الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: ثمت، قلت: هي ثم العاطفة، وإذا كانت مع التاء اختصت بعطف الجمل، كذا قيل. وقوله: لا يعنيني، أي: لا يهمني، أو بمعنى لا يقصدني، وروي بدل هذا المصراع:
وأعفُّ ثمَّ أقول ما يعنيني
من عفَّ عن الشيء، من باب ضرب: إذا امتنع. ورواه المبرد في "الكامل" كذا:
فأجوز ثم أقول لا يعنيني
وهو أول بيتين لرجل من بني سلول، ثانيهما:
غضبان ممتلئًا عليَّ إهابه
…
أنِّي وحقِّك سخطه يرضيني
وروى الأصمعي بيتين في هذا المعنى، وهما:
لا يغضب الحرُّ على سفلة
…
والحرُّ لا يغضبه النَّذل
إذا لئيم سبَني جهده
…
أقول زدني فلي الفضل
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والأربعون بعد المائة:
(141)
تمرُّون الدِّيار ولم تعوجوا
تمامه:
كلامكم عليَّ إذًا حرام
على أن حرف الجر من الديار قد حذف، وانتصب الديار بالفعل قبله،
فإذا قدرناه بعلي يكون على مذهب الأخفش، أو بالباء يكون على مذهب غيره. قال أبو حيان في شرح "التسهيل": أي: عن الديار، وليس المعنى بالديار، لقوله: ولم تعوجوا. انتهى.
وهذا الحذف والإيصال عده ابن عصفور من الضرائر الشعرية، وقال الرضي: والأخفش الأصغر يجيز حذف الجار مع غير أن وأنّ أيضًا قياسًا إذا تعيّن الجار.
والأخفش الأصغر هو أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، وهو تلميذ المبرد. وما نقله عنه مقيد بما إذا كان الفعل متعديًا بنفسه إلى واحد وإلى آخر بحرف جر، فحينئذ يجوز حذفه. وهذا كلامه فيما كتبه على "كامل المبرد" قال: فأما قوله:
وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
فإنما يريد: لقضى علي الموت، كما قال الله تعالى:(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ)[سبأ/ 14] فالموت في النية؛ وهو معلوم بمنزلة ما نطقت به، ومثله:(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ)[الأعراف/ 155] وكذلك قوله تعالى: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)[المطففين/ 3] والمعنى: إذا كالوا لهم، أو وزنوا لهم، أي: كالوا لهم الشيء ووزنوه لهم، والمكيل والموزون معلوم بمنزلة ما ذكر في اللفظ، ولا يجوز: مررت زيدًا، وأنت تريد: بزيد، لأنه لا يتعدى إلا بحرف، وذلك أنه فعل الفاعل في نفسه، وليس فيه دليل على مفعول، وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين فيتعدى إلى أحدهما بحرف الجر، وإلى الآخر بنفسه، لأن قولك: اخترت الرجال زيدًا، قد علم بذكرك زيدًا أن حر الجر محذوف من الأول، فأما قول جرير، وإنشاد أهل الكوفة له، وهو قوله:
تمرُّون الدِّيار ولم تعوجوا
…
كلامكم عليَّ إذًا حرام
ورواية بعضهم له:
أتمضون الدِّيّار ولم تحيا
فليستا بشيء، لما ذكرت لك، والسماع الصحيح والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة؛ أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد قال: قرأت على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
مررتم بالدِّيار ولم تعوجوا
فهذا يدلك على أن الرواية مغيَّرة. انتهى كلامه.
والبيت من قصيدة لجرير هجا بها الأخطل وهذا مطلعها:
متى كان الخيام بذي طلوح
…
سقيت الغيث أيَّتها الخيام
إلى أن قال بعد ثلاثة أبيات:
أقول لصحبتي لمّا ارتحلنا
…
ودمع العين منهمر سجام
أتمضون الرُّسوم ولا تحيَّى
…
كلامكم عليَّ إذًا حرام
أقيموا إنَّما يوم كيوم
…
ولكنَّ الرَّفيق له ذمام
بنفسي من تجنُّبه عزيز
…
عليَّ ومن زيارته لمام
ومن أمسي وأصبح لا أراه
…
ويطرقني إذا هجع النِّيام
أليس إذا طلبت فدتك نفسي
…
قضاء أو لحاجتي انصرام قضاء أو لحاجتي انصرام
أتنسى إذ تودِّعنا سليمي
…
بفرع بشامةٍ سقي البشام
إلى أن قال:
وتغلب لا يصاهرهم كريم
…
ولا أخوال من ولدوا كرام
على أست التغلبَّية حين تجنى
…
صليبهم وفي حرها الجذام
يسمَّون الفليس ولا يسمَّى
…
لهم عبد المليك ولا هشام
لقد ولد الأخيطل أمُّ سوء
…
على باب أستها صلب وشام
أهان الله جلدة حاجبيها
…
وما وارى من القذر اللِّثام
قوله: متى كان الخيام، يأتي إن شاء الله تعالى شرحه في بحث الواو.
وقوله: أقول لصحبتي .. إلخ، الصحبة: مصدر أراد به الأصحاب، والمنهمر: المنسكب، والسجام بالكسر: مصدر سجم الدمع: إذا سال، وقوله: أتمضون الرسوم
…
البيت، هكذا في ديوانه من رواية ابن حبيب، قال: أتمضون، أي: أتتركون، يقال: مضيت فلانًا: إذا جاوزته، ولم تسلم عليه، وكذلك: مضيت المنزل. انتهى. وكلامكم: مبتدأ، مصدر مضاف إلى مفعول، أي: كلامي إياكم، وحرام: خبر المبتدأ، وعلى متعلق بحرام، وتعوجوا: تعطفوا، يقال: عاج رأس بعيره: إذا عطفه بالزمام، وقوله: أقيموا إنما يوم
…
إلخ، قال: يقول: أقيموا يومكم هذا، فإنكم تدركون في غد ما تطلبون في يومكم، فاقضوا ذمامي بالمقام. وقوله: ومن زيارته لمام، قال: يريد خيالها، واللمام: المرة في الحين.
وقوله: أتنسى إذ تودعنا
…
إلخ، قال السيد المرتضى في "أماليه": دعا للبشام، وهو شجر، بالسقيا، لأنها ودعته عنده فسر بتوديعها. انتهى. وفي هامش نسخته، وهي نسخة قديمة: الصحيح أنها أشارت إليه بقضيب بشام مودعة، فدعا للبشام، لأن الوداع كان عنده.