الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
130 - باب فِي الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
340 -
حَدَّثَنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، أَخْبَرَنا مُعاوِيةُ، عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنا أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ بَيْنا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ، فَقالَ عُمَرُ: أَتحْتَبِسُونَ، عَنِ الصَّلاةِ؟ فَقالَ الرَّجُلُ: ما هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّداءَ فَتَوَضَّأْتُ. فَقالَ عُمَرُ والوضُوءَ أَيْضًا؟ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذا أَتَى أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ"(1).
341 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ"(2).
342 -
حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدٍ الرَّمْلِيُّ، أَخْبَرَنا الُمفَضَّلُ -يَعْنِي: ابن فَضالَةَ- عَنْ عَيّاشِ بْنِ عَبّاسٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَواحُ الجُمُعَةِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ راحَ إِلَى الجُمُعَةِ الغُسْلُ".
قالَ أَبُو داودَ: إِذا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أَجْزَأَهُ مِنْ غُسْلِ الجُمُعَةِ وَإِنْ أَجْنَبَ (3).
343 -
حَدَّثَنا يَزِيدُ بْن خالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ الهَمْدانِيُّ ح، وحَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى الحَرّانِيُّ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ ح، وحَدَّثَنا مُوسَى
(1) رواه انبخاري (882)، ومسلم (845).
(2)
رواه البخاري (895)، ومسلم (846).
(3)
رواه النسائي 3/ 89، وابن الجارود (287)، وابن خزيمة (1721).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(370).
ورواه دون ذكر حفصة البخاري (877) بلفظ: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل"، ومسلم (844) بلفظ:"إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل".
ابْن إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ -وهذا حَدِيثُ محَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ -عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ-.
قالَ أَبُو داودَ: قالَ يَزِيدُ وَعَبْدُ العَزِيزِ فِي حَدِيثِهِما عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي أمامَةَ بْنِ سَهْلٍ -عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قالا قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ -إِنْ كانَ عِنْدَهُ -ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَلَم يَتَخَطَّ أَعْناقَ النّاسِ ثُمَّ صَلَّى ما كتَبَ الله لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذا خَرَجَ إِمامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاِتهِ كانَتْ كفّارَةً لِما بَينَها وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ التِي قَبْلَها". قالَ وَيَقُول أَبُو هُرَيْرَةَ: "وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ". وَيَقُول: "إِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثالِها".
قالَ أَبُو داودَ: وَحَدِيثُ محَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَمّادٌ كَلامَ أَبِي هُرَيْرَةَ (1).
344 -
حَدَّثَنا محَمَّد بْنُ سَلَمَةَ المرادِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلالٍ وَبُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأشَجِّ حَدَّثاهُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الُمنْكَدِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ والسِّواكُ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ ما قُدِّرَ لَهُ". إلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وقًالَ: فِي الطِّيبِ: "وَلَوْ مِنْ طِيبِ المَرْأَةِ"(2).
345 -
حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن حاتِمٍ الجَرْجَرائِيُّ حبِّي، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ، عَنِ الأَوْزاعِيِّ، حَدَّثَنِي حَسّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْعَثِ الصَّنْعانِيُّ، حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُول: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ واغْتَسَلَ ثُمَّ بَكَّرَ وابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ وَدَنا مِنَ الإِمامِ فاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ: كانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ
(1) رواه أحمد 3/ 81، وابن خزيمة (1762)، والحاكم 1/ 283، والبيهقي 3/ 243.
وسيأتي بنحوه من حديث أبي هريرة وحده برقم (1050).
وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(371).
(2)
رواه البخاري (880)، ومسلم (846).
عَمَلُ سَنَةٍ أَجْرُ صِيامِها وَقِيامِها" (1).
346 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْث، عَنْ خالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ واغْتَسَلَ". ثُمَّ ساقَ نَحْوَهُ (2).
347 -
حَدَّثَنا ابن أَبِي عَقِيلٍ وَمحَمَّد بْنُ سَلَمَةَ الِمصْرِيّانِ قالا: حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ -قالَ ابن أَبِي عَقِيلٍ- أَخْبَرَنِي أُسامَةُ -يَعْنِي: ابن زَيْدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ شعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ -إِنْ كانَ لَها- وَلَبِسَ مِنْ صالِح ثِيابِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقابَ النّاسِ وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ المَوْعِظَةِ كانَتْ كفَّارَةً لِما بَينَهُما وَمَنْ لَغا وَتَخَطَّى رِقابَ النّاسِ كانَتْ لَهُ ظُهْرًا"(3).
348 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا محَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنا زَكَرِيَا، حَدَّثَنا مُصْعَبُ بْن شَيْبَةَ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ العَنَزِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّها حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنَ الجَنابَةِ وَيَوْمِ الجُمُعَةِ وَمِنَ الحجامَةِ وَمِنْ غُسْلِ المَيِّتِ (4).
(1) رواه الترمذي (496)، والنسائي 3/ 95، 97، 102، وابن ماجه (1087)، وأحمد 4/ 9، 10، 104، وابن خزيمة (1758، 1767)، وابن حبان (2781).
وانظر ما بعده، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(373).
(2)
انظر السابق.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(374).
(3)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 368، وابن خزيمة (1810)، ورواه البيهقي 3/ 231 من طريق أبي داود.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(375).
(4)
رواه أحمد 6/ 152، وابن خزيمة (256)، والحاكم 1/ 163. وسيأتي مكررا برقم (3160). وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود"(59).
341 -
حَدَّثَنا مَحْمُودُ بْن خالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنا مَرْوانُ، حَدَّثَنا عَلِيٌّ بْن حَوْشَبٍ قالَ: سَأَلْتُ مَكْحُولًا عَنْ هذا القَوْلِ: "غَسَّلَ واغْتَسَلَ". فَقالَ غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ (1).
350 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن الوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ فِي:"غَسَّلَ واغْتَسَلَ". قالَ: قالَ سَعِيدٌ: غَسَّلَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ جَسَدَهُ (2).
351 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْن مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صالِحٍ السَّمّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنابَةِ ثُمَّ راحَ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ كبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الرّابِعَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ دَجاجَةً وَمَنْ راحَ فِي السّاعَةِ الخامِسَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَيضَةً، فَإذا خَرَجَ الإِمامُ حَضَرَتِ المَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(3).
* * *
باب في الغسل يوم الجمعة
[340]
(ثَنَا أَبُو تَوْبَةَ) بفتح المثناة فوق وبعد الواو باء مُوَحدة (الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ) الحَلَبي، رَوى له الشيخان (ثنا مُعَاوِيَةُ) ابن سَلام (4) بتشديد اللام (عَنْ يَحْيَى) ابن أبي كثير الطائي (أَخْبَرَنَي أَبُو سَلَمَةَ) عَبدُ الله (بْنُ عَبْدِ
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(2989) من طريق أبي داود.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(376).
(2)
رواه النسوي في "الأربعين"(27).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(377).
(3)
رواه البخاري (881) بنحوه، ومسلم (850).
(4)
كتب فوفها في (د): ع.
الرَّحْمَنِ) بن عَوف الزهري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه بَيْنَما هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ) وهوَ عثمان بن عَفان رضي الله عنه (فَقَالَ عُمَرُ أَتَحْتَبِسُونَ) بفتح التاء الثانَية بَعدَها بَاء مُوَحدة.
(عَنِ الصَّلَاةِ) فيه جَوَاز الإنكار عَلىَ الكبَار في مجمَع مِنَ الناس، وفيه جَوَاز الكلام في الخطبة (فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ) رَواية الصَّحيحين: فلم أزد على أن توضأت (1). فيه الاعتذار إلي ولاة الأمُور وغَيرهم، وفيه إباحَة الشُّغْل يوَم الجمعَة قَبلَ الصَّلاة، وإن كانَ الأفضَلُ التبكير بصَلاة الجُمعَة، وفيه أن غُسْل الجُمعة مُسْتحبُّ غير وَاجب لاحتبَاسه بالشغل عن الاغتسَال، ولو كانَ وَاجبًا لما تركهُ، ولهذا لم يأمُرهُ عُمَر بالرجوع للغُسل.
(فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوضُوءَ) مَنصُوب (أَيْضًا) أي: وتوضأت الوضوءَ فقط قالهُ الأزهَري وغَيره (2)، وفيه إنكار عليه أيضًا يَعني: قصَّرت حيث أبطأت عن المجيء وتركت غُسْلَ الجمعة.
(أَوَلَمْ تَسْمَعُوا) الخِطاب للصَحَابة الحَاضرين مِنَ المهَاجِرين والأنصَار وغَيرهم، روَايةُ البخَاري: وقد علمتَ أنَّ (3)(رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا أَتَى) روَاية مُسْلم: إذَا أرَادَ (أَحَدُكُمُ) أن يَأتي (4)(الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) احتج بظاهر هذا الأمر من أوجَبَ غسْل الجُمعة وفي
(1)"صحيح البخاري"(878)، و"صحيح مسلم"(845)(3، 4).
(2)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 6/ 134.
(3)
"صحيح البخاري"(878).
(4)
"صحيح مسلم"(844)(1) من حديث ابن عمر.
الحديث الذي قبلهُ، قرينة صَرَفَت هذا الأمر عَن ظاهِره، وَوَجه ذَلك أنَّ عُثمان لما دَخل وَعُمَر يخطب وقد تركَ الغسلَ، وأقرهُ عمَرُ على ذَلك وكذا أقرهُ حَاضِرُو الجمعةِ وهمُ أهل العقدِ والحَلِّ ولو كانَ وَاجِبًا لما تركه ولألزمُوه به وله قرائن أخَر مِنَ الأحَاديث الصَحيحة.
[341]
(ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَب) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيمٍ) المدَني القرشي الزُهري الفقيه، وأبوهُ سليم مَولى حميد بن عَبد الرحمَن بن عَوف، ذكر صَفوان عند ابن حنبل فقالَ: هذا رَجُلًا يُسْتَسقى بحَديثه الغَيث وَينزل القطر من السَّماء بذكره، وكانَ يُصَلي على السَطح في الليْلة البَاردة لئلا يجيئهُ (1) النَوم، ولو قيل له قامَت القيامة مَا كانَ عنده مَزيد على مَا هُوَ عَليهِ منَ العِبَادَة، وحج وليْسَ معَهُ إلا سَبْعَة دَنانير فاشترى بهَا بدَنة، وقالَ: أني سَمعت الله تَعالى يقول: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} (2) وحَضَر لجنَازة فلما صَلى عَلَيهَا قال: أما هذا فَقَد انقطعَت عَنهُ أعمالهُ واحتاج إلى دعاء من خَلَّفَهُ بَعده (3).
(عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ) أي: كالوَاجِبِ جَمعًا بَيْنَ الأدلة (عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ)(4) أي: بَالِغ.
(1) في (ص، ل): يحمه.
(2)
الحج: 36.
(3)
"تاريخ دمشق" 24/ 133، "تهذيب الكمال" 13/ 185 - 187.
(4)
أخرجه البخاري (879)، ومسلم (846)(5)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 93، وابن ماجه في "سننه"(1089) به.
[342]
(ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ) ابن يزيد بن عَبد الله بن موهب (الرَّمْلِيُّ) الزاهد الثقة (ثنا مُفَضَّلُ (1) ابن فَضَالَةَ) ابن عبيد بن ثمامة الرعيني قاضي مصر (عَنْ عَيَّاشِ)(2) بالمثناة تحت والشين المعجمَة (بْنِ عَبَّاسٍ) بالموَحدة والسِّين المهملة، القتباني (3)(عَنْ بُكَيْر)(4) ابن عَبد الله بن الأشج مَولى أشج (عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ) عن أخته لأبيه (حَفْصَةَ) زوج النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة وهَي مِنَ المهاجَرات أنهُ (قَالَ: عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي: بَالِغ.
(رَوَاحُ) قَال ابن فارس: الروَاح رواح العشي (5). وهوَ منَ الزوَال إلى العشى وذكر الروَاح المختَص بِمَا بعد الزوَال مناسب لقوله قبله "عَلى كل محتلم" فإنه مَوضوع عَلى الوجُوب، ولزومُ الذَّمَّة، فإذا قال: لِفُلَانٍ عَليَّ كذَا؛ كانَ لَازمًا لهُ وَوَاجبًا ولو ادَّعَى خِلَافه لم يُقبَلْ مِنْهُ أي (6): أن الرَّوَاح مِن أول النهار (إلى الجُمُعَة وَعَلَى كُلِّ (7) مَنْ رَاحَ) أي: أرَاد الروَاح إِلَى صَلاة (الْجُمُعَةِ الغُسْلُ)(8) ويَحْصُل هذا بِغُسْل الجنَابة؛ فإنَّ الصَحيحَ
(1) في (د): المفضل. وكتب فوقها: ع.
(2)
كتب فوقها في (د): ع.
(3)
في (ص): القيناني، والمثبت من (د، س).
(4)
كتب فوقها في (د): ع.
(5)
"معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (روح).
(6)
في (د): والمراد.
(7)
ليست في (د، س، ل).
(8)
أعل هذا الحديث الدارقطني في "العلل"(3940) برواية مخرمة بن بكير عن أبيه، عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. دون ذكر حفصة.
قال الدارقطني: وهو المحفوظ. =
المنصُوص عند الشافعية أن مَن اغتسل لجنَابةٍ وجمعةٍ حَصلَا (1) كما لو نوى الداخل للمسجد الفرض وتحية المسجد، وقيل: لا يحصل واحد منهما كما لو نوى] (2) الفَرضَ والراتبة وَفَرق بأن التحية تحصُل ضمنًا، وهُنا كلُّ (3) منهما مَقصود ويَدُل على ذلك: مَا رَوَاهُ الطبَراني في "الأوسط" عن عَبد الله بن أبي قتادة، قالَ: دَخل عَليَّ أبي وأنا أغتَسل يَوْم الجُمعَة، فقَالَ: غسْلكَ هذا مِنْ جَنَابة أو للجُمُعة؟ قلتُ: مِنْ جَنَابة. قَال: أعد غسْلًا؛ إني: سَمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مِنَ اغتسَل يَوْمَ الجُمعَة كانَ في طَهَارة إلى الجُمعَة الأخُرى"(4) وإسنَاده قَريب مِنَ الحَسَن (5).
وقالَ المنذري (6): رَوَاهُ الحَاكم بلفظ الطَبراني، وقال: صَحيح على شرطهما (7)، ورَوَاهُ ابن حبان في "صحيحه" (8) ولفظهُ: "من اغتسَل يَوْمَ
= وسوَّى ابن حجر بين الروايتين قائلًا: ولا مانع أن يسمعه ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيره من الصحابة انظر: "فتح الباري" 2/ 417.
وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(370).
(1)
"المنهاج" للنووي (ص 6).
(2)
إلى هنا انتهى الساقط من النسخة (م).
(3)
زاد في (د): واحد.
(4)
"المعجم الأوسط"(8180).
(5)
قال الهيثمي في "المجمع"(3064): فيه هارون بن مسلم، قال أبو حاتم: فيه لين.
ووثقه الحاكم وابن حبان، وبقية رجاله ثقات. وحسَّنهُ الألباني في "صحيح الجامع"(6065).
(6)
زاد في (د، م): و.
(7)
"المستدرك" للحاكم 1/ 282.
(8)
"صحيح ابن حبان"(1222).
الجُمعَة لم يزَل طَاهِرَا إلى الجُمعَة الأخرى" (1).
([قال أبو داود: و] (2) إِذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ أَجْزَأَهُ من (3) غُسْلِ الجُمُعَةِ وَإنْ) اغتسَل قبل الفَجر لم يُجْزه؛ لأن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يَوْم الجُمعَة" واليَوْم مِنْ طُلوع الفجر، وإن اغتسَل ثم أَحْدَث أجزأهُ الغسْل وكَفاهُ الوضوء؛ لأن الحَدَث إنما يؤثر في الطهَارة الصّغرى ولا يُؤثر في المقصُود منَ الغسْل، وممن قَال بجوَاز الغسْل منَ الفَجر: مجَاهِد والنخعي والثوري (4) وأحمد (5) والشافعي (6) وحَكي عن الأوزاعي؛ أنهُ يُجزيه الغسْل قَبل الفَجر، وعَن مَالك (7) أنه لَا يُجْزيه الغسْل إلا أن يَتَعقبَهُ الروَاح.
وإن (أَجْنَبَ) بِفتح الهَمزة والنُون وبضَم الهَمزة وكسْر النون [على البناء للمفعول. ويقال فيه جنب. بفتح الجيم وكسر النون](8) أي: بَعُد عن مَوَاضع الصَّلاة، والمرَاد بقوله: وأن أجنب أنه لو اغتسل للجُمعَة مِنَ الفَجر ثم أجْنبَ بالجماع أو نَوم أو غَيرهما، لم يَبطل غسْل الجُمعَة عندَنا بل يغتسل للجِنَابة ويبقى غسل الجمعَة على صحته.
(1) انظر كلام المنذري هذا في "الترغيب والترهيب" 1/ 286.
(2)
من المطبوع.
(3)
في (ص): عن، والمثبت من (د، م).
(4)
"الأوسط" لابن المنذر 4/ 51.
(5)
"المغني" 3/ 227.
(6)
"المجموع "شرح المُهَذب" 2/ 201.
(7)
"المدونة" 1/ 227 - 228.
(8)
من (د، م).
قال النووي: لأنه قد صَح فلا وَجْهَ لإبَطاله (1).
[343]
(ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ مَوْهَبٍ) بفتح الميم والهَاء (الهَمداني) بإسْكان الميم (ح (2) وَثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ يَحْيَى) أبو الأصْبَغ (الْحَرَّانِيُّ) ثقة (قَالَا، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بفتح السِّين واللام ابن عَبْد الله البَاهِلي مَولاهمُ الحَراني، أخرجَ له مُسْلم [والأربعة](3).
(ح (4) وَثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي (ثَنَا حَمَّادٌ) بن سلمة (وهذا حَديث مُحَمَّدِ بن (5) سَلَمَةَ عن محمد بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) (6) ابن الحارث التيمي.
(عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) عَبد الله (ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ابن عَوف الزهري (وَأَبِي أُمَامَةَ) أسْعَد سماه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم باسم جَده إلى أمه (7) أبي أمَامة أسْعَد بن زرارة [وكنَاهُ بكنَيته](8) ودَعَا له وبرَّك عليه، توفي سَنة مائة وهو ابن نيف وتسَعين (9) سنة (بْنِ سَهْلٍ) بن حَنيف الأنصَاري، يعَد من كبار التابعين، وكانَ ممن أدرَكَ النَّبي صلى الله عليه وسلم وليسَ له صُحَبة.
(1)"المجموع" 4/ 534.
(2)
من (د، س، ل، م).
(3)
في (ص، ل): في مواضع. والمثبت من (د، م).
(4)
من (د، م، ل).
(5)
سقط من (ص، س، ل).
(6)
كتب فوقها في (د): ع.
(7)
من (د، م، ل).
(8)
في (م): وكنا نكنيه.
(9)
في (ص): وسبعين. والمثبت من (د، م، س، ل).
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنهما (قَالَا: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ) فيه أن الفضيلة لا تحصُل إلا بالغسْل بعد الفَجر؛ لأنه عَلق الحُكم باليَوم، واليَوم أوله مِنَ الفَجر (وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ) ما يجَده مِنْ (ثِيَابِهِ) وَروَاية ابن خزيمة عن أبي هريرة "ولبسَ من صَالح ثيابه"(1) وفيه اسْتحباب الثياب الحَسنة، وأفضلها البَيَاض لما روي ابن مَاجَه من حَديث أبي الدَرداء يرفعه: إنَّ أحْسَن مَا زرتم الله في قبوركم ومَسَاجدكم البَيَاض" (2) وَروي عَن ابن عمرَ في "كامل ابن عَدي" (3)(وَمَسَّ مِنْ طيب)(4) من للتبعيض أي: استعملوا بَعض الطيب.
(إِنْ كَانَ عِنْدَهُ) وينبغي أن يَمَسَّ منهُ بيَده، ويطيب مَوَاضع السُجود، قَالَ أصحَابنا: يُسْتحب مع الاغتسَال للجمعَة أن يتطيب (5) ويَدَّهن ويتسَوك ويلبس أحسَن (6) ثيابه، وأن يتعمم، ويَرتدي، ويتسَربل.
قالَ الشافُعي: ويُستَحب هذِه الأمُور لكل مَن أرَادَ حُضور الجُمعَة (7) من الرجَال والصّبيَان والعَبيد إلا النسَاء فيكره لمن أرَادَ منهُنَّ الحُضُور الطّيب والزينة وفاخِر الثياب (8) خُصُوصًا إن كانت شابة.
(1)"صحيح ابن خزيمة"(1803).
(2)
"سنن ابن ماجه"(3568)، وقال الألباني: موضوع.
(3)
"الكامل" لابن عدي 7/ 73.
(4)
سقط من (ص، س، ل)، والمثبت من (د، م).
(5)
في (ص، ل، س): يطيب. والمثبت من (د، م).
(6)
في (د، م): أجل.
(7)
في (س): الجماعة.
(8)
"المجموع" 4/ 538.
(ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ) أي: مَاشيًا بسَكينَة وَوقار.
(فَلَمْ يَتخَطَّ)(1) يقالُ: تخطيت فلَانًا وخطيته إذا خَطوْت عليْهِ.
(أَعْنَاقَ الناسِ) وفي روَاية لأحمد وغَيره: "لم يتخط رقاب الناس"(2) فيه فَضيلَة تركه، وَذم فاعله.
قال السبكي (3): المختار أنه حَرام وحكي التصريح به عَن تعليق الشيخ (4) أبي حَامِد عن نص (5)"الأم"(6)، ويَدُل على التحريم ما روى الترمذي عن أنسَ، قالَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم:"من تخطى رقاب الناس يَوْم الجُمعَة اتخذَ جسْرًا إلى جَهَنم" وقال: حَديث غَريب والعَمل عليهِ عندَ أهل العِلم (7)، وروى الطبرَاني في "الكبير" عن الأرقم بن أبي الأرقم؛ أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الذي يَتخطى رقَاب الناس يَومْ الجُمعة و (8) يفرق بينَ الاثنين بَعْد خرُوج الإمَام كجارٍّ قصبهُ في النار"(9) ورواه أحمد أيضًا (10).
وفيه تقييد التحريم بخروج الإمام، وقيدَ في "شرح المهَذب": إبَاحَة
(1) في (ص، س، ل): يخط. والمثبت من (د، م).
(2)
"مسند أحمد" 3/ 81.
(3)
في (ص): الشبلي. والمثبت من (د، س، م).
(4)
في (د): شيخ.
(5)
انظر: "روضة الطالبين" 11/ 224.
(6)
في (م): الإمام.
(7)
"جامع الترمذي"(513)، وضعفه الألباني.
(8)
في (م): أو.
(9)
"المعجم الكبير"(908).
(10)
"مسند أحمد" 3/ 417. وقال الألباني في "ضعيف الجامع" (1525): ضعيف جدًّا.
تخطي الإمام بما إذَا لم يجَد طَريقًا إلى المنبر والمحْراب إلا بالتخطي (1)، واستثنى في "الروضة" مَن رَأى فرجة لا يصلها بغير تخطى (2)(3).
(ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ الله تعالى لَهُ) أي: مَا رَزقهُ الله تعالى له (4) مِنَ النوافل أي: قَبل خرُوج الإمَام، أمَّا بعد خروجه فلا يزيد عَلى تحية المَسْجد.
(ثُمَّ أَنْصَتَ) أي: سَكت إذا شرع الإمام في الخُطبَة عن القراءة والذكر وغَيرهما، والجَديد عندَ الشَافعي أن الإنصَات سُنة (5)، والقَديمُ ونصٌّ الشافعي في "الإملاء" (6) مِنَ الجديد وبه جَزم بَعضهم: أنهُ يَحْرُمُ الكلام ويجب الإنصَات للخُطبَة وَيجوز للدَاخِل في الخُطبة أن يتكلم مَا لم يَأخُذ لنفسه مَكانًا والقولان فيما بعد قعوده (7).
قال (8) الرافعي (9) والنووي (10): قَالا وَيجوز الكلام قَبل الخطبة وبعد الفراغ وبَيْن الخُطبتَين انتهى، ويَدُل عَلى هذا قوله (إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ
(1)"المجموع "شرح المُهَذب" 4/ 546.
(2)
في (س، د، م): تخطٍ.
(3)
"روضة الطالبين" 2/ 46.
(4)
ليست في (د، س، م، ل).
(5)
"الشرح الكبير" 4/ 587.
(6)
في (ص، ل): "الأم" لا. والمثبت من (د، س، م).
(7)
"المجموع شرح المُهَذب" 4/ 523.
(8)
في (د، م): قاله.
(9)
"الشرح الكبير" 4/ 589 - 590.
(10)
"المجموع شرح المُهَذب" 4/ 523.
حَتَى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتهِ) فقَيَّد (1) الأمر بالإنصَات بمَا إذَا خرجَ الخَطيب، وظاهِرُهُ الأمر بالإنصَات بمَا إِذَا خَرَجَ الخَطيب، وَظاهِرُهُ الأمر بالإنصَات وإن لم يَخْطب بعد وَجَعَلَ الأمر مُسْتمرًا إلى فراغ الصَّلاة. خلافًا لما أجَازا مِنَ الكلام بَيْنَ الخُطبَتَين.
(كَانَتْ) صَلاته ومَا يَتبعهَا (كفَّارَةً) أي: مُكفرَة.
(لِمَا بَيْنَهَا (2) وَبَينَ جُمُعَتِهِ التِي قَبْلَهَا) مِنَ الذُنوب الصَّغَائر وإن لم توجَد له (3) صَغَائر فلا يبعُد أن يخفف مِنَ الكبَائر واللهُ أعلم.
(وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ) دُون أبي سَعيد (وَزِيَادَة) بالنَّصب على الظرف لإضَافته إلى الظرف الذي بَعده، وهي الأيام في قوله (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تتمة العَشر (وَيَقُولُ: إِنَّ الحَسَنَةَ) تضاعَف (بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)(4).
قالَ العُلماء: مَعناهُ أنهُ يَغفر لهُ مَا بَين الجُمعتين وثلاثة أيام؛ لأن الحَسَنة بِعَشر أمثالها وصَارَ يوَم الجمُعَة الذي فعَل فيه هذِه الأفعَال الجَمِيلة في معَنى الحَسَنة [التى تضاعف](5) بعَشر أمثالها.
([قال أبو داود: ] (6) وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَتَمُّ) مِن حَديث (7) يزيد
(1) في (ص): فعند. والمثبت من (د، م).
(2)
في (ص): بينهما. والمثبت من (د، م، ل).
(3)
من (د، م).
(4)
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1762)، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" 4/ 670، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(371).
(5)
من (س، د، ل، م)
(6)
من (د).
(7)
زاد هنا في (ص): ابن. وهو خطأ.
وعَبد العزيز (وَلَمْ يَذْكُرْ حَمَّادٌ) ابن سَلمة (كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ) المذكور.
[344]
(ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ سَلَمَةَ المُرَادِيُّ) أبو الحَارث المصْري شيخ مُسْلم (ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو (1) بْنِ الحَارِثِ) ابن يَعقوب أبو أُمية الأنصَاري، مَولَاهم المصري، أحَد الأعلام.
(أَنَّ سَعِيدَ (2) بْنَ أَبِي هِلَالٍ) الليثي مَوْلى عُروة بن شييم (3) الليثي؛ أصْلهُ منَ المدينة، ذكرهُ ابن حبان في "الثقات"(4).
(وَبُكَيرَ بنِ الأَشَجِّ، حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ المُنْكَدِرِ) ابن ربيعَة بن عَبد الله القرشي التيمي المدَني أخو محمد بن المنكدر، ذكرهُ ابن عبد البر في مَن لم يذكر لهُ سَوى كنيَته.
(عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ (5)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أَبيهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: الغُسْلُ) في (يَوْمَ الجُمُعَةِ) واجب (عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ) أي: بَالِغ، وهو مجَاز؛ لأن الاحتلام يَستلزم البُلوغ والقَرينة المانعَة عن الحَمل على الحَقيقة أَنَّ الاحتلامَ إذَا كانَ مَعَهُ الإنَزال مُوجب للغُسْل سَوَاءُ كان يَوم الجُمعَة أم لا.
(وَالسِّوَاكُ) يعني: عندَ الاغتسَال (وَيَمَسُّ) بفتح اليَاء والميم.
(مِنَ الطِّيبِ) مِنْ هُنَا للتبعيض وهو قائم مَقام المفعُول أي: استعملوا بَعْض الطيب.
(1) كتب فوقها في (د): ع.
(2)
كتب فوقها في (د): ع.
(3)
في (ص): سليم. والمثبت من (د، م).
(4)
"الثقات"(8165).
(5)
في (س): الدورقي.
روَاية البخاري: "يمسُّ مِن طيب بَيته"(1) وتقييده بالبَيْت يؤذن أن السُّنّة أن يتخذ الرجُل في بَيته الطيب لنَفسه وأهل بيته، ويجعل اسْتعماله منه عَادَة له، وَيدخرهُ في بيته لذلك، واسْتعمال الطيب لا يختَّص بيَوْم الجمُعَة، بَل بَعْدَ كل وضُوء لما روى الطبرَانيُّ في "الكبير" بَسند رجَاله رجَال الصَحيح عَن يزيد بن أبي عبَيد؛ أنَّ سَلمة بن الأكوَع كانَ إذا توَضأ يَأخُذ المسْك في يدَيه، ثم يمسَح به لحَيته (2).
(مَا قُدِّرَ لَهُ)(3) أي: يمسّ مَا قدره اللهُ لهُ وشره له ورزقه، وفيه دَليل عَلى أن الطيب والسِّوَاك ليسَ بوَاجب، واستدل بَعْضهمُ بعَطف السَواك والطيب عَلى الغسْل، عَلى أنَّ الغسْل لَيْسَ بوَاجب؛ إذ لم يختلف الأئمة في أنَّ (4) السِّوَاك والطيب غَير واجبَين فكذلك المَعْطوف عَليْه (5).
(إلَّا أَنَّ بُكَيْرًا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) ابن أبي سَعيد (وَقَالَ فِي الطيبِ وَلَوْ مِنْ طِيبِ المَرْأَةِ) كَذا رِوَاية النسَائي (6) ولعَل هذِه الروَاية توضح روَاية البخاري: "مِنَ طيب بَيته"(7) ويَكونُ التقدير من طيْب أهْل بَيته يَعني المرأة.
(1)"صحيح البخاري"(883) من حديث سلمان الفارسي.
(2)
"المعجم الكبير"(6220).
(3)
الحديث أخرجه ومسلم (846)(7)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 92، وأحمد 3/ 30، وابن خزيمة في "صحيحه"(1743)، وابن حبان في "صحيحه"(1233).
(4)
من (د، م).
(5)
ليست في (م).
(6)
"المجتبى" 3/ 92.
(7)
تقدمت هذه الرواية.
[345]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الجرجاني) ويُقالُ: الجَرْجَرَائِيُّ بفتح الجِيْمَين بَينهما راء سَاكنَة، المصيصي العَابد المعرُوف بِحبي وثقهُ أبو دَاود، وقالَ أبو حَاتم: صَدُوق (1)(ثَنَا) عَبد الله (ابْنُ المُبَارَكِ) ابن وَاضح الحَنظلي التميمي مَولَاهم المروزي أحَد الأئمة.
قال سُفيان: إني لأشتهي في عُمري كله أن أكونَ سنة واحدة مثل ابن المبَارك، فما أقدر أن أكونَ ولَا ثلاثة أيام. وكانَ إذَا كانَ وقت الحجَ اجْتَمع إليه إخوَانه مِنْ أهْل مرو فيقُولون: نَصْحبُك. فيَقول لهم (2): هَاتوا نفقاتكم. فيَأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق، ثم يَكتري لهُم ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهُم أطيب الطعَام والحلوى، فإذا وصَلوا المدينَة ومكة، قالَ لكل منهم: مَا أمرك عيَالك أنْ تشترى لهمُ؟ فيَقولُ (3): كذَا من مكة وكذا مِنَ المدَينَة ثم لا يزَال ينفق عَليهم إلى مرو، فإذا دَخَلوا المدَينة وكانَ بَعد ثلاث صنع لهُم وليمة وكسَاهُم ودَعَا بالصندُوق ففتحهُ (4) ودَفع إلى كل أحَد (5) منهم صُرَّة (6) وعَليها اسْمه، وكانَ يقول الحبر في الثيَاب خلوق العُلماء (7).
(1)"تهذيب الكمال" 25/ 26.
(2)
من (د، م).
(3)
في (م): فيقولون.
(4)
في (م): ففتح.
(5)
ليست في (د، م).
(6)
في (د، م): صرته.
(7)
"سير أعلام النبلاء" 8/ 409.
(عَنِ الأوزَاعِيِّ ثنا حَسَّانُ (1) بْنُ عَطِيَّةَ) أبو بكر المحاربي ثقة عَابد؛ لكنهُ قدري (2)(حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْعَثِ) شراحيل بن آدة بمدّ الهمزة وتخفيف الدَال المفتوحَة، كذَا قالهُ ابن معين وغَيره شامي تابعي ثقةٌ (3)(الصَّنْعَانِيُّ) صَنعاء الشام.
(حَدَّثَنِي أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ) رضي الله عنه (قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ) قالَ أبو بَكر بن خزيمة: من (4) قال: غسّلَ. بالتشديد فمعناه: جامع فأوجب الغسْل عَلى زَوجَته وأمته (وَاغْتَسَلَ) هو ومَن قالَ غسل بالتخفيف أرادَ (5): غسل رَأسه واغتسل فغسَل سَائر الجَسَد (6). ويدل عَليه الرواية الآتية مَنْ غسل رَأسه يَوم الجُمعَة.
قال الخطابي: ومنهم مَنْ ذَهَب إلى أن هذا مِنَ الكَلام المتظاهر الذي يَرادُ به التأكيد، ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين، وقال: ألا تراهُ يقُول في الحَديث: "فمشى (7) ولم يَركب" ومعناهما وَاحد، وإلى هذا ذهَب الأثرم صَاحب أحمد (8).
(ثُمَّ بَكَّرَ) بتشديد الكاف.
(1) كتب فوقها في (د): ع.
(2)
"الكاشف" للذهبي (1004).
(3)
"تهذيب الكمال" 12/ 408.
(4)
من (د، م).
(5)
في (ص، س، ل): زاد. والمثبت من (د، م).
(6)
"صحيح ابن خزيمة"(1758).
(7)
في (ص)، س، ل): يمشي. والمثبت من (د، م).
(8)
"معالم السنن" للخطابي 1/ 108.
قال في "النهاية": بكر أتى (1) الصَلاة في أول وقتها، وكل من أسَرع إلى شيء فقد بكر إليه (و) أمَّا (ابْتَكَرَ) فمَعناهُ: أدرَك أول الخُطبَة، وأوَّل كل شيء باكورته، وابتكر الرجل إذا أكل بَاكورة الفَوَاكه وقيل: معنى اللفظين واحد فَعَل وافتَعل، هانما كرر للتأكيد والمبَالغَة كما قالوا: جَاد (2) مُجِدّ (3).
قال ابن الأنباري: معنى بَكَّر: تصدق قبل خروجه، وتأول في ذلك مَا روي في الحَديث من قوله عليه السلام:"باكرُوا بالصَدقة فإن البَلاء لا يتخطاهَا"(4).
(وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ) جَمَعَ بيْنَ اللفظين للتأكيد.
(وَدَنَا مِنَ الإِمَامِ؛ فَاسْتَمَعَ) هذِه الفاء السَّبَبيَّة يَعني أن الدُنُوَّ مِنَ الإمَام سَببُّ يُؤدي إلى استماع الخُطبة التي يتعظ بهَا، ورواية أحمد بإسْناد لهُ (5) رجَاله رجَال الصَحيح:"واقترب (6) واستمع"(7).
(وَلَمْ يَلْغُ) بفتح أوله قال في "النهاية": يقال: لغَا الإنسَان يلغُو ولغا
(1) في (ص): إلى. والمثبت من (د، م).
(2)
"النهاية في غريب الحديث والأثر"(بكر).
(3)
في (ص، ل): محمد. والمثبت من (س، د، م).
(4)
انظر: "شرح السنة" 4/ 237، وحديث "باكروا بالصدقة" أخرجه الطبراني في "الأوسط"(5643)، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4606): فيه عيسى بن عبد الله بن محمد، وهو ضعيف.
وقال الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب"(524): ضعيف جدًّا.
(5)
ليست في (د، م).
(6)
من (د، م).
(7)
"مسند أحمد" 2/ 209.
يلغَى ولغى يَلغِي إذا تكلم بالمطَّرَح منَ القول وما لا يَعْنِيه (1). ولغَا الرجل تكلم بأخلَاط (2) الكلام.
(كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ) لفظ الترمذي "أجر سنة"(3).
(أَجْرُ) بالرفع بدل من عمل (صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا)(4) روَاية أحَمد المُتقدمَة: "كانَ له بكل خطوةَ قيام سَنة وصيَامهَا"(5) يعنى بلا مُضاعفة.
[346]
(ثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ (6) بْنِ يَزِيدَ) المصْري أبو عبد الرحيم الفقيه.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) الليثي (عَنْ عُبَادَةَ (7) بْنِ نُسَيِّ) بضَم النون وفتح السِّين المُهملة المخففة، الكنْدي قاضي طَبَرية قالَ مسْلمة (8) بن عَبد الملك: في كِندة ثَلاثة يُنَزّلُ اللهُ بهم الغَيث، وينصر بهم على الأعداء، عُبَادة بن نُسي، ورجَاء بن حَيوة، وعَدي بن عَدي (9).
(1)"النهاية في غريب الحديث والأثر"(لغا).
(2)
في (م): باختلاط.
(3)
"جامع الترمذي"(496).
(4)
الحديث أخرجه أحمد 4/ 9، والترمذي (496)، والنسائي 3/ 95، وابن ماجه (1087)، والدارمي (1547)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1758)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 282، وقال: صحيح على شرطهما. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(373).
(5)
"مسند أحمد" 2/ 209.
(6)
كتب فوقها في (د): ع.
(7)
كتب فوقها في (د): عو. [يقصد الأربعة].
(8)
في (م): مسلم.
(9)
"الجرح والتعديل"(1038).
قال أبو مسْهر: هولاء عُمَّالُ عمر بن عبد العزيز (عَنْ أَوْسٍ) ابن أوس (الثَّقَفِيِّ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ)[أي بخطميٍّ و](1) غَيره (يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ) في جَميع بَدَنه (وسَاقَ نَحْوَهُ)(2) أي: قريبًا من لفظ الحَديث المتقدم.
[347]
(ثنا) عَبد الغني بن رفاعَة (ابْنُ أَبِي عَقِيلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) المرادي (3) المِصْرِيَّانِ (4)(قَالَا: ثَنَا) عبد الله (ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابن أَبِي عَقِيلٍ)[أي: في رواية (قال) ابن وهب: أخبرني. ورواية محمد بن سلمة، سألت عنها، لم يتبين لفظها هل قال فيها ابن وهب: حدثنا، أوْ عن ولعله يحمل على العنعنة، والله أعلم](5).
(أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنَ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ) شعَيب بن محَمد بن عَبْد الله بن عَمرو بن العَاص (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ) جده المحاربي (6) فَصَرحَ هُنَا بالروَاية عَن جَدّه الأعلى فكانَ حَديثه مُتَّصِلًا وارتفع الخلاف في الاحتجاج به لولا أنَّ فيه العَنعَنَة.
(عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ لَهَا) طيب (وَلَبِسَ مِنْ صَالِح) أي: من (7) أحسَن (ثِيَابِهِ) كما في
(1) في (ص): في طهر أو. والمثبت من (د، س، م).
(2)
هذه الطريق أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير"(588).
(3)
جاءت في (ص، س): في غير موضعها. والمثبت من (د، م).
(4)
في (ص): البصريان، والمثبت من (د، س، م، ل).
(5)
سقط من (ص، ل، د). والمثبت من (م).
(6)
سقط من (ص، س، ل). والمثبت من (د، م).
(7)
من (م).
الروَاية السَّابقة.
(ثُمَّ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ) يعني: الذين لم يَتركوا بَين أيديهم مَوضعًا خاليًا فمن فعل (1) جَاز للدَاخِل أن يتخطاهُ إلى الموضع الخَالي؛ لأنه لا حُرمة لهُ لتقصيره.
قال الأوزاعي: يتخطاهم إلى السَّعَة (2) قالطَ الحَسَن؛ لأنهم خَالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم وَرَغبُوا عَن خَير الصفوف وجَلسُوا في شَرها (3).
(وَلَمْ يَلْغُ عِنْدَ المَوْعِظَةِ) أي: مَوْعظَةِ الخَطيب.
(كَانَتْ) تلك الصَّلَاة (كَفَّارَةً لِمَا بَينَهُمَا) أي: وَزيَادَةَ ثلاثة أيام كما تقدم.
(وَمَنْ لَغَا) عندَ المَوْعظَة (وَتَخَطَّى) بلَا هَمز في آخره.
(رِقَابَ النَّاسِ) دُونَ تقصير منهم (كَانَتْ) تلك (4) الصَّلاةُ (لَهُ ظُهْرًا)(5) أي: بَطَلتْ فَضيلة الجُمعَة المتَقَدِّمَة وصَارَت جُمعَته ظهرًا مَقصورَة لا كفارة فيهَا.
وروى الإمام أحَمد والبزار والطَبراني عن ابن عَباس، قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن تكلم يَوم الجمُعَة والإمام يخطبُ فهو كمثل الحمار يَحمل
(1) في (ص، ل، س): قعد. والمثبت من (د، م).
(2)
في جميع النسخ: السبعة. والمثبت من "شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 502 وغيره.
(3)
"المغني" لابن قدامة 3/ 231.
(4)
من (م).
(5)
الحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(1810). وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"(375).
أسْفَارًا، والذي يقول له: انصت ليسَ له جمعَة" (1).
[348]
(ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، ئَنَا مُحَمَّدُ (2) بْنُ بِشْرٍ) بن الفرافصة بن المختار العَبدي الكوفي أحَد العُلماء بالحَديث.
(ثَنَا زَكَرِيا) بن أبي زائدة الكوفي الأعمى (ثَنَا مصعب (3) بْنُ شَيْبَةَ) أخرج لهُ مُسْلم.
(عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ العَنَزِيِّ)(4) بفتح العَين المهملة [والنون وكسر الزاي](5) أخرج له مُسْلم في العلم والوضوء (6).
(عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ (7) مِنَ الجَنَابَةِ) غسْل الجنَابة واجِب مِنَ الاحتلام أو الجماع كما تقدم.
(وَيَوْمِ الجُمُعَةِ) كما تقدم.
(1) أخرجه أحمد في "مسنده" 1/ 230، والبزار في "مسنده"(4725)، والطبراني في "المعجم الكبير"(12563).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(3123): فيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائي في رواية.
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 481: وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر. وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع"(5238).
(2)
كتب فوقها في (د): ع.
(3)
في (ص، س، ل): شعيب. والمثبت من (د، م).
(4)
في (م): العنبري.
(5)
بياض في (م).
(6)
"صحيح مسلم"(261)(56)، (267)(7).
(7)
في (ص، ل، س): أربعة، والمثبت من (د، م).
(وَمِنَ الحجَامَةِ) فيه حجة للقديم من مَذهَب الشافعي، أَنَّه يُسْتَحبُّ الغسْلُ مِنَ الحجَامَة، ومن دُخول الحَمام نصَّ عليهما الشافعي في القديم، وحكاهُ عن القَديم القَاضي والقفَّال وقطعَا به وكذَا قطعَ به المحَامِلي في "اللبَاب"، والغَزالي في "الخلَاصَة"، والبغوي (1)، وحَكاهُ الغَزالي في "الوَسيط" (2) عن ابن القاص ثم قال: وأنكر مُعظَم أصحَابنَا استحبابهما (3) والحَديث حجة على من أنكر الاسْتحبَاب، والحَديث صححهُ ابن خزَيمة (4)، والحاكم وقال: عَلى شَرط الشيخين (5).
وقالَ البيهقي في "خلافياته": رواتهم كلهم ثقات (6). وقَالَ صَاحبُ "المنتقى": إسنَادهُ عَلى شرط مسلم (7). لكن أخرجهُ المُصَنِّف في الجنَائز وقالَ: إنهُ مَنسُوخ كما سيَأتي.
(و) يغَتسَل (مِنْ غُسْلِ المَيِّتِ)(8) ويعضدهُ حَديث الترمذي "من غسل ميتًا فليَغتسل"(9) وصححهُ ابن حبان من رِوَاية سُهَيل بن أبي صَالح، عن أبيه، عن أبي هُريرة رضي الله عنه (10).
(1)"شرح السنة" للبغوي 2/ 167.
(2)
"الوسيط في المذهب" 2/ 292.
(3)
"المجموع شرح المُهَذب" 2/ 203.
(4)
"صحيح ابن خزيمة"(256).
(5)
"المستدرك" للحاكم 1/ 163.
(6)
"مختصر خلافيات البيهقي" 1/ 407.
(7)
انظر: "المحرر" لابن عبد الهادي 1/ 136.
(8)
أخرجه أحمد 6/ 152. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (59).
(9)
"جامع الترمذي"(993) بقريب من هذا اللفظ.
(10)
"صحيح ابن حبان"(1161).
قال الماوَردي: خرَّجَ بَعض أصحاب الحَديث لصحته مائة وعشرين طَريقًا (1) وقال الشافعي في "البويطي": يجب [الغسل من](2) غسل الميت إن صحَ الحَديث (3).
[349]
(ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ) ابن يزيد السّلمي (الدِّمَشْقِيُّ) قال (4) أبو حَاتم: كانَ ثقة رضي (5)، وَوَثقهُ النسَائي (6)(ثنا مَرْوَانُ) بن محَمد الدّمشقي الطاطري أخرجَ له مُسْلم (ثَنَا عَلِيُّ (7) بْنُ حَوْشَبٍ) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة الفزاري.
قال دحيم: لا بأسَ بهِ (8).
(قَالَ: سَأَلْتُ (9) مَكْحُولًا عَنْ هذا القَوْلِ) المتقدم من (غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ) الحَديث (قَالَ: غَسَّلَ رَأْسَهُ وجَسَدَهُ)(10) أي: سَائر جَسَده.
[350]
(ثَنَا مُحَمَّدُ (11) بْنُ الوَلِيدِ) بن هُبيرة الهَاشِمي (الدِّمَشْقِيُّ) بكسر الدَال وفتح الميم القلانسي.
(1)"الحاوي الكبير" 1/ 377.
(2)
سقطت من (د، م).
(3)
"المجموع شرح المُهَذب" 2/ 203.
(4)
سقط من (د).
(5)
"الجرح والتعديل" 8/ 292.
(6)
"تهذيب الكمال" 27/ 297.
(7)
كتب فوقها في (د): د.
(8)
"الكاشف"(3909).
(9)
في (س): حدثنا.
(10)
انظر: "شعب الإيمان"(2989).
(11)
كتب فوقها في (د): د.
قَال ابن أبي حَاتم: لم يقض لي السَّماع منهُ وهوَ صَدُوق (1)(ثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ) عَبد الأعلى بن مسهر الغسَّاني أخرج له مُسْلم.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ) بن يحيى التَنُّوخي فقيه أهل دمشق و (2) مُفتيهم بعد الأوزاعي، قرأ القرآنَ على عبد الله بن عَامِر، روى لهُ البخَاري في "الأدب" (3) (في) قوله (غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ. قَالَ: قال سعيد (4): غَسَّلَ رَأْسَهُ) يعني: بسدر أو (5) نحوه (وَغَسَلَ جَسَدَهُ) كله بَعْدَ ذلك.
[351]
(ثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيِّ) مَولى أبي بَكر بن عَبْد الرحمن (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ (السمان (6)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ) يدل عَلَى مَا قَاله أصحَابنَا أن (7) من اغتسَل للجنَابة سَقطت عنهُ الجنَابة، [وحَصَلَ لهُ فَضل](8) غسْل يوم (9) الجُمعَة ولا يحتَاج إلى (10)
(1)"الجرح والتعديل"(499).
(2)
من (د، م).
(3)
"الأدب المفرد"(490).
(4)
من (د).
(5)
في (د، م): و.
(6)
من (د، س، م، ل).
(7)
من (د، م).
(8)
من (د، م): وحصلت له فضيلة.
(9)
من (م).
(10)
ليست في (د، م).
أن يغتسل لهُ غسُلًا ثانيًا على الأظهرَ، عندَ الأكثرين. [وقال النووي:"غُسْلُ الجنابة" أي (1): كغسْل الجنابة في الصِّفات انتهَى (2).
والأصل عَدَم هذا التقدير، وفيه دَليل على مُواقعة الزَوْجَة يَوْم الجمُعَة] (3).
(ثُمَّ رَاحَ) في السَّاعة الأولى كَمَا في رواية في "الصحيح"، فيه أن التَبْكير للجُمعَة أفضل مِنَ التهجير، وهوَ اختيار الشافعي أخذًا بِظَاهر هذا الحَديث (4)، والذي اختارهُ مَالك التهجِير دُونَ التبكير (5)، وحَمل الحَديث على أن المراد به بعد الزوَال تعلقًا بأن الروَاحّ [لا يَكون](6) في أوَّل النَهار وإنما يَكونُ بَعدَ الزَوَال.
قال المازري (7): وخَالفَهُ بَعْض أصحَابه فوَافق الشافعي، وتمسَّك مَالك بحَقيقة الروَاح في تَسميَة السَّاعة (8) ويؤكد مَذهبَه مَا في روَاية في الصَّحيحَين وابن مَاجَه "مثل المهجر كمثل (9) الذي يهدي بدَنة"(10)
(1) من (د، س، ل).
(2)
"شرح النووي على مسلم" 6/ 135.
(3)
سقط من (م) وأشار الناسخ.
(4)
"الأم" 1/ 336.
(5)
"مواهب الجليل" 2/ 537.
(6)
ليست في (م).
(7)
في (س): الماوردي.
(8)
"فتح الباري" 2/ 429.
(9)
في (ص): مثل. والمثبت من (د، م).
(10)
"صحيح البخاري"(929)، و"صحيح مسلم"(850)(24)، و"سنن ابن ماجه"(1092).
والتهجير لا يكون أول (1) النهار والتهجير عندَ الأكثرين السَّير عند الهَاجِرَة، وتأول بَعْض الشافعيَّة بأن مَعنى: هَجّر؛ هجر منزله وتركه، ومنهُ في الحَديث:"مِنَ النَاس من لا يذكر الله إلا مهَاجرًا"(2).
قال في "النهاية": يريد هجْران القَلب، وتَرك الإخلاص في الذكر فكانَ قلبهُ مهَاجرًا، للسَانه (3) غَير موَاصل لهُ (4)، وأنكر الأزهري أن الروَاح (5) لا يكون إلا بَعْدَ الزوَال كما قال مَالك (6)، وغلط قائله فقالَ في "شرح ألفاظ المختَصر": مَعنى رَاح مضَى إلى المَسْجد، ويتوهم كثير منَ الناس أن الروَاح لا يَكون إلا في آخِر النهَار وليسَ ذلك (7) بشَيء؛ لأن الروَاحَ والغُدُو مُستعملان في السير (8) أي وقت كانَ من ليل أو نَهار يُقال: رَاحَ في أول (9) النَّهَار (وآخره و)(10)، تروح وغدا بمعنَاهُ (11) وممن (12) اختارَ مَا ذَهبَ إليه مَالِك مِنَ الشافِعيَّة إمَام
(1) في (د، م): في أول.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(35694) موقوفا على ابن مسعود.
(3)
في (ص، س): بلسانه. والمثبت من (د، م، ل).
(4)
"النهاية في غريب الحديث والأثر"(هجر).
(5)
في (م، ل): الزوال.
(6)
"عون المعبود" 2/ 15.
(7)
في (ص، ل): ذكره. والمثبت من (د، س، م).
(8)
سقطت من (ص، ل، س). والمثبت من (د، م).
(9)
سقطت من (ص، ل، س). والمثبت من (د، م).
(10)
في النسخ الخطية: وغيره، والمثبت من "الزاهر".
(11)
"الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" ص 43.
(12)
في (م): لا ممن.
الحَرَمين والقاضي حُسين (1) وغَيرهما مِنَ الخراسَانيين على ما نقلهُ في "شَرْح المهَذب"(2).
(فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) احتج به الشافعي (3) وأبو حَنيفة (4) في تفضيل البُدْن في الضحايا على الغنم وأنها الأفضَل (5) في الأضحية، ثم البَقر ثم الغنم وسَووا بين الهدَايا والضحَايا (6) وسَائر النسك.
وقال مَالك وأصحَابه: الضحَايَا بالضأن أفضَل منَ المعَز، ثم البَقر، ثم الإبل (7)، ومن أصحَاب مَالك من قدمَ الإبل على البَقر ووافقوا في الهدَايا، وحجتهم قوله تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)} (8) وأن النَّبي صلى الله عليه وسلم ضَحى بالضأدن ومَا كانَ يترك الأفضَل كما لم يتركهُ في الهَدَايَا؛ ولأن الغرض في الضحَايا استطابة الغنم، وفي الهدَايَا كثرتها، ومعنى "فكأنما قرب": أهْدى إلى اللهِ بَعيرًا عَظيمَ البَدَنِ يتقرب به إلى الله ويطلب قُربه، كمَن يُهدي القربان إلى بَيت الله، والجَامع بَينهما المشي إلى بَيت الله فَشبّه (9) المشي بالسَّفر إلى الحج وشبَّه بيت الله بالكعبة، وشبه أيام الحج بيَوْم الجُمعَة.
(1) ليست في (م).
(2)
"المجموع "شرح المُهَذب" 4/ 540.
(3)
"المجموع "شرح المُهَذب" 4/ 540.
(4)
"المجموع "شرح المُهَذب" 8/ 398.
(5)
في (د): أفضل.
(6)
سقطت من (م).
(7)
"الاستذكار" 5/ 14، وانظر:"المدونة" 5/ 235.
(8)
الصافات: 107.
(9)
في (م): كتشبيه.
(وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ) أي: أهْدَى إلى الله عز وجل كما [يُهدى القربَان](1) إلى بَيْت الله الحَرَام (بَقَرَةً) والبدَنة والبقرة يقعَان عَلى الذكر والأنثى باتفاقهم، والهَاء فيه للوحدة كقمحة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس، سميت بقرة؛ لأنها تبقر الأرض أي: تشقها بالحَراثة، ومنهُ سمُي محَمد البَاقِر لأنه بَقَرَ العلم ودَخَل فيه مَدْخَلًا بَليغًا ووصل منه غاية مرضية، وظاهِرُه يحتجُّ به عَطاء في أن البَدَنة مِنَ الإبِل وهي خلَاف البَقرة (2) ومَالك يَرى البَقر من البدن (3)، وتظهَر فائدَة هذا فيمَن نذر بَدَنة ببَلد لا يُوجَد فيه إلا البقر.
(وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشَا أَقْرَنَ) وَصَفه بالأقرن؛ لأنه أكمل وأحسَن صُورَة، ولأن قرنه ينتفع به، ومن جَاء في أوَّل سَاعة من هذِه السَّاعَات يشترك هوَ ومن جَاء في آخِرهَا في تحصيل أصل (4) البَدنة أو البقرة أو الكَبش لكن بدنة الأول (5) وبقرته وكبشه أكمل وأحسَن ممَّن (6)
(1) في (م): تهدى القربات.
(2)
المروي عن عطاء رحمه الله، أنَ البدنة هي البقرة والبعير. وأما ما ورد هنا فهو مروي عن مجاهد رحمه الله. انظر الأثرين في "مصنف ابن أبي شيبة"(14872، 14874).
وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 426 - 427: وقال الأزهري في "شرح ألفاظ المختصر": البدنة لا تكون إلا من الإبل، وصح ذلك عن عطاء، وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظه وحكى النووي عنه أنه قال: البدنة تكون من الإبل، والبقر، والغنم، وكانه خطأ نشأ عن سقط. اهـ. فبين الحافظ ابن حجر أساس هذا الخطأ بأنه ناشئ عن سقط.
(3)
"المدونة الكبرى" 1/ 412.
(4)
سقط من (ص، ل).
(5)
سقط من (ص، ل).
(6)
في (ص، س، ل): مما.
جَاء في آخِر السَاعَة، وبَدنةُ المتوسط متوسِّطةٌ وهذا كما أنَّ من أدرَك الجَمَاعة في الرَّكعَة الأولى يَزيدُ أجُرَهُ على أَجر من أدرَكها قَبل السَّلام، وإن اشتركوا في إدرَاك حُصُول فَضيلة الجَماعَة.
(وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً) بفتح الدَال ويَجوز الكسر، ومنهم من يقول: الكسر لغة قليلة وتقع على الذكر والأنثى، وجَمع الدَّجَاج دُجُج، مثل عَناقَ وعُنُق، وكتاب وكُتُب، وربما جمع على دَجَائج، وقَد جَاء في روَاية للنسَائي: قال في الرابعَة: "كالمهْدي بطة، ثم كالمهْدي دَجَاجَة، ثم كالمهْدي، بَيْضة"(1).
وفي روَاية له قال في الخامسَة: "كالذي يهدي عصفورًا"، وفي السَّادسَة:"بَيْضَة"(2).
قَالَ النوَوي: وإسْنادا الروَايتَين (3) صحيحان انتهَى (4).
ورَوى الإمَام أحمَد في مُسنده مِنْ حَديث أبي سَعيد نحو الروَاية الأولى مِنهُما (5)(وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيضَةً) فيه ردّ لما تقدم عَن "النهاية" أنَّ معَناهُ: أهْدَى كما يهدي القربَان (6)؛ لأن القرُبان، إنما هوَ في النَّعمَ فَقَط لا في الدجَاجَة والبَيضة وأنَّ معنى
(1)"سنن النسائي" 3/ 97.
(2)
"سنن النسائي" 3/ 98.
(3)
في (ص، س، ل): الروايتان. والمثبت من (د، م).
(4)
"شرح النووي على مسلم" 6/ 137.
(5)
"مسند أحمد" 3/ 81.
(6)
"النهاية في غريب الحديث والأثر"(قرب).
قَرَّبَ: تصَدَّق. كما قَالَ النوَوي: يَعْني: تصَدق مُتَقربًا به (1) إلى الله تعَالى، وفيه دَليل على أن القربَان والصَّدقة يَقعَان عَلى القليل والكثير (2).
قال الخَطابي: الجُمعَة لا يزيد وقتها مِن أول حين الروَاح وهوَ بَعْدَ الزوَال إلى خمس سَاعَات، فقوله "في السَّاعة الرابعَة، والخامسَة" مُشكل، ويتَأولُ عَلى أن المراد بالروَاح إنما هوَ بَعْد طُلوع الشمس سُمِّي القاصد لهَا وقتها رَائحًا، كما يُقَالُ للمقبلين (3) إلى مَكة حُجَّاجًا (4)(5).
قال الكرمَاني: الإشكال بَاق، واليَوم عندَ أهْل الشرع مِنَ وقت (6) طُلوع الفجر لا مِن طلوع الشمس ولإن سَلمنا على العرف (7) العَام أن اليوَم من طُلُوْع الشمس، فالسَّاعَات منهُ إلى الزوَال ست لا خمس فتبقى السَّاعة السَّادسَة (8)، ولا شك أن خرُوج الإمَام، وطي الصُحُف (9) إنما هوَ في السَّابعَة لا في السَّادسَة.
وعَلى روَاية النسَائي: "المُهَجِّرُ للجُمعَة (10) كالمُهدِي بدَنة، ثم كالمُهدي بقرةً، ثم كالمُهدي شاةً، ثم كالمُهدي بطةً، ثم كالمُهدي
(1) من (س).
(2)
"شرح النووي على مسلم" 6/ 137.
(3)
في (ص، س، ل): للتبكير. والمثبت من (د، م).
(4)
في (ص، ل، س): حجا. والمثبت من (د، م).
(5)
"معالم السنن" للخطابي 1/ 109.
(6)
ليست في (د).
(7)
في (م): الفرق.
(8)
تصحفت في (م) إلى: الساعة.
(9)
في (م): المصحف.
(10)
في (د، س، ل، م): إلى الجمعة.
دَجَاجَةً، ثم كالمُهدي بيضةً" (1) فيَكون خروج الإمَام في هذِه الروَاية في السَّاعَة السَّابعَة.
(فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ) بفتح الضَّاد وكسْرهَا لغتان مَشهورتان، الفتح أشهر وأفصَحُ وبهَا جَاء القُرْآن. قال اللهُ تعَالى:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} (2).
(الْمَلَائِكَةُ) قالوا: هُم غيرُ الحَفَظَة، وظيفتهم كتابة حَاضرِي الجُمعَة.
(يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)(3) يَعني: الخُطبة وسَمَاع (4) قراءة القرآن فيهَا وفي الصَّلاة، ورَوَى ابن خزيمة عَن عَمرو بن شعَيب، عن أبيه، عن جَدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنهُ قالَ:"تبعَثُ الملائكة على أبوَاب المسجد يَوْم الجُمعة، يكتبون مجيء الناسِ، فإذا خَرَجَ الإمَام؛ طُويت الصُحُفُ ورُفعت الأقلَامُ، فيَقول بَعضهم لبعض: مَا حَبَسَ فلانًا؟ فتقول الملائكة: "اللهمُ إن كانَ ضالًّا فاهْده وإن كان مريضًا فاشفه وإن كان عائلًا فأغنهِ" (5).
* * *
(1)"سنن النسائي" 3/ 97.
(2)
النساء: 8.
(3)
أخرجه البخاري (881)، ومسلم (850)(10)، والترمذي (499)، والنسائي في "المجتبى" 3/ 98 - 99، وأحمد 2/ 460 وابن حبان في "صحيحه"(2775) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة به.
(4)
سقطت من (د، م).
(5)
"صحيح ابن خزيمة"(1771).