا قلت: إن زيدًا منطلق أو عمرًا؛ فإنما أوجبت لواحد منهما، فلا يجوز أن تجمعهما في النعت ولا الحال، فقوله:"بها" خبر "إن" انتهى.
وقال الأعلم أيضًا: الشاهد في نصب "خويربين" على الذم، ولا يجوز أن يكون حالًا من "أكتل" ورزام، لأن الخبر عن أحدهما لاعتراض "أو" بينهما، ولو كان حالًا لأفرده، كما تقول: إن في الدار زيدًا أو عمرًا جالسًا، لأنك توجب الجلوس لأحدهما، فلما لم يمكن فيه الحال لما بينا؛ نصب على الذم. انتهى. ولا يتصور أن يكون خويربين نعتًا لهما، لتخالفهما بالتعريف والتنكير، فقول المصنف: لا نعت تابع، سهو قلم.
وأورد المبرد هذين البيتين في "الكامل" وقال: نصب خويربين على
أعني، لا يكون غير ذلك؛ لأنه إنما أثبت أحدهما بقوله:"أو" انتهى.
وأنشد السيرافي الشعر كذا:
ائت الطريق واجتنب أرماما
…
إنَّ بها أكتل أو رزاما
لم يدعا لسارح مقاما
…
خويربين ينقفان الهاما
أكتل ورزام: لصان كانا يقطعان الطريق بأرمام، ينقفان هام من مرَّ بهما. انتهى.
ورواه أبو القاسم علي بن حمزة البصري اللغوي في كتاب "التنبيهات على أغلاط الرواة" كتبه في أغلاط أبي عمرو الشيباني في "نوادره" كذا:
ائت الطريق واجتنب أرماما
…
إنَّ بها أكتل أو رزاما
خويربين ينقفان الهاما
…
لم يتركا لمسلم طعاما
ورواه ابن الشجري في "أماليه":
خلِّ الطّريق واجتنب أرماما
والباقي كرواية السيرافي، إلا أنه أخر البيت "لم يدعا" عن بيت "خويربين".
وقوله: ائت الطريق
…
إلخ، أي: اسلك أي طريق تريد، فإنه يأمن سالكه، واجتنب طريق أرمام، فإن بها قاطع طريق، ومن روى:"خل الطريق" فالمراد: طريق أرمام. "وأتى" يتعدى كما هنا، ويقال للطريق الذي يسلكه الناس كثيرًا مئتاء، على مفعال، ويأتي لازمًا كقولك: أتى زيد. وأرمام: بفتح الألف، وسكون الراء المهملة بعدها ميمان بينهما ألف، قال الحازمي في
كتاب "المؤتلف والمختلف في أسماء الأماكن": هو جبل في ديار باهلة. وقيل: واد يصب على الثلبوت من ديار بني أسد، وواد بين حاجر وفيد، وكذا قال ياقوت في "معجم البلدان" وزاد عليه: ويوم أرمام من أيام العرب. وأما أبو عبيد البكري فإنه قال في "معجم ما استعجم": أرمام، بكسر الهمزة وبيمين، كأنه مصدر أرم إرمامًا: موضع في ديار طي أو ما يليها، وأنشد له أبياتًا. والمناسب هنا أن يكون الوادي الذي يصب في الثلبوت، فإن قائل الشعر من بني أسد كما قال سيبويه.
وأكتل: أفعل، بفتح الألف وسكون الكاف وفتح المثناة الفوقية بعدها لام، ورزام: بكسر الراء المهملة بعدها زاي معجمة؛ وهما لصان، ولم يصب الليث في قوله: الأكتل من أسماء الشديدة من شدائد الدهر، واشتقاقه من الكتال، وهو سوء العيش وضيقه، وأنشد:
إنَّ بها أكتل أو رزاما
…
خويربان ينقفان الهاما
قال: ورزام: اسم للشديدة. قال الأزهري في "التهذيب" بعدما نقلنا: قلت: خلط الليث في تفسير "أكتل ورزام" معًا، وليسا من أسماء الشدائد، إنما هما اسما لصين من لصوص البادية، ألا تراه يقول: هما خويربان، يقال: لص خارب، ويصغر فيقال: خويرب. وروى سلمة عن الفراء أنه أنشده:
إنَّ بها أكتل أو رزاما
…
خويربان ينققان الهاما
قال الفراء: "أو" هنا بمعنى واو العطف، أراد: إن بها أكتل ورزاما، وهما خاربان. انتهى. وتصغير خويرب للتعظيم، والخارب: بالخاء المعجمة والراء المهملة، قال الأعلم: والخارب: اللص، ويقال: هو سارق الإبل خاصة، والصحيح أن كل لص خارب، لقوله بعد هذا:
لم يتركا لمسلم طعاما
ولقول آخر:
والخارب اللِّص يحبُّ الخاربا
فجعله شائعًا لكل لص. ومعنى ينقفان الهام: يستخرجان دماغها، وهذا مثل ضربه لعلمهما بالسرقة، واستخراجهما لأخفى الأشياء وأبعدها قرارًا. انتهى كلامه. وتبع في تفسير الخارب أنه مطلق اللص أبا جعفر النحاس، ويأتي تفسير علي بن حمزة البصري للخرابة، وجواب ما استدلا به. وفي "الصحاح": والخارب: اللص، قال الأصمعي: هو سارق البعران خاصة، والجمع الخراب، يقول منه: خرب فلان إبل فلان يخرب خرابة، مثل: كتب كتابة. انتهى.
وفي "كامل" المبرد: وكان أبو الهندي، وهو عبد المؤمن بن عبد القدوس ابن شبث بن ربعي الرياحي من بني رياح بن يربوع، قد غلب عليه الشراب على كرم منصبه وشرف أسرته حتى كاد يبطله. وكان عجيب الجواب، فجلس إليه رجل مرة يعرف ببرزين المناقير، وكان أبوه صلب في خرابة – والخرابة عندهم: سرق الإبل خاصة – فأقبل يعرض لأبي الهندي بالشراب، فلما أكثر عليه قال أبو الهندي: أحدهم يرى القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع في است أبيه!
وفي الخرابة يقول الراجز:
والخارب اللِّص يحبُّ الخاربا
…
وتلك قربى مثل أن تناسبا
أن تشبه الضَّرائب الضَّرائبا
وقال آخر:
ائت الطَّريق واجتنب أرماما
…
إنَّ بها أكتل أو رزاما
خويربين ينقفان الهاما
ومرَّ نصر بن سيار الليثي بأبي الهندي وهو يميل سكرًا، فقال: أفسدت شرفك يا أبا الهندي! فقال: لو لم أفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان! انتهى.
وقال العسكري في كتاب "التصحيف" وسمعت ابن دريد يقول: الخرابة سرقة الإبل خاصة، وقد استعير لغير الإبل قال الشاعر:
ألا قتلت مذحج ربَّها
…
وكانت خرابتها في مراد
وصحفه الأصمعي، فقال:"خزايتها" بالزاي والياء المثناة التحتية. انتهى. وقال الأزهري في "التهذيب": قال الليث: والخارب اللص، يقال: ما رأينا من فلان خربة وخربًا مذ جاورنا، أي: فسادًا في دينه أو تثينًا، قال: ويقال: الخارب من شدائد الدهر، وأنشد:
إنَّ بها أكتل أو رزاما
…
خويربان ينقفان الهام
قال: الأكتل والكتال: هما شدة العيش، والرزام: الهزال. قلت: أكتل ورزام بكسر الراء: اسما رجلين كانا خاربين لصين، وقوله: خويربان، أراد: هما خاربان فصغرهما، وهما أكتل ورزام. والذي قاله الليث في تفسير الخارب، وأكتل، ورزام كلا شيء، وفسر ابن الأعرابي وغيره هذا الرجز على ما بينه. انتهى. والليث يظن رزامًا بضم الراء.
وقد أطنب أبو القاسم علي بن حمزة البصري، وحرر الكلام على الخرابة، فلا بأس بنقل كلامه، قال: وقال أبو عمرو الشيباني: اللص يقال له الخارب، وأنشد:
ولا خارب إن فاته زاد صاحب
…
يعضُّ على إبهامه يتفكَّن
أي: يتندم، قال أبو القاسم: هذا غلط، الخارب الذي يسرق الإبل خاصة، قال أبو زياد: الخارب: الذي يسرق الإبل، ولا نسميه لصًا، هو عندنا أجل من اللص، وقال أبو العباس ثعلب، في قول العجاج:
خرابةً ولم تكن مهورًا
الخرابة: سرقة الإبل خاصة؛ وكذلك قال أبو نصر في قول ذي الرمة:
فجاءت كذود الخاربين يسلُّها
وقال أبو زياد أيضًا: الخارب: الذي يأخذ النعم من الشام، فيستاقها، ثم يبيعها باليمن، ويأخذها من اليمن، فيبيعها بالشام، وهو الطراد، لا ندعوه لصًا، هو أرفع عندنا من اللص، واللص عندنا: السارق الذي يسرق من البيت، والطريق، ومتاع الناس.
وهذا الذي قاله أبو زياد غير صحيح، لأن أبا رياش قال: الخارب: الذي يسرق الإبل، واللص لا يقال له خارب، وهذا هو القول الصحيح لا قول أبي عمرو، وأبي زياد، لأن الراجز يقول:
والخارب اللصُّ يحبُّ الخاربا
…
وتلك قربى مثل أن تناسبا
أن تشبه الضرائب الضرائبا
فأما قول الآخر:
ائت الطريق واجتنب أرماما
…
إنّ بها أكتل أو رزاما
خويربين ينقفان الهاما
…
لم يتركا لمسلم طعاما
فإنما وصفهما مع سرقتهما الإبل بالنهم، لأنهما يسرقان طعام الناس، والعرب تعد أكل مخ الرأس من النهم، ولذلك يقول شاعرهم:
ولا يسرق الكلب السَّروق نعالنا
…
ولا ينتقي المخَّ الَّذي في الجماجم
ومما يدلك على صحة قول شيخنا أبي رياش، وفساد قول الشيخين، رحمهم الله، قول قسام بن رواحة السنبسي:
لبئس نصيب القوم من أخويهم
…
طراد الحواشي واستراق الَّنواضح
وقول أبي محمد الحذلمي:
يمنعها من شرِّ خرَّاب وسل
…
وطائف الحوَّاض أو من مهتبل
مخافة البيض وأطراف الأسل
وقال ابن الأعرابي: السل: السرقة، يقال: في فلان سلة، أي: سرقة، ومن أمثالهم:"الخلة تورث السلة" قال: والخراب: الذين يسرقون الإبل خاصة انتهى. كلامه
وقد ذكره ياقوت في "معجم الأدباء" وأثنى عليه قال: علي بن حمزة البصري اللغوي أوحد الأئمة الأعلام في الأدب وأعيان أهل اللغة الفضلاء المعروفين.
له ردود على جماعة من أئمة اللغة، وله الرد على ابن ولاد في "المقصور والممدود" والرد على الجاحظ في "الحيوان"، والرد على "فصيح ثعلب" وعلى "الجمهرة" وعلى كتاب "النبات" للدينوري، وعلى ابن السكيت وغير ذلك، وعنده نزل المتنبي لما ورد بغداد، مات سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى. انتهى.
وله أيضًا الرد على "كامل" المبرد والرد، على كتاب "المجاز" لأبي عبيدة، والذي عندي له أغلاط أبي زياد الكلابي في "نوادره" وأغلاط أبي عمرو الشيباني في "نوادره" وأغلاط أبي حنيفة الدينوري في كتاب "النبات" وأغلاط "الغريب المصنف" لأبي عبيد، وأغلاط "إصلاح المنطق" وأرجو من الله تعالى أن يطلعني على بقية تصانيفه.
وينقفان، بضم القاف؛ لأنه من باب نصر، قال في "القاموس": النقف: كسر الهامة عن الدماغ، أو ضربها أشد الضرب برمح أو عصًا. انتهى.