الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة إلى حمام مرَّ بها بين جبلين، وكان ستًا وستين، فقالت: ليت لي هذا الحمام ونصفه، وهو ثلاث وثلاثون، إلى حمامتي، فيتم لي مائة، فنظروا فإذا هو كما قالت.
قال حمزة الأصفهاني في "أمثاله" التي على أفعل التفضيل: قال بعض أصحاب المعاني: إن النابغة لما أراد مدح هذه الحكيمة الحاسبة بسرعة إصابتها شدَّد الأمر وضيقه، ليكون أحسن له إذا أضاقه، فجعله حرز طير، إذ كان الطير أخف ما يتحرك، ثم جعله حمامًا، إذ كان الحمام أسرع الطير، ثم كثَّر العدد إذ كانت المسابقة والمنافسة، ثم ذكر أنها صارت بين نيقين، لأن الحمام إذا كان في مضيق من الهواء كان أسرع طيرانًا منه إذا اتسع عليه الفضاء، ثم جعلها واردة للماء، لأن الحمام إذا وردت الماء أعانها الحرص للماء على سرعة الطيران. انتهى. قال الدماميني بعد ذكر هذا: قلت: وكون الماء قليلًا مما يقتضي شدة الازدحام عليه، وكونه لا ماد له أشد في الحرص على النيل منه. انتهى.
وقد بسطنا الكلام على هذا الشاهد بأكثر مما هنا في الشاهد الخامس والأربعين بعد الثمانمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والتسعون:
(92)
قوم إذا سمعوا الصَّريخ رأيتهم
…
ما بين ملجم مهره أو سافع
على أن "أو" فيه بمعنى الواو، لأن "بين" تقتضي الإضافة إلى متعدد، فلو أبقيت "أو" على كونها لأحد الشيئين لزم إضافة "بين" إلى شيء لا تعدد فيه، وهو محال.
كذا استشهد به ابن مالك في شرخ "التسهيل" وفي شرح "الكافية"
قال الدماميني: ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يكون المراد: بين فريق ملجم مهره، أو فريق سافع، وكل واحد من الفريقين ذو تعدد، فهو كقولك: جلست بين العلماء أو الزهاد "فأو" لأحد الأمرين، ولا إشكال؟ انتهى كلامه. فتكون "أو" فيه للتفصيل، واعترض عليه ابن الملا بأن معناه ينحط عما كان يستفاد منه على تقدير أن "أو" بمعنى الواو، لأن الغرض وصفهم بسرعة إجابة مسصرخهم رجاء نصرة، فهم بين هاتين الحالتين المشعرتين بتمام المبادرة لانتهاز الفرصة، مع ما يلوِّح إلى ما لهم من كمال الفروسية، وقوة الشجاعة، حيث لم تتوقف إجابتهم الصارخ على أن يكونوا على تمام الأهبة، ولا يفي بهذا الغرض إلا أن يقال: رأيتهم بين كذا وكذا، دون أن يقال: رأيتهم بين فريق كذا أو فريق كذا. هذا كلامه.
ولا أرى فرقًا كما زعم؛ لأن المعنى رأيتهم إما بين فريق ملجم مهره، وإما بين فريق سافع مهره، والمبادرة المذكورة مفهومة أيضًا. والصريخ: صوت المستصرخ والصارخ أيضًا، والمناسب هنا الأول، لأن السماع يتعلق بالأصوات.
ووقع في "الكشاف":
قوم إذا نقع الصَّريخ رأيتهم
قال الطيبي: النقيع الصراخ، ونقع الصوت واستنقع، أي: ارتفع،
أي: إذا صوَّت المصوت، ويروى:"إذا فزعوا الصريخ" والفزع: النصرة، والصريخ: الصارخ المستغيث. يصف القوم بأنهم يغيثون المستغيث بسرعة وينصرونه، وبعضهم يلجمون الخيل، وبعضهم يأخذون ناصية الخيل ولا يلجمون. انتهى كلامه.
و"ما" زائدة، ووقع موضعها "من". قال الدماميني: هي إما زائدة على رأي الأخفش والكوفيين، أي: رايتهم بين هذين القسمين لا يخرجون عنهما، وإما للابتداء متعلقة بفعل الرؤية، أي: إن رؤيتك إياهم ابتدأت من بين هذين القسمين، والملجم: اسم فاعل من ألجم فرسه، أي: أدخل اللجام في فمه، وإضافة ملجم لفظية أفادت التخفيف. والمهر بالضم: ولد الخيل، والأنثى مهرة، ويجوز هنا أن يكون مذكرًا مضافًا إلى ضمير الغيبة راجع إلى موصوف ملجم، أي: رجل ملجم مهره، أو فريق ملجم مهره، ويجوز أن يكون مهرة، بالتأنيث. والسافع: الممسك برأس فرسه ليركبه بسرعة من غير لجام، ومعموله محذوف، أي: بناصية فرسه. قال صاحب "الصحاح": صفعت بناصيته، أي: أخذت، قال الشاعر:
من بين ملجم مهره أو سافع
ومنه قوله تعالى: (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ)[العلق/ 15] انتهى. ورجعت إلى "أمالي ابن بري" عليه، فوجدته قال: صدره:
قوم إذا سمعوا الصَّريخ رأيتهم
ولم يتعرض لقائله، وإنما قال: والبيت الذي بعده لحميد بن ثور الهلالي الصحابي. وكأن العيني وقعت عينه عليه، فظن أن البيت الشاهد لحميد بن ثور فنسبه إليه، ولقده السيوطي، وتبعه ابن الملا وغيره، واستشهد به صاحب "الكشاف" وغيره عند تفسير تلك الآية، فقال شارح أبياته: البيت نسبه