الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثير، وبها اشتهر، ولا يبعد أنه كنى بمية عن عزة، تمويهًا وتصنعًا. وعفاه: غير آثاره ودرسه، والأسحم: الأسود، والمراد به هنا السحاب، لأنه إذا كان ذا ماء يرى أسود لامتلائه. والمستديم: صفة كل، وهو السحاب الممطر مطر الديمة، والديمة: مطرة أقلها ثلث النهار وثلث الليل.
وترجمة كثير عزة تقدمت في الإنشاد التاسع عشر.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد المائة:
(124)
كأن لم يكونوا حمىً يتَّقى
…
إذ النَّاس إذ ذاك من عزَّ برَّا
على أن "إذ" الأولى متعلقة بيكونوا، أو بحمى، أو بيتقي. والثانية: متعلقة ببز، وذاك: مبتدأ خبره محذوف، تقديره كائن.
وإعراب هذا البيت جميعه من كلام أبي علي، قال في كتاب "الإيضاح الشعري": قولها: إذ ذاك، لا يجوز أن يكون خبرًا للناس، لأنك لا تقول: الناس أمس، ولكن التقدير: إذ الناس من عزّ منهم بز إذ ذاك، فيرجع الذكر الذي تقدره محذوفًا إلى الناس، مثل: السمن منوان بدرهم، ويكون قوله: إذ ذك متعلقًا ببز، ومن بمعنى الذي، ولا يكون بمعنى الجزاء لأن الشرط وجوابه لا يعمل واحد منهما فيما قبله عندهم. ومن أجاز من البغداديين أن يعمل جزاء الشرط فيما تقدمه؛ جاز على قياس قوله أن يكون من شرطًا، وبز جوابه، وإذ منتصب الموضع به. وقوله:"إذ ذاك" ذاك: مرتفع بالابتداء، وخبره محذوف، لأن إذ لا تضاف إلا إلى جملة، والتقدير: إذ ذاك كائن أو موجود. انتهى كلامه.
وزاد في "التذكرة القصرية": ويجوز أن تكون "إذ" الأولى متعلقة بحمى أو بيتقى، ويريد: بذاك الحمى المتقى.
وقال في نسخة أخرى منها: لا تتعلق إذ الثانية بمحذوف بعد الناس، لأن ظرف الزمان لا يتضمن الجثة، ولا بما من عزّ بزَّ، لأن الشرط لا يعمل فيما قبله، وإذا كان كذلك؛ كان متعلقًا بما يدل عليه قوله: من عزَّ بزَّا، كأنه قال: إذ الناس إذ ذاك يتغالبون ونحوه، ولا يجوز أن تكون بدلًا من إذ الأولى، لأن الجملة المضافة إليها إذ الأولى لم تتم، فإن قلت: فأضمر للناس خبرًا كأنه مغالبون، وأبدلها من الأولى، وأضمر لذاك خبرًا أيضًا؛ قلت: ما ذكرت غير ممتنع. انتهى.
وأخذه ابن الشجري أيضًا: فقال في المجلس الثاني والثلاثين من "أماليه": من في البيت بمعنى الذي، وموضعها مع عزَّ رفع بالابتداء، وبزَّ: خبرها، والجملة التي هي المبتدأ وخبره: خبر عن المبتدأ الأول الذي هو الناس، والعائد إلى الناس محذوف، كما حذفوه من قولهم: السمن منوان بدرهم، يريدون: منوان منه، وكذلك التقدير: من عزَّ بزَّ منهم، ولا يجوز أن يكون "إذ ذاك" خبرًا عن الناس، لما ذكرته لك من امتناع الإخبار بظروف الزمان عن الأشخاص. وإذا بطل أن يكون "إذ ذاك" خبرًا عن الناس؛ بقي أن يتعلق بـ "بز"، ولا يجوز أن تكون من شرطية، لأن الشرط وجوابه لا يعمل واحد منهما فيما قبله بإجماع البصريين، كما لا يتقدم على الاستفهام ما يكون في حيزه. وأجاز قوم من البغداديين أن يعمل جواب الشرط فيما تقدم عليه، لمفارقته الاستفهام بكونه خبرًا، فعلى قوم هؤلاء يحتمل "من" أن تكون شرطًا، فأما ذاك فموضعه رفع بالابتداء، وخبره محذوف، أي: ذاك كائن أو موجود، ولا يجوز أن يكون موضع ذاك على انفراده خفضًا، لأن "إذ" لا تضاف إلا إلى جملة، فموضع الجملة التي هي ذاك وخبره جر. انتهى كلامه.
وقولهم: جملة "من عزَّ بزَّ" خبر للناس بتقدير العائد؛ خدشه ابن الحنبلي بأن قولها: من عزَّ بزَّ، مثل سائر، واللائق أن يكون محكيًا، وأن لا يكون خبرًا عن الناس بتقدير: من عز منهم، بل بتقدير: مقول في حقهم: من عزَّ بز، كما قال أبو الدرداء:"وجدت الناس اخبر تقله" ويروى: "اخبرهم تقله" أي: تبغض، والهاء للسكت، ولو كانت ضميرًا لقيل: تقلهم، فإن تقديره: مقولًا في حقهم كذا، وإن اشتهر أن تقدير القول فيه، لأن الجملة الواقعة مفعولًا ثانيًا لوجدت غير خبرية، لا لكونها مثلًا محكيًا. انتهى.
والبيت من قصيدة للخنساء، قال جامع ديوانها الأخفش: وقالت تبكي إخوتها وزوجها:
تعرَّقني الدهر نهسًا وحزَّا
…
وأوجعني الدّهر قرعًا وغمزا
وافنى رجالي فبادروا معًا
…
فغودر قلبي بهم مستفزّا
لذكر الذين هم في الهيا
…
ج للمستضيف إذا خاف عزَّا
وهم في القديم سراة الأديم والكائنون من الخوف حرزا
وكانوا سراة بني مالك
…
وزين العشيرة فخرا وعزَّا
كأن لم يكونوا حمىً يتَّقى
…
إذ النَّاس إذ ذاك من عزَّ بزَّا
هم منعوا جارهم واللُّجا
…
ة يحفز أجوافها الموت حفزا
غداة لقوهم بملومة
…
رداح تغادر للأرض ركزا
ببيض الصِّفاح وسمر الرِّماح
…
فبالبيض ضربا وبالسُّمر وخزا
وخيل تكدَّس بالدَّارعين تحت العجاجة يجمزن جمزا
جززنا نواصي فرسانها
…
وكانت تظنُّ بأن لا تجزَّا
ومن ظنَّ مَّمن يلاقي الحرو
…
ب بأن لا يصاب فقد ظنَّ عجزا
نضيف ونعرف حقَّ القرى
…
ونتِّخذ الحمد والمجد كنزا
ونلبس في الحرب نسج الحديد
…
وفي الحيِّ نلبس خزّا وقزَّا
وقد أورد المبرد هذه القصيدة في آخر باب اختصار الخطب، والتحميد والمواعظ، من آخر "الكامل" وذكر شيئًا كثيرًا من مراثيها لأخويها معاوية وصخر، وذكر سبب قتلهما. وأورد هذه القصيدة ابن الشحري أيضًا في المجلس المذكور من "أماليه" وشرحها. ونحن نورد هنا ما يتعلق بها من كلام شارح ديوانها الأخفش، ومن كلام ابن الشجري وغيرهما تكميلًا للفائدة. قال ابن الشجري: العرق بالفتح: العظم بما عليه من اللحم وجمعه عراق – بالضم – يقال: عرقت العظم وتعرقته؛ إذا أخذت ما عليه من اللحم، ويقال للعظم الذي أخذ لحمه: العراق أيضًا، والنهس بالسين المهملة: القبض على اللحم بالأسنان ونتره، ومثله النهش بالمعجمة. والحزُّ: قطع غير نافذ، ومثله القرض، ويكون نافذًا لقولهم: حزَّة من بطيخ: وحزة من كبد، والقرع: مصدر قرعته بالعصا وبالسيف، والغمز: غمزك الشيء اللين بيدك كالتين ونحوه. وأرادت: أن الدهر أوجعها بكبريات نوائبه وصغرياتها. وانتصاب نهسًا وحزًا بتقدير: نهسني نهسًا، وحزني حزًا، وإضمار ناصب المصدر المأخوذ من لفظه [كثير] الاستعمال كقولهم: ما أنت إلا نومًا، ويجوز أن يكون انتصابها على الحال، ووقوع المصدر في موضع اسم الفاعل، وموضع اسم المفعول حالًا مما اتسع استعماله. ويجوز أن يكون بنزع الخافض، أي: تعرقني بنهس وحز، ويجوز على التمييز؛ لأن التعرق لما
احتمل أكثر من وجه، فجاز أن يكون بالنهس وبالحز، أو الكشط أو غير ذلك؛ ذكر كل واحد منهما تبيينًا، ويحتمل الأوجه الأربعة قرعًا وغمزًا. وكررت الدهر فلم تضمره تعظيمًا للأمر. وقولها:
فأفنى رجالي فبادوا معًا
…
البيت
يأتي شرحه إن شاء الله تعالى، في بحث "مع" وقولها: لذكر الذين: اللام متعلقة بمستقر، قال الأخفش: الهياج: القتال، والمستضيف: المستغيث، يقال: أضافه أمر كذا؛ إذا أشفق منه، والمضوفة: الشديدة التي يشفق منها. والعزُّ: الغلبة، يقال: عزّه أمر كذا؛ إذا غلبه، يعزُّه. وهذا البيت انفرد بروايته الأخفش. وقولها: وهم في القديم سراة الأديم؛ قال ابن الشجري: سراة الشيء: ظاهره، وقال الأخفش: سراة كل شيء: أعلاه. والحرز: الحصن، ويروي:"وهم في القديم صحاح الأديم" أي: هم صحيح نسبهم، ليس مخلوطًا، وهو ذوو منعة لمن استجار بهم. انتهى.
وقولها: وكانوا سراة بني مالك، هذا البيت ساقط من رواية الأخفش، قال ابن الشجري: سراة القوم، سادتهم ذوو السخاء والمروءة، واحدهم سري، وانتصاب فخرًا وعزًا على التمييز، والعامل زين.
وقولها: كأن لم يكونوا حمى
…
إلخ، قال ابن الشجري: الحمى: نقيض المباح، وعز ههنا معناه: غلب، وبز، معناه: سلب، تقول: بززت الرجل إذا سلبته سلاحه، ويقال للسلاح المسلوب: هذا بز فلان. انتهى. وقال الأخفش: الحمى: الشيء الممنوع، وزعمت أنهم كانوا حمى يتقيه الناس، ولا يدنون منه لعزهم. من عز بز، أي: من غلب سلب. انتهى. وفي "المقصور والممدود" لأبي علي القالي: الحمى: مقصور يكتب بالياء، وهو الموضع الذي
يمنع منه أن يقرب، يقال: جعل فلان أرضه حمى: إذا منعها من أن تقرب، ويقال: حماها يحميها، إذا منع منها من أن تقرب، وأحماها يحميها إحماء؛ إذا جعلها حمى لا تقرب. وللعرب حميان معروفان: حمى الرّبذة، وحمى ضريّة. انتهى.
وقال أبو طالب: المفضل بن سلمة الضبي في كتاب "الفاخر": قولهم: من عزَّ بزَّ، قال الأصمعي: يقال: عزه يعزه؛ إذا غلبه. يعني: من باب نصر، وبز: سلب، يقال: بززته ثيابه، أي: سلبته، فمعنى الكلام: من غلب سلب، قالت الخنساء:
كأن لم يكونوا حمىً يتقى
…
البيت
والبزة: الثياب والسلاح، ومنه قولهم: فلان حسن البزة، أي: حسن اللباس والثياب وأول من قال: من عز بز، رجل من طي، يقال له: جابر بن رألان، أحد بن ثعل، وكان من حديثه أنه خرج ومعه صاحبان له، حتى إذا كانوا بظهر الحيرة، وكان للمنذر بن ماء السماء يوم يركب فيه، فلا يلقى أحدًا إلا قتله، فلقي في ذلك جابرًا وصاحبيه، فأخذتهم الخيل بالثويَّية، فأتي بهم المنذر، فقال: اقترعوا، فأيكم قرع خلَّيت سبيله، وقتلت الباقين، فاقترعوا، فقرعهم جابر، فخلى سبيله وقتل صاحبيه، فلما رآها يقادان ليقتلا قال: من عز بز، وقال في ذلك شعرًا تركناه.
وقولها: هم منعوا جارهم
…
إلخ، قال الأخفش: اللجاة: الذين يلجؤون إليهم. ويحفز: يدفع، حفزًا: دفعًا. انتهى. ورواه المبرد وابن الشجري كذا:
وهم منعوا جارهم والنساء
…
يحفز أحشاؤها الخوف حفزا
روي برفع أحشاء، ونصب الخوف، وبالعكس.
وقولها: غداة لقوهم بملومة
…
إلى آخر البيتين، وهما ساقطان من رواية
الأخفش، قال ابن الشجري: بملومة، أي: بكتيبة ملومة، وهي التي كثر عددها، واجتمع فيها المقنب إلى المقنب. والرداج: الكثيرة الفرسان، وامرأة رداح: قيلة الأوراك. والركز: الصوت الخفي، وجمعها بين الصفاح والرماح، كجمعها بين القديم والإديم في حسن الترصيع، يقال لكل سيف عريض: صفيحة، وقياس جمعها صفائح. وأما وصفهم الرماح بالسمرة، إذا بالغوا في مدحها؛ فإن القنا إذا بقي في منابته حتى يسمر، دل ذلك على نضجه وشدته. انتهى كلامه. والباء متعلقة بحال من المضمر في "تغادر" أي: تغادر الملومة للأرض ركزًا ملتبسة ببيض الصفاح. والباء من قولها: فبالبيض، متعلقة بالفعل الناصب للمصدر، أي: فيضربون بالبيض ضربًا. وكذلك: وبالسمر وخزًا، تقديره: ويخزون بالسمر وخزًا. والوخز: الطعن بالرمح وغيره، ولا يكون نافذًا.
وقولها: وخيل تكدس.، إلخ، الواو: واو رب، وتكدس، مضارع أصله تتكدس، قال ابن النجري: التكدس: مشي الفرس مثقلًا، والجمز من السير: أشد من العنق، ومنه قيل للبعير: جماز. انتهى. وقال الأخفش: تكدس: تدفع بعضها بعضًا، والدارعين: فرسانها الذين لبسوا الدروع، والعجاجة: غبار الحرب، والجمز: فوق المشي ودون الوثب. انتهى.
وقولها: جززنا نواصي
…
إلخ، قال الأخفش: كانوا إذا أسروا أسيرًا منَّ ملوك العرب وساداتهم؛ جزوا ناصيته وجعلوها في كنائنهم يفتخرون بها، فيقول الرجل: عندي ناصية فلان، وإذا رؤي الأسير مجزوز الناصية، علم أنه قد من عليه. انتهى. ولم يكتب فيه ابن الشجري شيئًا.
وقولها: ومن ظن ممن
…
إلخ، قال ابن الشجري: الباء في قولها: بأن لا يصاب: زائدة، ويجوز في يصاب الرفع على أن تكون "أن" مخففة من الثقيلة، والنصب على أن تكون المصدرية التي وضعت خفيفة. انتهى كلام ابن
الشجري، وحذفنا منه ما لا تعلق له بكلامها. وقولها: فقد ظن عجزًا، قال ابن الدهان في "الغرة" وهو شرح "اللمع" لابن جني: وفيه وجهان، أحدهما: أن عجزًا صفة مصدر محذوف، أي: ظنًا عجزًا، والثاني: أن يكون حالًا، أي: فقد ظن عاجزًا.
وقولها: نضيف ونعرف حق القرى، رواه المبرد وابن الشجري:
نعفُّ ونعرف حقّ القرى
…
ونتَّخذ الحمد ذخرًا وكنزا
قال الأخفش: القرى: الإطعام، وأصله الجمع، يقال: قد قرى الماء في حوضه. وقولها: ونلبس في الحرب
…
إلخ، هذا البيت ساقط من رواية ابن الشجري، ورواه المبرد كذا:
ونلبس طورًا ثياب الوغى
…
ونلس طورًا بياضا وبزَّا
والخنساء: هي بنت عمرو بن الثَّريد: وينتهي نسبها إلى سليم، واسمها تماضر. والخنساء: مؤنث الأخنس، والخنس: تأخر الأنف عن الوجه، مع ارتفاع قليل في الأرنبة، ويقال لها: خناس أيضًا، بضم الخاء. وهي صحابية، رضي الله تعالى عنها، قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، مع قومها بني سليم، وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، يعجبه شعرها، ويستنشدها ويقول: