الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القتل، وحضر بين يدي المولى السعيد الخواجا نصر الدين الطوسي، وفوض إليه أمر خزائن الكتب ببغداد مع أخيه موفق الدين، ولم تطل أيامه، وتوفي رحمه الله تعالى في جمادى الآخرة من سنة ست وخمسين وستمائة، ومدة عمره سبعون سنة وستة أشهر. انتهى كلامه باختصار.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والثلاثون بعد المائة:
(133)
بدا لي أنِّي لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا
على إبطال قول من قال: إن ناصب إذا ما في جوابها من فعل وشبهه، لأن تقدير الجواب في البيت: إذا كان جائيًا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيئًا وقت مجيئه
…
إلى آخر ما ذكره، قال ابن وحيي: قال الفاضل الهندي في بحث الاستثناء من شرح "الحاجبية": مطابقة الواقع وعدمها ليست من وظائف النحو، ألا ترى أنه يجوز: لقيت العنقاء، والأرض فوقنا، وإن لم يطابق الواقع؟ وقد اعترف به المصنف حيث قال في حرف الميم: وإنما العرب محميون عن الخطأ في الألفاظ دون المعاني، فينبغي أن لا يلتفت إلى مثل هذه التدقيقات، مع أنه يمكن تصحيحه بالتأويل بالإرادة أو التقدير، مثل أن يقال: لا أسبق شيئًا وقت إرادة مجيئه أو تقدير مجيئه، أو قرب مجيئه، وهو مجاز شائع ويمكن أن يقال: إن النفي فيه راجع إلى القيد، فيؤول المعنى: لا أسبق شيئًا وقت مجيئه، بل أسبقه عند عدم مجيئه، ولا غبار فيه، ورجوع القيد إلى النفي أمر شائع لا تردد فيه. وقال الدماميني: لا مانع من أن يجعل السابق في البيت بمعنى الفائت، ويتجه فيه حينئذ مذهب الجمهور، إذ المعنى: إني لا أدرك الماضي، ولا أفوت المستقبل الجائي إلي، بل سيدركني، فهي شرطية، والتقدير
إذا كان شيئًا جائيًا إلي لا أفوته، وانتفاء الفوت حاصل في وقت المجيء، فاستقام، وكذا يستقيم جعلها معمولة لما قبلها على أنها غير شرطية، فتأمل. انتهى.
وقد استشهد سيبويه وغيره بهذا البيت على جر "سابق" بالعطف على مدرك، على توهم الباء فيه، فإنه يجوز زيادة الباء في خبر ليس، ويأتي إن شاء الله تعالى بيانه في الباب الرابع. والبيت من قصيدة لزهير بن أبي سلمى مطلعها:
ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى
…
من الأمر أو يبدو لهم ما بدا ليا
بدا لي أنَّ الناس تفنى نفوسهم
…
وأموالهم ولا أرى الدهَّر فانيا
وأنِّي متى أهبط من الأرض تلعةً
…
أجد أثرًا قبلي جديدًا وعافيا
أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوى .. فثمَّ إذا أصبحت أصبحت غاديا
إلى حفرة أهوي إليها ميقمة
…
يحثُّ إليها سائق من ورائيا
كأنِّي وقد خلَّفت تسعين حجَّة
…
خلعت بها عن منكبَّي ردائيا
بدا لي أنِّي عشت تسعين حجَّةً
…
تباعًا وعشرًا عشتها وثمانيا
بدا لي أنَّ الله حقٌّ فزادني
…
من الحقِّ تقوى الله ما قد بدا ليا
بدا لي أنِّي لست مدرك ما مضى
…
ولا سابق شيئًا إذا كان جائيا
أراني إذا ما شئت لاقيت آيةً
…
تذكّرني بعض الذي كنت ناسيا
وما إن أرى نفسي تقيها كريمتي
…
وما إن تقي نفسي كريمة ماليا
ألا لا أرى على الحوادث باقيا
…
ولا خالدًا إلَّا الجبال الرَّواسيا
وإلَّا السَّماء والبلاد وربَّنا
…
وأياَّمنا معدودةً واللَّياليا
ألم تر أنَّ الله أهلك تبَّعا
…
وأهلك لقمان بن عاد وعاديا
وأهلك ذا القرنين من قبل ما ترى
…
وفرعون أردى كيده والنَّجاشيا
إذا أعجبتك الدَّهر حال من امرئ
…
فدعه وواكل حاله واللَّياليا
ألا لا أرى ذا إمَّة أصبحت به
…
فتتركه الأيام وهي كما هيا
وبعد هذا أحد عشر بيتًا ذكر فيها النعمان بن المنذر. وهذه القصيدة مثبتة في "ديوان زهير" وشرحه لصعوداء والأعلم له، قال الأصمعي: ليست هذه القصيدة لزهير لأنها لا تشبه شعره.
ووقع البيت الشاهد في مواضع متعددة من "كتاب سيبويه" كما يأتي – إن شاء الله تعالى – بيانه في الباب الرابع، منسوبًا تارة إلى زهير المذكور، وتارة إلى صرمة الأنصاري.
قال الزمخشري وابن خلف: كونه لصرمة هو الصحيح، وقيل: لابن رواحة. ولا يلزم من كون البيت لأحدهما أن تكون القصيدة له، وقائلها جاهلي لا يرى فناء العالم، ويجوز أن يكون أراد بفناء النفوس هلاك الذوات الإنسانية، وأن يكون أراد بها النفوس الناطقة والأرواح، إذ الجاهل، وإن قال ببقاء العالم، يقول بفناء الروح، وقال صعوداء: يقال: إن الدهر هو الله جل ثناؤه، وإنما يراد بذلك أن الذي يحدثه الدهر إنما هو من تقدير الله تعالى، فلا يجوز أن يسب الدهر لأنه يرجع إلى سب ما قدر الله تعالى له، وقوله: وإني متى أهبط
…
إلخ، قال الأعلم في "شرح مختار شعر زهير": التلعة: مجرى الماء إلى الروضة، وتكون
فيما علا عن السبيل، وفيما سفل عنه، ودون التلعة الشعبة. والعافي: الدارس، يقول: حيثما صار الإنسان من الأرض فلا يخلو من أن يجد فيه أثرًا قديمًا أو حديثًا.
وقوله: أراني إذا ما بت
…
البيت يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في بحث "ثم".
وقوله: إلى حفرة: متعلق بأهوى، وأراد بها القبر، ووصف الحفرة بمقيمة، إما على معتقد الجاهلية مع أنه لا فناء للعالم ولا بعث، وإما على إرادة المدة الطويلة، وأراد بالسائق الزمان، فإنه المفني المبيد عندهم.
وقوله: بدا لي أني لست
…
البيت، قال الأعلم: يقول: اعتبرت حال الزمان، فبدا لي أني لست أدرك ما فات منه، ولا أسبق ما لم يجيء بعد فيه قبل وقته. والمعنى: إن الإنسان مدبَّر، لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعا. وقال أيضًا في "شرح شواهد الجمل الزجاجية": يقول: إني اعتبرت الدنيا وما فيها، فظهر لي أن الكل يذهبه الفناء، فما مضى لا أدركه أبدًا، وما يأتي لا أقدر أن أسبقه، فلا أستطيع دفع ما هو مقدر علي من موت وغيره.
وقوله: أراني إذا ما شئت
…
إلخ، قال الأعلم: أي: إذا غفلت عن حوادث الدهر من موت وغيره، ونسيتها؛ رأيت آية مما تصيب غيري فتذكرني ما كنت نسيت، والآية: العلامة.
وقوله: وما إن أرى
…
إلخ، قال صعوداء: كريمة ماله: أهله وخاصته، وروى الأعلم:"كريهتي" وقال: لاتقي نفسي من الموت شدتي وجرأتي، ولاتقيها كرائم مالي. وقوله: وعاديا، هو أبو السموءل بن عاديا، وكان له حصن بتيماء، وهو الذي استودعه امرؤ القيس أدراعه. والإمة، بكسر الألف: النعمة والحالة الحسنة، أي: من كان ذا نعمة، فالأيام لا تتركه ونعمته كما عهدت، أي: لابد من أن تغيرها الأيام بموته أو فقره.