الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل من يسمع هذا الكلام يقول للمخاطّب به: قد أنصفك خصمك، إذ لولا إيراد الكلام بهذه الصورة ما أمكنه أن يقول:"فبعدًا للمبطلين" خطابًا له، إذا كان ذا جاه وصولة. والألى بضم الهمزة والقصر: اسم موصول بمعنى الذين. ولم يرسم هذا بالواو كما رسم "أولي" اسم الإشارة، لأن الواو رسمت بهذه لتميزها عن "إلى" الجارّة، وأما اسم الموصول فهو مميز بالألف واللام. وألفت الشيء من باب علم: أنست به وأحببته، والحق خلاف الباطل. قال الراغب: أصل الحق المطابقة والموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقِّه، لدورانه على الاستقامة، والحق يقال لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، ولذلك قيل في الله تعالى: هو الحق، وللموجود بحسب مقتضى الحكمة، ولذلك يقال: فعل الله تعالى كله حق، نحو الموت والبعث حق، وللاعتقاد في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه، نحو: اعتقاد زيد في البعث حق، وللفعل والقول الواقع بحسب ما يجب، وقدر ما يجب، في الوقت الذي يجب، نحو: فعلك حق، وقولك حق، ويقال: أحققت ذا، أي: أثبته حقًا، أو حكمت بكونه حقًا. انتهى. والبعد هنا الهلاك، وهو اسم من بعد يبعد بعدًا، من باب فرح. والمبطل: اسم فاعل من أبطل، إذا صار ذا باطل، كأحق: إذا صار ذا حق، والباطل: ضد الحق، وهو ما لا ثبات له من المقال والفعال عند الفحص عنه. والسُّحق بالضم: التقطع والتمزق: من أسحق الثوب إسحاقًا: إذا بلي وتمزق.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والثمانون:
(87)
وقد زعمت ليلى بأنِّي فاجر
…
لنفسي تقاها أو عليها فجورها.
على أن "أو" فيه للجمع المطلق كالواو، قال ابن الشجري في "أماليه":
"أو" بمعنى واو العطف من أقوال الكوفيين، ولهم فيه احتجاجات من القرآن ومن الشعر القديم، فما احتجوا به من القرآن قوله تعالى:(لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طه/ 44] و (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا)[المرسلات/ 6] و (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا)[طه/ 133] ومن الشعر قول توبة: وقد زعمت ليلى
…
البيت، وقول جرير:
أثعلبة الفوارس أو رياحًا
…
عدلت بهم طهيَّة والخشابا
أي: عدلت هاتين القبيلتين بهاتين القبيلتين. وقول جرير:
نال الخلافة أو كانت له
…
البيت.
وقول الآخر:
قفا نسأل منازل من لبيني
…
خلاءً بين قردة أو عرادا
وقول ابن أحمر:
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث
…
إلى ذا كما ما غيَّبتني غيابيا
أراد: ونصف ثالث، لأن لبثّ نصف الثالث لا يكون إلا بعد لبث الشهرين، وقول لبيد:
تمنَّى ابنتاي أن يعيش أبوهما
…
وهل أنا إلَاّ من ربيعة أو مضر
قالوا: أو هنا بمعنى الواو لأنه لا يشك في نسبه حتى أنه لا يدري أمن ربيعة هو أم من مضر، ولكنه أراد بربيعة أباه الذي ولده، لأنه لبيد بن ربيعة، ثم قال: أو مضر، ريد: ومضر، يعني مضر بن نزار. واحتجوا بقول متمم بن نويرة:
فلو أنَّ البكاء يردُّ شيئًا
…
بكيت على بجير أو عفاق
على المرأين إذ هلكا جميعًا
…
لشأنهما بشجو واشتياق
قال: على المرأين، لأنه أراد على بجير وعفاق، فأبدل اثنين من اثنين. واحتجوا بقول الراجز:
خلِّ الطريق واجتنب أرماما
…
إنَّ بها أكتل أو رزاما
خويربين ينقفان الهاما
قالوا: أراد: أكتل ورزامًا، فلذلك قال: خويربين، ولو كانت "أو" على بابها لقال: خويربًا. كما تقول زيد في الدار وعمرو جالس، ولا تقول: جالسان، انتهى ما أورده ابن الشجري. وجملة ما أورده من الشعر ثمانية شواهد، والمصنف أورد ستة، فيها ثلاثة لم يوردها ابن الشجري، وإنما أوردها ابن مالك في شرح "الكافية" مستدلًا بها.
قال أبو حيان في شرح "التسهيل": ولا حجة في شيء من ذلك:
أما (عذرًا أو نذرًا)"فأو" فيه للتفصيل، لأنها فصّلت الذكر إلى ما هو
عذر، وإلى ما هو نذر، أي: تخويف. وأما (لعلَّه يتذكَّر أو يخشى) و (لعلهَّم يتَّقون أو يحدث لهم ذكرًا)"فأو" فيهما للإباحة، لأن المترجي طالب وقوع أحد الأمرين: التذكر، وهو التوبة، أو الخشية والاتقاء، لما في كل واحد منهما من الانكفاف عن الكفر، أو مجموعهما، لأن ذلك أبلغ في الانكفاف، والترجي في الآيتين مصروف إلى البشر.
وأما "أو رياحًا" فالمعنى: على أحد القبيلتين، وأما "أو عفاق" فأو فيه لإثبات أحد الشيئين في وقت دون وقت، وكأنه قال: بكيت على بجير مرة وعلى عفاق أخرى.
وأجاب النحاس عن بيت ابن أحمر بأن معناه: أو شهرين ونصف، وفيه تكلف، إذ فيه حذف معطوف وحرف عطف. وأما "أو عليها فجورها" فأو فيه للإبهام، لأنه قد علم ما حاله أهو تقي أم فاجر. هذا كلامه، وهو في الأصل جواب ابن عصفور، كما نقله تلميذه ناظر الجيش. ويأتي بقية الأجوبة واحدًا بعد واحد.
والبيت من قصيدة لتوبة بن الحميَّر وأولها:
نأتك بليلى دارها لا تزورها
…
وشطَّت نواها واستمرَّ مريرها
يقول رجال لا يضيرك نأيها
…
بلى كلُّ ما شفَّ النُّفوس يضيرها
أليس يضير العين أن تكثر البكا
…
ويمنع منها نومها وسرورها
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت
…
فقد رابني منها الغداة سفورها
وقد رابني منها صدود رأيته
…
وإعراضها عن حاجتي وبسورها
وقد زعمت ليلى بأنِّي فاجر
…
. . . . البيت
وقوله: نأتك بليلى دارها: الباء للتعدية، أي: جعلت الدار ليلى نائبة عنك، وهذا من المقلوب؛ والأصل: نأت عنك ليلى بدارها، وشطت: بعدت، والنوى: النية التي ينويها المسافر، والمرير: المرارة، وضاره ضيرًا؛ من باب باع: أضرّ به، وسّفه الهم، هزله. ورابني: أوقعني في الريبة، وهي الظنة والتهمة، والسفور: مصدر سفرت المرأة: إذا كشفت عن وجهها، والبسور: تقليب الوجه والتعبيس.
وليلى: هي ليلى الأخيلية بنت عبد الله بن الرَّحّالة بن كعب بن معاوية، ومعاوية: هو الأخيل بن عبادة.
روى المرزباني في كتاب "النساء الشواعر" أن الحجاج قال لها: يا ليلى: أنشديني بعض شعر توبة، قالت: وأي شعره أحب إليك؟ قال: لها قوله:
نأتك بليلى دارها لا تزورها
فأنشدته القصيدة، فقال لها: ما الذي رابه من صدودك يا ليلى؟ قالت: أصلح الله الأمير! إنه لم يرني قط إلا مبرقعة، فأرسل إلي رسولًا أنه ملمّ بنا، وفطن الحي برسوله، فلما رأيته سفرت، فلما رأى ذلك انصرف، قال: قاتلك الله يا ليلى! فهل كان بينكما ريبة قط؟ فقالت: أصلح الله الأمير! لا، إلا أنه قال مرة قولًا عرفت أنه خضع لبعض الأمر، فقلت له:
وذي حاجة قلنا له لاتبح بها
…
فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا نبتغي أن نخونه
…
وأنت لأخرى صاحب وخليل
قال: فما كان بعد ذلك؟ قالت قال: لصاحب له: إذا أتيت الحاضر من بني عبادة بن عقيل فاهتف به:
عفا الله عنها هل أبيتنَّ ليلة
…
من الدَّهر لا يسري إليَّ خيالها
فناديت:
وعنه عفا ربّي وأصلح باله
…
فعزَّ علينا حاجة لا ينالها
انتهى. وتوبة بن الحمير: بفتح المثناة الفوقية، وسكون الواو بعدها موحدة، والحميَّر: على لفظ مصغر الحمار، والحمير بن سفيان بن كعب بن خفاجة، وينتهي نسبه إلى عامر بن صعصعة، وهو شاعر إسلامي؛ قتل في حدود سنة ست وسبعين من الهجرة قال صاحب "الأغاني": كانت توبة يتعشق ليلى الأخيلية، وإنه خطبها إلى أبيها، فأبى وزوجها غيره. وقال ابن قتيبة: هو من بني عقيل ابن كعب بن ربيعة بن عامر، خافجي من بني خفاجة، وكان شاعرًا لصًا، وأحد عشاق العرب المشهورين بذلك، وقتله بنو عوف؛ وذلك أنه كان يشنُّ الغارة على بني الحارث بن كعب وهمدان، وكانت بين أرض بن عقيل وبين مهرة مفازة، وكان يحمل معه الماء إذا أغار، فغزاهم وأخوه عبد الله وابن عم له، فنذروا بهم، فانصرف مخفقًا، فمر بجيران لبني عوف، فأطرد إبلهم، وقتل رجلًا من بني عوف، فطلبوه فقتلوه، وضربوا رجل أخيه فأعرجوه، واستنقذوا الإبل وانصرفوا، وتركوا عند عبد الله سقاء من ماء، فتحامل حتى أتى قومه، فعيَّروه وقالوا: فررت عن أخيك! فقال:
يلوم على القتال بنو عقيل
…
وكيف قتال أعرج لا يقوم