الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
55 - باب فِي الاسْتِنْثارِ
140 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ماءً ثُمَّ لْيَنْثُرْ"(1).
141 -
حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، حَدَّثَنا ابن أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ قارِظٍ، عَنْ أَبِي غَطفانَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا"(2).
142 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - فِي آخَرِينَ - قالُوا: حَدَّثَنا يَحْيَى بْن سُلَيْمٍ، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ قالَ: كُنْتُ وافِدَ بَنِي المُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي المُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ: فَلَمّا قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ نُصادِفْهُ في مَنْزِلِهِ وَصادَفْنا عائِشَةَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ، قالَ: فَأَمَرَتْ لَنا بِخَزِيرَةٍ، فَصُنِعَتْ لَنا، قالَ: وَأُتينا بِقِناعٍ - وَلَمْ يَقُلْ قُتَيْبَةُ: القِناعَ، والقِناعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جاءَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقالَ:"هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا" أَوْ: "أُمِرَ لَكُمْ بِشَيء".
قالَ: قُلْنا: نَعَمْ يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: فَبَيْنا نَحْن مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرّاعِي غَنَمَهُ إِلَى المُراحِ وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقالَ:"ما وَلَّدْتَ يا فُلانُ". قالَ: بَهْمَةً. قالَ: فاذْبَحْ لَنا مَكانَها شاةً. ثُمَّ قالَ: لا تَحْسِبَنَّ - وَلَمْ يَقُلْ: لا تَحْسَبَنَّ - أنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْناها لَنا غَنَمٌ مِائَةٌ لا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذا وَلَّدَ الرّاعِي بَهْمَةً ذَبَحْنا مَكانَها شاةً. قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإنَّ فِي لِسانِها شَيْئًا يَعْنِي البَذاءَ. قالَ: "فَطَلِّقْها إِذًا". قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لَها صُحْبَةً وَلِي مِنْها وَلَدٌ. قالَ:
(1) رواه البخاري (161، 162)، ومسلم (237).
(2)
رواه ابن ماجه (408)، وأحمد 1/ 228، 352، والنسائي في "السنن الكبرى"(97). وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(129).
"فَمُرْها - يَقُولُ: عِظْها - فَإِنْ يَكُ فِيها خَيْرٌ فَسَتَفْعَلُ وَلا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ". فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الوضُوءِ. قالَ: "أَسْبغِ الوضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأصابِع، وَبالِغْ فِي الاسْتِنْشاقِ إلَّا أَنْ تَكونَ صائِمًا"(1).
143 -
حَدَّثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي إِسْماعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ وافِدِ بَنِي المُنْتَفِقِ أنَّهُ أَتَى عائِشَةَ، فَذَكَرَ مَعْناهُ. قالَ: فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ جاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَقَلَّعُ يَتَكَفَّأُ. وقالَ: عَصِيدَةٍ. مَكانَ: خَزِيرَةٍ (2).
144 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنا أَبُو عاصِمٍ، حَدَّثَنا ابن جُرَيْجٍ بهذا الحدِيثِ، قالَ فِيهِ:"إِذا تَوَضَّأتَ فَمَضْمِضْ"(3).
* * *
باب في الاستنثار
قال في "النهَاية": نثر ينثر بالكَسْر إذا امتخط، والاستنثار منه وهو استخراج ما في الأنف لينثره (4)، وقيل: هو من تحريك النثرة، و [هي طرف](5) الأنف (6).
(1) رواه الترمذي (38، 788)، والنسائي "1/ 66، 79، وابن ماجه (407، 448)، وأحمد 4/ 32، 33، 211، وابن خزيمة (150، 168)، وابن حبان (1054).
سيأتي بالأرقام (143، 144، 2366، 3973).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(130).
(2)
انظر السابق. وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(131).
(3)
انظر ما سلف برقم (142).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(132).
(4)
في (ص، ل) ينثره.
(5)
في (ص): هي فرق. وفي (م): هو طرف. والمثبت من "النهاية".
(6)
"النهاية"(نثر).
[140]
(ثَنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) بن قعنب القعنبي، (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ (1) أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوَان.
(عن) عَبد الرحمَن بن هرمز (الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَليَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً) وكذا ثَبت لمُسلم وفي روَاية للبخاري، وأكثر روايَات البخاري بإسْقاط لفظة:(ماء) وقد اختلف رواة "الموطأ" في إسقاطه.
(ثُمَّ لْيَنْثُرْ) بِمُثلثة مَضمومة بَعد النون السَّاكنة، كذا ضَبَطَهُ ابن حَجر قال: وفي رواية أبي ذرّ والأصيلي: ليَنتثر. بوَزن ليفتَعل، والروايتان لأصحَاب "الموطأ"(2) انتهى. وسبق كلام "النهاية" بكسر الثاء، وحكي عن الأزهَري: يروى فأنثر (3) بألف مقطوعَة، وأهلُ اللغَة لا يُجيزُونهُ، والصوابُ بألف وصل (4).
وظَاهِر الأمر أنه للوجُوب فيلزم مَن قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كأحمد، وإسحاق (5)، وأبي عبَيد (6)، وأبي ثور (7)، وابن المنذر (8) أن يقول به (9) في الاستنثار، واستدل الجمهُور على أن الأمر
(1) في (ص، م): بن.
(2)
"فتح الباري" 1/ 316.
(3)
في (ص، س، ل، م) فانتثر. والمثبت من "النهاية".
(4)
"النهاية"(نثر).
(5)
"مسائل أحمد وإسحاق" رواية الكوسج (11).
(6)
"الطهور" 1/ 337.
(7)
"المغني" 1/ 166.
(8)
"الأوسط" 1/ 379.
(9)
من (د، م).
فيه للندب (1) بما حَسنهُ الترمذي وصححهُ الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "توضأ كما أمَرك الله"(2) وأحَالهُ على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق ولا الاستنثار.
[141]
(ثَنا إِبْرَاهِيمُ (3) بْنُ مُوسَى) الرازي الفَراء (قال: ثَنا وَكِيعٌ، قال: ثنا) محَمد بن عَبد الرحمن (ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ قَارِظٍ)(4) بالقاف والظاء المشالة المعجمة، ابن شيبة الليْثي الزهري، قال النسَائي: ليسَ به بَأس (5).
(عَنْ أَبِي غَطَفَانَ) ذكرهُ ابن عَبد البر فيمن لم يذكر لهُ سوى كنيته قال: وهو ابن طريف المري (6) ويُقالُ: ابن مَالك قال: وكانَ له دارٌ بالمدينة عند دار عُمر بن عَبد العَزيز. قال ابن معين: مدَني ثقة (7).
(عَنِ ابن عَبَّاسٍ) رضي الله عنهما (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَينِ بَالِغَتَينِ)(8) يعني: إلى أعلى نهاية الاستنثار من قولهم: بلغت المنزل إذا وصَلته (أَوْ ثَلاثًا) ولم يذكر في الثلاث المبَالغة، وكأن المبَالغة في الثنتَين قائمة مقَام المرة الثالثة، وفيه التثليث في الاستنثار،
(1) في (م): الندب.
(2)
"سنن الترمذي"(302).
(3)
كتب فوقها في (د): ع.
(4)
كتب فوقها في (د): دق.
(5)
"تهذيب الكمال" 23/ 333.
(6)
في (ص، س، ل، م): المزني. والمثبت من "تهذيب الكمال"(7565).
(7)
"تاريخ ابن معين" رواية الدوري (861).
(8)
في (ص): بالغين.
وأخرج الحميدي في "مُسنده": "وإذا استنثر فليَستنثر وترًا"(1) للبخَاري في بَدء الخلق: "إذا استيقظ أحَدكم من مَنامه فليَستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يَبيت على خَيشومه"(2). وعلى هذا فالمراد بالاستنثار في الوضُوء للتنظيف وللمُستيقظ لطرد الشيطان، فإن الشيطان يكون مُلتقمًا (3) قلبهُ يُوسوس لهُ ويأمرهُ بالسوء، فإذا نامَ علم الشيطان أنه لا يمكنهُ وسوسته (4)؛ لأنه زَال بالنوم إحسَاسه، ورفع عنه بالنوم قلم التكليف فيبيت عند نومه في باطن أنفه؛ ليُلقي في دمَاغه الرؤيا الفَاسدة ويمنعهُ من الرؤيا الصالحة؛ لأن محل الرؤيا الدمَاغ، وكثير من الناس يضل في الفتنة بالرؤيا الفاسدة مِنَ الشيطان.
[142]
(ثَنا قُتَيبَةُ (5) بْنُ سَعِيدٍ) أبُو رَجَاء البَلخي (فِي) جماعة (آخَرِينَ قَالُوا: ثَنا يَحْيَى بْنُ سُلَيمٍ) القرشي الطائفي الحَذاء وثقه ابن معين (6).
(عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ كثِيرٍ) أبي هَاشِم المكي؛ وثقه أحمد بن حَنبل (7).
(عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ) بفتح الصَاد المُهملة وكسر الباء الموَحدة [وبعضهُم يُسكنها](8) العقيلي الحجازي، زعم البخاري وغَيره
(1)"مسند الحميدي"(987).
(2)
"صحيح البخاري"(3295).
(3)
في (ص): ملثعمًا.
(4)
في (م): وسوسة.
(5)
كتب فوقها في (د): ع.
(6)
"تاريخ ابن معين" رواية الدوري (229).
(7)
"تهذيب الكمال" 3/ 182.
(8)
سقط من (م).
أن أباه هو أبو (1) رزين العقيلي (2)، وقيل: هو غيره. روى له البخاري في "الأدب" والباقون سِوى مسلم، رووا (3) له هذا الحديث الوَاحد؛ رواهُ الترمذي في الصيَام مُختصرًا (4)، والنسَائي في الطهارة (5) وفي الوليمَة (6)، وابن مَاجه في الطهَارة (7).
(عَنْ أَبِيهِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ) قال المنذري: يقال فيه: لقيط بن عَامِر بن صَبرة، وقيل: إن لقيط بن عَامِر غير لقيط بن صَبرَة، وليس بشيء. قال: وهو أبو رزين العقيلي كما تقدم عَن البخاري.
(قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ) جمعه وفد، كراكب وركب، وهم القَوم يَأتون الملُوك رُكبانًا، وقيل: هُم القَوم (مجتمعون)(8) ويردون البلاد، والذينَ يقصدُون الأمَراء للزيَارة والاسترفاد (بَنِي المُنْتَفِقِ) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة فوق وكسر الفاء بَعدها قاف، يريد أن أولاد المنتَفق أرسَلوه إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم وهم مُنتسبُونَ إلى المنتفق بن عَامر بن عقيل بضم العَين ابن كعب بن ربيعة بن عَامِر بن صعصعة (9) بن معاوية
(1) في (ص، د، ل): أبا.
(2)
"التاريخ الكبير" 6/ 493.
(3)
في (م): روى.
(4)
الترمذي (788).
(5)
"المجتبى" 1/ 66.
(6)
السابق: 7/ 171.
(7)
"سنن ابن ماجه"(407، 448).
(8)
في (د، س، م): يجتمعون.
(9)
في (ص): قعصعة، والمثبت من "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/ 259.
ابن بكر بن هَوازن قبيل (1) مشهور منهم جَماعة مِنَ الصَّحابة وغَيرهم (أَوْ) كنت (فِي وَفْدِ) جَمع وافد كما تقدم.
(بَنِي المُنْتَفِقِ) الذين وفدُوا (إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَلَمّا قَدِمْنا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) أي: قدمنا إلى مَكانه (فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ وَصَادَفْنا عَائِشَةَ أُمَّ) بالنَّصب (الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنا بِخَزِيرَةٍ) أن تصنع لنَا، والخزيرة بفتح الخاء المُعجمة وكسر الزاي وسُكون المثناة تحت وبعدها راء مُهملة وبعدها (2) تاء تأنيث، وهي طعام (3) يتخذ من دقيق ولحم، وهي أن يقطع اللحم صغارًا (4) ويصبُ عليه ماء كثير، فإذا نضج اللحمُ ذر عليه الدَّقيق، فإذا لم يكن فيها لحم فهي عصيدة سميت بذلك؛ لأنها تقلب وتلوى، والحريرة بفتح الحَاء المهملة وراءين مُهملتَين وهي حساء مِن دَقيق ودسم لبن أو سمن أو غَيرهما.
(فَصُنِعَتْ لَنَا) فيهِ أن الضيف إذا قدم ولم يجد صَاحِب المنزل، فيُستحب لأهل البيت مِن زوجة أو ابن أو بنت أو من يقوم مقامهم ممن يتَولى أمر المنزل أن يُهيئوا له طَعَامًا يصلح لهُ لتأكد (5) حق القادم، والأولى أن يُطبخ له ما تيسر (6) من أدم البيت، فإن الطعَام السخين أرفق بالمسَافر وأوفق، وإن لم يتيسر فما يوجد من أدم البيت.
(1) في (د): قيل، وفي (ر): قبيلة.
(2)
من (م).
(3)
من (د، م).
(4)
في (ص، س، ل): صغار.
(5)
في (ص، س، ل): ليأكل.
(6)
في (م): يتيسر.
(قَالَ: وَأُتِينا بِقِنَاعٍ) بِكسْر القاف وتخفيف النون، ويُقالُ لهُ: القنع بِكسْر القاف وضمهَا، وقيل: القناع جَمع القنع، وفي حَديث عَائشة: إن كانَ ليهدى لنا القناع فيه كعب (1) مِن إهَالة فنفرح به (2). والكعْب (3) القطعة مِن السمن أو الدهن.
(وَلَمْ يفهم قُتَيبَةُ القِنَاعَ) وفي بَعض النسخ: ولم يقم قتيبة القناع. و (يقم) بِضَم اليَاء وكسر القاف، أي: لم يتلفظ به تلفظًا (4) صحيحًا. قاله النووي.
(وَالْقِنَاعُ طبقٌ) ورواية الخطيب: (القناع: الطَّبق) يعني: الذي يؤكل عَليه أو (فِيهِ تَمْرٌ) أو رطب أو غَيرهما مِنَ الفواكه وغَيرها، والطبق يتخذ مِن عسيب النخل أو غَيرهَا، سُمي بذلك؛ لأن أطرافه قد أقنعَت، أي: عطفت إلى دَاخِل.
(ثمَّ جَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ) للوَافدين عليهِ بعَد السَّلام عَليهم: (هَلْ أَصَبْتُمْ شَيئًا أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيء) منَ الطعام، فيه سُؤال صَاحب المنزل إذا حَضَر ووجَد الضيف حَضَر في غيبَته عَنْ حَاله فيما ينبغي لهُ من وجُوه الإكرام أو سؤال من يقوم مقامه في المنزل.
(قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ يا رَسُولَ الله) صنعَ لنا خزيرة.
(قَالَ: فَبَينا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) يُقال: بَينا أنا جَالس، وبينما أنا
(1) في (ل): كفت.
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات" 1/ 404.
(3)
في (ل): الكفت.
(4)
في (م): بلفظه.
جَالس، ومعناهما: حين أنا جَالس (جُلُوسٌ) بالرفع، وروايَة الخَطيب:(جُلوسًا) بالنصب وكلا الرفع والنصب جَائزان، فالرفع على أن يكون خبرًا لنحن، وبين نصب على الظرفية، والنَّصْب على أن يكون بين ظرف وقع هُو وما يتَعلق به خبرًا مُقدمًا، و (نحنُ) مُبتَدأ مؤخر وَ (جُلوسًا) نصب على الحَال وصَاحب الحَال نحن (إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ) أي: سَاق غنمه التي يَرعَاها (إِلَى المُرَاحِ) بضم الميم، وهوَ المكان الذي تأوي إليه الإبل والبَقر والغَنم بالليل؛ لتنَام فيه وتبيت. وفتح الميم فيه خطأ (1)؛ لأنه اسم مَكان واسم المكان والزمَان والمصدر من أفعل بالألف مُفعَل بِضَم الميم على صيغة المفعُول، وأما المراح بالفتح فهو الذي يروح القوم منه أو يرجعُون إليه.
(وَمَعَهُ سَخْلَةٌ) قال أبُو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة تضعه مِنَ الضَّأن والمعز جَميعًا ذكرًا كان أو أنثى: سخلَة، ثم هي بهمَة للذكر والأنثى أيضًا (2)، وقيل: السّخال أولاد المعز خَاصة (تَيعَرُ) بفتح المثناة فوق وسُكون المثناة تحت وفتح العَين المهملة [وكسرها وهو أرجح](3) بعدها راء واليعار بفتح الياء صوْت المعِز يقال: يعرت العَنز تَيعر بكسْر العَين يعارًا بالضَّم إذا صَاحت، كذا للمنذري، وفي "الجمهرة": تيعَر وتيعِر لغتان، واقتصَر ابن فارس في "المجمل" على الفتح (4).
(1) في (ص): خطاب.
(2)
"لسان العرب"(سخل).
(3)
سقط من (س، م).
(4)
"جمهرة اللغة"(يعر)، "مقاييس اللغة"(يعر).
(فَقَالَ: ما وَلَّدْتَ) بفتح الوَاو واللام المشددة وتاء المخاطبة (1)، يقَال: ولّد الراعي الشاة تَوليدًا إذا حَضَر ولادتها وعَالجها حَتى يبين الوَلد منها، والموَلدة القَابلة والمولد والناتج للماشية كالقابلة للنسَاء.
قال في "النهَاية": وأصحَاب الحَديث يقولون: ما ولدَت. يَعني: بسُكون تاء التأنيث؛ يَعنون: الشاة، والمحفوظ تشديد اللام عَلى الخطاب للراعي، ومنهُ حَديث الأقرع والأبرص:"فأنتج هذان وولد هذا"(2)(يا فُلَانُ) وفي رواية: "يا راعي"(قَالَ: بَهْمَةً) بالنَّصب وفتح البَاء (3) الموَحدَة جَمعُها بَهم مثل تمرة وتمر وجَمع البهم بهَام كسَهْم وسهَام، وأصل البهمة: ولد الضأن، فَيُطلق على الذكر والأنثى، ويُطلق البهَام عَلى أولاد الضَّأن والمعز إذا اجتمعت تغليبًا، فَإذا انفردت، قيل لأولاد الضَّأن: بهَام، ولأولاد المعِز: سخال.
قال ابن فارس: البَهم صغَار الغَنم (4).
وقوله صلى الله عليه وسلم للراعي: "ما ولدتْ؟ " وجوابهُ: (بهمة) يدُل على أن البَهمة اسْم للأنثى؛ لأنه إنما سَألهُ ليَعْلم أذَكر هو أم أنثى، وإلا فقد كانَ يَعْلم أنهُ إنما ولد أحَدهما (5).
(قَالَ: اذْبَحْ) رواية الخَطيب: فَاذْبَحْ (لَنا مَكَانَها شَاةً) فيه فَضيلة التقلل
(1) في (د، م): المخاطب.
(2)
رواه البخاري (3464)، ومسلم (2964).
(3)
سقط من (س، م).
(4)
"مقاييس اللغة"(بهم).
(5)
"النهاية"(بهم).
من الدنيا وترك المكاثرة منها، والقناعَة بما يحصُل به قوت الإنسَان، وأن من كان له رأس مَال فمهما حَصَل فيه من الربح، ينفق منهُ ما يحتاج إليه ويتصَدق بالبَاقي للفُقَرَاء ولمن يقدم عليه من أضيَاف وَيصل به رَحمه ويواسي إخوانه، وغير ذلك من أنواع البر.
(ثُمَّ قَالَ) للوَافد (لَا تَحْسِبَنَّ) أي: بكسْر السِّين لغة عليا مضر، واستحسن لورود السماع به، [كما سيأتي في كتاب الحروف] (1) (ولم يقل: لا تحسبن) بفتح السين وهو لغَة سفلى مضر، وهو القياسُ عند النحويين (أَنَّا) بفتح الهَمزة (مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا) فيه تطييب قلب الضيف وإعلَامه بأنا لم نتكلف لأجلك فيما جئنا به إليك؛ لئلا يكون على الضيف امتنان بهذا، وكذا يقالُ لهُ: ما أتيناك بِشيء تكلفنا لكَ به بالشراء مِنَ السُّوق بل من حوَاضر (2) البيت، ولم نُجدد لك طعَامًا بل جئنَاك من طعَامنا المعتَاد، ونحو ذلك مما يُهوّن على الضيف ويطيب خَاطِره ويزيل استحياءهُ، بل (لَنا غَنَمٌ مِائَةٌ) فيه اقتناء الغَنم وبَركتها. ذكر ابن حبَّان وغَيره أنه صلى الله عليه وسلم كانَ لهُ مائة شاة مِنَ الغنم للقنية وكانت له شاة تسمَّى غوثة، وقيلَ: غيثة وَشاة [تسمى قمر، وعنز تسمى اليمن، وكان له سبعة (3) أعنز ومنائح ترعاهن أم أيمن، وأما](4) البَقر فلم يُنقل أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَلَك منها شَيئًا (5)(لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ) عَن المائة (6) شَيئًا،
(1) من (د، م).
(2)
في (ص، س): خواص.
(3)
في (ل): تسعة.
(4)
من (د، س، ل، م).
(5)
"عيون الأثر" 2/ 391.
(6)
في (ص، ل): المياه.
كذَلك مَن كانَ له رَأس مَال يتجرُ فيه: يحترص أن لا يدَع زيادة عليه، بل ما حصَل له (1) منه مِنَ الربح تصَدق منهُ وواسى كما تقدم.
(فَإِذا وَلَّدَ) بتَشديد اللام كما تقدمَ.
(الرَّاعِي بَهْمَة) بفتح البَاء كما تقَدَّمَ (ذَبَحْنا مَكَانَها شَاةً) أكبرَ منها لتعَوض البهمة عنها إذا كبرَتْ، وفيه أن من له رأس مَال [يتجر فيه](2) ينبغي أن لا ينقص منهُ شَيئًا إذا كانَ يأتي منهُ من الرّبح ما يقويه (3).
(قَالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ الله إِنَّ لِي) اللام لشبه الملك والاختصَاص.
(امْرَأَةً وَإنَّ فِي لِسَانِهَا) أي: كلامها (شيئا يَعْنِي: البَذَاءَ) بفتح البَاء وتخفيف الذال المعجمة والمدّ: الفُحش (4) من القَول والسَّفَه، وإن كانَ (5) صدقًا، وامرأة بذئة إذا كانَ في (6) منطقها فحش، وكانَ في لسَان فاطِمة بنت قيس بَعض البَذاء - والبَاء مفتوحة - وهذا من الأسبَاب المرخّصَة للغيبَة، وهو أن يذكر ذلكَ على صورة الاستفتاء، فلا يكون ذكره لذلك محرمًا، ولهذا قالت هند: إن أبا سُفيان رجُل شحيح؛ لا يُعطيني ما يكفيني أنا وولدي (7)، فذكرته بالشح والظلم لها ولوَلدهَا، ولم يزجرها النبي صلى الله عليه وسلم إذ كانَ قصدها الاستفتاء، وكذا هنا ذكر زوجته
(1) في (ص، د، س، ل): به.
(2)
من (م).
(3)
في (س، ل): يقوته.
(4)
في (م): بالفحش.
(5)
سقط من (د، م).
(6)
من (د، م).
(7)
أخرجه البخاري (2211)، ومسلم (1714)(7).
أن في لسَانها فحش، ولم يزجرهُ النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأسلم والأصوَن (1) في هذا ومثله التعريض مثل قوله: ما قولك في رجُل ظلمهُ أبُوه أو أخوهُ أو زَوجته ونحو ذلك ولكن التعيين مباح لهذا العُذر.
قَالَ (فَطَلِّقْها إِذًا) هذا تنوين العِوَض عن الجملة المحذوفة تقديرهُ: فطلقها إذا كانَ في لسَانها البَذاء، فيكون هذا علة وسببًا لطلاقها، فإن (إذًا) من صَرائح ألفاظ العِلة كقولِهِ صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب حينَ قالَ له (2) أجعَل لكَ صلاتي كلها "إذَن يَغفر الله لك ذَنبك كله". رواهُ أحمد وصححه الحاكم (3)، ولفظ الترمذي:"إذن تكفى همك ويغفر الله لك ذنبكَ"(4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "طَلقها" أمر إباحَة، فإنَّ الرجُل إذا صَبر على لسَان زَوجته وفحش منطقها كانَ أفضل وفي "الإحيَاء" إن في الحَديث:"من صَبر على سُوء خُلق امرأة (5) أعطاهُ الله مِنَ الأجر مثل ما أعطى أيوب على بَلائه"، لكن قال العراقي: لم أقف لهُ على أصل (6).
وفي الحَديث المتفق عليه أن أزوَاج النبي صلى الله عليه وسلم كن يرَاجعنَهُ، وتهجرهُ الوَاحِدة منهُنَّ يَومًا إلى الليْل (7).
(1) في (د، م): الأصوب.
(2)
من (د، م).
(3)
"مسند أحمد" 5/ 136، و"مستدرك الحاكم" 7/ 207.
(4)
"جامع الترمذي"(2457).
(5)
في (د، م): امرأته.
(6)
"إحياء علوم الدين" 2/ 303.
(7)
"صحيح البخاري"(2468)، و"صحيح مسلم"(1479)(34).
(قَالَ: قُلْتُ يا رَسُولَ الله إِنَّ لَهَا) طُول (صُحْبَة) مَعي، وطول الصحبة تُراعى (وَلِي مِنْها وَلَدٌ) بالرفع، والولد بفتحتين يُطلق عَلى الذكر والأنثى والمثنى والمجموع، وظاهِر هذا الاعتذار منهُ يدل على أنهُ يشق مُفارقتها.
(قَالَ: فَمُرْهَا. يَقُولُ (1): عِظْهَا) بكتاب الله وسُنة رسُوله، أي: ذكرها ما أوجب الله عليها مِن حسن الصحبة والمعَاشرة للزوج، وبقَوله صلى الله عليه وسلم:"لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجُد لزوجهَا"(2)"وأيما امرأة بَاتت هَاجِرَة فراش زَوجها لعَنَتْها الملائكة حَتى تصبح"(3). وفي روَاية: "حَتى ترجع"(4) وتضع يدها في يد زوجها ونَحو ذلك.
(فَإِنْ يَكُ (5) فِيها خَيرٌ فَسَتَفْعَلُ) أي: تتعظ بقَولك وترجع إلى حُسن القَول وتترك الشر.
(وَلَا تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ) والظَّعينة المرأة سُميت بذَلك؛ لأنها تظعَن مع الزوج، وتنتقل بانتقاله، وأصْل الظَّعينة الهَوْدَج التي تكون به المرأة ثم تسمَّى المرأة به مجازًا، وقيل: لا تُسمَّى ظعينَة إلا المرأة الراكبَة فيه، وكثر حَتى استعمل في كل امرأة وحتى يُسمَّى (6) الجمل الذي تركب عليه ظَعينة، ولكن لا يقالُ ذلك إلا للإبل التي عليها الهوَادج.
(1) في (د، م): يعني.
(2)
أخرجه الترمذي (1159)، وابن ماجه (1852)، وأحمد 6/ 76. من حديث عائشة رضي الله عنها وأبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: حسن غريب.
(3)
أخرجه البخاري (5194)، ومسلم (1436)(120) من حديث أبي هريرة.
(4)
أخرجه البخاري (5194)، وأحمد في "مسنده" 2/ 255 من حديث أبي هريرة.
(5)
في (ص، س، ل): يكن.
(6)
في (د، س، م، ل) سمي.
قال الخطابي: ليس في هذا الحديث ما يمنع من ضَربهنَّ أو يُحرمهُ على الأزواج عند الحَاجَة إليه، فقد أبَاح الله ذلك في قولهِ:{وَاضْرِبُوهُنَّ} (1)، وإنما فيه النهي عن تبريح الضرب كما يُضرب المملوك في عَادات من يَستجيز ضَربهم، ويستعمل سُوء الملكة بينهم (2). انتهى. ولا بأس بضَرب المرأة للتأديب ضَربًا غَير مُبرح، وهو الذي لا يكسر عظمًا ولا يجرح عضوًا.
قال في "النهاية": ضربًا غير مبرح؛ أي: شاق، وأصْل التبريح المشقة والشدة، وفي الحَديث:"اضربوا النسَاء إذا عَصَينكم في مَعْروف ضَربًا غَير مُبرح"(3).
قال عَطاء: قلتُ لابن عَباس: ما الضربُ غَير المبرح؟ قال: بالسِّواك ونحوه.
(كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ) بِضَم الهمزة وتخفيف الميم المفتوحة (4) وتشديد ياء التصغير والتاء مَنصُوبة مفَعُول للضرب وهو تصغير أمة، وهي: الرقيقة (5).
قال الخَطابي: تمثيله بضَرب المماليك لا يُوجب إبَاحَة ضَربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعَالهم، ونَهَاهُ عن الاقتداء
(1) النساء: 34.
(2)
سقط من (م).
(3)
"النهاية"(برح) والحديث رواه عبد بن حميد في "المنتخب"(858)، والبزار في "المسند"(6135) عن ابن عمر.
(4)
سقط من (م).
(5)
في (م): الرقيق.
بهَا، وقد نهى رسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرب المماليك إلا في الحدود (1).
وروى الإمام أحمد (2) عن عَائشة: جاء رجُل فقعد بين يدي رسُول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي مملوكين يكذبوني ويخونونني (3) ويعصُوني وأسبهم وأضربهم. فكيف أنا منهم؟ فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبُوك وعقابك إياهم، فإن كانَ عقابك إياهُم بقدر ذنوبهم (4)، كان كفافًا لا لك ولا عليك، وإن كانَ عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل" فتنحى الرجُل وجعَل يهتف ويبكي، فقال له رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تقرأ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (5).
وفي إسنَاده عبد الرحمن بن غزوَان، وهو ثقة (6)، احتج به البخاري وبقية رجَاله رجَال الصحيحين (7).
ورَوى الحافظ أبُو يعَلى بأسَانيد أحدها جَيد عن أم سَلمة: كانَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وكان في يَده سواك، فدعى وصيفة له أو: لها حتى استبَان الغَضب في وجهه، وخَرجت أمُّ سلمة فوَجَدَت الوصَيفة تلعب
(1)"معالم السنن" 1/ 54
(2)
"مسند أحمد" 6/ 280.
(3)
سقط من (م).
(4)
زاد في (ص، ل): فإن.
(5)
الأنبياء: 47.
(6)
"الكاشف" للذهبي 2/ 180.
(7)
في (س، م): الصحيح.
ببَهمة (1) فقالت: ألا أراك تلعبين بهذِه البهمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدْعُوك فقالت: والذي بعَثك بالحق ما سمعتُك. فقال رسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا خشيَة القود لأوجعتُك بهذا السِّواك"(2). وفي رواية لهُ: "لضَربتُك بهذا السِّواك"(3).
(فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله، أَخْبِرْنِي عَنِ الوضُوءِ) قال الخَطابي: ظاهر السُّؤال يقتضي الجَوَابُ عن جُملة الوضوء، إلا أنهُ [صلى الله عليه وسلم لما اقتصر في الجواب على تخليل الأصابع والاستنشاق علم أن السائل: لم يسأله عن حكم ظاهر الوضوء] (4) إنما سَألهُ عن حُكم بَاطنه (5).
(قَالَ: أَسْبغِ الوضُوءَ) أي: تممهُ وبَالغ في غسْل الأعضاء، ولهذا عَطف عَليه (وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابع) وفيه أن تخليل الأصَابع سُنة، وهو يشمل أصَابع اليدَين والرجلَين، والتنصيص عليهما رواه أحمد وابن مَاجَه والترمذي عن ابن عَباس أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا توضأتَ فخلل بين أصَابع يَديك ورجليك"(6).
قال ابن الملقن: والذي يقربُ مِنَ الفَهم هُنا؛ يَعني: في أصابع اليدين أن يَشبك بين الأصَابع (7).
(1) في (م): بهمة.
(2)
"مسند أبي يعلى"(6944).
(3)
"مسند أبي يعلى"(6928).
(4)
من (د، م).
(5)
"معالم السنن" 1/ 55.
(6)
أخرجه الترمذي (39)، وابن ماجه (447)، وأحمد 1/ 287.
(7)
هذا من كلام الرافعي في "الشرح الكبير" 1/ 131.
لكن روى الطبراني في "الأوسَط" عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فلا يُشبكن بين أصابعه"(1) وفي سنده عتيق بن يعقوب وبقية رجَاله رجَال الصَّحيح (2).
(وَبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ) المبالغة في المضمَضة والاستنشاق سُنة، وهو أن يصل الماء في المضمضة إلى الحلق، وفي الاستنشاق إلى بَاطن الأنف. وفي رواية الحَافظ أبي بشر الدّولابي في جَمعه لحديث الثوري: إذا توضأت فبَالغ في المضمَضة والاستنشاق ما لم تكن صَائمًا.
قال ابن القطان: إسنادها صَحيح (3). فاستفد هذِه الروَاية فإنها جَليلة، وإن الأصحَاب قاطبة (4) يقيسُونَ المبَالغة في المضمَضة على المبالغة في الاستنشاق بل قال الماوردي (5): إنه يبالغ في المضمضة ولا يبَالغ في الاستنشاق للرِّواية الأولى، ثم شرعَ يُفرق بينهما بأن الممضمض (6) يمكنهُ رد الماء بإطبَاق الحَلق.
(إلَاّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) قال ابن الصَّلاح: يُكرهُ المبَالغة للصَّائم في الاستنشاق بحيث يصَل الماء إلى دمَاغه، لئلا يصير ذلك سُعُوطًا.
وقال أبُو الطيب: المبَالغة محَرمة، وهي تفطر إذا وصَل الماء إلى الجَوف.
(1)"المعجم الأوسط"(838).
(2)
"مجمع الزوائد" 1/ 240.
(3)
"بيان الوهم والإيهام" 5/ 593.
(4)
من (د، م).
(5)
"الحاوي الكبير" 1/ 106.
(6)
في (ص، س، ل) المضمضة.
[143]
(ثَنا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرم) بضَم الميم وكسْر الراء، العمي البَصري الحافظ، روى عنهُ مُسْلم في مَوَاضع، قال:(ثَنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطان، قال:(ثَنَا) عَبد الملك (ابْنُ جُرَيْجٍ) قال: (حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ كثِيرٍ) تقدم.
(عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ) لقيط بن صَبرة (وَافِدِ بَنِي المُنْتَفِقِ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) و (قَالَ) فيه: (فَلَمْ يَنْشَبْ) بفتح اليَاء والشين، أي: لم يلبث، وحقيقته لم يتعَلق بشيء ولا اشتغل بسِوَاه (أَنْ جَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَقَلَّعُ) بفتح اليَاء والتاء واللام المشدَّدة بَعدَها عَين مهملة، أي: يَمشي بقوة كأنه يَرفع رجليه مِنَ الأرض رَفعًا قويًّا لا كمن يَمشى اختيالًا ويقارب خطَاهُ، فإن ذَلك من مشي النسَاء يُوصَفن (1) به.
(يَتَكَفَّأُ) بهمز آخره، أي: يتمايَل إلى قدام كما تتكفأ السَّفينة في جريها.
قال في "النهاية": هَكذا رُوي غير مَهموز، والأصل فيه الهَمز، [قال: و] (2) بعضهم يرويه مهموزًا؛ لأن مصدر تفعل منَ الصحيح تفعلًا، والهَمزة حَرف صَحيح (3).
(وَقَالَ) في هذِه الرواية: (عَصِيدَةٍ) بالجر؛ لأنها بدَل مِن خزيرة في قوله: بِخزيرة (مَكَانَ خَزِيرَةٍ) كما تقدم.
[144]
(ثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) بن عَبد الله بن خَالد (بْنِ فَارِسٍ) ابن
(1) في (د): فوصفهن.
(2)
في (م): وقال.
(3)
"النهاية"(كفأ) بتصرف.
ذؤيب الذّهلي، روى عنهُ البخاري في مَوَاضع، لكن لم يبينه (1) فتارة يقولُ: محمد بن خالد، وتارة يقول: حَدَّثَنا محمد.
قال: (ثنا أَبُو عَاصِمٍ) الضحاك بن مخلد النبيل الشيباني (2)، قال:(ثَنا ابن جُرَيْج بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ فِيهِ: إِذا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ) فيه ردّ لمن ألحق المضمضة بالاستنشاق قياسًا، كما تقدم حَتى قال الماوردي (3): لا استحباب في المضمضَة؛ لأنه لم يرد فيها الخَبر، ورواية الدولابي: مُصرحة بالجمع بينهما كما تقدم. واللهُ أعلم.
* * *
(1) في (ص): يثبته، وفي (س): ينسبه.
(2)
في (ص، م، ل) النسائي وفي (س): اليمامي. والمثبت من "الإكمال" 7/ 255، و"تهذيب الكمال"(2927).
(3)
"الحاوي الكبير" 1/ 104، 105.