الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأيت في ديوانه بعد هذا البيت:
ولقد نفعت بما منعت تحرُّجًا
…
مكس العشور على جسور السَّاحل
قد نال عد لك من أقام بأرضنا
…
فإليك حاجة كلِّ وفد راحل
إني لآمل منك خيرًا
…
البيت.
…
والله أنزل في الكتاب
…
البيت.
قال جامع ديوانه: كان أول شيء أظهره عمر بن عبد العزيز، رحمه الله تعالى، منع شتم علي، رضي الله تعالى عنه، وطرح العشور. انتهى. وقوله: المرخي عمامته، كان شعار القراء في ذلك الزمان إرخاء طرف العمامة، والمصفود: المقيد، والقرن بفتحتين: الحبل، والجهد: المشقة، وجهد البلاء: الحالة التي يختار عليها الموت، أو كثرة العيال والفقر، والشعثاء: السيئة الحال، والأرملة: المرأة التي لا زوج لها والمحتاجة، ورجل أرمل: محتاج، والخبل بفتح الخاء المعجمة وسكون الموحدة: المجنون، وكذا المس. والقدر بفتحتين: المقدَّر، وفي "تفسير السمين": القدر ما سبق به القضاء، والكتابة في اللوح المحفوظ، والمقدور: ما يحدث حالًا فحالًا. وقوله: كما أتى، الكاف للتشبيه، وما مصدرية، وموسى: هو ابن عمران النبي، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وترجمة جرير تقدمت في الإنشاد الحادي عشر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والثمانون:
(89)
وكان سيَّان أن يسرحوا نعمًا
…
أو يسرحوه بها واعبرَّت السُّوح
على أن "أو" فيه بمعنى الواو، لأن سواء وسيّين يطلبان شيئين، فلو جعلت أو لأحد الشيئين لكان المعنى: سيّان أحدهما، وهذا كلام مستحيل، قال أبو علي في كتاب "الشعر": والذي حسن ذلك للشاعر أنه يرى "جالس الحسن أو ابن سيرين" فيستقيم له أن يجالسهما جميعًا، و"كل الخبز أو التمر" فيجوز له أن يجمعهما في الأكل، فلما صارت مجرى الواو في هذه المواضع، استجاز أن يستعملها بعد سي، ولم نعلم ذلك جاء في سواء، وقياسه سيان. انتهى. وأوضحه في كتاب "الحجة" في أول سورة البقرة عند قوله تعالى:(سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)[البقرة/ 6] التسوية لا تكون إلا بين شيئين فصاعدًا، فإن قلت: فقد قال أبو عمرو: إن الأصمعي أنشد [هم] لرجل من هذيل:
وكان سيَّان أن يسرحوا نعمًا
…
أو يسرحوه بها واعبرَّت السوح
فأنشدهموه بأو، وسيان مثل سواء، ألا ترى أنه لا يستقيم: زيد أو عمرو سيان، كذلك لا يستقيم مع سواء، ولا تكون أو بمنزلة الواو، فالقول في ذلك أن هذا على ظاهر الاستحالة، وإنما استجاز هذا الكلام بأو لأنه يراه يقول: جالس الحسن أو ابن سيرين؛ فيجوز له أن يجالسهما ويسمع (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)[الإنسان/ 24] فلا يطيعهما، كما أنه إذا قيل له ذلك بالواو كان كذلك. فلما رآها تجري مجرى "الواو" في نحو هذه المواضع أجراها مجراها مع "سواء" و"سيان" فهذا كلام حقيقته ما ذكرنا، والذي سوغه عند قائله ما وصفنا، وكذلك قول المحدث:
سيَّان كسر رغيفه
…
أو كسر عظم من عظامه
انتهى كلامه.
وكتب أبو اليمن الكندي في هامشه: هذا البيت لأبي محمد
اليزيدي صاحب أبي عمرو ابن العلاء.
وأخذه ابن جني فوضعه في كتاب "الخصائص" وسماه تدريج اللغة، فقال: وذلك، أي: تدريح اللغة أن يشبه شيء شيئًا من موضع، فيمضي حكمه على حكم الأول، ثم يرَّقى منه إلى غيره، فمن ذلك قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين، فلو جالسهما جميعًا، لكان مصيبًا مطيعًا لا مخالفًا، وإن كانت [أو] إنما هي في أصل وضعها لأحد الشيئين، وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس "أو" بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى "أو" وذلك لأنه قد عرف أنه إنما رغب في مجالسة الحسن، لما لمجالسة في ذلك من الحظ، وهذه الحال موجودة في مجالسة ابن سيرين أيضًا، فكأنه قال: جالس هذا الضرب من الناس، وعلى ذلك جرى النهي في هذا الطرز من القول في قوله تعالى:(وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)[الإنسان/ 24] فكأنه – والله تعالى أعلم – قال: لا تطع هذا الضرب من الناس. ثم إنه لما رأى "أو" في هذا الموضع قد جرت مجرى الواو، تدرَّج من ذلك إلى غيره، فأجراها مجرى الواو في موضع عار من هذه القرينة التي سوَّغت استعمال "أو" في معنى الواو، ألا تراه كيف قال:
فكان سيَّان أن لا يسرحوا نعمًا .. البيت
وسواء وسيَّان لا يستعمل إلا بالواو. انتهى.
وسيّان مثنى "سيّ" بالكسر، بمعنى مثل، وأصله سوي، لأنه من السواء والسوية، فقلب وأدغيم عملًا بالقاعدة. وقول المصنف: وإنما قدرنا "كان" شأنية، لئلا يلزم الإخبار عن النكرة بالمعرفة كان ينبغي له أن يترك هذا، ويعلله بقولنا: لئلا يلزم الإخبار بخلاف المقصود فإن المقصود الإخبار عن السرح وعدمه بأنهما سيان في عدم النفع، وليس المراد الإخبار عن سيين بأنهما السرح وعدمه، وأما الإخبار عن النكرة بالمعرفة. فجائز في باب النواسخ كقوله:
يكون مزاجها عسل وماء
وإن كان عند المصنف من قبيل الضرورة، وعند ابن مالك والرضي وغيرهما جائز في النواسخ نظمًا ونثرًا.
قال أبو علي في كتاب "الشعر": إما أن يكون أضمر في "كان" الحديث أو الأمر، فيكون "سيّان" خبر الاسمين اللذين هما: أن لا يسرحوا نعمًا أو يسرحوه، أو يكون جعل "سيّان" المبتدأ، وإن كان نكرة، وأدخل كان على "سيان" والوجه الأول أشبه. انتهى. وكذا قال ابن يسعون في "شرح أبيات الجمل". وفي "المصباح": سرحت الإبل سرحًا – من باب نفع – وسروحًا أيضًا: وعت بنفسها، وسرحتها؛ يتعدى ولا يتعدى، وهو هنا متعد.
والنَّعم: المال الراعي، وهو جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: النعم الإبل
خاصة، والأنعام ذوات الخف والظلف، وهي الإبل والبقر والغنم، وقيل: تطلق الأنعام على هذه الثلاثة، فإذا انفردت البقر والغنم لم تسم نعمًا، كذا في "المصباح".
وضمير "بها" قال ابن يسعون: للسنة المجدبة التي دلّت الحال عليها، ويحتمل أن يريد البقعة التي وصفها بالجدب. والباء بمعنى "في" وغبرت: اسودت في عين من يراها، أو كثر فيها الغبار لعدم الأمطار، وروي بدله "وابيضت" والسُّوح: جمع ساحة، وهي فضاء يكون بين دور الحي، والواو للحال و"قد" مقدرة. انتهى.
قال أبو علي في "الحجة": وفي كتاب "الشعر": زعم أبو عمرو أن الأصمعي أنشدهم هذا البيت لرجل من هذيل، وأقول: جميع النحويين رووا هذا البيت كذا، وقد رأيته ملفقًا من بيتين في قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي وهما:
وقال راعيهم سيَّان سيركم
…
وأن تقيموا به واغبرَّت السُّوح
وكان مثلين أن لا يسرحوا نعمًا
…
حيث استرادت مواشيهم وتسريح
وعلى هذا لا شاهد فيه.
والقصيدة مرثية رثى بها أبو ذؤيب صديقًا له قتل في وقعة، وهذه أبيات من مطلعها:
نام الخليُّ وبتُّ اللَّيل مشتجرا
…
كأنَّ عيني فيها الصَّاب مذبوح
لمّا ذكرت أخا العمقى تأوَّبني
…
همِّي وأفرد ظهري الأغلب الشِّيح
المانح الأُّدم كالمرو الصِّلاب إذا
…
ما حارد الخور واجتث المجاليح
وزفَّت الشَّول من برد العشيِّ كما
…
زفتَّ النَّعام إلى حفَّانه الرُّوح
وقال ماشيهم سيَّان سيركم
…
. . . . البيتين
واعصوصبت بكرًا من حرجف ولها
…
وسط الدِّيار رذيَّات مرازيح
أما ألات الذُّرى منها فعاصبة
…
تجول بين مناقيها الأقاديح
لا يكرمون كريمات المخاض وأنـ
…
ـساهم عقائلها جوع وترزيح
قوله: نام الخلي
…
إلخ. قال السكري في "أشعار هذيل": الخلي الذي لا هم له، والمشتجر الذي قد وضع يده على حنكه أو فمه عند الهم، والصاب: نبت إذا شقَّ يخرج من ورقه كاللبن يحرق العين، ومذبوح: مشقوق، وقوله: لما ذكرت .. إلخ، العمقى، بضم العين المهملة وكسرها، وبالقصر، أرض قتل بها هذا الرجل المرثي. وتأوَّبني: أتاني ليلًا، وأفرد ظهري، أي: كان يمنع ظهري من العدو، والأغلب: الأسد الغليظ الرقبة، ورجل شيخ بالكسر، ومشيح، اسم فاعل من أشاح بالحاء المهملة: إذا كان جلدًا، يقول: خلَاّني
للأعداء. وقوله: المانح الأدم
…
إلخ، قال السكري: المانح: هو أن يعطي الأدم كالعارية يشرب لبنها سنة، كالمرؤ في صلابتها، والمرو: الحجارة البيض والخور: الغزار الرقاق، وليست بسمان، وحارد: ذهب ألبانها، وهي من المحاردة، والمجاليح: اللواتي يدررن في القرة والجهد، والواحدة مجالح، بضم الميم وكسر اللام.
وقال الدينوري في كتاب "النبات" وقد أورد هذه الأبيات، من بيت المجاليح إلى آخر ما أوردناه: مما وصف به المحل قول أبي ذؤيب، ومدح رجلًا ببذله ماله فيه، والمحاردة: انقطاع اللبن، والمجاليح: الصُّبر من النوق على الجدب، الباقية الألبان عليه، الواحدة المجالحة، فاحتثت لتدر ولا در بها. وقوله: وزفت الشول
…
إلخ، الزفيف: مشي سريع في تقارب الخطو، والشول: التي نقصت ألبانها، وخفت بطونها من أولادها، وأتى على نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية. والحفان، بفتح الحاء المهملة، وتشديد الفاء: صغار النعام والروح: نعت النعام، جمع أروح وروحاء، وصف من الروح – بفتحتين – وهو سعة في الرجلين، والأروح تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه. يقول: زفت الشول إلى أن تأتي مكانًا تستتر فيه، وإنما خص الشول لقلة صبرها على البرد، لخفة بطونها.
وقوله: وقال راعيهم سيان
…
إلخ. روى السكري: "وقال ماشيهم" أيضًا، وقال: يريد: اغبرت ساحات ما حولهم من الجدب، وماشيهم: يريد ماشي الحي، والممشي صاحبها، قال الباهلي: زعموا أن ماشيهم في معنى مشيهم،