الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
72 - باب الوضُوء منْ لُحومِ الإِبلِ
184 -
حَدَّثَنا عُثْمان بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حَدَّثَنا الأعمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللْهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرّازِيّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ قالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الوضوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، فَقالَ:"تَوَضَّئُوا مِنْها" وَسُئِلَ عَنْ لُحومِ الغَنمِ، فَقالَ:"لا تتوَضَّئُوا مِنْها" وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ فِي مَبارِكِ الإِبِلِ، فَقالَ:"لا تُصَلُّوا فِي مَبارِكِ الإِبِلِ؛ فَإنَّها مِنَ الشَّياطِينِ" وَسُئِلَ عَنِ الصَّلاةِ في مَرابِضِ الغَنَمِ، فَقالَ:"صَلُّوا فِيها فَإِنَّها بَرَكَة"(1).
* * *
باب في الوضوء من لحوم الإبل
[184]
(ثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، قال: ثَنا أَبُو مُعَاوِيَةَ) الضرير، قال:(ثَنا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ اللِه الرَّازِي) قاضِي الري، من موالي بني هَاشم الكوفي، وثقه أحَمد بن حنبل وغَيره (2).
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (3) بْنِ أَبِي لَيلَى) الأنصَاري، كان أصحَابه يُعظمونه كأنهُ أمير (عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الوضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، فَقَالَ: تَوَضَّؤُوا مِنْهَا) طَلبُ الوضوء هنا
(1) رواه الترمذي (81)، وابن ماجه (494)، وأحمد 4/ 288، 303، وابن خزيمة (32)، وابن حبان (1128). وسيأتي مختصرا برقم (493).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(178).
وله شاهد من حديث جابر بن سمرة عند مسلم (360).
(2)
"تهذيب الكمال" 15/ 184.
(3)
كتب هنا فوقها في (د): ع.
يحتمل أن يراد به الوضاءة، وهو الحُسْن والنظافة، وأن يَراد به المُستَعمل في الشرع، وهو غسْل الأعضاء الأربعة، ويحتمل أن يراد به غسل الكفين؛ لإزالة الرائحة والزهومَة، والزفورة الموجودة في لحم الإبل، ويحتمل أن يكون طلب الوضُوء على سَبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب. فإن أريد به الوضاءة والنظافة، أو غسْل الكفَّين، أو الوضوء على سَبيل الاستحباب فليسَ بمنسُوخ، فقد كانَ عُمر بن عَبد العزيز يتَوضأ مِن أكل السُّكر، والأكثرون ذَهبوا إلى أنه لا ينقض الوضُوء وممَّن ذهبَ إليه: الخلفاء الأربعة، وابن مسْعود، وأبي بن كعب، وابن عَباس، وأبو الدرداء، وغَيرهم، وجَماهير التابعين ومَالك وأبو حَنيفة والشافعي (1). وذَهَبَ إلى انتقاض الوضوء به: أحمد وإسحاق بن راهويه (2)، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر ابن المنذر (3)، وابن خزيمة (4)، واختارهُ أبو بكر البيهقي، فقال:[حَكى بَعض](5) أصحابنا عَن الشافعي قالَ: إن صَح الحَديث في لحوم الإبل قلتُ به.
قالَ البيهقي: وقد صَح فيه حدَيثان: حَديث جَابر بن سمرة (6)، وحَديث البراء، قالهُ أحمد وإسَحاق بن راهُويه (7).
(1)"الاستذكار" 1/ 179، "الأصل" 1/ 58، "الحاوى" 1/ 205 - 206.
(2)
"مسائل الكوسج" 1/ 107 - 108 (112).
(3)
"الأوسط" بتحقيقنا 1/ 248.
(4)
"صحيح ابن خزيمة" 1/ 47.
(5)
في (م): حُكِي عن بعض.
(6)
رواه مسلم (97/ 360)، والترمذي (81).
(7)
"معرفة السنن" 1/ 254، 255.
قال النووي: وهذا المذهب أقوى دليلًا (1).
قالَ الخَطابي (2): ذَهبَ إلى هذا عَامة أصحاب الحَديث، وأجَاب (3) الأكثرون عَن هذا الحَديث بأنه منسوخ بحديث جَابر الآتي وهو ترك الوضوء مما مَستهُ النار. ولكن يُقال: هذا الحَديث عَام وحَديث الوضوء من لحُوم الإبل خَاص، والخاص مُقدم على العَام فادعَاء النسخ لا يصح؛ لأن العَام لا ينسخ به الخاص؛ لأن من شرط النسخ تعذر الجمع.
والجمع بين الخاص والعَام ممكن بتنزيل العَام على ما عدا محَل التخصيص؛ ولأن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مسته (4) النار أو مقارن له، بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم، وهي مما مسَّت النار، فإمّا أن يكون النسخ حَصَل بهذا النهي. وإما أن يَكون بشيء قبلهُ فإن كانَ به؛ فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غَيرت النار، فكيف يجوز أن يكون منسوخًا به؟ ! ومن شرط النسخ تأخر الناسخ، وإن كان النسخ قبله (5) لم يَجز أن ينسَخ بما قبله؛ ولأن أكل لحم (6) الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا بكونه مما مسَّته النار، وبهذا ينقض وإن كان نيئًا فنسخ إحدى الجهتين لا [يثبت به](7)
(1)"المجموع" 2/ 66.
(2)
"معالم السنن" 1/ 67.
(3)
في (د): وأجابه.
(4)
في (ص): مس به.
(5)
في (ص، س): فيه.
(6)
في (د): لحوم.
(7)
في (ص): بتنزيه.
نسخ الجهَة الأخرى، كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع، لم يكن نسخًا لتحريم الربيبة.
(وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الغَنَمِ، فَقَالَ (1): لَا تَوضَّؤُوا) أصله: تَتَوَضَّؤُوا بتاءين، فحذفت إحدَاهما تخفيفًا.
(مِنْهَا) أي: لا تتوضؤوا الوضوء الشرعي منها، وإذا انتفى الوضُوء الشرعي لا ينتفي غَيره، وهو غسل الكفين، فإنهُ مستحب؛ لما روى الترمذي والحَاكم عن أبي هريرة، قال رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان حسّاس لحاس؛ فاحذروهُ على أنفسكم [من بات] (2) وفي يده غمر فأصَابهُ شيءٌ، فلا يلومَن إلا نفسه"(3) وفي رواية أبي داود الآتية: "وفي يده غمر لم يَغسله"(4) وحَساس، والغمر: ريح اللحم وزهُومَته.
(وَسُئِلَ عَنِ الصلَاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ) المبَارك: جمع مَبرك، بفتح الميم والراء، وهو موضع بروكها.
(فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؛ فَإِنَّها مِنَ الشَّيَاطِينِ) يُوضحهُ ما رواهُ الشافعي والطبراني من حَديث عَبد الله بن مغفل (5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أدركتم الصَّلاة وأنتم في أعَطان الإبل فاخرجوا منها وصلُّوا (6)؛ فإنها
(1) في (ص، ل): فقالوا.
(2)
سقطت من (ص).
(3)
"سنن الترمذي"(1859)، "المستدرك" 47/ 119. قال الترمذي: غريب من هذا الوجه. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذِه الألفاظ.
(4)
ستأتي برقم (3852).
(5)
في (س): معهر.
(6)
سقطت من (س، ل، ص).
جِنّ خلقت من الجنّ، ألا ترى إذا نفرت تشمخ بأنفها؟ ! " (1) لكن في إسنَاده إبراهيم بن يحيى (2)، ففي هذا دليل على النهي عن الصَّلاة في مَبارك الإبل، وأعطان الإبل: مَبَاركها عند الماء، ووجه الكراهة كونها محل الشياطين، ويدُل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحَديث الصَحيح: "أخرجوا من هذا الوادي؛ فإنَّ فيها شيطانًا" (3).
(وَسُئِلَ عَنِ الصلَاةِ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ" المرابض: جَمع مَربض، بفَتح الميم وكسر البَاء كمجلس، وهو مأواها ليلًا، والربوض للغَنمَ كالاضطجاع للإنسان والبرُوك للجَمل.
(فَقَالَ: صَلُّوا فِيهَا) هو أمر إباحة، وفيه دليل على أنَّ الصَّلاة تكون في موضع يكونُ فيه الغَنم، غَير مكروهة (4)؛ لما في رواية الشافعي والطبراني المتقدمة:"إذا أدركتُم الصَّلاة وأنتم في مراح الغَنَم فصلوا فيها".
(فَإِنَّهَا) سَكينة و (بَرَكةٌ) قال القرطبي: وفيه دليل على ما قاله مَالك مِنَ طَهَارة فضلة ما يُؤكل لحمهُ؛ لأن موضع إقامتها لا يخلو من أبوالها وأرواثها. قال: وأمّا نهيهُ عن الصَّلاة في معاطن الإبل فليس لنجاسة فضلاتها، بل لأمر آخر إمّا لنَتن معاطنها، أو لئلا تنفر وهو في الصَّلاة؛ فيُشوش على المصلي وهذا كله مما ينبغي أن يجتنبه المُصلي (5).
* * *
(1)"مسند الشافعي" بترتيب السندي 1/ 67 (199).
(2)
هكذا في النسخ. والذي في "مسند الشافعي": إبراهيم بن محمد.
(3)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 2/ 449.
(4)
في (س، ل، م): مكروه.
(5)
"المفهم" 1/ 605 - 606.