المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌173- باب: التشهد - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌130- باب: من رأى القراءة إذا لم يجهر

- ‌131- باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

- ‌132- باب: تمام التكبير

- ‌133- باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌134- باب: النهوض في الفرد

- ‌135- باب: الإقعاء بين السجدتين

- ‌136- باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌137- باب: الدعاء بين السجدتين

- ‌138- باب: رفع النساء إذا كُن مع الرجال رءوسهن من السجدة

- ‌139- باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌142- باب: تفريع أبواب الركوع والسجود

- ‌143- باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌144- باب: في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌145- باب: الدعاء في الصلاة

- ‌146- باب: مقدار الركوع والسجود

- ‌147-باب: الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع

- ‌148- بَاب: أعْضَاء السجُود

- ‌149- بَاب: السجُود على الأنف والجبهَةِ

- ‌150- بَاب: صِفَة السُّجُودِ

- ‌151- بَابُ: الرخصَة في ذلك

- ‌152- بَابُ: التَخصُّر والإِقعاء

- ‌153- بَابُ: البُكاء في الصَّلاةِ

- ‌155- بَابُ: الفتح على الإمَام فِي الصَّلاة

- ‌156-بَابُ: النهي عَن التَّلقين

- ‌157- بَابُ: الالتِفات فِي الصَّلاةِ

- ‌158-بَابُ: النَّظَر في الصلاة

- ‌159- بَابُ: الرخصَةِ في ذلك

- ‌160- بَابُ: العَمَل فِي الصَّلاة

- ‌ 161- بَابُ: رَد السَّلام فِي الصلاة

- ‌162- بَاب: تشميت العاطس في الصلاة

- ‌163- بَابُ: التَأمين وَرَاء الإمام

- ‌164- بَابُ: التصْفيق في الصلاة

- ‌165- بَابُ: الإِشارَةِ في الصلاة

- ‌ 166- بَابُ: مَسْح الحَصَى في الصلاة

- ‌ 167-بَابُ: الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ

- ‌168- بَابُ: الرّجُل يَعتمدُ في الصَّلاةِ على عَصى

- ‌169- بَابُ: النَّهْى عن الكلام في الصَّلاةِ

- ‌170- بَابٌ: في صَلاةِ القَاعِدِ

- ‌171- بَاب: كيفَ الجُلوُس في التَشَهُّد

- ‌172- بَاب: مَنْ ذكرَ التَّورك في الرابعة

- ‌173- بَابُ: التَّشهُّدِ

- ‌174- بَابُ: الصَّلاة عَلى النَبِي- عليه السلام بَعْد التَّشَهُّدِ

- ‌175- بَابُ: إِخْفاء التَّشهُّدِ

- ‌176- بَابُ: الإشارة في التَّشهُّدِ

- ‌177- بَابُ: كراَهِية الاعْتمادِ على اليَدِ في الصَّلاةِ

- ‌178- باب: في تخفيف القُعُود

- ‌179- بَاب: في السَّلام

- ‌180- بَابُ: الرد على الإِمام

- ‌181- بَابٌ: إذا أحْدَث في صَلاِته يستقبل

- ‌182- بَاب: في الرجل الذي يتطوَعُ فِيمَكانِهِ الذِي صَلى فيه المكتوبة

- ‌183- بَابُ: السهْوِ في السَجْدَتَيْن

- ‌184- بَاب: إذا صَلى خمساً

- ‌185- بَاب: إذا شَكّ في الثنتين والثلاث مَنْ قال: يُلقى الشَكَّ

- ‌186- بَاب: مَنْ قال: يُتمّ عَلَى أكبَر ظنّه

- ‌187- بَاب: مَن قال بَعْد السلام

- ‌188- بَاب: مَنْ قامَ مِن ثنتين ولم يَتَشهد

- ‌189- بَاب: مَنْ نَسِي أنْ يَتَشَهّدَ وَهْوَ جَالِس

- ‌190- بَابُ: سَجْدتي السهو فيهما تَشهد وَتَسْليم

- ‌191- بَابُ: انصرَافِ النِسَاءِ قَبلَ الرجالِ منذ الصلاة

- ‌192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة

- ‌193- بَابُ صَلاة الرجل التطوّعَ في بيتِهِ

- ‌194- بَاب: مَنْ صَلى لغيْر القِبْلةِ ثم عَلِمَ

- ‌195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ

- ‌196- بَابُ: الإجَابة أية سَاعَةٍ هي في يوْم الجمعة

- ‌197- بابُ: فَضْلِ الجُمْعة

- ‌198- بَابُ: التشْدِيدِ في تَرْك الجُمعةِ

- ‌199- بَابُ: كفّارة مَنْ تركهَا

- ‌200- بَابُ: مَنْ تجبُ عليه الجمعة

- ‌201- بَابُ: الجُمعة في اليَوْم المَطيرِ

- ‌202- بَابُ: التخلفِ عن الجماعةِ في الليْلةِ البَارِدةِ

- ‌203- بَابُ: الجُمعة للمَمْلُوك وَالمرأةِ

- ‌204- بَابُ: الجُمعَةِ في القُرَى

- ‌205- بَابٌ: إذا وَافق يومُ الجُمعةِ يَوْمَ العِيدِ

- ‌206- بَابُ ما يَقْرأ فِي صَلاةِ الصُّبْح يَوْمَ الجُمْعَةِ

- ‌207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة

- ‌208- بَابُ: التَحلُّقِ يَوْمَ الجُمعَة قبل الصلاة

- ‌209- باب: اتخاذ المنبر

- ‌210- باب: موضع المنبر

- ‌211- باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

- ‌212- باب: وقت الجمعة

- ‌213- بَاب: النداء في يوم الجمعة

- ‌214- باب: الإمام يكلم الرجل في خطبته

- ‌215- باب: الجلوس إذا صعد المنبر

- ‌216- باب: الخطبة قائماً

- ‌217- باب: الرجل يخطب على قوس

- ‌218- باب: رفع اليدين على المنبر

- ‌219- باب: اقتصار الخطب

- ‌220- بَابُ: الدنو من الإمام عند الخطبة

- ‌221- باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

- ‌222- باب: الاحتباء والإمام يخطب

- ‌223- باب: الكلام والإمام يخطب

- ‌224- بابُ: استئذانِ المُحْدثِ الإمامَ

- ‌225- باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب

- ‌226- باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

- ‌228- باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر

- ‌229- باب: من أدرك من الجمعة ركعة

- ‌231- باب: الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

- ‌232- باب: الصلاة بعد الجمعة

- ‌233- باب: صلاة العيدين

- ‌234- باب: وقت الخروج إلى العيد

- ‌235- باب: خروج النساء في العيد

- ‌236- باب: الخطبة في يوم العيد

- ‌237- باب: ترك الأذان في العيد

- ‌238- باب: التكبير في العيدين

- ‌239- باب: ما يُقرأ في الأضحى والفطر

- ‌240- باب: الجلوس للخطبة

- ‌241- باب: الخروج إلى العيد في طريق

- ‌242- باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد

- ‌243- باب: الصلاة بعد صلاة العيد

- ‌244- باب: يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر

الفصل: ‌173- باب: التشهد

فُليح قال: أخبرني عباس بن سَهْل قال: اجتمع أبو حُميد وأبو أسيد وسَهْل ابن سَعْد ومحمد بن مَسْلمة، فذُكِرَ هذا الحديثُ، لم يُذْكَرْ الرفعُ إذا قامَ من ثنتين ولا الجلوسَ، قال: حتى فَرِغَ ثم جَلَسَ فافترشَ رجْلَه اليُسرى، وأقبلً بصدْرِ اليُمنى على قِبلَتِهِ (1) .

ش- قد تقدم هذا الحديث- أيضا- في " باب رفع اليمَيْن ".

قوله: " فذكر هذا الحديث" برفع الحديث وبناء " ذُكِرَ" على صيغة المجهول، وكذا قوله:"لم يذكر الرفع".

* * *

‌173- بَابُ: التَّشهُّدِ

أي: هذا باب في بيان التشهد، وفي بعض النسخ:"باب ما يقول في التشهد" والأول أصح.

939-

ص- نا مسدد: نا يحيى، عن سليمان الأعمش قال: حدثنا شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: كُنا إذا جَلَسْنَا مع رسول الله عليه السلام في الصلاة قلنا: السلامُ على الله قَبْلَ عبَاده، السلامُ عَلىَ فلان وفلان، فقال رسولُ اَلله:"لا تقولوا: السَلامُ علىَ اَلله؛ فإن الله هو السلَامُ؛ ولكَن إذا جَلَسَ أحدُكُم فليقلْ: التحياتُ لله والصلَواتُ والطيبات، السلامُ عليكَ أيها النبي صلى الله عليه وسلم -رحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحين؛ فإنكم إذا قُلتُم ذلك أصَاَبَ كل عَبد صالحِ في السماءِ والَأرضِ أو بينَ السماء والأرضِ، أشهدُ أن لا إله إلام اللهُ وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسولُه، ثم ليَخترْ أحدكُم من الدعاءِ أعجبَه إليه، فيَدْعو بهِ "(2) .

(1) تقدم برقم (15) .

(2)

البخاري: كتاب الأذان، باب: التشهد في الآخرة (831)، مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (58/ 402)، النسائي: كتاب السهو، باب: إيجاب التشهد (3/ 40) و (3/ 41، 50)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التشهد (899) .

ص: 236

ش- السلامُ: اسم من أسماء الله تعالى؛ ومعناه: السالم من النقائص وسمات الحدث، ومن الشريك والند، وقيل: بمعنى المسلم أوليائه، وقيل: المسلم/ عليهم. [2/46 - ب]

قوله: " التحيات لله " التحيات: جمع تحية وهي السلامة من جميع الآفات، وقيل: البقاء الدائم، وقيل: العظمة، وفي "المحكم": التحية: السلام. وقال الخطابي: رُوي عن أنس في تفسيرها في أسماء الله: السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء، وهي الطيبات لا يحيي بها غيرُه. وقال ابن الأثير (1) : التحيات: كلمات مخصوصة كانت العرب تحيي بها الملوك كقولهم: أبيْت اللعن، وأنعمْ صباحا، وعم ظلام:"وزي دَه هزار سَال "(2) أي: عِش عشرة آلاف سنة، وكلها لا يصلح شيء منها للثناء على الله تعالى فتركت واستعملت بمعنى التعظيم، فقيل: قولوا: التحيات لله أي: الثناء والعظمة والتمجيد كما يستحقه ويجبُ له.

قوله: "لله " اللام فيه لام الملك والتخصيص، وهي للأول أبلغ وللثاني أحسن. وقال القرطبي: فيه تنبيه على أن الإخلاص في العبادات والأعمال لا يُفعل إلا لله تعالى، ويجوز أن يراد به الاعتراف بأن ملك ذلك كله لله تعالى.

قوله: "والصلوات " قيل: أراد الصلوات الخمس، وقيل: النوافل، قال ابن الأثير: والأول أولى. وقال الأزهري: العبادات. وقال الشيخ تقي الدين: والصلوات يحتمل أن يراد بها الصلوات المعهودة، ويكون التقدير: إنها واجبة لله، ولا يجوز أن يقصد بها غيره أو يكون ذلك إخبارا عن قصد إخلاصنا الصلوات له أي: صلاتنا مخلصة له لا لغيره؛ ويجور

(1) النهاية (1/ 183) .

(2)

هذه الجملة جملة فارسية، ومعلوم أن المصنف كان يجيد اللغة التركية، فلعله ذكرها عرضا.

ص: 237

أن يراد بالصلوات الرحمة، ويكون مبنى قوله " لله" أي: المتفضل بها، والمُعْطي هو الله؛ لأن الرحمة التامة لله تعالى لا لغيره.

قوله: " والطيبات " أي: الكلمات الطيبات. وقال الشيخ تقي الدين: وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال الطيبات، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى، أعني: الطيبات من الأفعال والأقوال والأوصاف؛ وطيب الأوصاف كونها صفة الكمال وخلوصها عن شوائب النقص. وقال الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله: التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية.

قوله: "السلام عليك أيها النبيّ، قيل: معناه: التعوذ باسم الله الذي [هو] السلام كما تقول: الله معك أي: الله متوليك وكفيل بك، وقيل: معناه: السلامة والنجاة لك كما في قوله تعالى: "فسلام لكَ منْ أصْحَاب اليَمين" (1) . وذكر الفخْر الفارسي الخُبْري: معنى السلَام على النبَي- عليه السلام أي: اسم الله عليك، وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات، وسًلِمْتَ من المكاره والمذامّ والآفات، فإذا قلنا: اللهم صلي على محمد إنما نُريدُ: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته، وذكره السلامة من كل نقص، وقال الشيخ حافظ الدين: يعني السلام الذي سلمه الله تعالى عليك ليلة المعراج، ورفع ليدل على الثبوت والاستمرار. وقال ابن الأثير: السلام مُنكر، أراد: " سلام عظيم لا يدرك كُنهه، ولا يعرف قدره"، وكثر ما جاء في القرائن مُنكَّرا، ومن رواه مُعَرفا فلأنه أراد إما سلاما معهودة أو جنْس السلام.

قلت: يقتضي تفسير الشيخ حافظ الدين أن يكون الألف واللام فيه للعهد، وهو السلام الذي سلمه الله عليه ليلة المعراج.

قوله: " وبركاته " البركات: جمع بركة؛ وهي: الخير الكثير من كل شيء؛ واشتقاقه من البرك وهو الإبل الكثير.

(1) سورة الواقعة: (91) .

ص: 238

قوله: " السلام علينا " أراد به الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة عليهم السلام.

قوله: " وعلى عباد الله الصالحين " الصالح: هو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد. وقال القرطبي: فيه دليل على أن الدعاء يصلُ من الأحياء إلى الأمْوات.

قوله: " وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " قال أهل اللغة: يُقال: رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة. وقال ابن الفارس: وبذلك سمى نبينا محمداً يعني: لعلم الله تعالى بكثرة خصاله المحمودة. قلت: الفرق بين محمد وأحمد أن محمداً مُفعّل للتكثير، وأحمدُ أفعل للتفضيل، والمعنى: إذا حمدني أحد فأنت أحمدُ منهم، وإذا حمدتُ أحدا فأنت محمد/ والعبدُ: الإنسان حرا كان أو رقيقا، وجَمعُه: اعبدٌ [2/47 - أ] وعبيد وعباد وعُبْد وعبْدان وعُبدان، وأعابد جمع أعبُد، والعِبْدي والعبد والعُبُوداء والعبدة أسمَاء الجمع، وجعل بعضهم العبادَ لله وغيره من الجَمع لله والمخلوقين، وخصّ بعضهم بالعبْدَى العَبيد الذين وُلدُوا في الملْك، والأنثى: عَبْدة، والعَبْدل: العَبْدُ، َ ولامه زاَئدة. وقالَ أبو علي الدقاق: ليْس شيء أشرف من العبودية، ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية؛ ولهذا قال الله تعالى للنبي- عليه السلام ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته في القرب "سبحانَ الَّذي أسْرَى بعَبْده "(1) وقال في تلك الليلة" فأوْحَى إِلَى عبدهِ مَا أوْحَى"(2) .

وفي قوله: "أصابَ كل عبد صالح في السماء " دلالة على أن الألف واللام الداخلتين للجنس تقتضي الاستغراق والعموم.

قوله: " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه " فيه استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام. وقال الشيخ محيي الدين: وفيه: أنه يجور الدعاء بما شاء من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا

(1) سورة الإسراء: (1) .

(2)

سورة النجم: (10) .

ص: 239

ومذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يجور إلا الدعوات الواردة في القرآن أو السنة.

قلنا: لأن الدعاء من أمور الدنيا مثل قوله: " اللهم زوجني فلانة، أو: ارزقني ألف دينار" من كلام الناس، وقد صح في الحديث:" إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس"- كما ذكرناه-. وقال الشيخ تقي الدين: بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي استثنى بعض صور من الدعاء تُقبحُ كما لو قال: اللهم أعطني امرأةً صفتها كذا وكذا- وأخذ يذكر أوصاف أعضائها-.

وهذا الحديث: أخرجه الأئمة الستة عن عبد الله بن مسعود، ولفظ مسلم قال: علمني رسول الله التشهد كفي بين كفيه كما يُعلمني السورة من القرآن فقال: " إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحياتُ لله والصلواتُ والطيباتُ السلامُ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالها أصابَتْ كل عبد صالح في السماء والأرضِ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". زادوا في رواية إلا الترمذي، وابن ماجه:" ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به " قال الترمذي: أصح حديث عن النبي عليه السلام في التشهد: حديث ابن مسعود، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. ثم أخرج عن معمر، عن خصيف قال: رأيت النبي- عليه السلام في المنام فقلتُ له: إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال: عليك بتشهد ابن مسعود (1) .

وأخرج الطبراني في "معجمه" عن بشير بن المهاجر، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: ما سمعتُ في التشهد أحسن من حديث ابن مسعود وذلك أنه رفعه إلى النبي- عليه السلام-ووافق ابن مسعود في روايته عن النبي عليه السلام هذا التشهد جماعة من الصحابة فمنهم معاوية، وحديثه

(1) جامع الترمذي (2/ 82) .

ص: 240

عند الطبراني في " معجمه" أخرجه عن إسماعيل بن عياش، عن جرير بن

عثمان، عن راشد بن سعد، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه كان يُعلم

الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي- عليه السلام: " التحيات لله والصلوات والطيبات" إلى آخره سواء.

ومنهم: سلمان الفارسي، وحديثه عند البزار في " مُسنده " والطبراني

في "معجمه "- أيضا- أخرجاه عن سلمة بن الصلت، عن عُمر بن

يزيد الأزدي عن أبي راشد قال: سألت سلمان الفارسي عن التشهد

فقال: أعلمكم كما علمنيهن رسول الله- عليه السلام: " التحيات لله والصلوات والطيبات" إلى آخره سواء.

ومنهم عائشة- رضي الله عنها وحديثها عند البيهقي في "سننه "

عن القاسم، عنها قالت: هذا تشهد النبي- عليه السلام: " التحيات

لله " إلى آخره. قال النووي في " الخلاصة": سنده جيد، وفيه: فائدة

حسنة؛ وهي أن تشهده- عليه السلام بلفظ: تشهدنا. وقال الخطابي:

/ أصح الروايات وأشهرها رجالا: تشهد ابن مسعود. وقال ابن المنذر، [2/47 - ب] وأبو علي الطوسي: قد روي حديث ابن مسعود من غير وجه؛ وهو

أصح حديث رُوي في التشهد عن النبي- عليه السلام. وقال أبُو عُمر:

بتشهد ابن مسعود أخذ أكثر أهل العلم لثبوت فعله عن النبي- عليه

السلام-. وقال علي بن المديني: لم يصح في التشهد إلا ما نقله أهل

الكوفة عن ابن مسعود، وأهل البصرة عن أبي موسى. وبنحوه قاله ابن

طاهر. وقال النووي: أشدها صحة باتفاق المحدثين: حديث ابن مسعود

ثم حديث ابن عباس.

قلت: ولأجل ذلك اختار أبو حنيفة وأصحابه تشهد ابن مسعود.

وقال صاحب " الهداية": والأخذ بتشهد ابن مسعود أولى؛ لأن فيه

الأمْر، وأقلى: الاستحباب، والألف واللام وهما للاستغراق، وزيادة

الواو وهي لتجديد الكلام كما في القسم وتأكيد التعليم.

ص: 241

قلت: أما الأمر وهو قوله " فليقل" وليس في تشهد ابن عباس في ألفاظهم الجميع إلا في لفظ للنسائي: " إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا" وفي لفظ له: " قولوا في كل جلسة" وأما الألف واللام: فإن مسلما، وأبا داود، وابن ماجه، لم يذكروا تشهد ابن عباس إلا معرفا بالألف واللام. وذكره الترمذي، والنسائي مُنكرًا:" سلام عليك أيها النبي، سلام علينا". وكان برهانُ الدين اعتمد على هذه الرواية.

وأما الواو: فليْس في تشهد ابن عباس عند الجميع. وأما التعليم: فهو- أيضا- في تشهد ابن عباس عند الجميع: " كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القراَن". هكذا لفظ مسلم، وفي لفظ الباقين: كما يعلمنا القراَن.

وفي تشهد ابن مسعود: تَراجيح أُخر؛ منها: أن الأئمة الستة اتفقوا عليه لفظا ومعنى؛ وذلك نادر، وتشهد ابن عباس معدود في أفراد مسلم، وأعلى درجة الصحيح عند الحُفاظ: ما اتفق عليه الشيخان، ولو في أصله فكيف إذا اتفقا على لفظه؟. ومنها: إجماع العلماء على أنه أصح حديث في الباب- كما تقدم من كلام الترمذي. ومنها: أنه قال فيه: "علمني التشهد كفي بين كفيه"، ولم يقل ذلك في غيره؛ فدل على مزيد الاعتناء والاهتمام به.

ثم اختلفت العلماء في التشهد هل هو واجب أم سُنة؟ فقال الشافعي وطائفة: التشهدُ الأولُ سُنة، والأخير: واجب. وقال جمهور المحدثين: هما واجبان. وقال أحمد: لأول واجب، والثاني: فرض. وقال أبو حنيفة، ومالك، وجمهور الفقهاء: هما سنتان. وعن مالك رواية بوجوب الأخير. وقال ابن بطال: أجمع فقهاء الأمصار أبو حنيفة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، والليث، وأبو ثور على أن التشهد الأول ليس بواجب، حاشا أحمد؛ فإنه أوجبه، ونقل ابن الأثير وجوبهما عن أحمد وإسحاق، ونقله ابن التين- أيضا- عن الليث وأبي ثور. وفي " المغني": إن كانت الصلاة مغربًا أو رباعية، فهما

ص: 242

واجبان فيهما على إحدى الروايتين، وهو مذهب الليث وإسحاق؛ لأنه عليه السلام فعله وداوم عليه وأمَر به في حديث ابن عباس بقوله:"فقولوا: التحيات لله " وقال ابن قدامة: والأخرى: ليسا بواجبين. وفي شرح "الهداية": قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة، وهو المختار والصحيح، وقيل: سُنَّة؛ وهو أقيس؛ لكنه خلاف ظاهر الرواية ثم السُّنَة في التشهد: الإخفاء؛ لما روى الترمذي بإسناده إلى عبد الله بن مسعود: " من السنة: أن تخفي التشهد"(1)، وقال: حسن غريب. وعند الحاكم عن عبد الله: من السّنَة: أن يخفى التشهد (2)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه" عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد "ولا تَجْهَرْ بِصلَاتكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا"(3) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم (4) . 940- ص- نا تميم بن المنتصر: أنا إسحاق- يعني: ابن يوسف- عن شريك، عن أبي إسحاق/ عن أبي الأحول، عن عبد الله قال: كنا لا نَدْري ما نقولُ إذا جَلَسْنا في الصلاةِ، وكان رسول اللهِ قد عُلمَ، فذكر نحوه (5) .

ش- تميم بن المنتصر: ابن تميم بن الصلت بن تمام بن لاحق الواسطي، أبو عبد الله الهاشمي مولى ابن عباس. سمع: إسحاق بن يوسف الأزرق، ومحمد بن يزيد الكلاعي، وأحمد بن سنان القطان. روى عنه:

(1) يأتي في "باب إخفاء التشهد ".

(2)

مستدرك الحاكم (1/268) .

(3)

سورة الإسراء: (110) .

(4)

كذا، ولم أره عند الحاكم، فلعلها سبق قلم، والله أعلم.

(5)

الترمذي: كتاب الصلاة، باب منه أيضا (290)، النسائي: كتاب السهو، باب: إيجاب التشهد (3/ 40) ، كتاب التطبيق، باب: كيف التشهد الأول (238/2)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التشهد (899) .

ص: 243

أبو داود، والنسائي- وقال: ثقة- وابن ماجه. ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة أربع وأربعين ومائتين (1) .

وشريك: ابن عبد الله النخعي، وأبو إسحاق: السبيعي، وأبو الأحوص: عَوْف بن مالك الجُشمي الكوفي، وعبد الله: ابن مسعود.

قوله: " قد عُلم " على صيغة المجهول مِن التَعْليم أي: عُلم قراءة التحيات في التشهد، ثم علمنا، ويُقال: قد علم- بالتخفيف على صيغة المعلوم- أي: علم ذلك منها، ثم أمرنا أن نقول:" التحيات لله " إلى آخره. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

ص- قال شريك: ونا جامع، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله بمثله.

ش- أي: شريك بن عبد الله، وجامع: ابن شداد، أبو صخرة الكوفي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة.

قوله: "بمثله " أي: مثل الحديث المذكور.

ص- قال: وكان يُعَلِّمُنَا كَلمات ولم يكنْ يُعلمُنَاهُنَّ كما يُعلِّمُنا التشهد:

" اللهم ألّفْ بين قُلُوبِنَا وأصلِحْ ذاتً بيننَا واهْدنَا سُبُلَ السلام، ونَجنّاَ من الظلماتِ إلى النورِ، وجنِّبْنَا الفَوَاحش ماَ ظَهرَ منوها وما بَطَنَ، وبَارِكْ لنا في أسْمَاعنَا وأبْصارنَا وقُلوبنَا وأزواجنا وذرياتنَا، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واجعلنَا شَاكِرين لنِعمَتِكً، مثنِينَ بَها، قَائِلِيهَا (2) ، وأتِمّهَا عَلينا ". ش- أي: قال ابن مسعود: وكان النبي- عليه السلام يُعلمنا كلمات.

قوله: " ألف بين قلوبنا " من التأليف، والألفة بين القلوب: الأنس والمُداراة، ورعاية بعضهم بعضًا، وعدم الخلف؛ لأن خلف القلوب يورِث فساد الأبدان.

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 807) .

(2)

في سنن أبي داود: "قابليها".

ص: 244

قوله: " وأصلح ذات بَيْننا" مراده: أصلح بيننا، ولفظة "ذات" رائدة للتأكيد؛ وإصلاح البَيْن: أن يكونوا متفقين على الحقَّ، راضين بما بينهم مما أعطاهم الله تعالى من النعم، متحابين في الله تعالى.

قوله: " واهدنا سبل السلام" السبل- بضم السين والباء- جمع سبِيلٍ، أي: طُرُق السلامة.

قوله: "ونجنا من الظلمات إلى النور" المراد من الظلمات: الضلالات؛ جُمعت لاختلافها، واتحد النور؛ لأن الإيمان واحد؛ والمعنى: اصرفنا مبتدئين من الظلمات منتهين إلى النور، وتحقيق المعنى: ثبتنا على ما كنا عليه من الانصراف والبُعْد عن الضلالة، والثبات على النور.

قوله: "وجنبنا الفواحش" أي: أبعدنا من الفواحش؟ وهي جمع فاحشةٍ، وهي كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال. وقوله: نا ما ظهر منها وما بطن لما نوعان للفاحشة؛ فالذي ظهر هو الذي يكون بيْنه وبين العباد، والذي بطن: هو الذي يكون بيْنه وبين الله، أو الذي ظهر: هو ما يكون من الجوارح، والذي بطن: ما يكون من القلوب.

قوله: "وبارك لنا في أَسْماعنا وأبْصارنا" سأل الله تعالى أن يُبارك في سمعه وبصره إذا أدركه الكبرُ، وضعف منه سائرُ القوة، ليكونا وارثي سائر القُوى، والباقين بَعْدهما، ويُقال: أراد بالأسماع والأبصار: الأولاد والأعْقاب، وقيل: بالأسْماع: وَعْي ما يَسْمعُ، وبالأبْصار: الاعتبار بما يرى.

قوله: " وقلوبنا" أي: بارك لنا في قلوبنا بمعنى: أثبتْ لها وأدِمْ ما أعطيتها من اليقين والمعرفة والاعتقاد الصحيح.

قوله: "وأزواجنا" أي: وبارك لنا في أزواجنا بمعنى: أثبت لهن وأدم

ما أعطيتهن من الألفة والسكون إلى أزواجهن، ومن حفظ حقوقهم،

ص: 245

وتحصين أنفسهن، ورضاهن عليهم. ورأيتُ في بعض النسخ الصحيحة

ضبطها بالحاء المهملة (1)، يعني: وبارك لنا في أرواحنا بمعنى: أثبت

وأدمْ ما قد [ر] ت لها من البقاء إلى وقتها المعلوم عندك بالخير والهُدى،

والَانتفاع بها بالصحة والسلامة.

قوله: " وذرياتنا " أي: وَبارك لنا في ذرياتنا؛ بمعنى: أثبت لهم وأدم

ما قدرت لهم من البقاء في دار الدنيا بالصلاح والخيْر؛ وهي جمع ذريةِ،

وذرية الرجل: نَسْله، وأصله من ذرَأ الله الخلقَ يذرؤهم.

قوله: "مثنين بها" من أثنى يُثْني أي: قائمين بثناء نعمتك.

22/48 - ب] / قوله: "قائليها" بمعنى: مُعترفين بها غير مُنكريها؟ والقول بالنعمة: عبارة عن إقامة شكرها، والاعتراف بها بأنها فضل من الله تعالى.

941-

ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهَير: نا الحَسن بن الحُرّ،

عن القاسم بن مُخيمرة قال: أخذَ علقمةُ بيدي فحدثني أن عبد الله بنَ

مَسْعود أخذَ بيده، وأن رسولَ الله- عليه السلام أخذَ بيد عبد الله يعلَّمُه (2)

التشهّدَ في الصَلَاةِ. فذكر مثلَ دَعاء حديثِ الأعمشِ: " إذاَ قُلَت هذا أو

قَضيتَ هذا فقد قَضيتَ صلاتَكَ إن شَئتَ أن تَقومَ [فقمْ] ، وإن شئتَ أن تَقْعُدَ فاقعُدْ " (3) .

ش- زهير: ابن معاوية.

والقاسم بن مخيمرة: أبو عروة الهمداني الكوفي، سكن دمشق.

روى عن: عبد الله بن عكيم، وعلقمة، وشريح بن هانئ وغيرهم.

روى عنه: أبو إسحاق السَّبيعي، والحكم بن عُتَيبة، والأوزاعي وغيرهم،

قال ابن معين، وأبو حاتم، وأحمد بن عبد الله: ثقة. مات سنة مائة

بالمدينة في خلاقة عمر بن عبد العزيز (4) .

(1) يعني: بالراء والحاء المهملتين مفرد الروح.

(2)

في سنن أبي داود: "فعلمه ".

(3)

تفرد به أبو داود.

(4)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4825) .

ص: 246

وعلقمة: ابن قيس النخعي.

قوله: " مثل دعاء حديث الأعمش " هو الحديث الذي مضى في أول لباب.

قوله: "إذا قلتَ هذا " أي: التحيات لله إلى آخره.

قوله: "أو قضيت هذا " أي: أو فعلت هذا أي: القعود.

قوله: " فقد قضيتَ صلاتك " أي: أديتها وأتممتها.

وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث في مسائل، الأولى: أن هذا يُنافي فرضية الصلاة على النبي- عليه السلام في الصلاة؛ لأنه- عليه السلام علق التمام بالقعود؛ وهو حجة على الشافعي،- وأيضًا- أنه عليه السلام علم التشهد لعبد الله بن مسعود، ثم أمر عقيبه أن يتخير من الدعاء ما شاء، ولم يُعلم الصلاة عليه، ولو كانت فرضًا لعلمه؛ إذ موضع التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب،- وأيضًا- لما علم الأعرابي أركان الصلاة لم يُعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضا لعلّمه، وكذا لم يُرْو في تشهد أحد من الصحابة، ومن أوجبها فقد خالف الآثار. وقالت جماعة من أهل العلم: إن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة؛ وليس له سلف يقتدي به؛ منهم: ابن المنذر، وابن جرير الطبري، والطحاوي، وهو يستدل بقوله تعالى:"صلوا عَلَيْه "(1) والأمر للوجوب، فلا يجب خارج الصلاة فتعينت الصلاة. وليسَ في الآية دلالة على ما قال؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار؛ بل يجب في العمر مرةً- كما اختاره الكرخي- أو كلما ذكر اسم النبي- عليه السلام كما اختاره الطحاوي-، وسنستوفي الكلام فيه في موضعه.

الثانية: أن هذا يُنافي فرضية السلام في الصلاة؛ لأنه- عليه السلام خير المصلي بعد القعود، بقوله: إن شئت أن تقوم، وإن شئت أن تقعد؛

(1) سورة الأحزاب: (56) .

ص: 247

وهو حجة على الشافعي- أيضا- حيث افترض السلام، وسنستكمل (1) بقية الكلام في (باب السلام) إن شاء الله تعالى.

الثالثة: استدل به أصحابنا على فرضية القعدة الأخيرة.؛ وذلك لأنه

عليه السلام علق تمام الصلاة بالقعود، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض؛ وهو حجة على مالك؛ حيث لم يفترض القعدة الأخيرة.

فإن قيل: أو لأحد الشيئين، وليس فيه دلالة على ما ادعيتم. قلت: معناه: إذا قرأت التشهد وأنت قاعدٌ؛ لأن قراءته في غير الصلاة لم تشرع ولم يُعتبر إجماعاً فصار المعنى: إذا قلت هذا يعني: قرأت هذا وأنت قاعد أو قعدت ولم تقل، فصار التخييرُ في القول لا في الفعل؛ إذ الفعل ثابت في الحالين.

فإن قيل: كيف تثبت الفرضية بخبر الواحد؟ قلت: ليس الثبوت به؛

بل هو بالكتاب؛ لأن نفس الصلاة ثابتة به، وتمامها منها؛ فالخبر بيان لكيفية الإتمام والبيان به يصح كما في مسح الرأس.

الرابعة: استدل به أبو يوسف، ومحمد في الاثني عشرية المشهورة أن الصلاة لا تبطل بها؛ لأنه لم يبق عليه شيء، فاعتراض العوارض عليه كاعتراضها بعد السلام، وقد عرف مستوفًى في موضعه.

[2/49 - أ] ثم بقي الكلام في صحة/ هذا الحديث ورفعه إلى النبي- عليه السلام؛ " (2) فقد قال الخطابي (3) : اختلفوا في هذا الكلام هل هو من قول النبي- عليه السلام أو من قول ابن مسعود؟ فإن صح مرفوعًا إلى النبي- عليه السلام ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي- عليه السلام في التشهد غير واجبةٍ. وقال البيهقي (4) : وقد بينه شبابة بن

(1) في الأصل: "وسنتكلم".

(2)

انظر: نصب الراية (1/ 424- 425) .

(3)

معالم السنن (1/198) .

(4)

السنن الكبرى (2/ 174) .

ص: 248

سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصَل كلام ابن مَسعود من كلام النبي عليه السلام، وكذلك (1) رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحر مُفصلا مُبينا. وقال ابن حبان بعد أن أخرج الحديث في " صحيحه" في النوع الحادي والعشرين من القسم الأول بلفظ السنن: وقد أوهم هذا الحديث مَنْ لم يُحكِم الصناعة أن الصلاة على النبي ليست بفرض؛ فإن قوله: "إذا قلت هذا " زيادة أدرجها زهير بن معاوية في الخبر عن الحسن بن الحر. ثم قال: ذكر بيان أن هذه الزيادة من قول ابن مسعود، لا من قول النبي- عليه السلام وأن زهيرا أدرجه في الحديث، ثم أخرجه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مُخيمرة به سنداً ومتنًا، وفي آخره: قال ابن مسعود: فإذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت وإن شئت فانصرف. ثم أخرجه عن حسين بن علي الجُعْفي، عن الحَسن بن الحُر به، وفي آخره: قال الحسن: وزادني محمد بن أبان بهذا الإسْناد قال: فإذا قلت هذا فإن شئت فقم، قال: ومحمد بن أبان ضعيف قد تبرأنا من عهدته في كتاب "الضعفاء".

وقال الدارقطني في" سننه"(2) بعد أن أخرج الحديث: هكذا أدرجه بعضهم في الحديث عن زهير، ووصله بكلام النبي- عليه السلام وفَصَله شبابة بن سوار، عن زهير فجعله من كلام ابن مسعود؛ وهو أشبه بالصواب؛ فإن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود؟ ولاتفاق حُسين الجُعفي، وابن عجلان، ومحمد ابن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وغيره، عن ابن مسعود على ذلك، ثم ساق جميع ذلك بالأسانيد، وفي آخره: قال ابن مسعود: إذا فركت من هذا إلى آخره (3) .

(1) السنن الكبرى (2/ 175) منفصلا عن القول الأول.

(2)

(1/ 352- 353) .

(3)

إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

ص: 249

والجواب عن جميع ما ذكروه من وجوه؛ الأول: أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، ولو كان فيه ما ذكروه لنبه عليه؛ لأن عادته في كتابه أن يُلوح على مثل هذه الأشياء.

الثاني: زعم أبو زيد الدبوسي وغيره أن هذه الزيادة رواها أبو داود الطيالسي، وموسى بن داود الضبي، وهاشم بن القاسم، ويحي بن أبي كثير، ويحيى بن يحيى النيسابوري في آخرين متصلا؛ فرواية من رواه مفصولا لا يقطع بكونه مُدرجًا، لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره، فسمعه هؤلاء متصلاً وهذا مُنفصلا، أو قاله ابن مسعود فُتيا كعادته، وقد وجدنا في كتاب النسائي من حديث الأفريقي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي عليه السلام:"إنه إذا حدّث الرجلُ في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته " ولفظ أبي داود: "فقد تمت صلاته".

الثالث: أن عبد الرحمن بن ثابت الذي ذكره البيهقي قد ضعّفه ابن معين، هو بنَفْسه ذكره في "باب التكبير أربعاً" وكذلك غَسان بن الربيع الذي رَوى عن عبد الرحمن بن ثابت ضعفه الدارقطني وغيره، وبمثل هذا لا تُعللُ رواية الجماعة الذين جعلوا هذا الكلام متصلا بالحديث، وعلى تقدير صحة السند الذي روي فيه موقوفا، فرواية من وقف لا تعلل بها رواية من رفع؛ لأن الرفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل الفقه والأصول، فتُحمل على أن ابن مسعود/ رضي الله عنه سمعه من النبي- عليه السلام فرواه كذلك مرةً، وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى من جعله من كلامه "إذ فيه تخطئة الجماعة الذين وصلوه، ثم لو سلّمنا حصول الوهم في رواية من أدرجه لا يتعين أن يكون الوهم مِن زُهير؛ بل ممن رواه عنه؛ لأن شبابة رواه عنه موقوفا.

942-

ص- نا نَصْر بن علي قال: حدثنا أبىِ: نا شعبة، عن أبي بشر قال:"سمعتُ مجاهدا يُحدث عن عبد الله بنِ عمر، عن رسول الله في التشهد: "التحيات لله، الصلواتُ اَلطيباتُ، السلام عليكم أيها النبي صلى الله عليه وسلم -رحمة اللهِ وبركاتُه " قال: قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها: وبركاته "السلام علينا

ص: 250

وعلى عباد الله الصالحينَ، أشهدُ أن لا إله إلا الله ". قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها: وحَده "لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه "(1) .

ش- نصر بن علي: أبو عمرو الصغير البصري، وأبوه: علي بن نصْر ابن علي البصري. وأبو بشْر: جعفر بن أبي وحشية.

قوله: " الصّلوات " بدون واو العطف وكذلك " الطيبات" وهذا السند صحيح. وروى مالك في " الموطأ "(2) عن نافع، عنه موقوفا بلفظ: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً (3) رسول الله، فإذا أراد أن يُسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم. زاد رزين في كتابه: وقال: إن رسول الله أمره بذلك.

وقال البيهقي: أما التسمية في هذا عن ابن عمر- وإن كانت صحيحة- فيحتمل أن تكون زيادةً من جهته هو، روينا عنه، عن النبي- عليه السلام حديث التشهد ليس فيه التسمية. قال: روى ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، وهشام، عن أبيه، عن عائشة- كلاهما- عن النبي- عليه السلام في التسمية قبل التحية، وثابت: منكر الحديث، والصحيح: عن ابن عمر موقوف- كما رويناه. قال: روينا عن ابن عباس أنه سمع رجلا يقولُ: بسم الله التحيات لله، فانتهره. 943- ص- نا عَمرو بن عون: أنا أبو عوانة، عن قتادة ح ونا أحمد بن حنبل: نا يحيي بن سعيد: نا هشام، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطانَ بن عبد الله الرَّقَاشي قال: صَلَّى بنا أبو موسى الأشعريُّ فلما جلسَ في آخر صَلاِته قال رجل من القول: أقرَّت الصلاةُ بالبرِّ والزكاة، فلما انفتلَ أبو موسى أَقبلَ على القول فقال: أيكم القائل كَلِمةَ كذا وكَذا؟ قال: فأرَمَّ

(1) تفرد به أبو داود.

(2)

كتاب الصلاة، باب: التشهد (57) .

(3)

في الأصل: "محمد".

ص: 251

القومُ، قال: أيكُم القائلُ كَلمةَ كذا وكذا. قال: فَأرَم القومُ، قال: فلعلك يا حطانُ أنتَ قلتَها. قال: ما قلتُها، ولقد رَهبتُ أن تَبكعَني بها. قال: فقالَ رجل من القوم: أنا قُلتُها ومَا أردتُ بها إَلا الخيرَ، فقال. أبو موسَى: أما تَعلمُون كيفَ تَقولون في صلاتكُم؟ إن رسولَ الله خَطبَنا فعلمنا وبَيَّنَ لنا سنتنا وعلمنا صلَاتَنا فقال: " إذا صليتُم فأقيمُوا صفُوَفَكُم، ثم ليؤمَّكُم أحدُكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قَرأ "غيرِ المغضوب عَلَيهم ولا الضالينَ " فقولوا: آمين يُجِبكُم الله تعالى، وإذا كبر وركَعَ فكبِّرُواَ وارْكَعوا، فإن الإمامَ يركعُ قَبْلَكُم، ويَرْفَعُ قَبْلَكُم ". قال رسولُ الله: "فتِلكَ بتلك، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ فقولُوا: اللهم ربنا لك الحَمدُ يَسْمعُ الله لكم، فإن الله قال على لسانِ نبيه: سَمِعَ الله لمنْ حَمدَهُ، وإذا كبر وسَجَدَ فكبِّروا واسجدُوا فإن الإمام يَسْجدُ قَبلَكُم ويرفعُ قَبلًكُم " قال رسولُ الله: "فتلكَ بتلكَ" فإذا كان عندَ القَعْدة فليكنْ مِنْ أول قول أحدكُم: أن يقوَلَ: التحياتُ الطيباتُ الصلواتُ لله، السَلامُ عليكَ أيهاَ النبي صلى الله عليه وسلم -رحَمة الله وبركاته، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصَالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأَشهدُ أن محمداً عبده ورسوله "- لمَ [2/50 - أ] يَقُلْ أحمدُ: وبركاتُه، ولا قال: وأشهدُ، قال:-/ وأن محمداً (1) .

ش- أبو عوانة: الوَضاح، ويحي بن سعيد: الأنصاري، وهشام:

الدستوائي.

ويونس بن جبير: الباهلي أبو غلاب البصري. سمع: عبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله، وحطان الرقاشي وغيرهم. روى عنه: محمد ابن سيرين، وعبد الله بن عون، وقتادة، قال ابن معين: كان ثقة، قال ابن سَعْد: مات قبل أنس وأوصى أن يصلي عليه أنس. روى له الجماعة (2) .

(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، رقم (404)، النسائي: كتاب التطبيق، باب: قوله: " ربنا ولك الحمد "(2/ 196)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (847)، وباب: ما جاء

في التشهد، رقم (901) .

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7172) .

ص: 252

وحطان بن عبد الله الرقاشي: ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: بصري. يروي عن: علي، وأبي موسى. روى عنه: الحسن، ويونس ابن جبير. مات في ولاية عبد الملك وولاية بشر بن مروان على العراق. انتهى. وقال العجلي: هو بصري تابعي ثقة وكان رجلا صالحًا (1) . قوله: " أقرت الصلاة بالبرّ " قيل: قُرِنت أي: إنها تُوجب لصاحبها البر؛ وهو الَصدق وجماع الخير، والزكاة: التطهير، ويحتمل أن يكون من القرار أي: أثبت معها، وتكون الباء بمعنى "مع ".

قوله: "فلما انفتل " أي: انصرف من الصلاة.

قوله: " أيكم القائل كلمةَ كذا " بنصب " كلمة" أطلق الكلمة وأراد بها الكلام.

قوله: "فأرَمَ القومُ "- بفتح الهمزة والراء وتشديد الميم- يعني: سكتوا مُطرقين ولم يُجيبوا، يُقال: أرم فلان حتى ما به نُطق؛ ومنه قول الشاعر.

يَردن والليلُ مُرِمّ طائرُهْ كأنهم أطبقوا شفاههم

والمِرمة- بكسر الميم وفتحها- شفة البقرة وكل ذات ظلف؛ لأنها بها تأكل فاستُعيرَت للناسِ. وروي: "فأزَم القوم "- بزايِ مفتوحة وميم مخففة- أي: أمسكوا عن الكلام؛ ومعناه مثل الأول.

قوله: "ولقد رَهبتُ "- بكسر الهاء- أي خِفْتُ.

قوله: " أن تَبكَعني بها" أي تجبهني بها أو تُبكًتني بها، أو نحو ذلك من الكلام. قال الأصمعي: يُقال: بكَعتُ الرجلَ بكعَا إذ استَقْبلته بما يكره، وهو من باب فتح يفتح. وعن سليمان بن معبد: قلتُ للأصمعي: ما قولُ الناس: "الحق مُغْضَبة"؟ فقال: يا بُنى! وهَلْ يَسألُ عن مثل هذا إلا رَازِم، قلما بكِعَ أحد بالحقد إلا إِعزَيْزَمَ له؟!.

(1) المصدر السابق (6/ 1384) .

ص: 253

قلت: الرازم: الضعيفُ الذي لا يقدرُ أن يقوم من الهزال،

والإعزيزام: الاجتماع.

قوله: "يجبكم الله "- بالجيم- من إجابة الدعاء، وبعضهم يقرأه بالحاء من المحبّة، وليس موضعه.

قوله: " فتلك بتلك" معناه: تلك الدعوة مُعلقة بتلك الكلمة أو مضمنة بها أعني بالدعوة: قراءة الإمام "اهدنا الصراط المستقيم" السورة وأعني بالكلمة: قوله " آمين "، فقوله:(فتلك) مبتدأ في محل الرفع، وخبره:" تلك " الثاني، ومتعلقه محذوف- كما قدرنا- ويجوز أن يكون المراد من " تلك " الأول: الصلاة، ومن "تلك" الثاني: قوله " إذا كبر فكبروا، وإذا قرا {غير المَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلَا الضالينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا"، ونحو ذلكَ من الأفعال والأقوال، ويكون المعنى: صلاتكم متعلقة بصلاة إمامكم، فاتبعوه ولا تخالفوه، فتلك إنما تصح وتثبت بتلك، وكذلك الكلام في " فتلك بتلك " الثاني على الوَجهين.

قوله: " يَسْمع الله لكم" أي: يَستجيبُه، ومعنى "سمع الله لمن حمده": أجاب دعاء من حمده، وقيل: أراد به الحث على التحميد.

قوله: "ربنا لك الحمد " وفي رواية: "ولك الحمد"؛ وكلاهما صحيح.

قوله: " فليكن من أوّل قول أحدكم: التحيات" استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوسه ولا يقول: باسم الله. وقال الشيخ محيي الدين: وليس هذا الاستدلال بواضح؛ لأنه قال: "فليكن من أول"، ولم يقل: فليكن أوّل.

والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

944-

ص- نا عاصم بن النضر: نا المعتمر قال: سمعت أبي قال: نا قتادة، عن أبي غَلاّب يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي بهذا الحديث

ص: 254

زادَ: " فإذا قَرَأ فَأنِصتُوا" وقال في التشهد بعد أن قال: لا إله إلا الله " (1)

زادَ: " وحده لا شريك له "(2) .

ش- المعتمر: ابن سُلَيْمان، وأبو غلاب: يونس بن جُبير.

قوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور؛ زاد فيه: فإذا قرأ

- أي الإمام- " فأنْصتوا"، وفيه حجة للحنفية في أن الواجب على

المقتدي/ أنْ يسكت ويَنْصت ولا يقرأ شيئًا؛ لأن القراءة تَخِل بالإنْصات [2/50 - ب] وكذا زاد بعد قوله: " لا إله إلا الله ": "وَحْدهَ لا شريكَ له".

ص- قال أبو داود: قولُه: "وأنصِتُوا " ليْس بمحفوظ، لم يجئْ به إلا

سليمانُ التيْمي في هذا الحديث.

ش- قد تقدم الكلام على قوله " فإذا قرأ فأنصتوا في " باب الإمام

يُصلي من قُعود " في حَديث أبي هريرة. وأما هذه الزيادة من سُليمان

التيمي- وهو سليمان بن طرخان أبو المعتمر- فهي صحيحة، صحّحها

مُسلم، وذكرَها مسلم في " صحيحه " وكفى به قدوةً، ويُقدمُ كلامه على

كلام أبي داود. ولما طعَن أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث

قال له مسلم: أحفظ من سليمان؟! معناه: أنه كامل الحفظ والضبط،

فلا تضره مخالفة غيره. وإذا كان الأمرُ كذلك فلا يُلتفت إلى قول مَن

يُضعفُ هذه الزيادة.

945-

ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد بن

جبير وطاوس، عن ابن عباس أنه قال: كان رسولُ الله- عليه السلام

يُعلمُنا التشهدَ كما يُعلمُنا القرآنَ، فكان يَقولُ: " الَتحياتُ المُبَاركاتُ

(1) في سنن أبي داود: "وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله إلا الله ".

(2)

مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (62/ 4 0 4)، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2/ 96)، كتاب: الافتتاح، باب: نوع آخر من التشهد (2/ 242)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (847)، وباب: ما جاء في التشهد (901) .

ص: 255

الصلواتُ الطيباتُ لله، السلامُ عليكَ أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمداً رسولُ اللهِ " (1) .

ش- أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس.

والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وبه أخذ الشافعي. وقال الشيخ محيي الدين: تقديره: " التحيات والمباركات والصلوات والطيبات" كما في حديث ابن مسعود وغيره؛ ولكن حذفت الواو اختصارًا.

قلت: واو العطف لا يجوز حذفه عند الجمهور، وبعضهم ما جَوزه إلا في الضرورة؛ ولا ضرورة هاهنا ولا فائدة في اختصارها. ويقال: في حديث ابن عباس اضطراب؛ فمن اضطرابه: أن الشافعي رواه بتنكير (2)"السلام "، وأحمد بتعريفه، وقال الشافعي وأحمد:" وأن محمداً" وفي رواية مسلم وغيره؛ "وأشهد أن محمدا" وفي رواية لمسلم: "وأن محمدًا" والسلام معرف. فإن قالوا: رجحناه لزيادة " المباركات" لموافقتها الآية الكريمة "تَحيةَ مّنْ عند الله مُبَارَكَةَ"(3) فيُقال: قال الطحاوي: لم يشرع في السلَام " حياَكمَ الله وإن وافق ذلك لفظ القرآن في قوله تعالى: "وَإذا حييتُم بتَحية فَحَيُّوا بِأحْسَنَ منْهَا" (4) وفي حديث جابر زيادات كان ينبغي أن تعمدَ وكَذَا في حديث عليَ- رضي الله عنه. أما حديث جابر: فرواه الحاكم في" المستدرك" بإسناده إلى جابر بن عبد الله: كان رسول الله يُعلمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن:

(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب التشهد (60/ 403)، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: منه أيضا (290)، النسائي: كتاب التطبيق، باب: نوع آخر من التشهد (2/ 242)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ماجاه في التشهد (900) .

(2)

في الأصل: "بتكثير ". (3) سورة النور: (61) .

(4)

سورة النساء: (86) .

ص: 256

"بسم الله وبالله، التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها

النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد

أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسأل الله الجنةَ وأعوذ

به من النار " ثم قال: هذا حديث صحيح على شرطهما. وقال الترمذي

في " العلل ": سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو غير محفوظ

وهو خطأ؛ والصحيح: ما رواه الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد، وطاوس، عن ابن عباس. وقال النووي: لا نقبل من الحاكم تصحيحه

حديث جابر؛ فإن الذين ضعفوه أجلّ من الحاكم وأتقن.

وأما حديث عليّ- رضي الله عنه: فما رواه الطبراني في "الأوسط "(1)

من حديث عبد الله بن عطاء، عن البهزي قال: سألت الحسن عن تشهد

علي، فقال: هو تشهد النبي- عليه السلام: " التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والراكبات، والناعمات السابغات الطاهرات لله، الحديث. وقال: لم يروه عن ابن عطاء إلا عمرو بن

هاشم.

946-

ص- نا محمد بن داود بن سفيان: نا يحيي بن حسان: نا

سليمان بن موسى أبو داود: نا جَعْفر بن سَعْد بن سمرة بن جندب قال:

حدثني خُبَيْب بن سليمان، عن أبيه: سليمان بن سَمُرةَ، عن سمرةَ بن

جندب: أما بعدُ، أمَرنَا رسولُ الله- عليه السلام إذا كُنا (2) في وسَط

الصلاةَ/ أو حين انقضائها " فابدءوا قبل التسليم فقولُوا: التحيات الطيباتُ [2/51- أ] والصلوَاتُ والمُلكُ لله، ثم سلموا عن النبي (3) ، ثم سلموا على قارئكُم

وعلى أنفسِكُم، (4) .

ش- يحيي بن حسان: بن حيان التِّنيسي، وسليمان بن موسى أبو داود:

(1)(2917/3) .

(2)

في سنن أبي داود: " كان،.

(3)

في سنن أبي داود: " على اليمين"

(4)

تفرد به أبو داود.

17.

شرح سنن أبي داود 4

ص: 257