الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهامة: الرأس، والجمع هام.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والتسعون:
(91)
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا
…
إلى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسَّبوه فألفوه كما ذكرت
…
تسعًا وتسعين لم تنقص ولم تزد
على أن الكوفيين قالوا: أو فيه بمعنى الواو، ويقويه أنه روي:"ونصفه" قال أبو حيان في "شرح التسهيل": وأما قول النابغة فـ"أو" فيه للشك، والتقدير: أو هذا الحمام ونصفه، فحذف المعطوف عليه وحرف العطف، وهو الواو، ولا يبعد شك النابغة فيما قالت فتاة الحي، ولا يقدح في هذا التأويل رواية من رواه بالواو، لاحتمال أن يكون شاكًا، إلا أنه أخبر بما غلب على ظنه في هذه الرواية، وصرح بشكه في الرواية الأخرى. انتهى.
وفي هذا الجواب نظر، فإنها لم تتمن أحدهما وإنما تمنت الحمام الطائر، مع مثل نصفه، وبه تتم العدة تسعًا وتسعين، فكيف يشك النابغة مع تصريحه بالعدة! وقد أخذ أبو حيان هذا الجواب من كتاب "الانتصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري.
والبيت من قصيدة للنابغة الذبياني، خاطب بها النعمان بن المنذر، وعاتبه بها، واعتذر إليه مما اتهم به عنده، وتقدم شرح أبيات من أواخرها، وذكر سببها مع ترجمته في الإنشاد الثالث والعشرين. وقبله:
فاحكم كحكم فتاة الحيِّ إذ نظرت
…
إلى حمام شراع وارد الثَّمد
يحفُّه جانبا نيق وتتبعه
…
مثل الزُّجاجة لم تكحل من الرَّمد
قالت ألا ليتما
…
. . . . . . إلى آخر البيتين
فكَّملت مائةً فيها حمامتها
…
وأسرعت حسبةً في ذلك العدد
قوله: فاحكم كحكم فتاة الحي، أي: كن حكيمًا كهذه الفتاة أي: أصب في أمري كإصابتها في حدسها بالنظر الصحيح، ولا تسمع كلام مفترٍ، وسعاية واشٍ في حقي. وهو من الحكم الذي يراد به الحكمة لا القضاء، وكلاهما من باب نصر. وأراد بفتاة الحي: زرقاء اليمامة، واليمامة اسمها، وسميت البلدة باسمها، وقيل: اسمها عنز، وفي الأمثال:"أبصر من زرقاء اليمامة" قال الزمخشري: هي من بنات لقمان بن عاد، ملكة اليمامة، وهي إحدى الزرق الثلاث أعينها، والزباء والبسوس، وكانت جديسية، وحين قتلت جديس طسمًا استجاس قبيلة طسم حسان بن تبع، فلما صاروا من جر - وهي اليمامة على - مسيرة ثلاث ليال، صعدت الأطم، فنظرت إليهم، وقد استتر كل بشجرة تلبيسًا عليها، فارتجزت بقولها:
أقسم بالله لقد دبَّ الشَّجر
…
أو حمير قد أخذت شيئًا تجر
فكذبها قومها، فما تأهبوا حتى صبحهم الجيش، ولما ظفر حسان بها قال: ما كان طعامك؟ قالت: درمكة في كل يوم بمخ، قال: فبم كنت تكتحلين؟ قالت: بالإثمد، وشق عينها فرأى عروقًا سودًا من الإثمد، وهي أول من اكتحل بالإثمد من العرب، انتهى المقصود منه.
والحمام قال ابن قتيبة في "أدب الكاتب": يذهب الناس إلى أنها الدواجن التي تستفرخ في البيوت، وذلك غلط، إنما الحمام ذوات الأطواق وما أشبهها مثل الفواخت والقماري والقطا، قال ذلك الأصمعي، ووافقه عليه الكسائي، قال حميد بن ثور:
وما هاج هذا الشَّوق إلَاّ حمامة
…
دعت ساق حرّ ترحة وترنّما
فالحمامة هنا القمّرية، وقال النابغة:
واحكم كحكم فتاة الحيّ
…
.. البيت.
قال الأصمعي: هذه زرقاء اليمامة نظرت إلى قطًا قال: وأما الدواجن في البيوت، فإنها وما شاكلها من طير الصحراء اليمام. انتهى.
قال ابن السيد في شرحه: ليس في بيت النابغة من الدليل على أنه أراد بالحمام القطا، مثل ما في بيت حميد من الدليل على أنه أراد بالحمامة القمرية، وإنما علم ذلك بالخبر المروي عن زرقاء اليمامة أنها نظرت إلى قطا، فقالت:
يا ليت ذا القطا لنا
…
ومثل نصفه معه
إلى قطاة أهلنا
…
إذن لنا قطًا ميه
وقد روي أنها قالت:
ليت الحمام ليه
…
إني حمامتيه
ونصفه قديه
…
تمَّ الحمام ميه
ثم قال: وكان الأصمعي يروي "شراع" بالشين المكسورة معجمة، يريد: التي شرعت في الماء، وروى غيره:"سراع" بالسين غير معجمة، وهما جمع شارعة وسريعة، والرواية الثانية أجود للتأسيس، ولما كان الحمام اسم جنس، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، جاز أن يعتبر جمعًا ومفردًا، كما هنا، فباعتبار الجمعية قال: سراع، وباعتبار الإفراد قال: وارد، والورود: الوصول إلى الماء، سواء دخل فيه أم لا، والثمد، بفتحتين: الماء القليل.
وهذا البيت من شواهد سيبويه، قال الأعلم: الشاهد فيه إضافة وارد إلى الثمد على نية التنوين والنصب، ولذلك نعت به النكرة مع إضافته إلى المعرفة، إذ كانت إضافته غير محضة انتهى.
وقوله: يحفُّه جانبًا نيق
…
إلخ، حفه: أحاط به، و"الهاء" ضمير الحمام، وجانبا: مثنى جانب مضاف إلى النيق، بكسر النون، قال ابن قتيبة في "أبيات المعاني": النيق: الجبل، يقول: كان الحمام في موضع ضيق قد ركب بعضه بعضًا، فهو أشدّ لعدّه، وقوله: وتتبعه، المستتر ضمير الفتاة، والهاء للحمام، ومثل: مفعوله، صفة لموصوف مقدر، قال ابن قتيبة: أي: تتبعه عينًا مثل الزجاجة، لم تكحل تلك الفتاة من الرمد، أي: لم يكن بها رمد فتكحل منه، مثل قول الآخر:
على لاحب لا يهتدي لمناره
وقوله: قالت ألا ليتما هذا الحمام .. هذا البيت من شواهد سيبويه، على أن ليت إذا اتصل بها "ما" جاز إعمالها وإلغاؤها. ويجيء الكلام عليه - إن شاء الله تعالى - في بحث "ليت" وفي بحث "ما". و"لنا" خبر ليت، و"إلى حمامتنا" في موضع الحال من ضمير الظرف. وقوله: أو نصفه، يجوز فيه الرفع مع نصب الحمام، قال المصنف في "شرح أبيات ابن الناظم": وذلك بالعطف على الضمير المستتر في "لنا" لوجود الفصل، و"قد" بمعنى حسب: مبتدأ خبره محذوف، أي: فقدي ذلك، قاله المصنف. قال ابن الملا: وفيه إشارة إلى أن "فقدي" بياء المتكلم، كما هو في قول الزرقاء، إلا أن الفاء دخلت تحسينًا للفظ وإرشادًا إلى أن ضميري حمامتنا ولنا، ليسا للمتكلم مع الغير، بل أريد بهما ما أريد بضميري قولها: ليه، وحمامتيه.
وأما رسم "فقد" بدون ياء المتكلم، فكرسم قوله تعالى:(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة/ 186] وقد روي مرسومًا فقدي. واستشهد به ابن الجشري في "أماليه" على جواز ترك نون الوقاية مع قدي وإن كان الأكثر قدني.
وقوله: فحسبوه بتشديد السين: بمعنى حسبوه بالتخفيف، أي: عدوه والهاء في الموضعين ضمير الحمام، وألفوه: وجدوه. قال ابن قتيبة: نظرت هذه