الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضبطه على غير هذا، فقد صحفه. والقيل بالفتح: من له قول يسمع بعد الملك. ويال همدان، أصله: يا آل همدان، فحذف الهمزة الممدودة لضرورة الشعر. ونقدع بالبناء للمفعول والدال مهملة: من تقادعوا بالرماح؛ أي: تطاعنوا، وجر عليهم جريرة، أي: جنى جناية، والمولى: ابن العم والناصر، والجار، والحليف.
وقوله: كما الناس
…
إلخ، روي بجر الناس على أن "ما" زائدة، وروي برفعه، فتكون "ما" كافة أو مصدرية، ومجروم عليه على الوجهين: خبر مبتدأ محذوف، أي: بعضه مجروم عليه، وبعضه جارم، وهما من الجرم وهو الذنب، وفعله "جرم" من باب: نصر وأجرم أيضًا، ويأتي الكلام عليه - إن شاء الله تعالى - في بحث "الكاف" و"ما".
وعمرو بن براقة: شاعر مخضرم، قال الآمدي في "المؤتلف والمختلف": عمرو بن برّاقة الهمداني، ثم النهمي، وبراقة أمه فيما أحسب، وهو عمرو بن منبه بن شهر بن نهم، وينتهي نسبه إلى همدان: شجاع فاتك. انتهى.
وقال أبو عبيد البكري فيما كتبه على "أمالي القالي": هو شاعر جاهلي إسلامي، وكذلك حريم بن مالك بن رألان الهمداني وبراقة: بتشديد الراء وبالقاف، ومنبه: على وزن اسم الفاعل من التنبيه، وشهر: على لفظ أحد الشهور، ونهم: بفتح النون وسكون الهاء، وهمدان، بفتح الهاء وسكون الميم: قبيلة من قبائل اليمن.
وأما ابن براق - بلا هاء -، لهو ثماليّ، وكان حليفًا في هذيل، وكان ممن يغزو راجلًا، ويفوت الخيل إذا طلبته.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والتسعون:
(95)
فقالوا لنا ثنتان لابدَّ منهما
…
صدور رماح أشرعت أو سلاسل
على أن "أو" فيه للتقسيم.
وشرحه ابن جني في "إعراب الحماسة" فقال: لك في "منهما" وجهان: إن شئت كان على حذف المضاف، أي: لابد من أحدهما، ألا تراه قال: أو سلاسل. "أو" إنما توجب أحد الشيئين. وإن شئت كان على ظاهره لابد منها جميعًا، فصدور الرماح لمن يقتل، والسلاسل لمن يؤسر، أي: يكون بعضنا كذا، وبعضنا كذا، فإن قيل: فهذا يوجب صدور رماح وسلاسل؛ قيل: لما جعلهم صنفين مقتولًا ومأسورًا، كان لكل واحد منهما هذا أو هذا، فمن هنا دخله معنى "أو" فهو إذن كلام محمول على معناه. انتهى.
والبيت من أبيات ستة لجعفر بن علبة الحارثي، أوردها أبو تمام في أول "الحماسة" وهي
الهفي بقرَّى سحبل حين أحلبت
…
علينا الولايا والعدوُّ المباسل
فقالوا لنا ثنتان لابدَّ منهما
…
صدور رماح أشرعت أو سلاسل
فقلنا لهم تلكم إذن بعد كرَّة
…
تغادر صرعى نوؤها متخاذل
ولم ندر إن جضنا من الموت جيضةً
…
كم العمر باق والمدى متطاول
إذا ما ابتدرنا مأزقًا فرَّجت لنا
…
بأيماننا بيض جلتها الصَّياقل
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل
…
ولي منه ما ضمَّت عليه الأنامل
قوله: ألهفي؛ قال أمين الدين أبو علي الطبرسي في شرح "الحماسة": يجوز أن يكون منادى مفردًا، والألف زيدت للندبة لامتداد الصوت، ليكون أدل على التحسر، ويجوز أن يكون مضافًا، كأنه فرّ عن الكسرة وبعدها ياء إلى الفتحة، فانقلبت
ألفًا كقولهم: يا غلامًا أقبل، واللهف: الأسف على الشيء بعد الإشراف عليه. انتهى.
وفي الشق الأول نظر، فإن المندوب لا يندب بألف النداء وإنما يندب مع "يا" أو "وا" لا غير.
وقال المرزوقي والتبريزي: يحتمل أن يكون مفردًا أو مضافًا، قلبت ياؤه ألفًا انتهى. يريد في الوجه الأول أنه منادى منون لكونه شبيهًا بالمضاف لتعلق الظرف به.
واقتصر ابن جني في "إعراب الحماسة" على الوجه الثاني وقال: لك، في "الباء" و"حين" أوجه من القياس: يجوز أن تعلقهما جميعًا بنفس لهفي، فلا يكون حينئذ في واحد منهما ضمير، لتعلقهما بنفس الظاهر حتى كأنه قال: أتلهف في هذا الموضع في هذا الوقت.
ويجوز أن تجعل الباء حالًا من لهفي، فإذا جعلت ذلك كذلك، علقت حين بنفس قوله:"بقرى" وذلك أن الظرف وحرف الجر إذا جرى واحد منهما صلة أو صفة أو حالًا أو خبرًا تعلق بالمحذوف وضمن الضمير، فجاز حينئذ أن يتعلق به الحال، وكل واحد من الظرفين. ويجوز أن تجعل "حين" حالًا أخرى من لهفي، فتضمنه حينئذ الضمير لتعلق بالمحذوف، فيكون للهفي حالان، كما يكون للمبتدأ خبران، ولا يجوز أن تجعل "حين" من صلة لهفى، وقد جعلت بقرَّى حالًا منه، وذلك أن الحال إذا جرت على صاحبها آذنت بتمامه وانقضائه، فلا يجوز من بعد أن تعلق به شيئًا، لأن في ذلك انتكاثًا وتراجعًا عما حكمت به من التمام، ويدل على أن الحال إذا جرت على صاحبها آذنت بتمامه؛ أن فيها شبهين يتجاذبانها، وهما الخبر والصفة، وكل واحد منهما إذا جرى على صاحبه لم يكن ذاك إلا عن وفائه وتناهي أجزائه، وهذا واضح.
ويجوز أيضًا إذا جعلت بقرى حالًا من لهفى أن تجعل حين حالًا من الضمير
في بقرى، وذلك أن ضمير الشيء هو الشيء في المعنى، وكما جاز أن يجري "حين" حالًا من نفس لهفى، كذلك يجوز أيضًا أن يجري "حين" حالًا من ضميره. ولا يجوز أن تجعل بقرى ولا "حين" صفة للهفى من حيث كان الظرف نكرة ولهفى معرفة، ولا يجوز أيضًا أن يكون حين حالًا من نفس قرى على قولك: زيد في الدار مجددة؛ لأن "قرى" جثة "وحين" ظرف زمان، فكما لا يجوز لظروف الزمان أن تكون أخبارًا عن الجثث، كذلك لا يجوز أن تكون صلات لها، ولا صفات، ولا أحوالًا، ويجوز أن تجعل بقرى حالًا من الألف في لهفى، وذلك أنها ياء ضمير المتكلم، فإنما أراد: يا لهفي، فأبدل الياء ألفًا تخفيفًا، كقولك: يا غلاما، وأنت تريد يا غلامي، فيكون معنى هذا: تلهفت وأنا بقرى، أي: كائنًا هناك، وحاصلًا هناك.
كما أن معنى الأول لو أنثته: يا لهفتي كائنة في ذلك الموضع، فيكون بقرى في هذا الأخير حالًا من المنادى المضاف، كقوله:
يا بؤس للجهل ضرارًا لأقوام
أي يا بؤس الجهل أدعوه ضرارًا.
ومثله بيت النابغة:
يا دار ميّة بالعلياء فالسَّند
أي أدعوها عالية كائنة في هذا الموضع.
وإذا جعلت بقرى حالًا من الياء التي انقلبت ألفًا، كان العامل نفس اللهف انتهى كلامه، ولفوائده نقلناه برمته.
وقرى: بضم القاف وتشديد الراء وألف مقصورة، قال أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم": هو موضع ببلاد بني الحارث، وقال أبو حنيفة: هي ماءة قريبة من تبالة، وقد أضافه [جعفر بن] علبة الحارثي إلى سحبل، فدل أنهما متصلان، قال: ألهفى بقرى سحبل
…
البيت، ثم قال:
لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل
…
البيت
انتهى. وسحبل بفتح السين، وسكون الحاء المهملتين، وفتح الموحدة بعدها لام، قال ياقوت في "معجم البلدان": هو موضع في ديار بني الحارث بن كعب، كان جعفر بن علبة الحارثي يزور نساء بني عقيل، فنذر به القوم، فقبضوه، وكشفوا دبر قميصه وربطوه إلى جمته، وجعلوا يضربونه بالسياط، ويقبلون ويدبرون به على النساء اللواتي كان يتحدث إليهن حتى فضحوه، وهو يستعفيهم ويقول: يا قوم القتل خير مما تصنعون! فلما بلغوا منه مرادهم أطلقوه.
فمضت أيام، وأخذ جعفر أربعة رجال من قومه، ورصد العقيلين حتى ظفر برجل ممن كان صنع به ذلك، فقبضوا عليه، وفعلوا به شرًا مما فعل بجعفر، ثم أطلقوه، فرجع إلى الحي فأنذر بهم، فتبعهم سبعة عشر فارسًا من بني عقيل حتى لحقوا بهم بواد يقال له "سحبل"، فقاتلهم جعفر، فيقال: إنه قتل فيهم حتى لم يبق من العقليين إلا ثلاثة نفر، وعمد إلى القتلى، فشدهم على الجمال وأنفدهم مع الثلاثة إلى قومهم، فمضى العقيليون إلى والي مكة إبراهيم بن هشام المخزومي، وقيل: السري ابن عبد الله الهاشمي، فطلب جعفرًا ومن كان معه يومئذ، حتى ظفر بهم وحبسهم، فذلك قول جعفر بن علبة في محبسه:
ألا لا أبالي بعد يوم بسحبل
…
إذا لم أعذَّب أن يجيء حماميا
تركت بأعلى سحبل وبضيقه
…
مراق دم لا يبرح الدّهر ثاويا
ولما أخرج ليقتل انقطع شئع نعله، فوقف فأصلحه، فقال له رجل: أما يشغلك ما أنت فيه! فقال:
أشدُّ قبال نعلي أن يراني
…
عدوِّي للحوادث مستكينا
وقال أبوه إلى كل ناقة وشاة له، فنحر أولادها وألقاها بين أيديها، وقال: إبكين معنا على جعفر! فجعلت النوق ترغو، والشاء تثغو، والنساء يصحن ويبكين، وأبوه يبكي معهم، فما روي أن يومًا كان أفجع ولا أفظع من يومئذ. انتهى كلام ياقوت.
وقوله: حين أحلبت؛ روي بالحاء المهملة وبالجيم، أما الأول فقد قال المزروقي والتبريزي وغيرهما: أحلبت: أعانت، وأصله الإعانة في الحلب، ثم استعير لمطلق الإعانة.
وأما الثاني، فقد قال الطبرسي: أصل الجلبة رفع الصوت، وفي "القاموس": الجلب والجلبة – بالتحريك -: اختلاط الصوت، جلبوا وأجلبوا وقالوا: الولايا: جمع ولية، وهي البرذعة، وهي هنا كناية عن النساء، أو الضعفاء الذين لا غناء عندهم. وقيل: الولايا: العشائر والقبائل، فكأن ولية تأنيث ولي، وهو القريب.
ومعنى البيت: أنه يتلهف على ما نزل بهم حين أعان الأعداء عليهم كون الحرم معهم، لما وجب عليهم من الذب عنهم.
والمباسل: من البسالة، وهي الشجاعة، وأجراه على لفظ العدو لا معناه، والمراد بالعدو الجنس. انتهى.
قال الطبرسي: ومن روى الموالي فهم أبناء العم، وإنما خصهم بالذكر لأن الجفاء منهم أشد تأثيرًا في النفس، ألا ترى أن من كان بنو عمه عليه فهو كمن قوتل بسلاحه!
وقال شارح آخر نزل الاشتغال بحمايتهم – لما فيه من الفتور عن مقاومة الأعداء ومصادمة الأحزان – منزلة إعانة الأعداء، فسماه إعانة. انتهى. وأقول: المعنى الذي ذكروه ليس معنى البيت ولا يؤخذ منه ولا يطمئن به الطبع السليم، والله تعالى أعلم بحقيقته.
وقوله: لنا تنتان
…
إلخ، يريد أن الأعداء، لما رأوني هناك مع رجال قليلة طمعوا فيّ وقالوا: نخيرك بين شيئين: إما أن تستأمر فتسلم من القتل، وإما أن تحارب فتقتل. وقوله: لنا ثنتان، أي: لنا حالتان ثنتان، يريد: عندنا لك حالتان، وثنتان: مبتدأ، ولنا: خبر، والجملة مقولة القول، وصدور رماح وسلاسل: بدل منهما، وهذا المعنى ظاهر من السياق، لكن يخالفه قول ابن جني فيما سبق، أي: يكون بعضنا كذا وبعضنا كذا، فإنه يقتضي أن تكون هاتان الحالتان صفتين للمتكلم، ويكون مدح قومه بأنهم لا يفرون، بل بعضهم يقتل وبعضهم يؤسر، وهذا خلاف السياق.
وقد تبعه التبريزي والطبرسي فقالا: والمراد بقوله: لابد منهما، على سبيل التعاقب، لا على سبيل الجمع بينهما، وإلا سقط التخيير الذي أفاده، أو فمعناه: لا بد من أحدهما، وإن شئت كان على ظاهره لابد منهما جميعًا بصدور الرماح لمن يقتل، والساسل لن يؤسر، أي: يكون بعضنا كذا، وبعضنا كذا. ولمّا جعله صنفين، كان لكل واحد واحد؛ هذا أو هذا، فمن هنا دخله معنى "أو". انتهى.
ومحصل أول كلامه أن "أو" فيه للتخيير، ومعنى "لا بد منهما" أنه لابد منهما على سبيل التعاقب لا على سبيل الجمع، أي: لابد من أحدهما. فإن قلت: أين الطلب حتى يسوغ التخيير؟ قلت: سبق الخلاف فيه من نقل المصنف على أنه يحتمل أن يكون قوله: لنا ثنتان، في معنى الطلب، أي: ابذلوا لنا
إحدى الخصلتين، وعليه يكون المشار إليه التخييرة، وذلك التحكم.
وقال ابن الملا: لا يخفى أن مدار كون البيت من تقسيم الكل على أن المراد بقوله: "لابد منهما"، معًا، ليكون "صدور رماح أو سلاسل" بدلًا من "ثنتان" أو استئنافًا بتقديرهما، كأن سائلًا قال: ما هما؟ فقيل: هما كذا وكذا، ولا إشكال بوقوع أو على التقديرين، وإن كان المراد في تقسيم الكل أنه مجموع الجزءين أو الأجزاء، لأنا نجعل "أو" حينئذ بمعنى الواو، وقد أورد الحديثي البيت مثالًا لمجيء أو بمعنى الواو، ثم قال: هذا إذا لم يكن تقدير البيت لابد من أحدهما. انتهى كلامه.
وصدر الشيء: أوله، وصدر الرمح والسهم: من نصفه إلى السنان والنصل، وأشرعت، بالبناء للمفعول، أي: وجهت للطعن، ويقدر في المعطوف صفة تعادل أشرعت، أي: سلاسل وضعت في الأعناق، وكنّي بالأول عن القتل، وبالثاني عن الأسر، وقوله: فقلنا، معطوف على قالوا، والنوء: النهوض.
قال التبريزي: قوله: تلكم إذن بعد كرّة، أي: تلكم التخييرة تكون بعد عطفة، تترك بيننا قومًا مصرعين يخذلهم النهوض. و [اختار أن يقول]: متخاذل [لأن] هذا البناء [يختص] بما يحدث شيئًا بعد شيء، ومنه: تداعى البناء، كأن أجزاء النهوض يخذل بعضها بعضًا، ولا يجوز أن تكون الإشارة إلى واحدة من هاتين الخصلتين، لأنه لا اختيار فيهما لمختار، إلا أن يكون على طريق التهكم. انتهى.
وفيه وجه آخر ذكره المرزوقي، وهو أن يكون الحكم والتخيير بقولهم: لنا ثنثان بين الحرب والاستئسار، فاختاروا المحاربة، ويكون الإشارة بتلكم
إلى ما دل عليه قوله: "أو سلاسل" من الأسر، كأنه يقول: الخصلة الثانية تكون بعد الأولى التي تترك قومًا منكم صرعى.
وقوله: إن جضنا من الموت، هو بالجيم والضاد المعجمة، من جاض عنه يحيض، أي: حاد وعدل عنه، وروي بالمهملتين، من حاص عنه يحيص حيصًا وحيصة: إذا حاد وعدل عنه. قال التبريزي: قوله: كم العمر باق، كم في موضع الظرف، أي: كم يومًا العمر باق، وجملة:"والمدى متطاول" حالية، والتقدير: ولم ندر – إن جضنا ومدانا متطاول – كم العمر باق، أي: مدى رجائنا، ويجوز أن تكون الواو عاطفة، كأنه قال: لم نعلم كم العمر باق، [و] كم المدى متطاول إن جضنا، بكسر الهمزة. وفتح الهمزة أبو العلاء المعري، وكأنه ذهب إلى أن إن بالكسر لما يستقبل، وأن بفتحها لما مضى، والشاعر ذكر قصة مضت. والمأزق: مضيق الحرب، وهو مفعل من الأزق، وهو الضيق. وقوله: ولي منه ما ضمت، قال التبريزي: يروى "ضمت" بفتح الضاد، ومعناه: قبضته الأنامل، ويروى بضمها، ومعناه: قبضت عليه الأنامل، وقد ذكر هذا الشاعر هذا المعنى في بيت آخر، قال:
تقاسمهم أسيافنا شرَّ قسمة
…
ففينا غواشيها وفيهم صدورها
وأراد بغواشيها أغمادها، وأخذه المتنبي فقال:
فكنت السيف قائمه إليهم
…
وفي الأعداء حدُّك والغرار
وأخذه آخر فقال:
منا برهنَّ بطون الأكفِّ
…
وأغمادهنَّ رؤوس الملوك