المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌162- باب: تشميت العاطس في الصلاة - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌130- باب: من رأى القراءة إذا لم يجهر

- ‌131- باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

- ‌132- باب: تمام التكبير

- ‌133- باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌134- باب: النهوض في الفرد

- ‌135- باب: الإقعاء بين السجدتين

- ‌136- باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌137- باب: الدعاء بين السجدتين

- ‌138- باب: رفع النساء إذا كُن مع الرجال رءوسهن من السجدة

- ‌139- باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌142- باب: تفريع أبواب الركوع والسجود

- ‌143- باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌144- باب: في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌145- باب: الدعاء في الصلاة

- ‌146- باب: مقدار الركوع والسجود

- ‌147-باب: الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع

- ‌148- بَاب: أعْضَاء السجُود

- ‌149- بَاب: السجُود على الأنف والجبهَةِ

- ‌150- بَاب: صِفَة السُّجُودِ

- ‌151- بَابُ: الرخصَة في ذلك

- ‌152- بَابُ: التَخصُّر والإِقعاء

- ‌153- بَابُ: البُكاء في الصَّلاةِ

- ‌155- بَابُ: الفتح على الإمَام فِي الصَّلاة

- ‌156-بَابُ: النهي عَن التَّلقين

- ‌157- بَابُ: الالتِفات فِي الصَّلاةِ

- ‌158-بَابُ: النَّظَر في الصلاة

- ‌159- بَابُ: الرخصَةِ في ذلك

- ‌160- بَابُ: العَمَل فِي الصَّلاة

- ‌ 161- بَابُ: رَد السَّلام فِي الصلاة

- ‌162- بَاب: تشميت العاطس في الصلاة

- ‌163- بَابُ: التَأمين وَرَاء الإمام

- ‌164- بَابُ: التصْفيق في الصلاة

- ‌165- بَابُ: الإِشارَةِ في الصلاة

- ‌ 166- بَابُ: مَسْح الحَصَى في الصلاة

- ‌ 167-بَابُ: الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ

- ‌168- بَابُ: الرّجُل يَعتمدُ في الصَّلاةِ على عَصى

- ‌169- بَابُ: النَّهْى عن الكلام في الصَّلاةِ

- ‌170- بَابٌ: في صَلاةِ القَاعِدِ

- ‌171- بَاب: كيفَ الجُلوُس في التَشَهُّد

- ‌172- بَاب: مَنْ ذكرَ التَّورك في الرابعة

- ‌173- بَابُ: التَّشهُّدِ

- ‌174- بَابُ: الصَّلاة عَلى النَبِي- عليه السلام بَعْد التَّشَهُّدِ

- ‌175- بَابُ: إِخْفاء التَّشهُّدِ

- ‌176- بَابُ: الإشارة في التَّشهُّدِ

- ‌177- بَابُ: كراَهِية الاعْتمادِ على اليَدِ في الصَّلاةِ

- ‌178- باب: في تخفيف القُعُود

- ‌179- بَاب: في السَّلام

- ‌180- بَابُ: الرد على الإِمام

- ‌181- بَابٌ: إذا أحْدَث في صَلاِته يستقبل

- ‌182- بَاب: في الرجل الذي يتطوَعُ فِيمَكانِهِ الذِي صَلى فيه المكتوبة

- ‌183- بَابُ: السهْوِ في السَجْدَتَيْن

- ‌184- بَاب: إذا صَلى خمساً

- ‌185- بَاب: إذا شَكّ في الثنتين والثلاث مَنْ قال: يُلقى الشَكَّ

- ‌186- بَاب: مَنْ قال: يُتمّ عَلَى أكبَر ظنّه

- ‌187- بَاب: مَن قال بَعْد السلام

- ‌188- بَاب: مَنْ قامَ مِن ثنتين ولم يَتَشهد

- ‌189- بَاب: مَنْ نَسِي أنْ يَتَشَهّدَ وَهْوَ جَالِس

- ‌190- بَابُ: سَجْدتي السهو فيهما تَشهد وَتَسْليم

- ‌191- بَابُ: انصرَافِ النِسَاءِ قَبلَ الرجالِ منذ الصلاة

- ‌192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة

- ‌193- بَابُ صَلاة الرجل التطوّعَ في بيتِهِ

- ‌194- بَاب: مَنْ صَلى لغيْر القِبْلةِ ثم عَلِمَ

- ‌195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ

- ‌196- بَابُ: الإجَابة أية سَاعَةٍ هي في يوْم الجمعة

- ‌197- بابُ: فَضْلِ الجُمْعة

- ‌198- بَابُ: التشْدِيدِ في تَرْك الجُمعةِ

- ‌199- بَابُ: كفّارة مَنْ تركهَا

- ‌200- بَابُ: مَنْ تجبُ عليه الجمعة

- ‌201- بَابُ: الجُمعة في اليَوْم المَطيرِ

- ‌202- بَابُ: التخلفِ عن الجماعةِ في الليْلةِ البَارِدةِ

- ‌203- بَابُ: الجُمعة للمَمْلُوك وَالمرأةِ

- ‌204- بَابُ: الجُمعَةِ في القُرَى

- ‌205- بَابٌ: إذا وَافق يومُ الجُمعةِ يَوْمَ العِيدِ

- ‌206- بَابُ ما يَقْرأ فِي صَلاةِ الصُّبْح يَوْمَ الجُمْعَةِ

- ‌207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة

- ‌208- بَابُ: التَحلُّقِ يَوْمَ الجُمعَة قبل الصلاة

- ‌209- باب: اتخاذ المنبر

- ‌210- باب: موضع المنبر

- ‌211- باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

- ‌212- باب: وقت الجمعة

- ‌213- بَاب: النداء في يوم الجمعة

- ‌214- باب: الإمام يكلم الرجل في خطبته

- ‌215- باب: الجلوس إذا صعد المنبر

- ‌216- باب: الخطبة قائماً

- ‌217- باب: الرجل يخطب على قوس

- ‌218- باب: رفع اليدين على المنبر

- ‌219- باب: اقتصار الخطب

- ‌220- بَابُ: الدنو من الإمام عند الخطبة

- ‌221- باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

- ‌222- باب: الاحتباء والإمام يخطب

- ‌223- باب: الكلام والإمام يخطب

- ‌224- بابُ: استئذانِ المُحْدثِ الإمامَ

- ‌225- باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب

- ‌226- باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

- ‌228- باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر

- ‌229- باب: من أدرك من الجمعة ركعة

- ‌231- باب: الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

- ‌232- باب: الصلاة بعد الجمعة

- ‌233- باب: صلاة العيدين

- ‌234- باب: وقت الخروج إلى العيد

- ‌235- باب: خروج النساء في العيد

- ‌236- باب: الخطبة في يوم العيد

- ‌237- باب: ترك الأذان في العيد

- ‌238- باب: التكبير في العيدين

- ‌239- باب: ما يُقرأ في الأضحى والفطر

- ‌240- باب: الجلوس للخطبة

- ‌241- باب: الخروج إلى العيد في طريق

- ‌242- باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد

- ‌243- باب: الصلاة بعد صلاة العيد

- ‌244- باب: يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر

الفصل: ‌162- باب: تشميت العاطس في الصلاة

ص- قال أبو داودَ: ورواه ابنُ فضيلِ على لفظِ ابن مَهْدي، ولم يَرفَعْهُ. ش- أي: وروى هذا الحديث محمد بن فضيل على لفظ عبد الرحمن ابن مَهدي، فأوقفه على أبي هريرة ولم يَرْفعه.

* * *

‌162- بَاب: تشميت العاطس في الصلاة

أي: هذا باب في بيان تشميت العاطس في الصلاة. والتشميت

- بالشين المعجمة والسن المهملة-: الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما يقال: شمت فلانا (1) ، وشمت عليه تشميتا فهو مشمت، واشتقاقه من الشوامت، وهي القوائم، كأنه دعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله، وقيل: معناه: أبعدك الله عن الشماتَة وجَنبك ما يُشمَتُ به، عليك، والشماتة: فرح/ العَدو ببليةِ تَنْزلُ بما يُعاديه، يُقال: شمِت به يَشمَتُ فهو شامت، وأشْمته غَيْره.

906-

ص- نا مسدد: نا يحيي ح، ونا عثمان بن أي شيبة: نا إسماعيل

- يعْني: ابن إبراهيم- المعنى، عن حجاج الصواف قال: حدَّثني يحيي بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاءَ بن يَسار، عن معاويةَ بن الحكم السلمي قال: صَلَّيتُ مع رسول الله- عليه السلام فَعَطسَ رجل من القوم فقُلتُ: يرحَمُكَ الله، فرمَانِي القًومُ بَأبْصارِهم فقُلتُ: وَاثكلَ أمياهُ، ما شأنكم تنظرون ليَّ؟ قال: فجَعَلُوا يَضْربونً بأيديهم على أَفْخَاذهم، فعَرَفْتُ أنهم يُصَمتونَني. قال عثمانُ: فلما رأيتُهم يُسَكتُونَنِي (2) لَكَنِي سكتُ، فلما صلَّى رسولُ الله بأبي وأمي ما ضَرَبَنِي ولا كَهَرَني ولا سبَّني، ثم قال:" أن هذه الصلاةَ لا يَحل فيها شيء من كلام الناسِ هذا، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآن " أو كما قال رسولُ الله. قلتُ: يا رسولَ الله"

(1) في الأصل: " فلا" كذا، وما أثبتناه من النهاية (2/ 499- 0 0 5) ، فالنص فيه بلفظه.

(2)

في سنن أي داود: " يسكتوني ".

ص: 176

إنا قوم حديثُ عهد بالجَاهلية (1) وقد جَاءَنا اللهُ بالإسلام ومنَّا رجال يأتُون اَلكُهَّان، قال:"فلاً تأتهِمْ " قَالَ: قلتُ: ومنا رجال يتطيّرُونَ، قال:" ذاك شيءٌ يَجدُونه في صُدورهم فلا يَصُدَّهُم ". َ قال: قلت:، وَمنا رجال يخُطُّون، قال:"كان نبيّ من الأنبياء يخُطُّ فمَنْ وَافَقَ خَطَّه فذاك" قال: قلتُ: جارية لي كانت تَرْعَى غنَيماتَ قِبلَ أحُد والجَوَّانيّة إذ اطلَعتُ عليهِا اطلاعةً فإذا الذئبُ قد ذهَب بشاة منها، وأنا منْ بًني آدم آَسًفُ كما يأسَفُون، لكني صككْتها صَكَّةً، فَعَظَّمَ ذلكً (2) عَليَّ رَسولُ الله. فقلتُ: أَفلا أُعْتقُهَا؟ قال: " ائتِني بها " قال: فجئتُ بها، فقال:" أينَ اللهُ؟ " قالَتْ: في السَماء، قال:" مَنْ أنا؟ " قالَتْ: أنتَ رسولُ اللهِ، قال:"أَعتِقْها فإنها مُؤمنه"(3) . ش- إسماعيل: ابن إبراهيم المعروف بابن عُلية.

وهلال بن أبي ميمونة: ويقال: ابن أبي هلالْ، وهو هلال بن علي ابن أسامة الفهري العامري مولاهم القرشي المديني. سمع: أنس بن مالك، وأبا سلمة، وعطاء بن يسار، وغيرهم. روى عنه: يحيي بن أبي كثير، وزياد بن سعد (4) ، ومالك بن أنس، وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتب حديثه وهو شيخ. مات في آخر خلافة هشام. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) . ومعاوية بن الحكم السُّلمي: وقيل: عمر بن الحكم؛ وعُمر وهم والصحيح: معاوية، رُوي له عن رسول الله- عليه السلام ثلاثة عشر حديثا، روى له مسلم حديثا واحداً، روى له: أبو داود، والنسائي (6) .

(1) في سنن أبي داود: " بجاهلية".

(2)

في سنن أبي داود: " ذاك".

(3)

مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (537)، النسائي: كتاب السهر، باب: الكلام في الصلاة.

(4)

في الأصل؛ " سعيد " خطأ.

(5)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6626) .

(6)

انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 403) ، وأسد الغابة (5/ 7 0 2) ، والإصابة (3/ 432) .

12.

شرح سنن ني داوود 4

ص: 177

قوله: "واثكل أمياه " الثكْلُ- بضم الثاء المثلثة، وإسكان الكاف وبفتحهما- جميعاً- لغتان كالبُخل والبَخَل حكاهما الجوهري وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها، وامرأة ثكلى وثاكل، وثكلته أمّه. بكسر الكاف، وأثكله اللهُ أمه، وثكلت المرأة وأثكلت فقدَتْ ولدهَا؛ والواو في قوله:"واثكل " يُسمَّى واوَ النُدبة نحو: وازيداه، والندبة، والندب مأخوذ (1) من ندبت الميت إذا بكيت عليه وعددت محاسنه؛ وأصله من ندبَه إذا حثه؛ كأن الحزنُ يَحث النادبَ على مَد الصَوْت باسم الميت، ودعاء الناس إلى التضجر معه؛ والأولى بالندبة: النساء؛ لضعفهن عن تحمل المصيبة، فيبنَى المفرد على ما يرفع، نحو: وازيد، وازيدان، ويُنصب المضاف وشبهه نحو: واعبدَ الله، ثم يلحقونه حرف مَدّ ليطول الصوت به فيكون أظهر للغرض وهو التفجع، وإظهار اسم المندوب، فيقال: وازيداه، واختير الألف؛ لأنه أقعد في المد من أختيْها، أو لأنها أخف، وزيادتها أكثر، ولا تلحق الألف المضاف عند الإضافة، لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، بل يلحق المضاف إليه نحو: واعَبْد الملكاه، وإن كان المضاف إليه منونا فسيبويه يحذف تَنْوينه نحو: وَاغُلام زيداه، ثم هاهنا قوله: لا والكل المياه " مضاف ومضاف إليه، فدخل الألف في المضاف إليه وهو " أمياه "، و "أمياه " بكسر الميم، وأصله: ثكلت أمي، فزيدت في أوله واو الندبة، وفي آخره الألف- لما ذكرناه- وأما الهاء: فهي هاء السكْت، دخلت ليتبين بها الألف؛ لأنها حرف خفي، فالوقف [2/35 - أ] / عليه يَزيدها خفاء.

قوله: " فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم " يعني: فعلوا هذا ليُسكتوه؛ وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته، وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة، وابنه لا تبطل به الصلاة، وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة.

(1) غير واضحة في الأصل.

ص: 178

قوله: " فلما رأيتهم" جواب "لما " محذوف تقديرُه: ما خالفتهم بَلْ سكتُّ.

قوله: " بأبي وأمّي " في محل الرفع تقديره: هو مُفدَى بأبي وأمي، وقد مر مثله غير مرة.

قوله: " ولا كهرني، معناه: ما انتهرني ولا أغلظ لي، وقيل: الكَهْرُ: استقبالك الإنسان بالعُبوس، وقرأ بعض الصحابة:" فأما اليتيم فلا تكهر" وقيل: كهَره وقهره بمعنىً.

قوله: " لا يحلّ فيها شيء من كلام الناس " نص صريح على تحريم الكلام في الصلاة، سواء كان عامدا لحاجة أو لغيرها، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها، فإن احتاج إلى تنبيًه إمام ونحوه سبح إن كان رجلاً، وصفقت إن كانت امرأة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف. وقالت طائفة- منهم الأوزاعي-: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة؛ لحديث ذي اليدين. وقال الشيخ محيي الدين (1) : هذا في كلام العامد العالم، أما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام عندنا، وبه قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة والكوفيون: تبطل؛ دليلنا: حديث ذي اليدين. وقد بينا دلائلنا والجواب عن حديث ذي اليدين مستو"ى مُطولا.

قوله: " هذا " إنما هو إشارة إلى الصلاة باعتبار المذكور، أو باعتبار نفس الفعل، والمعنى: لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم؛ وإنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، ذكر بعض الأركان وبعض الشروط وبعض السنن، واقتصر بها عن غيْرها لعلم المخاطبين بذلك؛ فقوله:"التسبيحُ " يتناولُ كل ذكر في الصلاة من الثناء، وتسبيحات الركوع والسجود، والأدعية التي يدعى بها فيها، وكذلك قوله:"والتكبير" يتناول تكبيرة الافتتاح وغيره من تكبيرات الانتقالات. وقال

(1) شرح صحيح مسلم (21/5) .

ص: 179

النوويُ (1) : وفيه دليل على أن من حلف لا يتكلم فسبح أو كبر أو قرأ القراَن لا يحنث؛ وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا، وفيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصلاة وجزء منها. وقال أبو حنيفة: ليست منها؛ بل هو شرط خارج عنها، متقدم عليها.

قلت: عدم الحنث في المسألة المذكورة مَبني على العُرْف فلا يحتاج إلى الاستدلال بهذا، وقوله:" وفيه دلالة لمذهب الشافعي " إلى آخره غير مسلم؛ لأن قوله: "والتكبير" يتناولُ سائر التكبيرات- كما ذكرناه- ولا يفهم منه فرضية تكبيرة بعينها، ولا سُنية تكبيرة بعينها؛ بل يتناول ذا وذا، ومن أن الدليل الواضح على مُدعَاه، ليتَ شعري! كيف يَذكرون أشياء غير جلية ويجعلونها حجةً لإمامهم على غيره، ويتركون الشيء الواضح الجلي الذًي هو حجة عليهم؟ فإن قوله- عليه السلام:" وقراءة القرآن" نص صريح على أن الفرض في الصلاة مطلق القراءة، وهو يُنافي فرضية فاتحة الكتاب؛ إذ لو كانت فرضا لقال: وقراءة الفاتحة، وليس لهم أن يقولوا؛ المراد به: فاتحة الكتاب؛ لأنه تخصيص بلا مخصص؛ وهو باطل؛ وليْس فيه إجمال حتى يكون قوله- عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " بيانا له. ثم في هذا الحديث: النهي عن تشميت العاطس في الصلاة، وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتَفْسد به. وقال صاحب " الهداية ": ومن عطسَ فقال له آخرُ: يرحمك الله وهو في الصلاة فسدت صلاته؛ لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطسُ أو السامعُ: الحمد لله- على ما قالوا-؛ لأنه لم يُتعارف جوابا.

قلت: قوله: لا على ما قالوا، إشارة إلى خلاف فيه رُوي عن أبي حنيفة أن العاطس إذا حمد الله في نفسه، ولم يحرك لسانه لا تَفسد

(1) شرح صحيح مسلم (21/5) .

ص: 180

صلاته، ولو حرك تفسدُ. وفي "المحيط ": رجل عطس فقال المصلي:

يرحمك الله،/ أو يرحمك ربك، تفسد صلاته؛ لأنه من كلام الناس [2/35 - ب] منزلة قوله: أطال اللهُ بقاءك، وعافاك اللهُ، ولو قال له: الحمدُ لله لم

تفسد وان أراد به الجواب، لأن التحميد لا يستعمل لجواب العاطس؛ فإذاً

فَحَمْدُ العاطس في الصلاة إذا خاطب نفسه فقال: يرحمك الله لم يضره

لأنه لم يكلم غيره وإنما يَدْعو لنفسه.

وقال الشيخ محيي الدين (1) : وقال أصحابنا: إن قال: يرحمك اللهُ،

أو يرحمكم اللهُ بكاف الخطاب بطلت صلاته، وان قال: يَرْحمه اللهُ،

أو: اللهم ارحمه، أو: رحم الله فلانا لم تبطل صلاته؛ لأنه ليس بخطاب، وأما العاطس في الصلاة فيُستحبُّ له أن يحمد الله تعالى سرّا

هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وغيره. وعن ابن عمر، والنخعي،

وأحمد: أنه يجهرُ به. والأول أظهر.

وفي " المصنف": ثنا إسماعيل ابن علية، عن سعيد بن أبى صدقة

قال: قلتُ لابن سيرين: إذا عطستُ في الصلاة ما أقول؟ قال: قل:

الحمد لله رب العالمين.

لا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في الرجل يَعطسُ

في الصّلاة قال: يحمد الله في المكتوبة وغيرها.

نا عبدة، عن سفيان، عن غالب بن الهذيل قال: سئل إبراهيم عن

رجل عطس في الصلاة فقال له آخرُ: وهو في الصلاة: يرحمك اللهُ.

فقال إبراهيم: إنما قال معروفاً وليس عليه إعادة.

قوله: " إنا قوم حديثُ عهد بالجاهلية " الجاهليةُ: ما قبل ورود الشرع

سموا جاهليةً لكثرة جهالاتهم وفحشها.

قوله: " يأتون الكُهّان "- بضم الكاف وتشديد الهاء- جمع كاهن؟

وهو الذي يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل، ويَدعي معرفة

(1) شرح صحيح مسلم (21/5) .

ص: 181

الأسْرار، والعراف: الذي يتعاطى بمعْرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما؛ وبهذا حصل الفرق بينهما.

" (1) وإنما نهى عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في. مغيبات، قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكُهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحُلْوان؛ وهو حرام بإجماع المسلمين، وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة منهم: أبو محمد البغوي.

وقال الخطابي (2) : كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور، فمنهم من يزعم أن له ربيبا من الجن يلقي إليه الأخبارَ، ومنهم مَنْ يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيَه، ومنهم من يُسمى عرافا؛ وهو الذي يَزعم معرفة الأمور بمقدمات وأسباَب يستدل بها، كمعرفة من سرق الشيء الفلاني، ومعرفة من يُتهم به المرأة (3) ونحو ذلك، ومنهم مَن يُسمي المنجمَ كاهنا؛ ذكر ذلك في قوله- عليه السلام:" مَنْ أتى كاهنا فصدقه " الحديث، ثم قال: فالحديث يشمل النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم فيما يدعونه" (4) .

قوله: "يتطيرون " من التطير؟ وهو التشَاؤمُ بالشيء، وكذلك الطيرة وهي مصدر تطير- أيضا- يقال: تطير طيرةً كتخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما؛ وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبَوارح من الطير والظباء وغيم هما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه.

(1) انظر: شرح صحيح مسلم (22/5) .

(2)

معالم السنن (4/ 209- 210) .

(3)

في الأصل: "المعرفة " خطأ.

(4)

إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم.

ص: 182

قوله: " ذاك شيء يجدونه في صدورهم " معناه: " (1) أن الطيرة شيء

يجدونه في نفوسهم ضرورة، ولا عتب عليهم في ذلك؛ فإنه غير

مكتَسَب لهم فلا تكليف به؛ ولكن لا يمتنعوا بسببه من التصرف في أمورهم، فهذا هو الذي يقدرون عليه وهو مكتسب لهم، فيقع به التكليف، فنهاهم النبي- عليه السلام عن العلم بالطيرة، والامتناع من تصرفاتهم بسببها، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن

التطير، والطيرة هنا محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس

من غير عمل على مقتضاه عندهم.

قوله: "فلا يَصدهم " أي: لا يصدهم ذلك عن التصرفات، كما

ذكرناه.

قوله: " يخطون" من الخط. وهو الضربُ في الرمْل على ما ذكر في

كيفيته. " (2) وقال/ ابن الأعرابي في تفسير الخط: كان الرجل يأتي [2/36- أ] لا العَرافَ وبين يدَيه غلامْ، فيأمره بأن يَخُط في الرمل خطوطا كثيرةً وهو

يقول: ابنَيْ عيَانْ أسرعا البَيانْ، ثم يأمره أن يَمْحو منها اثنين اثنين، ثم

ينظر إلى آخر ما يبقي من تلك الخطوط، فإن كان الباقي منها زوجا فهو

دليل الفَلْج والظفر، وإن بقي فردا فهو دليل الخيْبة واليأس.

قوله: " فمَنْ وافقَ خطه فذاك " أي: من وافقَ خط هذا النبي فذاك،

يعني: فهو مُباح له؛ ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا تُباحُ.

وقال الشيخ محيي الدين (3) : والمقصود: أنه حرام؛ لأنه لا يباح إلا

بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها؛ وإنما قال- عليه السلام: "فمَنْ

وافق خطه فذاك"، ولم يقل: هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا

يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخلُ فيه ذلك النبي الذي كان يَخُط، فحافظ

(1) انظر: شرح صحيح مسلم (23/5) .

(2)

انظر: معالم السنن (1/ 192) .

(3)

شرح صحيح مسلم (23/5) .

ص: 183

النبي- علية السلام- على حرمة ذاك النبي- عليه السلام مع بيان الحكمة في حقنا؛ فالمعنى: أن ذاك النبي- عليه السلام لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته؛ ولكن لا علم لكم بها.

قلت: هذا الكلام كله خارج عما دل عليه اللفظ النبوي، ولا يدل اللفظ صريحا على الحرْمة ولو بَيَّنَ النبي- عليه السلام حرمته من غير تعليقٍ ما كان يحصل التوهُم المذكور؛ لأن كثيرا من الأمور كانت مباحةً في شريعة من قبلنا، وهي حرام عندنا، ولا يلزم من ذلك ما ذكره من التوهم؛ لأن غايته يكون منسوخا في شرعنا.

وقال الخطابي (1) : يشبه أن يكون أراد به الزجْر عنه، وترك التعاطي

له؛ إذ كانوا لا يصادفون معنى خط ذلك النبي؛ لأن خطه كان عَلَما لنبوته، وقد انقطعت نبوته وذهبَتْ معالمها.

" (2) وقال القاضي عياض: المختار: أن معناه: من وافق خطه فذاك تجدون إصابته فيما يقول؛ لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا.

وذكر المازري في كتاب "المُعلم " قوله: "فمَنْ وافق خطَه فذاك " أي: من أصاب ذلك فقد أصابَ، وقيل: إنما قال ذلك على وجه الإِبْعاد لمن يَسْلك هذا، فكأنه يقول: وكيف لكم موافقة خطه؟!. وقال ابن عبَاس في تفسير هذا الحديث: هو الخط الذي يَخطه الحازي؛ وهو علمٌ قد تركه الناسُ.

قلت: الحازي،- بالحاء المهملة- والزاي- من حَزَى الشيءَ تَحْزِية وتحزُوة إذا قدره. وقال الجوهري: الحازي: الذي ينظر في الأعضاء وخيلان الوجه يتكهن.

قوله: " غُنَيمات" جمع غُنَيْمَةِ؛ وهي تصْغيرُ غنم؛ والغنم يقع على الذكر والأنثى.

(1) معالم السنن (1/ 192) .

(2)

شرح صحيح مسلم (23/5) .

ص: 184

قوله: "قبَل أحد"- بكسر القاف وفتح الباء- أي: في جهة أحُد،

والأحُد: الَجبل المعروف بالمدينة، سمي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال

أُخَر هناك. و" الجَوانِية"- بفتح الجيم، وتشديد الواو المفتوحة، وبعد

الألف نون مكسورة، وياء آخر الحروف مشددة، وحكي في الياء التخفيف- وهي أرض من عمل المدينة من جهة الفُرع، كأنها نُسبت إلى

جَوان؛ قاله القاضي عياض. وقال الشيخ محيي الدين (1) : الجوانية

موضع بقرب أُحُد في شمالي المدينة. وأما قول القاضي: " إنها من عمل

الفرع " فليس بمقبول؛ لأن الفُرع بين مكة والمدينة، والمدينة بعيد من

الفرع، وأحد في شام المدينة، وقد قال في الحديث:" قِبلَ أُحد والجوانية"، فكيف يكون عند الفرع"؟.

قلت: الصواب مع الشيخ محيي الدين؛ لأن الفرع- بضم الفاء،

وسكون الراء وبالعين المهملتين- من المدينة على أربعة أيام في جِنوبِيها،

وهي عدة قرى آهلة، والطريق القريبة من المدينة إلى مكة إنما هي على

الفُرع؛ ولكن لَا يكاد يَسْلم المار بها من قطاع الطريق، وكذا ذكرته في

تاريخي في كتاب " البلدان" في فصل "إقليم الحجاز". وفيه: دليل

على استخدام السيّد جاريته في الرعي وإن كانت تنفردُ في المَرعى.

قوله: "آسف " أي: أغضبُ كما يغضبون، من أسف يأسَفُ من باب

علم يعلم؛ والأسَف بفتحتين: أشد الحزن.

قوله: "لكني صككتها" فيه حذف حتى يصح الاستدراك؛ / والتقدير: [2/36 - ب] فلم أصبر على ذلك، فما اكتفيت بشَتمها؛ لكني صككتُها؛ الصك:

الضربُ، ويُقالُ: اللطمُ.

قوله: "فعظم ذلك على" وفاعِلُ "عَظم": رسولُ الله- عليه السلام

(1) شرح صحيح مسلم (23/5-24) .

ص: 185

وهو من التعظيم بمعنى: جعل هذا الف [ـعل عظيما](1) وذلك إشارة إلى ما أخبره في فعله بالجارية شفقةَ منه عليها.

قوله: " فقالَ: أين اللهُ " أي: فقال النبي- عليه السلام سائلَا عنها: أين الله؟ إنما أراد- عليه السلام أن يَتطلبَ دليلَا على أنها مُوحدة، فخاطبَها بما يفهم قصدها؛ إذ من علامات الموحدين: التوجهُ إلى السماء عند الدعاء وطلب الحوائج؛ لأن العرب التي تعبدُ الأصنامَ تطلب حوائجها من الأصنام، والعجم من النيران، فأرادَ- عليه السلام الكشفَ عن مُعتقدها هل هي من جملة من آمن؟ فأشارت إلى السماء، وهي الجهة المقصودة عند الموحدين. وقيل: إنما وَجْهُ السؤالِ بـ " أين " هاهنا سُؤال عما يَعتقدُه من جلال الباري، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى في نفسها، والسماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين، فكما لم يَدل استقبالُ الكعبة على أن الله جلت قدرته فيها، لم يدل التوجه إلى السماء والإشارة على أن الله عز وجل فيها (2) .

قوله: "اعتقها" إنما أمر بعتقها لأنه ضربها من غير ذنب، وكان عتقها كفارةً لذلك الذنب، وفيه: دليل على أن إعتاق المؤمن أفضل من إعتاق الكافر.

قوله: " فإنها مؤمنه " الفاء فيه للتعليل؟ فكان إيمانها بالله وبرسوله هو الذي حبب عتقها، ثم إن النبي- عليه السلام حكم بإيمانها بالإقرار بالله وبرسالته، وهكذا هو الحكم في كل كافر لا يَعتقدُ دينا باطلاً، ولا يَعْرف إلا الله تعالى، فإنه متى أقر بالله وبرسالة نبيه- عليه السلام جزما يَصيرُ مؤمنا، ويكون من أهل القِبْلة والجنة، ولا يكلف على إقامة الدليل والبرهان، وأما الكافر الذي يَعْتقدُ دينا من الأديان الباطلة، أو

(1) غير واضح في الإلحاق.

(2)

بل أن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله في السماء، مستو على عرشه، محيط بكل شيء وفوقه، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، وانظر:

" مختصر العلو".

ص: 186

كتابا من الكتب السماوية، فلا يحكم بإسلامه بمجرد الإقرار بالله وبرسوله حتى يتبرأ عما يعتقده من الدين الباطل. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، والبيهقي؛ ولفظه:" إنما هو التسبيح والتكبير" موضع قوله:

"إنما هُو". وفي لفظ للطبراني: "إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس". وأخرج ابن أبي شيبة كثره في " مصنفه".

وقال الخطابي (1) : في هذا الحديث من الفقه أن الكلام ناسيا في الصلاة لا يُفسد الصلاة؛ وذلك أن النبي- عليه السلام علمه أحكام الصلاة وتحريم الكلام فيها، ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه، وقد كان تكلم بما تكلم به، ولا فرق بين مَنْ تكلم جاهلاً بتحريم الكلام عليه وبين من تكلم ناسيا لصلاة في أن كل واحد منهما قد تكلم، والكلام مباح له عند نفسه.

والجواب عن هذا: أنا لا نُسلم أن كلام معاوية بن الحكم كان على

وجه السهو والنسيان؛ بل كان عامدا؛ ولكن كان جاهلاً بتحريم الكلام، وأما قوله:" ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه "، فيحتمل أن يكون أقره بها ولم ينقل إلينا، فإذا احتمل عدم أمره بالإعادة وأمرَه بالإعادة، كان الرجوع إلى عموم قوله:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" في دلالة بطلان الصلاة بكلام الناسِي أوْلى؛ فالحديث لا يدل على أن كلام الناسي لا يبطل الصلاة، ورُبما دل على عكسه.

907-

ص- نا محمد بن يونس النسَائي: نا عبد الملك بن عَمرو: نا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السُّلَمي قال: لما قَدمْتُ عَلَى رسولِ الله عُلمتُ أمورا من أمورِ الإسلام، فكان فيما عُلِّمتُ أن قيل (2) لي: " إذاَ عَطستَ فاحْمدِ الله، وإذا عَطِسَ العاطسُ

(1) معالم السنن (1/ 191- 193) .

(2)

في سنن أبي داود: " قال ".

ص: 187

فحمدَ الله فَقلْ: يَرْحَمُكَ اللهُ " قال: فَبينما أنا قائم مع رسولِ الله في الصلاةِ إذ عًطسَ رجُل فحمدَ اللهَ فقلتُ: يَرحَمُكَ اللهُ- رافعا بها صَوتِي- فَرَمَانِي الناسُ بأبْصارِهم حتَى احتمَلَني ذلك، فقلتُ: ما لكم تنظرونَ؟ (فقلت: ما لكم تنظرونً) (1) إِلي بأعين شَزْر؟ قال: فَسَبَّحوا، فلما قَضى النبيُّ عليه السلام الصلاةَ قال: " مَنِ المتكلمُ؟ " قيل: هذا الأعرابي فدعاني رسولُ الله/ فقال: " إنمَا الصلاةُ لقرَاءَة القراَن وذكرِ الله، فإذا كنتَ فيها فليكنْ ذلَك شأنَكَ،، فما رأيتَُ مُعلمَا قط أَرفقَ من رسول الله- عليه السلام (2) .

ش- محمد بن يونس النسَائي: روى عن: أبي عامر العقدي، وعبد الله بن يزيد المقرئ. روى عنه: أبو داود، وفُلَيْح بن سُليمان المدني. وهلال بن علي: هو هلال بن أبي ميمونة القرشي المديني.

قوله: " رافعا"، نصب على الحال من الضمير الذي في "فعلتُ ".

قوله: "حتى احتملني ذلك " أي: حتى أغْضبَني فعلُهم ذلك.

قوله:" بأعين شَزْر" الشزْر: النظر عن اليمين والشمال، وقيل: هو النظر بمُؤخر العين، وأكثر ما يكون النظر الشزْر في حال الغضب وإلى الأعْداء.

قوله: "إنما الصلاة لقراءة القراَن وذكر الله" إنما اقتصر على هَذَيْن النَوْعين مطابقة لما صدر من معاوية من الكلام؛ وهذا من بلاغة الكلام، وفصاحة البيان.

قوله:" فليكن ذلك شأنك " أي: فليكن ما ذكر من قراء القرآن وذكر الله، فعلك وقولك في الصلاة.

قوله: " فما رأيتُ مُعَلما " إلى آخره؛ لأنه- عليه السلام لم

(1) غير موجود في سنن أبي داود، والظاهر أنها مكررة.

(2)

تفرد به أبو داود.

ص: 188