الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: أنيخت
…
إلخ، مجهول أنختها، أي: أبركتها، والبلدة الأولى: الصدر، والثانية: الأرض، والضمير في أنيخت، وألقت، وبغامها؛ راجع إلى سفينة بر، المراد بها الناقة، والبغام - بضم الموحدة بعدها غبن معجمة - قال الجوهري: بغام الظبية صوتها، وكذلك بغام الناقة: صوت لا تفصح به، وقد بغمت تبغم بالكسر.
وقوله: يمانية
…
إلخ، أي: هذه الناقة منسوبة إلى اليمن. والوثب: النهوض بسرعة: والعجرفية: سرعة الحركة، في "القاموس": العجرفة: جفوة في الكلام، وخرق في العمل، والإقدام في هوج، ويكون الجمل عجرفي المشي، وفيه تعجرف، وعجرفة، وعجرفية: قلة مبالاة لسرعته. وإطلالها: خاصرتاها، مثنى إطل، بكسر الهمزة وسكون الطاء المهملة. وأودى: ذهب وتلف. يقول: هي في ضمرها هكذا شديدة، فكيف تكون قبل الضمر! وترجمة ذي الرمة تقدمت في الإنشاد الرابع والخمسين.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع بعد المائة:
(104)
لو كان غيري سليمي الدَّهر غيَّره
…
وقع الحوادث إّلا الصَّارم الذَّكر
على أن "إّلا الصارم الذكر" صفة لغيري، قال سيبويه: كأنه قال: لو كان غيري غير الصارم الذكر، لغيره وقع الحوادث، إذا جعلت غير الآخرة صفة للأولى، والمعنى: أراد أن يخبر أن الصارم الذكر لا يغيره شيء. انتهى. قال السيرافي: قائل هذا الشعر كأنه نابتة شدة فصبر لها، وثبت عندها، ولم تضعضعه، ولم تغيره، فقال: لو كان غيري في هذه الشدة لضعضعته،
وغيرته، إلا أن يكون غيري الذي يقع في هذه الشدة الصارم الذكر، فإنه مثلي لا تغيّره هذه الشدة. والشدة التي مثلتها هي "وقع الحوادث" الذي في البيت، وتقديره الذي يقر به من الفهم: لو كان غيري المخالف للصارم الذكر، لغيره وقع الحوادث. وضده: لو كان غيري المجانس للصارم الذكر لم يغيره وقع الحوادث، كما لم يغيرني. انتهى. وقال أبو علي في "المسائل المنثورة": إذا قلت: جاءني القوم إلا زيد، تجعل إلا وزيدًا صفة للقوم، وكان وحده أن يكون نصبًا، ولكنك لما حملت غيرًا على إلا فاستثنيت بها؛ جاز أن تجعل إلا صفة، فتشبهها بغير من حيث شبهت غيرًا بها، ولا يجوز أن تجعلها نعتًا إلا إذا كان في الكلام معنى الاستثناء، وأما قول الشاعر:
لو كان غيري سليمي اليوم غيَّره
…
البيت
فرفع إلا الصارم الذكر، لأنه صفة لغير، وكأنه أراد: لو كان غيري وغير الصارم الذكر، غيَّره وقع الحوادث، لأنه إذا قال: غيري، فكأنه أشار إلى أنه مثله، واختصها واختص الصارم الذكر، فجاز ذلك. انتهى. و"كان" يجوز أن تكون تامة، وغيري: فاعلها، والدهر: منصوب على الظرفية بـ"كان"، ويجوز أن تكون ناقصة، وخبرها محذوف، والدهر مفعوله، تقديره: يقاسي الدهر ويكابده. وجوز بعضهم أن يكون الدهر خبرها، قال: وصح الإخبار به عن الجثة، كما في: نحن في يوم طيب. وسليمي: منادى، وحرف النداء محذوف.
وجملة "غيره وقع الحوادث": جواب له. ونقل السيوطي عن الزمخشري: أنه قال في شرح أبيات الكتاب": إن جملة "غيره وقع" خبر كان. وهذا النقل لا يصح من مثل الزمخشري! وأجزم أنه من تحريف الناسخ.
ووقع الحوادث: سقوطها. والحوادث: جمع حادثة، وهي ما يحدث من مصائب الدهر ونوائبه. والصارم: السيف القاطع، والذكر: أنفس الحديد وأجوده، وهو الفولاذ الذي له ماء ورونق، والحديد الرديء يقال له: الأنيث.
وقال الزمخشري في معناه: إنه لو كان غيره من الأشياء في موضعه لغيرته الحوادث إلا السيف، فإنه لا يتغير، فأنا مثل السيف في أني لا أتغير. ويجوز أن يريد: لو كان غيري من الأشياء لتغيّر كتغيُّري إلا السيف، يريد أن كل شيء يتغير بمرور الأوقات عليه إلا السيف الصارم. انتهى.
والبيت من قصيدة للبيد بن ربيعة العامري الصحابي وقبله:
قالت غداة انتجينا عند جارتها
…
أنت الذي كنت لولا الشَّيب والكبر
فقلت ليس بياض الرأس عن كبر
…
لو تعلمين وعند العالم الخبر
وانتجينا بالجيم بمعنى: تساررنا، من النجوى، وقوله: أنت الذي كنت
…
إلخ، تريد: أنت كبرت وشبت؛ فأجابها: بأن الشيب ليس من كبر السن، وإنما هو من ترادف المصائب! وما أحسن قول بعضهم:
سألت من الأطَّبا ذات يوم
…
خبيرًا: ممَّ شيبي؟ قال: بلغم
فقلت له وما استحييت منه:
…
لقد أخطأت فيما قلت، بل غمّْ
و"لو" هنا، للتعليق في الماضي، وإن كان شرطها مضارعًا، إذ القصد إلى مجرد فرضه، والعلم هنا منزَّل منزلة القاصر، أي: لو كنت من أهل العلم والدراية. وجملة "وعند العالم الخبر" من إرسال المثل، ومن التذييل، وهو تعقيب الجملة بجملة مشتملة على معناها للتوكيد.