المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌140- باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌130- باب: من رأى القراءة إذا لم يجهر

- ‌131- باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

- ‌132- باب: تمام التكبير

- ‌133- باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌134- باب: النهوض في الفرد

- ‌135- باب: الإقعاء بين السجدتين

- ‌136- باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌137- باب: الدعاء بين السجدتين

- ‌138- باب: رفع النساء إذا كُن مع الرجال رءوسهن من السجدة

- ‌139- باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌142- باب: تفريع أبواب الركوع والسجود

- ‌143- باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌144- باب: في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌145- باب: الدعاء في الصلاة

- ‌146- باب: مقدار الركوع والسجود

- ‌147-باب: الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع

- ‌148- بَاب: أعْضَاء السجُود

- ‌149- بَاب: السجُود على الأنف والجبهَةِ

- ‌150- بَاب: صِفَة السُّجُودِ

- ‌151- بَابُ: الرخصَة في ذلك

- ‌152- بَابُ: التَخصُّر والإِقعاء

- ‌153- بَابُ: البُكاء في الصَّلاةِ

- ‌155- بَابُ: الفتح على الإمَام فِي الصَّلاة

- ‌156-بَابُ: النهي عَن التَّلقين

- ‌157- بَابُ: الالتِفات فِي الصَّلاةِ

- ‌158-بَابُ: النَّظَر في الصلاة

- ‌159- بَابُ: الرخصَةِ في ذلك

- ‌160- بَابُ: العَمَل فِي الصَّلاة

- ‌ 161- بَابُ: رَد السَّلام فِي الصلاة

- ‌162- بَاب: تشميت العاطس في الصلاة

- ‌163- بَابُ: التَأمين وَرَاء الإمام

- ‌164- بَابُ: التصْفيق في الصلاة

- ‌165- بَابُ: الإِشارَةِ في الصلاة

- ‌ 166- بَابُ: مَسْح الحَصَى في الصلاة

- ‌ 167-بَابُ: الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ

- ‌168- بَابُ: الرّجُل يَعتمدُ في الصَّلاةِ على عَصى

- ‌169- بَابُ: النَّهْى عن الكلام في الصَّلاةِ

- ‌170- بَابٌ: في صَلاةِ القَاعِدِ

- ‌171- بَاب: كيفَ الجُلوُس في التَشَهُّد

- ‌172- بَاب: مَنْ ذكرَ التَّورك في الرابعة

- ‌173- بَابُ: التَّشهُّدِ

- ‌174- بَابُ: الصَّلاة عَلى النَبِي- عليه السلام بَعْد التَّشَهُّدِ

- ‌175- بَابُ: إِخْفاء التَّشهُّدِ

- ‌176- بَابُ: الإشارة في التَّشهُّدِ

- ‌177- بَابُ: كراَهِية الاعْتمادِ على اليَدِ في الصَّلاةِ

- ‌178- باب: في تخفيف القُعُود

- ‌179- بَاب: في السَّلام

- ‌180- بَابُ: الرد على الإِمام

- ‌181- بَابٌ: إذا أحْدَث في صَلاِته يستقبل

- ‌182- بَاب: في الرجل الذي يتطوَعُ فِيمَكانِهِ الذِي صَلى فيه المكتوبة

- ‌183- بَابُ: السهْوِ في السَجْدَتَيْن

- ‌184- بَاب: إذا صَلى خمساً

- ‌185- بَاب: إذا شَكّ في الثنتين والثلاث مَنْ قال: يُلقى الشَكَّ

- ‌186- بَاب: مَنْ قال: يُتمّ عَلَى أكبَر ظنّه

- ‌187- بَاب: مَن قال بَعْد السلام

- ‌188- بَاب: مَنْ قامَ مِن ثنتين ولم يَتَشهد

- ‌189- بَاب: مَنْ نَسِي أنْ يَتَشَهّدَ وَهْوَ جَالِس

- ‌190- بَابُ: سَجْدتي السهو فيهما تَشهد وَتَسْليم

- ‌191- بَابُ: انصرَافِ النِسَاءِ قَبلَ الرجالِ منذ الصلاة

- ‌192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة

- ‌193- بَابُ صَلاة الرجل التطوّعَ في بيتِهِ

- ‌194- بَاب: مَنْ صَلى لغيْر القِبْلةِ ثم عَلِمَ

- ‌195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ

- ‌196- بَابُ: الإجَابة أية سَاعَةٍ هي في يوْم الجمعة

- ‌197- بابُ: فَضْلِ الجُمْعة

- ‌198- بَابُ: التشْدِيدِ في تَرْك الجُمعةِ

- ‌199- بَابُ: كفّارة مَنْ تركهَا

- ‌200- بَابُ: مَنْ تجبُ عليه الجمعة

- ‌201- بَابُ: الجُمعة في اليَوْم المَطيرِ

- ‌202- بَابُ: التخلفِ عن الجماعةِ في الليْلةِ البَارِدةِ

- ‌203- بَابُ: الجُمعة للمَمْلُوك وَالمرأةِ

- ‌204- بَابُ: الجُمعَةِ في القُرَى

- ‌205- بَابٌ: إذا وَافق يومُ الجُمعةِ يَوْمَ العِيدِ

- ‌206- بَابُ ما يَقْرأ فِي صَلاةِ الصُّبْح يَوْمَ الجُمْعَةِ

- ‌207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة

- ‌208- بَابُ: التَحلُّقِ يَوْمَ الجُمعَة قبل الصلاة

- ‌209- باب: اتخاذ المنبر

- ‌210- باب: موضع المنبر

- ‌211- باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

- ‌212- باب: وقت الجمعة

- ‌213- بَاب: النداء في يوم الجمعة

- ‌214- باب: الإمام يكلم الرجل في خطبته

- ‌215- باب: الجلوس إذا صعد المنبر

- ‌216- باب: الخطبة قائماً

- ‌217- باب: الرجل يخطب على قوس

- ‌218- باب: رفع اليدين على المنبر

- ‌219- باب: اقتصار الخطب

- ‌220- بَابُ: الدنو من الإمام عند الخطبة

- ‌221- باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

- ‌222- باب: الاحتباء والإمام يخطب

- ‌223- باب: الكلام والإمام يخطب

- ‌224- بابُ: استئذانِ المُحْدثِ الإمامَ

- ‌225- باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب

- ‌226- باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

- ‌228- باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر

- ‌229- باب: من أدرك من الجمعة ركعة

- ‌231- باب: الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

- ‌232- باب: الصلاة بعد الجمعة

- ‌233- باب: صلاة العيدين

- ‌234- باب: وقت الخروج إلى العيد

- ‌235- باب: خروج النساء في العيد

- ‌236- باب: الخطبة في يوم العيد

- ‌237- باب: ترك الأذان في العيد

- ‌238- باب: التكبير في العيدين

- ‌239- باب: ما يُقرأ في الأضحى والفطر

- ‌240- باب: الجلوس للخطبة

- ‌241- باب: الخروج إلى العيد في طريق

- ‌242- باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد

- ‌243- باب: الصلاة بعد صلاة العيد

- ‌244- باب: يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر

الفصل: ‌140- باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

قوله: " قال أبو كامل: رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: قال أبو كامل في روايته: (رمقت رسول الله" موضع "محمداً".

قوله: " واعتداله " بالنصب عطفَا على قوله: "قيامه " وكذاب "جلْستَه" عطف عليه، وكذا قوله:"وسجدتَهُ" فيه دليل على تخفيف القراءة، والتشهد، وإطالة الطمأنينة في الركوع، والسجود، وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود.

ص- قال أبو داود: قال مسدد: فركعتَه، فاعتداله (1) بين الركعتين، فسجدته، فجلسَتَه بين السجدتين، فسجدته، فجلستَه بين التسليم والانصراف قريَبًا من السَّواءِ.

ش- رواية مسدد هذه هي رواية البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، أي: قال مسدد: نا أبو عوانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رَمَقْتُ الصلاة مع محمد، فوجدت قيامه فركعتَه " إلى آخره، وفي بعض النسخ.. (فقعدتَهُ بين التسليم والانصراف " بدل " فجلسته ".

* * *

‌140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

(2)

أي: هذا باب في بيان صلاة من لا يقيم صلبه، وفي بعض النسخ "باب: ما جاء في صلاة من لا يقيم

" إلى آخره.

832-

ص- نا حفص بن عمر النمري، نا شعبة، عن سليمان، عن عُمارة بن عُمير، عن أبي معْمَر، عن أبي مسعود البدريِّ، قال: قال رسول الله يكن: "لا تُجْزِئُ صلاةُ الرجُلِ حتى يُقِيمَ ظَهْرَهُ في الركُوع والسجُودِ، (3) .

(1) في سنن أبي داود: "واعتداله ".

(2)

في سنن أبي داود: ".. في الركوع والسجود، حديث المسيء صلاته".

(3)

الترمذي: كتاب الصلاة، باب: فيمن لا يقيم صلبه من الركوع والسجود (265)، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: إقامة الصلب في الركوع

(2/ 82 1)، باب: إقامة الصلب في السجود (2/ 4 1 2)، ابن ماجه: كتاب

إقامة الصلاة، باب: الركوع في الصلاة (870) .

ص: 46

ش- سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي، وعُمارة بن عُمير التيمي الكوفي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، وأبو مسعود البدري- عقبة بن عَمرو الأنصاري.

والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه "، وكذا ابن حبان، والبيهقي وقال: إسناده صحيح. وكذا قال الدارقطني: هذا إسنادَْ ثابتْ صحيح، وفي رواية بعضهما حتى يقيم صُلْبَه "، وعن طلحة السحيمي، أن النبي- عليه السلام قال: "لا ينظر الله تعالى إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه في ركوعه، وسجوده " ذكره أبو حاتم الرازي في كتاب "العلل".

وعن أبي هريرة يرفعه "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ". ذكره أحمد فيه مسندها بسند لا بأس به.

وعن أبي قتادة يرفعه (

أسوأ الناس سرقةَ الذي يسرق من صلاته، قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يُتِم ركوعها ولا سجودها" ذكره الطبراني في "معجمه الأوسط " (1) .

/0001، (2) عن النبي- عليه السلام أنه قال: أما من مصل إلا [2/9-أ] وملك عن يمينه وملك عن يساره، فإن أتمها عرجا بها، وإن لم يتمها ضربا بها وجهه " ذكره ابن الجوفي في كتابه "الحدائق ".

وبهذه الأحاديث استدل الشافعي، ومالك، وأحمد أن الطمأنينة في الركوع والسجود فرض، حتى تبطل الصلاة بتركها، وهو قول أبي يوسف، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وابن وهب، وداود، وقال أبو حنيفة، ومحمد: الطمأنينة فيهما واجبة وليست بفرض، وذكر في "الخلاصة" أنها سنة عندهما.

قلت: في تخريج الجرجاني هي سيئة عندهما، وفي تخريج الكرخي

(1)(8/ 8179) . (2) طمس في الأصل قرر خمس كلمات.

ص: 47

واجبة يجب سجود السهو بتركها، وذلك لأن الركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض لغة، فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما، وأيضا فإنه عليه السلام أطلق اسم الصلاة على التي ليس فيها الطمأنينة حتى قال في آخر حديث أبي هريرة الذي يجيء الآن: " وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك، ولو كانت باطلة لما سماها صلاة، لأن الباطلة ليست بصلاة، وأيضا وصفها بالنقص، فدل أنها صحيحة، ولكنها ناقصة وكذا نقول. ويكون المراد من الأحاديث المذكورة وأمثالها نفي الكمال، لا نفي ذات الصلاة.

833-

ص- نا القعنبي، نا أنس- يعني: ابن عياض- ح ونا ابن المثنى قال: حدثني يحيي بن سعيد، عن عبيد الله- وهذا لفظ ابن المثنى- قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخلَ المسجدَ، فدخلَ رجل فصلَّى، ثم جَاءَ فَسَلَّم على رسول الله، فَر رسولُ الله عليه السلام وقال:" ارجِعْ فَصَل فإنكَ لم تُصَل ". فرجَعً الرجلُ فصلَّى كمَا كان صلى، ثم جَاءَ إلى النبي- عليه السلام فسلَّم عليه، فقال له رسولُ الله:" وعليكَ السلامُ " ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تُصَل " حتى فَعَل ذلكَ ثلاثَ مرَار، فقال الرجل: والذي بَعَثَكَ بالحق ما أحْسِنُ غيرَ هذا، علمني (1) . قالَ: "إذا قُمتَ إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركعْ حتَى تطمئنَّ راكعًا، ثم اَرفع حتى تعتَدلَ قائمًا، ثم اسجدْ حتى تَطمئن ساجدا، ثم اجلسْ حتى تطمئن جالسًا، ثم افعلْ فلك في صَلاِتكَ ككل" (2) .

(1) في سنن لبي داود: "فعلمني ".

(2)

البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام (757)، مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قرار الفاتحة في كل ركعة.. (397)، الترمذي: كتاب الاستئذان، باب ما جاء في رد السلام (2692)، النسائي: كتاب السهو، باب: أقل ما يجزئ من عمل الصلاة (3/ 59)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إتمام الصلاة (1060) .

ص: 48

ش- أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني، ويحيي بن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر العمري، وسعيد المقبري.

قوله: " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " تنافي فرضية قراءة فاتحة الكتاب، إذ لو كانت فرضا لأمره النبي- عليه السلام بذلك، بل هو صريح في الدلالة على أن الفرض مطلق القراءة كما هو مذهب أبي حنيفة - رضى الله عنه-، وقال الخطابي (1) :" قوله: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزئه غيرها، بدليل قوله:" لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وهذا فيه الإطلاق كقوله تعالى: "فَمَن تَمَتعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهَدْي "(2) ثم كان أقل ما يُجزئ من الهدي معينا معدومَ المقدار، ببيَان السنة وهو الشاة".

قلت: يريد الخطابي أن يتخذ لمذهبه دليلا على حسب اختياره بكلام ينقض ادخره أوله، حيث اعترف أولا أن ظاهر هذا الكلام الإطلاق والتخيير، وحكم المطلق أن يجزئ على إطلاقه، وكيف يكون المراد منه فاتحة الكتاب وليس فيه الإجمال، وقوله:" وهذا في الإطلاق كقوله تعالى" إلى آخره فاسد، لأن الهدي اسم " يُهدَى إلى الحرم، وهو يتناول الإبل والبقر والغنم، وأقل ما يجزئ شاة، فيكون مرادا بالسُّنَة بخلاف قوله: "ما تيسر معك من القرآن"، فإنه ليس كذلك، فإنه يتناول كل ما يطلق عليه اسم القرائن، فيتناول الفاتحة وغيرها، ثم تخصيصه بالفاتحة من غير مخصص ترجيح بلا مرجح وهو باطل، ولا يجور أن يكون قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتابة مخصصها لأنه ينافي معنى التيسير، فينقلب إلى تعسير، وهذا باطل، ولأن هذا المقام مقام التعليم، ولو كانت الفاتحة فرضا، أو مرادة هاهنا، لعلمه النبي- عليه السلام فافهم.

(1) معالم السنن (1/ 182) . (2) سورة البقرة: (196) .

4.

شرح سنن أبي داود 4

ص: 49

[2/9 -ب]

قوله: " ثم افعل ذلك " أي: ما ذكرنا من الهيئات/ في صلاتك كلها. وقال الخطابي (1) : "وفيه دلالة على أن يقرأ في كل ركعة كما كان [عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة] (2) . وقال أصحاب الرأي: إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ، لان شاء أن يسبح سبح، لان لم يقرأ فيهما شيئا أجزأته، ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: يقرأ في الأوليين، ويسبح في الأخريين، من طريق الحارث عنه، وقد تكلم الناس في الحارث قديما، وممن طعن فيه الشعبي، ورماه بالكذب، وتركه أصحاب (الصحيح) ، ولو صح ذلك عن علي لم يكن حجة، لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك، منهم أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم، وسنة رسول الله أولى ما اتبع، بل قد ثبت عن علي من طريق عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يُقرأ في الأول مِن في الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".

قلت: وإن دل قوله ذلك على أن يقرأ في كل ركعة، فقد دل غيره أن القراءة في الأولين قراءة في الأخريين، بدليل ما رُوي عن جابر بن سمرة قال:"شكى أهل الكوفة سعدَا" الحديث. وفيه " وأحذف في الأخريين". أي: أحذف القراءة في الأخريين، وتفسيره بقولهم: أقصرُ القراءة ولا أحذفها كلها خلاف الظاهر.

وقوله: "لأن الجماعة من الصحابة قد خالفوه" غير مُسَلم؛ لأنه رُوي عن ابن مسعود مثله، على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن علي، وعبد الله أنهما قالا:"قرأ في الأولين، وسبح في الأخريين" وكذا رُوي عن عائشة، وكذا رُوي عن إبراهيم وابن الأسود.

وروى عبد الرزاق في (مصنفه) عن معمر، عن الزهري، عن

(1) المصدر السابق.

(2)

غير واضح في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن.

ص: 50

عبيد الله بن أبي رافع قال: "كان- يعني: عليا- يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، ولا يقرأ في الأخريين"، وهذا إسناد صحيح، وينافي قول الخطابي:"بل قد ثبت عن علي من طريق عبيد الله " إلى آخره. وفي "التهذيب " لابن جرير الطبري: وقال حماد: عن إبراهيم، عن ابن مسعود، أنه كان لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر شيئا. وقال هلال بن سنان: صليت إلى جنب عبد الله بن يزيد فسمعته يسبح. وروى منصور، عن جرير، عن إبراهيم قال: ليس في الركعتين الأخيرين من المكتوبة قناعة، سبح الله، واذكر الله. وقال سفيان الثوري: اقرأ في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب. أو سبح فيهما بقدر الفاتحة. أفي ذلك فعلتَ أجزأك، وإن سبح في الأخيرتين أحب إليكَ.

ثم اعلم أنه- عليه السلام بين في هذا الحديث بعض الواجبات ولم يبين بعضها، مثل النية، والقَعدة الأخيرة، وترتيب الأركان، وكذا بعض الأفعال المختلف في وجوبها كالتشهد في الأخير، والصلاة على النبي. عليه السلام وإصابة لفظة " السلام "، فلعل كانت هذه الأشياء معلومة عند السائل، فلذلك لم يبينها.

وفيه دليل على أن التعوذ، والثناء، والبسملة، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ووضع اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس ونحو ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بواجب.

وقال الشيخ محيي الدين (1) : (وفيه دليل على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، والجلوس بين السجدتين، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، ولم يُوجِبهَا أبو حنيفة وطائفة يسيرة. وهذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح ".

(1) شرح صحيح مسلم (4/ 108) .

ص: 51

قلت: ليس الأمر كما زعمه الشيخ، بل فيه دليل على أن الطمأنينة ليست بفرض، إذ لو كانت فرضا لما أطلق عليه الصلاة بقوله في آخر الحديث:"وما انتقصت من هذا فإنما انتقصت من صلاتك "، وقد ذكرناه مستوفى عن قريب، فصار الحديث حجة عليهم، وأيضا قوله لتعالى:"ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا"(1) أمر/ [بالركوع والسجود، وهما لفظان](2) خاصان يراد بهما الانحناء والانخفاض فيتأدى ذلك بأدنى ما ينطلق عليه من ذلك، [وافتراض](2) الطمأنينة فيهما بخبر الواحد زيادة على مطلق النص وهو نسخ، وذا لا يجوز، نعم، نقول: إما بوجوبها أو بسُنيتها، حتى إذا تركها تكون صلاته ناقصة لا باطلة، كما هو صريح الحديث، فإذن صار لنا عن هذا جوابا صحيحا، ولم يبق لهم جواب صحيح.

" (3) وفي الحديث من الفقه: أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل، ولم يسأله عنه، يستحب له أن يذكره له، ليكون ذلك من باب النصيحة، لا من الكلام فيما لا يَعْنِي. وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وفيه استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده، وأنه يستحب تكرَاره إذا تكرر اللقاء، وإن قرب العهد، وأنه يجب رده في كل مرة، وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك بالواو، وهذه الواو مستحبة عند الجمهور، وأوجبها بعض الشافعية وليس بشيء، بل الصواب أنها سُنة. قال الله تعالى: "قَالُوا سَلامَا قالَ سَلَام" (4) . والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة.

ص- قال أبو داود: قال القعنبي: عن سعيد بن أي سعيد المقبري، عن

(1) سورة الحج: (77) .

(2)

غير واضح في الأصل، وأثبتناه من عمدة القاري (5/ 70) .

(3)

انظر شرح صحيح مسلم (108/4) .

(4)

سورة هود: (69) .

ص: 52

أبي هريرة، وقال في آخره:" وإذا (1) فَعلتَ هذا فقد تَمَّتْ صَلاتُكَ، وما انتقَصْتَ من هذا (2) فإنما انتقصتَ من صلاِتكَ". وقال فيه: " إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغْ الوضوءَ ".

ش- لما بين أولا رواية ابن المثنى بقوله: وهذا لفظ ابن المثنى قال: "حدثني سعيد" إلى آخره، بين ثانيا رواية القعنبي وفيها هذه الزيادة، وهي قوله:" وإذا فعلت هذا" إلى آخره. وكذا رواه الترمذي، والنسائي، وأما الترمذي فقد قال: حدثنا علي بن حجر، نا إسماعيل ابن جعفر، عن يحيي بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، أعن أبيه،، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة: ونحن معه إذ جامح" رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي- عليه السلام، فقال له: "وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع فصلى، ثم جاء فسلم عليه فقال: وعليك، ارجع فصل فإن لم تصل". فعل ذلك مرتين أو ثلاثا (3)، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني، وإنما أنا بشر أصيب وأخطئ. فقال:" أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم أيضا، فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله، وكبره وهلله، ثم اركع فاطمئن راكعًا، ثم اعتدل قائما، ثم اسجد فاعتدل ساجدا، ثم اجلس فاطمئن (4) جالسا، ثم قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك". وقال: حديث حسن وقد رُوي عن رفاعة من غير وجه.

(1) في سنن لبي داود: " فإذا ".

(2)

في سنن لبي داود: " من هذا شيئا فقد انتقصته.

(3)

في جامع الترمذي بعد قوله: " أو ثلاثا "، كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل، فخاف الناس وكَبُرَ عليهم أن يكون مَن أخذ صلاته لم يصل، فقال

الرجل

"

(4)

في الأول: " فاظهر " وما أثبتناه من جامع الترمذي.

ص: 53

وأما النسائي فقال: أخبرنا سويد بن نصر، نا عبد الله بن المبارك، عن داود بن قيس، حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، حدثني أبي، عن عم له بدري قال: كنت مع رسول الله جالسًا في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء فسلم على النبي عليه السلام وقد كان- عليه السلام يرمقه في صلاته، فرد عليه السلام ثم قال:"ارجع فصل فإنك لم تصل "، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام، ثم قال له:" ارجع فصل فإنك لم تصل " حتى كان عند الثالثة أو الرابعة فقال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت فأرني وعلمني. قال: " إذا أردت أن تصلي فتوضأ وأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع، فإذا [2/10 - ب] أتممت/ صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنقصه من صلاتك.

قوله: "وقال فيه: [. . . .] (1) في الحديث: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" وأخرج مسلم هذه الرواية ولفظه: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" وفي رواية النسائي:" إذا أردت أن تصلي فتوضأ" كما مَر. وفي رواية الترمذي: " إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ" إلى آخره كما بينا الآن.

834-

ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن إسحاق بن عبد الله، ابن أبي طلحة، عن علي بن يحيي بن خلاف، عن عمه، أن رجلاً دخلَ المسجدَ- فذكر نحوه- قال فيه: فقال النبي- عليه السلام: "إنه لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يَتوضأ فيضع الوُضُوءَ- يعني: مَواضعَه- ثَم يكبرُ، ويَحمدُ الله، ويثني عليه، ويقرأ بما شَاءَ (2) من القراَنِ، ثم يقَولُ: الله

(1) كلمتان غير واضحتين.

(2)

في سنن أبي داود: " بما تيسر ".

ص: 54

أكبر، ثم يَركعُ حتَى تَطمَئن مَفاصلُهُ، ثم يقولُ: سَمِعَ اللهُ لمن حَمدهُ حتى يَستويَ قائما، ثم يقولُ: الله أكبر، ثَم يَسجدُ حتى تَطمَئن مفاصلُهُ، ثَم يقول: الله أكبر، ويَرفعُ رأَسَهُ حتى يَستوي قاعدًا، ثم يقولُ: الله أكبَر، ثم يَسجِدُ حتى تَطمئن مَفاصِلُهُ، ثم يرفع رأسَه فيكبرُ، فإذا فعلَ ذلك فقد تمتْ صلَاتهُ " (1) .

ش- حماد بن سلمة، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري، وعلي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري المدني، وعمه رفاعة بن رافع الأنصاري الصحابي.

وفي "مختصر السنن ": " والمحفوظ فيه: علي بن يحيي بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع " كما سيأتي.

قوله: "فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.

قوله: "قال فيه " أي: في هذا الحديث.

قوله: " إنه لا تتم " أي: إن الشأن.

قوله: "ويقرأ بما شاء من القرآن "، صريح ينادي بأعلى صوته أن قراءة الفاتحة ليست بفرض في الصلاة.

قوله: " فإذا فعل ذلك " إشارة إلى ما ذكر من الأقوال والأفعال.

835-

ص- نا الحسن بن علي، نا هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال قالا: نا همام، نا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيي بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع بمعناه قال: فقال رسول الله: "إنها لا تَتمِ صَلاةُ أَحَدكُم حتىَ يُسبغِ الوضُوءَ كما أَمَرَ (2) اللهُ عز وجل، فَيغسلُ وجوهه ويديه إلَا المرْفقين، ويمْسَحُ برأسه ورِجلَيْه إلى الكَعْبينِ، ثم يكبرُ اللهَ ويَحمَدُه، ثم يقرأ القَرآنِ ما أذِنَ له فيَهَ وتَيَسَر".

(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف الصلاة (302)، النسائي: كتاب الأذان، باب: الإقامة لمن يصلي وحده (2/ 0 2) و (2/ 93 1، 225) ، و (3/59، 0 6)، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى (460) .

(2)

في سنن أبي داود: "أمره".

ص: 55

فذكر نحو حماد (1)، قال:" ثم يكبرُ فيسجدُ فيمكنُ وجهَه ". قال همام: وربما قال: " جبهَتَهُ من الأرضِ حتىِ تَطمئن مَفاصلُهُ وتَسترخي، ثم يكبرُ فَيستوي قاعدا على مَقْعَده، ويُقيم صُلبَهَ، فَوصفَ الصلاة هكذا أربعَ ركعاتِ حتى فَرغً، لا تَتمُ صًلاةُ أحَدِكم حتى يفعلَ ذلك "(2) .

ش- هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، وهمام بن يحيى.

قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور.

قوله: " قال: فقال رسول الله" إلى آخره بيان هذا الحديث الذي بمعنى الحديث المذكور.

قوله: " إنها " أي: إن القضية أو القصة.

قوله: "ورجليه إلى الكعبين" أي: يمسح برجليه إلى الكعبين، فهذا أو أمثاله من الاثار الدالة على مسح الرجلين في الوضوء من غير خف منسوخة بالأحاديث الواردة بغسلهما، وقال الطحاوي: فذكر عبد الله بن عَمْرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله- عليه السلام وإسباغ الوضوء وخوفهم فقال:" ويل للأعقاب من النار " فدل ذلك على أن حكم المسح الذي قد كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا، يعني: من الأحاديث التي وردت بالغسل.

قوله: " ما أذن له " على صيغة المجهول.

قوله: " فذكر نحو حماد ". أي: نحو حديث حماد بن سلمي.

قوله: "وربما قال جبهته". قال الخطابي (3) : " فيه دليل على أن السجود لا يجزئ على غير الجبهة، وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئ صلاته ".

(1) في سنن أبي داود: "نحو حديث حماد".

(2)

انظر الحديث السابق.

(3)

معالم السنن (1/ 183) .

ص: 56

قلت: لا نسلم ذلك، لأنه قال:" فيمكن وجهه "، والوجه مشتمل على الأنف والجبهة، فإذا سجد على أحدهما حصل القصد، وأما الذي يسجد على كور العمامة فإنه ساجد على الجبهة أيضا، على أن السجدة على كور العمامة" (1) رويت من حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث عبد الله بن أبي أوفى، وحديث جابر، وحديث أنس، وحديث

ابن عمر- رضي الله عنهم.

أما حديث أبي هريرة فرواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا عبد الله

ابن محرر، أخبرني/ [يزيد بن الأصم](2)، أنه سمع أبا هريرة يقول:[2/11- أ] كان رسول الله يسجد على كور عمامته. قال ابن محرر: وأخبرني سليمان بن موسى، عن مكحول، عن النبي- عليه السلام مثله. وأما حديث ابن عباس فرواه أبو نعيم في " الحلية" في ترجمة" إبراهيم ابن أدهم ": ثنا أبو يعلى الحسن بن محمد الزبيري، ثنا أبو الحسن عبد الله بن موسى الحافظ الصوفي البغدادي، نا لاحق بن الهيثم، نا الحسن بن عيسى الدمشقي، نا محمد بن فيروز المصري، نا بقية بن الوليد، نا إبراهيم بن أدهم، عن أبيه أدهم بن منصور العجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام كان يسجد على كور عمامته.

وأما حديث ابن أبي أوفى فرواه الطبراني في "معجمه الوسط "(3)

بإسناده إلى عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله يسجد على كور عمامته.

وأما حديث جابر فرواه ابن عدي في" الكامل (4) " من حديث عمرو ابن شمر، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر ابن عبد الله قال: رأيت رسول الله يسجد على كور العمامة.

(1) انظر: نصب الراية (1/ 384-385) .

(2)

غير واضح في الأصل.

(3)

(7/ 7184) .

(4)

(228/6) ، ترجمة عمرو بن شمر.

ص: 57

وأما حديث أنس- رضي الله عنه فرواه ابن أبي حاتم في كتابه "العلل": ثنا أبي نا عبد الرحمن بن بكر (1) بن الربيع بن مسلم، حدثني حسان بن سياه (2) ، نا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن النبي- عليه السلام سجد على كور العمامة. ثم قال: قال أبي: هذا حديث منكر.

وأما حديث ابن عمر فرواه الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في "فوائده": أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، نا أبو بكر أحمد ابن عبد الرحمن بن أبي حسين بطرسوس (3) ، ثنا كثير بن عبيد، ثنا سويد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنه، أن النبي- عليه السلام كان يسجد على كور العمامة. وأخرج البيهقي في "سننه"(4) عن هشام، عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على عمامته. وذكره البخاري في "صحيحه" تعليقَا فقال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه" (5) .

قلت: ذكر هذا التعليق ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي أسامة، عن هشام، عن الحسن قال: إن أصحاب النبي- عليه السلام كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وكان عبد الرحمن بن زيد يسجد على كور عمامته، وكذلك الحسن، وسعيد بن المسيب، وبكر بن عبد الله، ومكحول، والزهري، وعبد الله ابن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن يزيد.

فإن قيل: قد قال البيهقي في قول الحسن وكان أصحاب رسول الله

(1) في الأصل: وابن أبي بكر، خطأ، وتصحف كذلك في نصب الراية إلى "ابن بكير ".

(2)

في الأصل: أسنان " خطأ.

(3)

في نصب الراية: "الطرسوسي".

(4)

(106/2) .

(5)

إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

ص: 58

يسجدون " إلى آخره: يحتمل أن يكون أراد يسجد على عمامته وجبهته.

قلت: هذه زيادة من غير دليل، إذ لا ذكر للجبهة أصلا.

فإن قيل: ما تقول في الحديث المرسل الذي أخرجه أبو داود (1) عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن صالح بن حيوان السبئي، أن رسول الله رأى رجلَا يسجد إلى جنبه وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله عن جبهته. قلت: قال عبد الحق: صالح بن حيوان لا يحتج به وهو بالحاء المهملة ومن قال: بالخاء المنقوطة فقد أخطأ. ذكره أبو داود وليس في هذا المرسل حجة.

قوله: "وتسترخي" بالنصب عطف على قوله: "حتى تطمئن ".

قوله: "ثم يكبر" بالرفع عطف على "يكبر " الأول.

والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وحديث ابن ماجه مختصر، وقال الترمذي: حديث حسن.

836-

ص- نا وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد- يعني:

ابن عمرو- عن علي بن يحيي بن خلاف، [عن أبيه]، عن رفاعة بن رافع بهذه القصة فقال: إذا قُمتَ فتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شَاءَ اللهُ أن تَقرأ، وإذا رَكعت فَضعْ راحًتيكَ على رُكبتيكَ، وامدد ظَهرَك. وقال:"إذا سَجدت فمكنْ لِسُجودكَ، فإذا رَفعتَ فاقعد على فَخِذكَ اليسرى"(2) .

ش- وهب بن بقية الواسطي، وخالد بن عبد الله الواسطي، ومحمد ابن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني.

قوله: "بهذه القصة" أي: القصة المذكورة.

/ قوله: "ثم اقرأ بأم القرآن" أي: فاتحة الكتاب، ولا تعلق لهم [2 /11 - ب]

(1) انظره والرد عليه في: نصب الراية (1/ 385- 386) .

(2)

انظر التخريج السابق.

ص: 59

بذلك في فرضية الفاتحة، لأنه- عليه السلام أمر [بقراءة](1) الفاتحة وقراءة ما شاء الله من القرآن، ولا خلاف أن القراءة بهذه الحيثية ليست بفرض، فتعين أن القراءة بكل واحد منهما ليس بفرض، وتعين أن مطلق القراءة فرض، وتعين أن قراءة الفاتحة واجبة، وكذا ضم شيء إليها من القرآن للأمر الدال على الوجوب.

قوله: أفضع راحتيك ". أي: كفيك على ركبتيك.

ومن جملة تعاليق البخاري: قال أبو حميد في أصحابه: أمكن رسول الله يديه من ركبتيه.

وعند النسائي من حديث أبي مسعود بن عمرو، أنه ركع فوضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه. وقال: هكذا رأيت رسول الله يصلي.

وعند الحاكم على شرط مسلم: "لما بلغ سعد بن أبي وقاص التطبيق عن عبد الله قال: صدق عبد الله، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا، ووضع يديه على ركبتيه.

وروى الطبراني في "معجمه الأوسط"(2) : كان النبي- عليه السلام إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه.

قوله: " وامدد ظهرك " أي: ابسطه.

قوله: "فإذا رفعت". أي: رأسك من السجدة فاقعد على فخذك اليسرى، وفيه حجة للحنفية.

837-

ص- نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل، عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا علي بن يحيى بن خلاف بن رافع، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي- عليه السلام بهذه القصة قال:"إذا أنتَ قُمتَ في صَلاِتكَ فكبرِ الله، ثم اقرأ ما تَيَسرَ عليكَ من القرآنِ". وقال فيه: "فإذا جَلَستَ في

(1) غير واضحة في الأصل.

(2)

(2/ 2050) من حديث سعد بن أبي وقاص.

ص: 60

وَسَط الصلاةِ فاطمئنَّ، وافترِضْ فَخذكَ اليُسرى، ثم تَشهدْ، ثم إذا قُمتَ فمثل ًذلك، حتى تَفرغَ من صلاِتكَ " (1) .

ش- إسماعيل ابن علية.

قوله: " في وسط الصلاة " بفتح السين، وقد ذكرنا الفرق بين وسط ووسَط مرة.

قوله: " فاطمئنَّ " بتشديد النون المفتوحة لأنه من مشعبه الرباعي، وأصله من طَمْأنَ يَطمئنُّ كدحرج يدحرج فنقل إلى باب الافتعللال فصار اطمأنَنَ يطمأنِن، فنقلَت حركة النون الأولى إلى الهمزة، فأدغمت النون في النون، فصار اطمأن كاقشَعَر يَقشعرُّ اقْشعر، وأصله قَشْعَرَ، فأحواله مثل أحوال اطمأن.

قوله: " فمثل ذلك " بالنصب. أي: فافعل مثل ذلك إلى أن تفرغ من صلاتك.

838-

ص- نا عباد بن موسى الختلي، نا إسماعيل- يعني: ابن جعفر- قال: أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله. فقصَّ هذا الحديثَ قال فيه:"فَتوضأ كما أمركَ الله، ثم تَشهد فأَقمْ، ثم كبر، فإن كان معك قُرآنٌ فاقرأ به" وإلا فاحْمَد الله وكبرْه وهللهُ ". قال فيه: " وإن انتقَصَت منه شيئًا انتقصتَ من صلاتك " (2) .

ش- الختلي- بضم الخاء المعجمة، والتاء المثناة من فوق المشددة- نسبة إلى ختلان- بضم الخاء، وضم التاء المشددة ثم لام ألف ونون- قال في " اللباب": هي بلاد مجتمعة وراء بلخ، والنسبة إليها خُتُلي.

ش- وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري. ووقع في رواية ابن داسة: نا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني علي بن يحيي بن خلاف بن رافع الشرقي، عن أبيه، عن جده، وصوابه: إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاف. وكذلك ثبت لأبي سعيد بن

(1) انظر التخريج السابق.

(2)

تفرد به أبو داود.

ص: 61

الأعرابي، ويحي بن علي بن يحيي بن خلاد الأنصاري الزرقي المدني. روى عن أبيه، عن جده. روى عنه إسماعيل بن جعفر. روى له: أبو داود والنسائي.

قوله: " قال فيه" أي: في الحديث في هذه الرواية.

قوله: " فإن كان معك قرآن " مطلق تناول الفاتحة وغيرها.

قوله: "وإلا". أي: وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله، وقد مر أن العاجز عن القرآن إما لمعنى في طبيعته، أو لعذر آخر يجور له أن يصلي بالأدعية ونحوها.

839-

ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن جعفر بن الحكم ح ونا قتيبة، نا الليث، عن جعفر بن عبد الله الأنصاري،، عن تميم بن المحمود عن عبد الرحمن بن شبل قال:/ نَهَى رسولُ الله- عليه السلام عن نَقْرَة الغُراب، وافترَاشِ السبع، وأن يُوطَّنَ الرجلُ (1) ، المكانَ في المسجدِ كما يُوطنُ البعِيَرُ (2) .

ش- جعفر بن الحكم هو جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان بن رافع الأنصاري الأوسي المدني، والد عبد الحميد. سمع عقبة بن عامر، وأنس بن مالك، وتميم بن محمود وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الحميد، ويزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .

وتميم بن محمود. روى عن عبد الرحمن بن شبل. روى عنه: جعفر ابن عبد الله المذكور، قال ابن عدي: ليس له في الحديث إلا عن

(1) مكررة في الأصل.

(2)

النسائي: كتاب الافتتاح، باب: النهي عن نقرة الغراب (2/ 214)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في توطين المكان في المسجد يصلي فيه (1429)

(3)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 945) .

ص: 62

عبد الرحمن بن شبل، وعبد الرحمن له صحبة، وله حديثان أو ثلاثة. روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .

وعبد الرحمن بن شبل بن عمرو بن زيد بن نجدة بن مالك بن لوذان بن عمرو بن عوف، وبنو مالك بن لوذان يقال لهم: بنو السَمِيعة (2) كان يقال لهم في الجاهلية بنو الصماء، وهي امرأة من مزينة أرضعت أباهم (3) مالك بن لوذان، فسماهم رسول الله بني السميعة (2) ، سكن الشام. روى عنه ابن له غير مسمى، وتميم بن محمودَ، وأبو راشد الحبراني، وأبو سلام الأسود. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) . قوله:"نقرة الغراب " كناية عن تخفيف السجود يعني: لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره في لَقْطِ الحَب.

قوله: " وافتراش السبع " وهو أن يمد ذراعيه على الأرض، لا يرفعهما ولا يجافي مرفقيه عن جنبيه.

قوله: "وأن يوطن الرجل " من إيطانه البعير، فيه وجهان، أحدهما:

أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه، واتخذه مناخَا، لا يبرك إلا فيه، والوجه الآخر: أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود، بروك البعير على المكان الذي أوطنه، وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومَهَلِ، وَذَكرهما الخطابي.

ولا دلالة في الحديث على الوجه الثاني فافهم.

والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه. وفي "مسند " أحمد عن أبي هريرة قال: نهاني رسول الله- عليه السلام عن ثلاثة، عن نقرة

(1) المصدر السابق (4/ 806) .

(2)

في الأصل: "السمعية" خطأ.

(3)

في الأصل: 5 إياهم " خطأ.

(4)

انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 419) ، أسد الغابة (3/ 459) ، الإصابة (2/ 403) .

ص: 63

كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب ". وفي " معجم الطبراني" عن أبي هريرة:"نهاني خليلي- عليه السلام أن أقعي إقعاء القرد، وأنقر نقرة الغراب، وألتفت التفات الثعلب ".

ص- هذا لفظ قتيبة.

ش- أي: الحديث المذكور هو لفظ قتيبة بن سعيد، أحد شيوخ أبي داود.

840-

ص- نا زهير بن حرب، نا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد قال (1) : أتينا عقبةَ بنَ عمرِو الأنصاري أبا مسعود فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسولِ الله، فقام بين أيدينا في مسجدِ (2) ، فكَبَّرَ، فلما رَكَعَ وضعَ يديه عَلي رُكبتيَه، وجعلَ أصابعَه أسفَلَ من ذلك، وجَافَى بين مِرفقَيه حتى استقر كلُّ شيء منه، ثم قالَ: سَمِعَ اللهُ لمن حمده. فقام حتى استقرَ كل شيء منه، ثم كَبّر وَسَجَدَ، فوضعَ (3) كفيه على الأرضِ، ثم جافى بمرفقيه حَتى استقرَّ كل شيء منه، ثم رفع رأسَه فجلس حتى استقرَّ كل شيء منه، ففعلَ مثلَ ذلك أيضا، ثم صَلَّى أربعَ ركعات مثلَ هذه الركعة، فًصلَّى صلاتَه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله- عليه السلام يُصَلي (4) .

ش- جرير بن عبد الحميد.

وسالم البراد هو سالم بن عبد الله أبو عبد الله المصري- بالنون- المدني مولى شداد بن الهاد، وقيل: مولى مالك بن أوس بن الحَدَثان. وقيل مولى دوس وهو سالم سَبَلان- بفتح السين- وهو سالم البراد، وهو سالم مولى النصريين، وإنما سمي برادا لأنه كان يبرد الماء في الكيزان وفي الجرار. وفي الرواية الأخرى نسبه إلى بيع البرود. روى عن عثمان

(1) مكررة في الأصل.

(2)

في سنن أبي داود: "المسجد".

(3)

في سنن أبي داود: " ووضع".

(4)

النسائي: كتاب الافتتاح، باب: مواضع الراحتين في الركوع (2/ 186) .

ص: 64

ابن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي مسعود البدري، وعائشة زوج النبي- عليه السلام/. روى عنه سعيد المقبري، ويحيى [2/21 - ب] اسم ابن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم. قال ابن معين:[ثقة. روى له مسلم](1) والنسائي وابن ماجه (2) .

وفي الحديث من الفقه: استحباب وضع اليدين على الركبتين، واستحباب المجافاة بين المرفقين، واستحباب قوله:"سمع الله لمن حمده" للإمام، واستحباب الطمأنينة في الركوع والسجود، وغير ذلك. والحديث أخرجه النسائي.

* * *

(1) غير واضح في الأصل.

قد فرق صاحب تهذيب الكمال بين سالم البراد، وسالم بن عبد الله النصري، فترجم للأول (10/ 2159) ، وللثاني (10/ 2150)، وذكر محقق التهذيب في ترجمة الأول أنه جاء في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله:"خلط في الأصل هذه الترجمة بسالم بن عبد الله المصري، وذلك وهم، والصواب: ما ذكرنا، والله أعلم".

وذكر في ترجمة الثاني أنه جاء كذلك في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله: كان فيه: وهو سالم البراد. وكان فيه: روى عن أبي مسعود البدري، وعبد الله بن عمر. وكان فيه الكلام على سالم البراد وتوثيقه، وذلك وهم، وإنما سالم البراد شيخ آخر كوفي، وهو الذي يروي عن أبي مسعود وأبي هريرة. ويروي عنه عطاء بن السائب كما سيأتي في موضعه، وممن فرق بينهما: البخاري، وأبو حاتم، وعبد الغني بن سعيد فيه أوهام الحاكم "، ومما ذكر فيه الحاكم أنه سالم بن أبي سالم الجيشاني، وهو مما استدركه عليه عبد الغني بن سعيد أيضا في هذه الترجمة. وكان فيه حكاية كلام عبد الغني بن سعيد، وهو سالم مولى شداد بن أوس، وإنما هو مولى شداد بن الهاد " اهـ.

5.

شرح سنن أبي داود 4

ص: 65

141-

باب: قول النبي- عليه السلام: " كل صلاة لا يتمها صاحبها يتم (1) من تطوعه"

أي: هذا باب في بيان قول النبي- عليه السلام، وفي بعض النسخ:" باب ما جاء في قول النبي- عليه السلام"، إلى آخره.

841-

ص- نا يعقوب بن إبراهيمِ، نا إسماعيل، نا يونس، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي قال: خَاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة- رضي الله عنه قال: فَنَسبَني فانتسبًتُ له قال: يا فتى ألا أحَدثك حديثا؟ قال: قلتُ: بلى يرحمُكَ (2) الله. قال يونس: وأحسبُه ذكره عن النبي- عليه السلام قال: " إن أولَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يوم القيامة من أعمالهم الصلاةُ. قال: يقولُ ربُّنا عز وجل لملائكته- وهو أعلَمٍ -: انظرُوا في صلاة عبدي أتَمَّهَا أم نَقَصَها؟ فإن كانت تَامةً كُتبتْ له تامة، وإن كان انتقَصَ منَها شَيئًا قال: انظُرُوا هل لعبدي من تَطوع؟ فَإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدِي فريضتَه من تطوعه، ثم تُؤخَذُ الأعمال على ذاكم (3) .

ش- إسماعيل ابن علية، ويونس بن عبيد، والحسن البصري.

وأنس بن حكيم الضبي البصري. سمع أبا هريرة. روى عنه الحسن البصري. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .

قوله: " من زياد أو ابن زياد" وزياد هذا يقال له: زياد بن أبيه، وزياد ابن أمه، وزياد بن سمية، وزياد بن عبيد، كل هذا قبل ابن يستلحقه معاوية، وليست له صحبة ولا رواية، وولاه معاوية العراقيين جميعا، وابنه عبيد الله بن زياد، ولاه معاوية البصرة، وأقره يزيد بعد البيه، وضمَّ إليه الكوفة.

(1) في سنن أبي داود:"تُتَمُ".

(2)

في سنن أبي داود: "رحمك ".

(3)

ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة والسنة فيها (1425) .

(4)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 565) .

ص: 66

قلت: قد ذكرت في كتابي "التاريخ البدري" أن زياد بن أبي سفيان، ويقال له: زياد ابن أبيه، وزياد ابن سمية وهي أمه، مات في رمضان سنة ثلاث وخمسين، وكان كتب إلى معاوية يقول له: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضا، فلما بلغ أهل الحجاز جاءوا إلى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي عليهم زياد فيعسفَهم كما عسفَ أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة، فدعا عَلى زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق في يده، فضاق ذرعا بذلك، واستشار شريحَا القاضي في قطع يده، فقال له شريح: إني لا أرى لك ذلك، فإن لم يكن في الأجل فسحة لقيت الله أجذم، قد قطعت يدك

خوفا من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيغترَ ولدُك بذلك، فصرفه ذلك. فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس، وقالوا: هلا تركته يقطع يده؟ فقال: قال رسول الله: " المستشار مؤتمن" ويقال: إن زياد جعل يقول: أأنَامُ أنا والطاعون في فراش واحد؟ فعزم على قطع يده، فلما جيئ بالمكاوي والحديد، خاف من ذلك فترك ذلك،

ويذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبَا ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم، فمات في ثالث شهر رمضان من سنة ثلاث وخمسين، وقد أقام في إمرة العراق خمس سنين ودفن بالنوبة خارج الكوفة، وكان قد برز منها خارجَا إلى الحجار أميرَا عليها، فلم بلغ خبرُ موته عبد الله بن عمر قال: أذهب إليك يا ابن سمية؟ فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت. وكان مولده عام الهجرة، وكان استلحاق معاوية زيادا في مدة أربع وأربعين، وذلك أن رجلا شهد على إقرار أبي سفيان أنه عاهر بسمية أم زياد في الجاهلية، فإنها حملت بزياد هذا منه، فاستلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان،/ [. . .]، (1) قيل له: زياد بن أبي سفيان، وقد قيل: إن سمية كانت [2/ 13 -أ]

(1) كلمتان غير واضحتين.

ص: 67

جارية للحارث بن كلدة الثقفي، فزوجها بعبد له رومي يقال له: عبيد، فولدت سمية زيادا على فراشه، فهو ولد عبيد شرعًا، وكان أبو سفيان قد سار في الجاهلية إلى الطائف، فنزل على إنسان يبيع الخمر يقال له: أبو مريم، ثم أسلم بعد ذلك، وكانت له صحبة، فقال له أبو سفيان: قد اشتهيت النساء، فقال له أبو مريم: هل لك في سمية؟ فقال أبو سفيان: هاتها على طول ثدييها ودفر بطنها، فأتاه بها فوقع عليها، فيقال: إنه علقت منه بزياد، ثم وضعته في السنة التي هاجر فيها رسول الله- عليه السلام، ونشأ زياد فصيحَا وحضر يومَا بمحضر من جماعة الصحابة في خلافة عمر- رضي الله عنه، فقال عمرو بن العاص: لو كان أبو هذا الغلام من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان لعلي ابن أبي طالب: إني لأعرف من وضعه في رحم أمه. فقال علي: فما يمنعك من استلحاقه؟ قال: أخاف الأصلع- يعني: عمر- أن يقطع إهابي بالدرة.

وأما ابنه عبيد الله بن زياد أبو جعفر، فكان مولده سنة تسع وثلاثين. قال ابن العساكر: وروى الحديث عن معاوية، وسعد بن أبي وقاص، ومعقل بن يسار. وحدث عنه الحسن البصري، وأبو المليح بن أسامة، وقتل يوم عاشوراء سنة ست وستين. وقيل: سبعة وستة وهو الأشهر، قتله إبراهيم بن الأشقر، وبعث برأسه إلى المختار بن أبي عبيد إلى الكوفة، وأحرقت جثته، وكان ذلك بأرض الموصل.

قوله: "فنسبني" من نسبت الرجل أنسبه بالضم نِسبة إذا ذكرت نسبه. قوله: "يا فتي" مكبر، وفي بعض النسخ:"فتي" مصغر.

قوله: (الصلاة) مرفوع على أنه خبر "إن" في قوله: "إن أول ". قوله: " أتمها" وفي بعض النسخ فيه بهمزة الاستفهام.

قوله: "على ذاكم" ذاكم من أسماء الإشارة، يقال: ذاك ذاكما ذاكم، ويزاد فيه اللام فيقال: ذلك، ذلكما، ذلكم، وتتصرف مع المخاطب في أحواله من التذكير، والتأنيث، والنية، والجمع، وحاصل

ص: 68

الكلام أن الكاف للخطاب، وما قبلها إشارة إلى غائب، ويتصرف هذا بحسب تصرف ما قبل كاف الخطاب، وبحسب كاف الخطاب، ففي قوله:" على ذاكم " المشار إليه واحد مذكر، وهو قول الله تعالي:"انظروا"، والمخاطب جمع وهو الناس، ومثل هذا:"ذلِكُم اللهُ رَبكُمْ "(1) ففيه المشار إليه واحد مذكر، والمخاطب جمع، أي: الذي تقدم ذكر قدرته هو الله ربكم: أي: الناس، فافهم.

والحديث أخرجه ابن ماجه. وفي "المصنف" نا وكيع، عن أبي الأشهب، عن الحسن، أن أبا هريرة لقي رجلا فقال: كأنك لست من أهل البلد؟ قال: أجل. قال: ألا أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله- عليه السلام لعلك أن تنتفع به؟ سمعت رسول الله يقول: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن كان أتمها وإلا قيل للملائكة: كملوا صلاته من تطوعه " قال الحسن: وسائر الأعمال على ذلك.

[نا] جرير، عن منصور، عن نمير بن سلمة قال " أول ما يسأل عنه العبد يسأل عن صلاته، فإن تقبلت منه تقبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه رد عليه سائر عمله ".

842-

ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن حميد، عن الحسن، عن رجل من بني سُليط، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام نحوه (2) .

ش- حماد بن سلمي، وحميد الطويل، والحسن البصري، وفيه رجل مجهول.

قوله: "نحوه" أي: نحو الحديث المذكور.

843-

ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري، عن النبي- عليه السلام بهذا المعنى، قال: ثم الزكاةُ مثلُ ذلك، ثم تُؤخذُ العمال على حَسَبِ ذلك (3) .

(1) سورة الزمر: (6) .

(2)

ابن ماجه: كتاب: إقامة الصلاة والسُنة، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1426) .

(3)

انظر الحديث السابق.

ص: 69