الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذاك أوان العرض حيَّ ذبابه
…
زنابيره والأزرق المتلمِّس
والعرض: بالكسر: واد باليمامة، والأزرق: الذباب الأخضر الضخم في الروضة، ولا يكون إلا في زمن الخصب. والمتلمس الذي يتلمس الشيء، أي: يطلبه.
وصحيفته يضرب بها المثل، يقال: كصحيفة المتلمس، لما ظاهره خير، وباطنه شر. وما أحسن قوله آخر أبيات:
وأعلم علم حقِّ غير ظنٍّ
…
لتقوى الله من خير العتاد
وحفظ المال أيسر من بغاه
…
وضرب في البلاد بغير زاد
وإصلاح القليل يزيد فيه
…
ولا يبقى الكثير على الفساد
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والثلاثون بعد المائة:
(138)
فقال فريق القوم لمَّا نشدتهم
…
نعم وفريق ليمن الله ما ندري
على أنقوله: ليمن الله، يرد على الكوفيين في زعمهم أن ألف أيمن ألف قطع. قال سيبويه: وزعم يونس أن ألف أيم موصولة، وكذلك تفعل بها العرب، وفتحوا الألف كما فتحوا الألف التي في الرجل، وكذلك أيمن، قال الشاعر:
وقال فريق القوم لمّا نشدتهم
…
البيت
سمعناه هكذا من العرب. انتهى. وقال قبله بسطرين: تقول: لعمر الله
لأفعلنّ، وأيم الله لأفعلن، وبعض العرب يقول: أيمن الكعبة لأفعلن، فكأنه قال: لعمر الله المقسم به، وكذلك أيم وأيمن، إلا أن ذا أكثر في كلامهم، فحذفوه كما حذفوا غيره، وهو أكثر من أن أصفه لك. انتهى.
قال أبو علي في تعليقته على "كتاب سيبويه" قولهم: ليمن الله يدل على أن الألف ألف وصل سقطت لما اتصل بما قبله، أعني باللام التي تدخل على المبتدأ كما تسقط ألف ابن في قولك: لابن زيد ظريف، ولو قال قائل: إن أيمن جمع يمين، لكان مخطئًا، لأنه لو كان كذلك لثبتت في الدرج ولم تسقط، لأن ألف أفعل ليست بألف وصل، فهذا بيّن جدًا أنه ليس بجمع يمين. فإن قيل: إن الهمزة من قوله: "ليمن" مخففة، فلذلك حذفت، قيل: لو كانت مخففة لوجب أن تثبت مخففة؛ لأن ما قبلها متحرك، وإنما تحذف الهمزة في التخفيف إذا كان ما قبلها ساكنًا، كقولك: جيل في: جيال، واضرب باك، فإذا كان ما قبلها متحركًا، وكانت هي نفسها متحركة، أو ساكنة، لم تحذف، تقول في تخفيف سأل: سال، وفي تخفيف رأس راس، فلا تحذف الهمزة البتة، فعلى هذا لو كان أيمن جمعًا، لكان لايمن إذا خفف. انتهى كلامه.
وقول المصنف: ويلزمه الرفع بالابتداء، حققه أبو علي في "التعليقة" فقال:"لعمر الله": اسم مبتدأ، وخبره محذوف، واللام في لعمر الله لام الابتداء، ولذلك قالوا: إن المحذوف من هذه الجملة هو الخبر دون الابتداء، لأن لام الابتداء إنما تدخل على المبتدأ، ولا تدخل على الخبر إلا في ضرورة شعر، نحو:
أمُّ الحليس لعجوز شهر به
وإنما أقسم بالجملة التي هي من المبتدأ والخبر، كما أقسم بالجملة التي هي من الفعل والفاعل، لأن الجمل هذان قسماها، وحذف من كلا الجملتين لدلالة ما بقي منها على ما حذف، فأما التي من الفاعل والفعل فحذفت بأسرها، وأما التي من المبتدأ فحذف بعضها، لأن الذي أبقي منها دال على ما حذف منها. انتهى كلامه.
وهذا الحكم مطرد في ليمن، وبه يرد على ابن عصفور في تجويز كونه خبرًا لمبتدأ محذوف. وقول المصنف: ولابن مالك في إجازة إضافته إلى الكعبة، أي: وخلافًا لابن مالك في تجويزه ذلك، ويرده قول سيبويه: وبعض العرب يقول: أيمن الكعبة لأفعلن هذا.
وفي البيت رواية أخرى مشهورة عند علماء البلاغة وهي:
فقال فريق القوم لا وفريقهم
…
نعم وفريق قال ويحك ما ندري
وكذا رواه لامصنف في شرح أول البيت الثالث من قصيدة بانت ساد، وقال: قد استوفى ما يذكر في جواب الأسئلة. وقال ابن رشيق في "العمدة": ومن التقسيم الجيد قول نصيب، لم يبق جواب سائل إلا أتى به، فاستوفى جميع الأقسام، وزعم قوم أنه أفضل بيت وقع فيه تقسيم. وقال عبد اللطيف البغدادي في "شرح نقد الشعر" لقدامة: هذه قسمة من نفس الأمر وطبيعته، ولو أراد إنسان أن يتحيل قسمًا رابعًا لما أمكنه، ويقال لهذا في علم البديع: صحة التقسيم.
وعرفه ابن أبي الإصبع في "تحرير التحبير" بقوله: هو عبارة عن استيفاء
المتكلم أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه بحيث لا يغادر شيئًا، ومثل بآيات وأبيات. والبيت من قصيدة لنصيب، أنشد بعضها القالي في "أماليه" ورواها أبو محمد الأعرابي في "فرحة الأديب" وهي:
ألا يا عقاب الوكر وكر ضرَّية
…
سقيت الغوادي من عقاب على وكر
أبيني لنا لا زال ريشك ناعمًا
…
ولا زلت من طير مخضَّبة الظُّفر
رأيتك في طير تروقين فوقها
…
بمنعرج الوادي المحقَّف ذي السِّدر
تمرُّ الليالي ما مررن ولا أرى
…
مرور الليالي منسياتي ابنة النَّضر
تقول صلنِّي واهجرِّني وقد ترى
…
إذا هجرت أن لا وصال مع الهجر
فلم أرض ما قالت ولم أبد سخطةً
…
وضاق بها جمجمت من حبِّها صدري
فهل أنا إلَّا مثل سيِّقة العدى
…
إن استقدمت نحر وإن جبأت عقر
ظللت بذي دوران أنشد ناقتي
…
ومالي عليه من قلوص ولا بكر
وما أنشد الرُّعيان إلَاّ تعلَّةً
…
بواضحة الأنياب طيِّبة النَّشر
فقال لي الرُّعيان لم تلتبس بنا
…
فقلت بلى قد كنت منها على ذكر
وقد ذكرت لي بالكثيب موالفًا
…
قلاص سليم أو قلاص بني وبر
فقال فريق لا وقال فريقهم
…
نعم وفريق قال ويحك ما ندري
أما والَّذي حجَّ الملُّبون بيته
…
وعظَّم آيات الذَّبائح والنَّحر
لقد زادني للجفر حبًّا وأهله
…
ليالٍ أقامتهنَّ ليلى على الجفر
فهل يؤثمنِّي الله في أن ذكرتها
…
وعلّلت أصحابي بها ليلة النَّفر
وطرت وما بين من سأم ومن كرى
…
وما بالمطايا من كلال ومن فتر
وضرَّية: موضع قرب المدينة يضاف إليه الحمى فيقال: حمى ضرية، والمنعرج: اسم مفعول من انعرج الشيء، أي: انعطف، ومنعرج الوادي، منعطفه يمنة ويسرة، والمحقّق: الذي فيه حقق الرمل، وهو تلة، وجمجم الرجل - بجيمين - وتجمجم: إذا لم يبين كلامه، والسيّقة: هي الدابة التي تهب وتساق كالناقة، والنحر: الذبح، وجبأت، بالجيم والموحدة والهمز، في "الصحاح": جبأت عن الرجل جبءًا وجبوءًا: خنست عنه، وأنشد البيت. وعقر البعير بالسيف عقرًا: ضرب قوائمه به، لا يطلق العقر في غير القوائم، ودوران، بضم الدال المهملة، قال أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم": دوران على بناء فعلان، قال ابن حبيب: دوران: ما بين قديد والجحفة، وأنشد هذا البيت، وبيت مالك ابن خالد الخناعي وهو قوله:
كأنِّي بذي دوران والجزع حوله
…
إلى طرف المقراة راغية السَّقب
وبيتًا آخر لكثير، وفي "القاموس": وذو دوران، كحوران: موضع بين قدد والجحفة، فصاحب "القاموس" ضبطه بفتح الدال، وأبو عبيد بضمها،
وكذلك خالف الحازمي في "المؤتلف والمختلف من أسماء الأماكن" قال: دوران، بعد المفتوحة واو ساكنة بعدها راء: موضع بين قديد والجحفة، وذو دوران: موضع في شعر ابن قيس الرقيات:
نادتك والعيس سراع بنا
…
مهبط ذي دوران فالقاع
ودوران بضمها: موضع عند الكوفة، كان به قصر لإسماعيل القسري أخي خالد القسري. انتهى.
والمراد هنا ما قاله أبو عبيد، وصاحب "القاموس" وإن كان بينهما مخالفة في الضم والفتح، وأرجع الضمير من "عليه" إليه مذكرًا باعتبار الموضع، وفي رواية "عليها" بالتأنيث باعتبار البقعة، والقلوص: الناقة الشابة، والبكر: الشاب من الإبل، والرعيان: جمع راعٍ، وأنشد في الموضعين: من نشدت الضلة نشدًا، إذا طلبتها وسألت عنها، والتعلة: التلهي بالشيء. والباء من قوله: بواضحة، متعلقة به، ولم تلتبس: لم تختلط ناقتك بإبلنا، والنشر: الرائحة، والذكر بالكسر: يعني ذكر لي أنها مع إبلكم، والكثيب: موضع، وموالفًا بفتح الميم: جمع مولفة، كمواخر جمع موخرة الرحل، ومولفة: اسم فاعل من آلفت الظباء الرمل؛ إذا ألفته، قال ذو الرمة:
من المولفات الرَّمل أدماء حرَّة
…
شعاع الضُّحى في متنها يتوضَّح
وقوله: نعم، أي: قد عرفنا صحة ما تقول، وهي في الموضع الذي ذكرته،
وقوله: ما ندري، أي: ما عندنا خبر. ذكر أنه تعرض لزيارة حبيبته، فجعل ينشد ناقة ضلت له مخافة أن ينكر عليه مجيئه.
ومعنى الأبيات: جعلت حاجتي بذي دوران كأني أطلب قلوصًا ضاعت مني، وما لي هناك من قلوص ولا بكر، وإنما جعلت ذلك تعلة لطلب معشوقتي، والإتيان إلى أرضها، فورَّى عنها بالقلوص والبكر، وهو يريدها، فلما أحست الرعيان به قالوا له: ما لك؟ فقال لهم: إن قلوصي ضاعت، فهل لكم بها خبر؟ فقال له الرعيان: لم تختلط قلوصك بإبلنا، فقال لهم: بلى، قد ذكرت لي أنها بالكثيب ترعى مع قلاص بني سليم، أو بني وبر، فمن الرعيان من شك بعد الجحد، فقال: نعم هي هناك، ومنهم من قال: ما ندري أذلك صحيح أم لا.
والجفر، بفتح الجيم وسكون الفاء، قال ياقوت في "معجم البلدان": هو موضع بناحية ضرية من نواحي المدينة، كان به ضيعة لأبي عبد الجبار سعيد بن سليمان، كان يكثر الخروج إليها فسمي الجفري.
وقوله: فهل يؤثمني الله، يقال: آثمته - بالمد -: إذا أوقعته في الإثم، وروي:"فهل يأثمني الله" من أثمته أثمًا، من بابي ضرب وقتل: إذا جعلته آثمًا. وعللت: ألهيت، وليلة النفر: هي الليلة التي ينفر الحاج من منى في صباحها، أي: يدفعون منها، والكرى: النعاس، والجنوح: الميل والتكاسل من شدة السير، والفتر: هو الفتور، ضد النشاط.
ونصيب: بضم النون وفتح الصاد، قال ابن قتيبة في كتاب "الشعراء":
هو مولى بني كعب بن ضمرة من كنانة، وقال آخرون: هو من بليّ من قضاعة، وكان حبشيًا وأمه سوداء، ويقال: إن سيدها وقع عليها فأولدها نصيبًا، فوثب عليه عمه بعد موت أبيه، فاستعبده وباعه عبد العزيز بن مروان.
وقال صاحب "الأغاني": كان نصيب شاعرًا فحلًا فصيحًا مقدمًا في النسيب والمديح، ولم يكن له حظ في الهجاء. وقال اللخمي في "شرح أبيات الجمل": هو نصيب بن رباح الأكبر، وكان عبدًا أسود لرجل من أهل القرى، فكاتب على نفسه، ثم أتى عبد العزيز بن مروان، فمدحه فوصله عبد العزيز، وأدى عنه ما كاتب به، فصار له ولاؤه.
وروى القالي في "أماليه" عن الأصمعي قال: دخل نصيب على عبد الملك ابن مروان، فعاتبه على قلة زيارته، فقال: يا أمير المؤمنين! أنا عبد أسود، ولست من معاشري الملوك، فدعاه إلى النبيذ، فقال: يا أمير المؤمنين: أنا أسود البشرة، قبيح النظرة، وإنما وصلت إلى مجلس أمير المؤمنين بعقلي، فإن رأى أن لا يدخل عليه ما يزيله فعل! فأعفاه ووصله.
وسمي نصيبًا لأنه لما ولد قال سيده: ائتونا بمولودنا ننظر إليه، فلما أتي به قال: إنه لمنصَّب الخلق، فسمي نصيبًا. وكان شاعرًا إسلاميًا حجازيًا من شعراء بني مروان، وكان عفيفًا، يقال: إنه لم ينسب قط إلا بامرأته. وقيل: كان من أهل ودّان، عبدًا لرجل من كنانة، ونصيب هذا هو الأكبر، ولهم نصيب الأصغر، وهو شاعر، مولى المهدي بن منصور.
روي أن الفرزدق دخل على سليمان بن عبد الملك، وعنده نصيب الأسود،
فقال: أنشدنا يا أبا فراس، وأحب أن ينشده بعض ما امتدحه به، فأنشده:
وركب كأنَّ الرِّيح تطلب منهم
…
لها ترةً من جذبها بالعصائب
سروا يركبون الريح وهي تلفُّهم
…
إلى شعب الأكوار ذات الحقائب
إذا استوضحوا نارًا يقولون ليتها
…
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فغضب سليمان، وقال لنصيب: أنشد مولاك يا نصيب، فأنشده:
أقول لركب صادرين لقيتهم
…
قفا ذات أو شال ومولاك قارب
قفوا خبِّروني عن سليمان إنَّني
…
لمعروفه من أهل ودَّان طالب
فعاجوا فأنثنوا بالَّذي أنت أهله
…
ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
فقال سليمان للفرزدق: كيف تراه؟ فقال: هو أشعر أهل جلدته، فقال سليمان: وأهل جلدتك، فخرج الفرزدق، وهو يقول:
وخير الشِّعر أشرفه رجالًا
…
وشرُّ الشِّعر ما قال العبيد