المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ 161- باب: رد السلام في الصلاة - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌130- باب: من رأى القراءة إذا لم يجهر

- ‌131- باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

- ‌132- باب: تمام التكبير

- ‌133- باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌134- باب: النهوض في الفرد

- ‌135- باب: الإقعاء بين السجدتين

- ‌136- باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌137- باب: الدعاء بين السجدتين

- ‌138- باب: رفع النساء إذا كُن مع الرجال رءوسهن من السجدة

- ‌139- باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌142- باب: تفريع أبواب الركوع والسجود

- ‌143- باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌144- باب: في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌145- باب: الدعاء في الصلاة

- ‌146- باب: مقدار الركوع والسجود

- ‌147-باب: الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع

- ‌148- بَاب: أعْضَاء السجُود

- ‌149- بَاب: السجُود على الأنف والجبهَةِ

- ‌150- بَاب: صِفَة السُّجُودِ

- ‌151- بَابُ: الرخصَة في ذلك

- ‌152- بَابُ: التَخصُّر والإِقعاء

- ‌153- بَابُ: البُكاء في الصَّلاةِ

- ‌155- بَابُ: الفتح على الإمَام فِي الصَّلاة

- ‌156-بَابُ: النهي عَن التَّلقين

- ‌157- بَابُ: الالتِفات فِي الصَّلاةِ

- ‌158-بَابُ: النَّظَر في الصلاة

- ‌159- بَابُ: الرخصَةِ في ذلك

- ‌160- بَابُ: العَمَل فِي الصَّلاة

- ‌ 161- بَابُ: رَد السَّلام فِي الصلاة

- ‌162- بَاب: تشميت العاطس في الصلاة

- ‌163- بَابُ: التَأمين وَرَاء الإمام

- ‌164- بَابُ: التصْفيق في الصلاة

- ‌165- بَابُ: الإِشارَةِ في الصلاة

- ‌ 166- بَابُ: مَسْح الحَصَى في الصلاة

- ‌ 167-بَابُ: الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ

- ‌168- بَابُ: الرّجُل يَعتمدُ في الصَّلاةِ على عَصى

- ‌169- بَابُ: النَّهْى عن الكلام في الصَّلاةِ

- ‌170- بَابٌ: في صَلاةِ القَاعِدِ

- ‌171- بَاب: كيفَ الجُلوُس في التَشَهُّد

- ‌172- بَاب: مَنْ ذكرَ التَّورك في الرابعة

- ‌173- بَابُ: التَّشهُّدِ

- ‌174- بَابُ: الصَّلاة عَلى النَبِي- عليه السلام بَعْد التَّشَهُّدِ

- ‌175- بَابُ: إِخْفاء التَّشهُّدِ

- ‌176- بَابُ: الإشارة في التَّشهُّدِ

- ‌177- بَابُ: كراَهِية الاعْتمادِ على اليَدِ في الصَّلاةِ

- ‌178- باب: في تخفيف القُعُود

- ‌179- بَاب: في السَّلام

- ‌180- بَابُ: الرد على الإِمام

- ‌181- بَابٌ: إذا أحْدَث في صَلاِته يستقبل

- ‌182- بَاب: في الرجل الذي يتطوَعُ فِيمَكانِهِ الذِي صَلى فيه المكتوبة

- ‌183- بَابُ: السهْوِ في السَجْدَتَيْن

- ‌184- بَاب: إذا صَلى خمساً

- ‌185- بَاب: إذا شَكّ في الثنتين والثلاث مَنْ قال: يُلقى الشَكَّ

- ‌186- بَاب: مَنْ قال: يُتمّ عَلَى أكبَر ظنّه

- ‌187- بَاب: مَن قال بَعْد السلام

- ‌188- بَاب: مَنْ قامَ مِن ثنتين ولم يَتَشهد

- ‌189- بَاب: مَنْ نَسِي أنْ يَتَشَهّدَ وَهْوَ جَالِس

- ‌190- بَابُ: سَجْدتي السهو فيهما تَشهد وَتَسْليم

- ‌191- بَابُ: انصرَافِ النِسَاءِ قَبلَ الرجالِ منذ الصلاة

- ‌192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة

- ‌193- بَابُ صَلاة الرجل التطوّعَ في بيتِهِ

- ‌194- بَاب: مَنْ صَلى لغيْر القِبْلةِ ثم عَلِمَ

- ‌195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ

- ‌196- بَابُ: الإجَابة أية سَاعَةٍ هي في يوْم الجمعة

- ‌197- بابُ: فَضْلِ الجُمْعة

- ‌198- بَابُ: التشْدِيدِ في تَرْك الجُمعةِ

- ‌199- بَابُ: كفّارة مَنْ تركهَا

- ‌200- بَابُ: مَنْ تجبُ عليه الجمعة

- ‌201- بَابُ: الجُمعة في اليَوْم المَطيرِ

- ‌202- بَابُ: التخلفِ عن الجماعةِ في الليْلةِ البَارِدةِ

- ‌203- بَابُ: الجُمعة للمَمْلُوك وَالمرأةِ

- ‌204- بَابُ: الجُمعَةِ في القُرَى

- ‌205- بَابٌ: إذا وَافق يومُ الجُمعةِ يَوْمَ العِيدِ

- ‌206- بَابُ ما يَقْرأ فِي صَلاةِ الصُّبْح يَوْمَ الجُمْعَةِ

- ‌207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة

- ‌208- بَابُ: التَحلُّقِ يَوْمَ الجُمعَة قبل الصلاة

- ‌209- باب: اتخاذ المنبر

- ‌210- باب: موضع المنبر

- ‌211- باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

- ‌212- باب: وقت الجمعة

- ‌213- بَاب: النداء في يوم الجمعة

- ‌214- باب: الإمام يكلم الرجل في خطبته

- ‌215- باب: الجلوس إذا صعد المنبر

- ‌216- باب: الخطبة قائماً

- ‌217- باب: الرجل يخطب على قوس

- ‌218- باب: رفع اليدين على المنبر

- ‌219- باب: اقتصار الخطب

- ‌220- بَابُ: الدنو من الإمام عند الخطبة

- ‌221- باب: الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث

- ‌222- باب: الاحتباء والإمام يخطب

- ‌223- باب: الكلام والإمام يخطب

- ‌224- بابُ: استئذانِ المُحْدثِ الإمامَ

- ‌225- باب: إذا دخل الرجل والإمام يخطب

- ‌226- باب: تخطي رقاب الناس يوم الجمعة

- ‌228- باب: الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر

- ‌229- باب: من أدرك من الجمعة ركعة

- ‌231- باب: الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار

- ‌232- باب: الصلاة بعد الجمعة

- ‌233- باب: صلاة العيدين

- ‌234- باب: وقت الخروج إلى العيد

- ‌235- باب: خروج النساء في العيد

- ‌236- باب: الخطبة في يوم العيد

- ‌237- باب: ترك الأذان في العيد

- ‌238- باب: التكبير في العيدين

- ‌239- باب: ما يُقرأ في الأضحى والفطر

- ‌240- باب: الجلوس للخطبة

- ‌241- باب: الخروج إلى العيد في طريق

- ‌242- باب: إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد

- ‌243- باب: الصلاة بعد صلاة العيد

- ‌244- باب: يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر

الفصل: ‌ 161- باب: رد السلام في الصلاة

يُصليِ وِالبَابُ عليه مُغلَق فجئتُ فاسْتفتَحتُ. قال أحمدُ: فَمشَى ففتَحَ لي، ثم رَجع إلى مُصَلاهُ، وذكر أَن البابَ كان في القِبلةِ (1) .

ش- بُرْد: ابن سنان الشامي أبو العلاء.

قوله: "قال أحمد" أي: أحمد بن حنبل. والحديث: أخرجه النسائي، وفي حديثه:" يُصلي تَطوُّعا". وقد قال الترمذي: " باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع "، ثم قال: حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف: نا بشْرُ بن المفضل، عن بُرد بن سنان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: جئتُ ورسول الله- عليه السلام يُصلي في البيْت والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى مكانه، ووصفت الباب في القِبْلة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. قوله: "ومشى" محمول على أنه مشى أقل من ثلاث خطوات لقُربه من الباب، وفتحه الباب- أيضا- محمول على أنه فتحه بيده الواحدة، وذلك لأن الفتح باليدين عمل كثير، فتفسد به الصلاة. وعن هذا قال أصحابنا: لو غلق المصلي الباب لا تفسد صلاته، ولو فتحه (2) فسدت؛ لأن الفتح يحتاج غالبا إلى المعالجة باليدين بخلاف الغلق، حتى لو فتحه (2) بيده لا تفسد.

/‌

‌ 161- بَابُ: رَد السَّلام فِي الصلاة

أي: هذا باب في بيان حكم رَد السلام في الصلاة، وفي بعض النسخ:(باب رد السلام) .

899-

ص- نا محمد بن عبد الله بن نُمير: نا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنا نُسلم على النبي- عليه

(1) أخرجه النسائي: كتاب الافتتاح، باب: المشي أمام القِبلة (3/ 11) .

(2)

في الأصل: "فتحها".

ص: 155

السلام- وهو في الصلاة فيَرُدُ علينا، فلما رَجَعْنَا من عند النجاشيِّ سَلَّمنا عليه فلم يرَدَّ علينا وقال:" إن في الصلاةِ لشُغْلاً "(1) .

ش- محمد بن عبد الله بن نُمير: أبُو عبد الرحمن الكوفي الهَمْداني الخارفي، وخارف بَطن من همدان. سمع: أباه، وأبا معاوية، وابن فضيل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين في شعبان أو رمضان.

وابن فضيل: هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي (2) .

قوله: "فلما رجعنا من عند النجاشي" ذكر الواقدي أن خروج الصحابة إلى الحبشة كان في رجب سنة خمس، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، وأنهم انتهوا إلى البَحْر ما بين ماشٍ وراكبٍ، فاستأجروا سفينةً بنصف دينار إلى الحبشة، وهم: عثمان بن عفان، وامرأته: رقية بنت رسول الله، وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته: سهْلة بنت سُهيل، والزبير بن العوام، ومُصْعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمه بن عبد الأسد، وامرأته: أم سلمي بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة العنزي، وامرأته: ليلى بنت أبي حَثْمَة، وأبو سَبْرة بنُ أبي رُهْم، وحاطب بن عَمرو، وسُهَيْل ابن بَيْضاء، وعبد الله بن مَسْعود. وقال آخرون: بل كانوا اثنين وثمانين رجلاً سوى نسائهم وأبنائهم، ثم بعد ذلك خرج جَعْفر بن أبي طالب ومعه: امرأته: أسماء بنْت عُميْس، وولدت له بها عبد الله بن جَعْفر، وتتابع

(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة (1199)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من مباحة له (538)، النسائي: كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5379) .

ص: 156

المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة. وعد ابن إسحاق من خَرج صحبة جَعْفر فبلغ ثلاثة وثمانين رجلَا، ثم إن عبد الله بن مسعود تعجل في الرجوع حتى أدرك بدراً وشهدها، وأما جَعْفر: فإنه قدم مع من كان بقي هُناك على رَسُول الله وهو مخيم بخيْبر سنة سبع من الهجرة. وأما النجاشي: فهو اسم كل مَن ملك الحَبشة، كما أن كل من ملك الشام مع الجزيرة مع بلاد الروم يُسمى "قيصر"، وكل من ملك الفُرْس سمي "كسْرى"، وكل من ملك مصْر كافرا سمي" فرعون"، وقد ذكرناه مرةَ. قوله:"إن في الصلاة لشُغْلا " أي: لشغلا للمُصلي، معناه: وظيفته أن يشتغل بصلاته فيتدبر ما يقوله ولا يعرج على غيرها فلا يرد سلاما ولا غيره. واختلف العلماء في هذه المسألة؟ فقالت جماعة: يَرد السَّلام فيها نُطقا؛ منهم: أبو هريرة، وجابر، والحسن، وسَعيد بن المسيب، وقتادة، وإسحاق. وقيل: يرد في نفسه. وقال عطاء، والنخعي، والثوري: يرد بعد السلام من الصلاة. وقال الشافعي، ومالك: يرد إشارةَ ولا يَرد نطقا. وقال أبو حنيفة وأصحابُه: لا يرد لا نطقا ولا إشارةً بكل حال. أما رده بلسانه؛ فلأنه كلام، وأما بيده؛ فلأنه سلام معنَى حتى لو صًافح بنية التسليم تفسد صلاته. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.

900-

ص- نا مُوسى بن إسماعيل: لا أبان: نا عاصم، عن أي وائل، عن عبد الله قال: كُنَّا نُسلم في الصلاة ونَأمُرُ بحاجَتنَا، فقدمتُ على رَسُولِ الله- عليه السلام وهو يُصلي فسَلمْتُ عليه فلمَ يرد عَلي السلامَ، فأخذني مَا قَدُمَ وحَدُث (1)، فلما قضَى رسولُ الله الصلاةَ قال:"إن اللهَ تَعالى يُحْدِثُ من أمْرِه ما يَشاءُ، وإن الله قد أحْدَثً (2) أن لا تكَلَمُوا في الصلاةِ" فردَّ عَلَيَّ السلَامَ (3) .

(1) في سنن أبي داود: "وما حدث".

(2)

في سنن أبي داود: "قد أحدث من أمره أن لا. . . "

(3)

النسائي: كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .

ص: 157

ش- أبان: ابن يزيد العطار، وعاصم: ابن بهدلة الأسدي الكوفي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة.

قوله: "فأخذني ما قدُم وحَدُث " بضم الدال فيهما. قال ابن الأثير: يعني: همومُه وأفكارُه القديمةُ والحديثةُ، يقال: حدث الشيء بالفتح يحدُث حدوثا، فإذا قرن بقَدُم ضم للازدواج بقَدُم.

قوله: "أن لا تكَلمُوا " أصله: تتكلموا، فحذفت إحدى التائين للتخفيف كما في "نَارا تَلظي" (1) أصله: تتلظى.

ويُستفاد من الحديث مسائل؛ الأولى: عدم جواز رد السلام في الصلاة. الثانية: عدم جواز الكلام فيها أيضا.

الثالثة: ينبغي أن يَرُد السلام بعد الفراغ من الصلاة.

[2/ 30 - ب] ثم استدل/ أصحابنا بهذا الحديث أن من تكلم في صلاته بطلت صلاته سواء كان عامدا أو ساهيا لإطلاق قوله: "وإن الله أحْدث أن لا تكلموا في الصلاة"، وهو حُجة على الشافعي حَيْث قال: لا تفسد في الخطأ والنسيان.

وقال الشيخ محيي الدين (2) : وقالت طائفة منهم الأوزاعي: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة؛ لحديث ذي اليدين، وأما الناسي: فلا تبطل صلاته بالكلام القليل عندنا، وبه قال مالك وأحمد والجمهورُ. وقال أبو حنيفة والكوفيون: تبطلُ دليلنا حديث ذي اليدين. فإن كثر كلام الناسي ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما: تبطل صلاته؛ لأنه نادر. وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل صلاته بقليله.

وأجابَ بعضُ أصحابنا أن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم؛ لأن ذا اليدين قُتِلَ يوم بَدرٍ؛ كذا رُوي عن

(1) سورة الليل: (14) .

(2)

شرح صحيح مسلم (21/5) .

ص: 158

الزهري، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر، ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخِرُ الإسْلام عن بدر؛ لأن الصحابي قد يَرْوي ما لا يَحضره بأن يَسْمعه من النبي- عليه السلام أو صحابي آخر.

وقال البيهقي: "باب ما يستدل به على أنه لا يجور أن يكون حديث ابن مسعود في تحريم الكلام ناسخا لحديث أبي هريرة وغيره في كلام الناسي" وذلك تقدم حديث عبد الله وتأخر حديث أبي هريرة وغيره. قال ابن مسعود فيما روينا عنه في تحريم الكلام: "فلما رجعنا من أرض الحبشة، ورجوعه من أرض الحبشة كان قبل هجرة النبي- عليه السلام، ثم هاجر إلى المدينة وشهد مع النبي- عليه السلام بدرا، فقصة التسليم كانت قبل الهجرة. والجواب عن هذا: أن أبا عُمر ذكر في "التمهيد " أن الصحيح في حديث ابن مسعود أنه لم يكن الا بالمدينة، وبها نُهي عن الكلام في الصلاة، وقد روي حديث ابن مسعود بما يوافق حديث زيد بن أرقم قال: "كنا نتكلمُ في الصلاة: يكلمُ الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: "وَقُومُوا لله قانتين "(1) ، فأُمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام "، وهو حديث صحيح صريح في أن تحريم الكلام كان بالمدينة؛ لأن صحبة زيد لرسول الله إنما كانت بالمدينة، وسورة البقرة مدنية، ثم ذكر حديث ابن مسعود من جهة شعبة، ولم يقل: إنه كان حين انصرافه من الحبشة، ثم ذكره من وجه آخر بمعنى حديث زيد سواء؛ ولفظه: "إن الله أحدث أن لا تكلموا الا بذكر الله، وأن تقوموا لله قانتين، ثم ذكر حديثا ثم قال: ففيه وفي حديث ابن مسعود دليل على أن المنع من الكلام كان بعد إباحته. فإن قيل: حديث ابن مسعود في سنده: عاصم ابن بهدلة. قال البيهقي في كتاب "المعرفة": صاحبا الصحيح توقيا روايته لسُوء حفظه. وقال أبو عمر في "لتمهيد ": مَن ذكر في حديث ابن مسعود: "إن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " فقد وهم، ولم يقل ذلك غير عاصم، وهو عندهم سيء الحفظ كثير الخطأ. قلت:

(1) سورة البقرة: له 23) .

ص: 159

الحديث رواه ابن حبان في " صحيحه"، والنَّسائي في " سننه" (1) . وقال البيهقي: ورواه جماعة من الأئمة عن عاصم بن أبي النجود، وتداوله الفقهاء إلا أن صاحبي الصحيح يتوقيان روايته لسُوء حفظه؟ فأخرجاه منْ طريق آخر ببَعْض مَعْناه. وقال أبو عمر: وقد رُوي حديث ابن مسعود بما يوافق حديث زيد بن أرقم- كما ذكرناه. وهذا القدر كاف في صحة الاستدلال.

ثم إن حديث عاصم ليس فيه: " فلما رجعنا من أرض الحبشة إلى مكة" بل يحتمل أن يُريد: "فلما رجعنا من أرض الحبشة إلى المدينة" ليتفق حديث ابن مسعود وحديث ابن أرقم. وقد ذكر ابن الجوزي أن ابن مسعود " عاد من الحبشة إلى مكة، رجع في الهجرة الثانية إلى النجاشي، ثم قدم على رسول الله بالمدينة وهو يتجهزُ لبدرٍ. وذكر البيهقي فيما بعد في هذا الباب من كلام الحميدي، أن إتيان ابن مسعود من الحبشة كان قبل بدر، وظاهر هذا يؤيد ما قلناه، وكذا قول صاحب" الكمال" وغيره: هاجر ابن مسعود إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة. ولهذا قال الخطابي (2) : إنما نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة/ يسيرة، وهذا يدل على اتفاق حديث ابن مسعود وابن أرقم على أن التحريم كان بالمدينة كما تقدم من كلام صاحب "التمهيد".

وقد أخرج النسائي في "سننه"(3) من حديث ابن مسعود قال: كنت آتي النبي- عليه السلام وهو يُصلي فأسلم عليه فيرد علي، فأتيتُه فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما سلم أشار إلى القوم فقال:"إن الله عز وجل أحدث في الصلاة أن لا تتكلموا ألا بذكر الله، وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين". وظاهر قوله: "وأن تقوموا لله قانتين" يدل على

(1) كتاب السهر، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .

(2)

معالم السنن (1/ 203) .

(3)

كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .

ص: 160

أن ذلك كان بالمدينة بعد نزول قوله تعالى: "وَقُومُوا (1) لله قانتين " مُوافقا لحديث زيد بن أرقم؛ فظهر بهذا كله أن قصة التسليم كَانت بعد الهجرة بخلاف ما ذكره البيْهقي، ثم إنه استدل على ما ذكره بحديث أخرجه عن ابن مسعود قال: بَعثنا رسول الله- عليه السلام إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلاً؛ وفي آخره قال: فجاء ابن مسعود فبادر فشهد بدرا. والجواب: ليس فيه أنه جاء إلى مكة كما زعمه؛ بل ظاهره أنه جاء من الحبشة إلي المدينة؛ لأنه جعل مجيئه وشهوده بدرا قريب هجرته إلى الحبشة بلا تراخ.

ثم خرفي عن مُوسى بن عقبة أنه قال: وممن يذكر أنه قدم على النبي

عليه السلام بمكة من مهاجرة أرض الحبشة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة، فذكرهم وذكر فيهم ابن مَسْعود قال: وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله، وهكذا ذكره سائر أهل المغازي بلا خلافٍ.

والجواب: أما قول ابن عقبة: " قدم على النبي- عليه السلام بمكة

من مهاجرة الحبشة" أراد به الهجرة الأولى؛ فانه- عليه السلام كان بمكة حينئذ، ولم يُرد هجرة ابن مسعود الثانية؛ فإنه- عليه السلام لم يكن بمكة حينئذ. بل بالمدينة فلم يُرد ابن عقبة بقوله: " ثم هاجر إلى المدينة" أنه هاجر إليها من مكة؛ بل من الحبشة في المرة الثانية.

وأما قول البيهقي: " وهكذا ذكره سائر أهل المغازي" إن أراد به شهود

ابن مسعود بدرا فهو مسلم؛ ولكن لا يثبت به ما ادعاه أولا وإن أراد به

ما فهمه من كلام ابن عقبة أن رجوعه في المرة الثانية كان إلى مكة، وأنه هاجر منها إلى المدينة، ليستدل بذلك على أن تحريم الكلام كان بمكة، يُقال له: كلام ابن عقبة يدل على خلاف ذلك- كما قررناه- ولئن أراد ابن عقبة ذلك فليس هو مما اتفق عليه أهل المغازي كما تقدّم عن ابن الجوزي وغيره.

(1) في الأصل: "فقوموا ".

11* شرح سنن أبي داود 4

ص: 161

فإن قيل: فقد ذكر في كتاب "المعرفة " عن الشافعي أن في حديث ابن

مسعود، أنه مر على النبي- عليه السلام بمكة، قال: فوجدته يُصلي

في فناء الكعبة، الحديث. قلنا: لم يذكر ذلك أحد من أهل الحديث غير الشافعي، ولم يذكر سنده ليُنظر فيه، ولم يجد له البيهقي سندا مع كثرة

تتبعه وانتصاره لمذهب الشافعي.

وذكر الطحاوي في "أحكام القرآن " أن مهاجرة الحبشة لم يرجعوا إلا

إلى المدينة، وأنكر رجوعهم إلى دار قد هاجروا منها؛ لأنهم منعوا من

ذلك، واستدل على ذلك بقوله- عليه السلام في حديث سَعْد: " ولا

تردهم على أعقابهم ".

ثم ذكر البيهقي عن الحميدي أنه حَمَل حديث ابن مسعود على العَمْد

وإن كان ظاهره يَتناولُ العمد والنسيان، واستدل على ذلك فقال: كان

إتيان ابن مسعود من أرض الحبشة قبل بدر ثم شهد بدرا بعد هذا القول،

فلما وجدنا إسلام أبي هريرة والنبي- عليه السلام بخيبر قبل وفاته

بثلاث سنين، وقد حضر صلاة رسول الله، وقولَ ذي اليدين، ووجدنا

عمران بن حصين شهد صلاة رسول الله مَرةً أخرى، وقولَ الخرباق،

وكان إسلام عمران بعد بدرٍ، ووجدنا معاوية بن حُدَيج حضَر صلاةَ

رسول الله، وقولَ طلحة بن عبيد الله، وكان إسلامِ معاوية قبل وفاة

النبي- عليه السلام بشهرين، ووجدنا ابن عباس يُصوبُ ابن الزبير في

ذلك، ويذكر أنها سُنَة رسول الله، وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين [2/31 - ب] قبض النبي- عليه السلام،/ ووجدنا ابن عمر روى ذلك، وكان أجازه (1) النبي- عليه السلام ابنَ عمر يوم الخندق بعد بدر، علمنا أن

حديث ابن مسعود خُص به العمدُ دون النسيان، ولو كان ذاك الحديث في

النسيان والعمد يومئذ لكانت صلاة رسول الله هذه ناسخةً له لا بعده.

والجواب: أنه ليس للحميدي دليل على أن ابن مسعود شهد بدرا بعد

(1) كذا.

ص: 162

هذا القول، وعلى تقدير صحة ذلك نَقول: هذا القول كان بالمدينة قبل بدر، وقضية ذي اليدين- أيضا- كانت قبل بدر؛ لكن قضية ذي اليدين كانت متقدمة على حديث ابن مسعود وابن أرقم، فنسخت بهما؛ يدل على ذلك: ما رواه البيهقي في آخر " باب من قال: يسجدهما قبل السلام في الزيادة والنقصان " بسند جيد من حديث معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة وأبي بكر بن سليمان، عن أبي هريرة، فذكر صلاة النبي عليه السلام وسَهوَه، ثم قال الزهري: وكان ذلك قبل بدر ثم استحكمت الأمور بعدُ، فهذا يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة لتأخر إسلامه عن هذا الوقت، وأيضا- فإن ذا اليدين قُتِل ببدرٍ. وروى الطحاوي عن ابن عمر قال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين.

وذكر ذلك ابن عبد البر، وابن بطال، وذكر عن ابن وهب أنه قال:

إنما كان حديث ذي اليدين في بَدء الإسلام، ولا أرى لأحد أن يَفْعله اليوم، وقولُ أبي هريرة: صلى بنا رسول الله- يعني: بالمسلمين- وهذا جائز في اللغة. روى عن النزال بن سَبرة قال: قال لنا رسول الله: " أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف" الحديث. والنزالُ لم يرَ رسول الله، وإنما أراد بذلك: قال لقومنا. وروى طاوس قال: قدم علينا معاذ بن جبل فلم يأخذ من الخضروات شيئا، وإنما أراد: قدم بلدنا؛ لأن معاذا إنما قدم في عهد رسول الله قبل أن يُولد طاوس، ذكر ذلك الطحاوي، ومثله هذا ذكره البيهقي في " باب البيان أن هذا النهي مخصوص ببعض الأمكنة " (1) عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذر إلى آخره، ثم قال البيهقي: مجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر؛ وقوله: " جاءنا " يعني: جاء بلدنا.

قال الطحاوي: ومما يدل على أن نسخ الكلام في الصلاة كان بالمدينة:

(1) السنن الكبرى: كتاب الصلاة (2/ 461) .

ص: 163

أن أبا سعيد الخدري روي عنه أنه قال: كنا نرد السلامَ في الصلاة حتى نُهينا عن ذلك، فأخبر أنه أدرك إباحة الكلام في الصلاة؛ وهو في السن دون ابن أرقم بدهر طويل.

فإن قيل: قد ورد في بعض روايات مسلم في قصة ذي اليدين أن

أبا هريرة قال: "بينما أنا أصلي مع النبي- عليه السلام "، وهذا تصريح منه أنه حضر تلك الصلاة، فانتفى بذلك تأويل الطحاوي. قلنا: يحتملُ أن بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة: (صلى بنا) أنه كان حاضرا، فروى الحديث بالمعنى على زعمه قال:"بينما أنا أصلي" هذا لان كان فيه بعد إلا أنه يُقر به ما ذكرنا من الدليل على أن ذلك كان قبل بدر، ويدل عليه- أيضا- أن في حديث أبي هريرة:"ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها" وفي حديث عمران بن حصين: "ثم دخل منزله"، ولا يجوز لأحد اليوم أن ينصرف عن القِبلة ويمشي، وقد بَقي عليه شيء من صلاته، فلا يخرجه ذلك عنها.

فإن قيل: فعل ذلك وهو لا يرى أنه في الصلاة. قلنا: فيلزمُ على هذا: أنه لو كل أو شرب أو باع أو اشترى وهو لا يرى أنه في الصلاة، أنه لا يخرجه ذلك منها، وأيضا فقد أخبر النبي- عليه السلام ذو اليدين، وخبر الواحد يجب العمل به، ومع ذلك تكلم- عليه السلام وتكلم الناسُ معه مع إمكان الإيماء، فدل على أن ذلك كان والكلام في الصلاة مُباح ثم نسخ كما تقدم.

فإن قيل: قد جاء في رواية حماد بن زيد: "أنهم أومأوا". قلنا: قد اختلف على حماد في هذه اللفظة؛ قال البيهقي في كتاب (المعرفة) : هذه اللفظة ليست في رواية مسلم، عن أبي الربيع، عن حماد؛ وإنما هي في رواية أبي داود، عن محمد بن عُبيد. وروى/ الطحاوي أن عمر رضي الله عنه كان مع النبي- عليه السلام يوم ذي اليدين، ثم حدثت به تلك الحادثة بعد النبي- عليه السلام، فعمل فيها بخلاف ما عمل- عليه السلام يومئذ، ولم ينكر عليه أحد ممن حضر فعله من

ص: 164

الصحابة، وذلك لا يصح أن يكون منه ومنهم إلا بعد وقوفهم على نسخ

ما كان منه- عليه السلام يوم ذي اليدين، ويدل على ذلك- أيضا- أن الأمة أجمعت على أن السنة من الإمام إذا نابه شيء في صلاته أن يسبح به، ولم يُسبح ذو اليدين برسول الله، ولا أنكره- عليه السلام عليه، فدل على أن ما أمر به- عليه السلام من التسبيح للنائبة في الصلاة متأخر عما كان في حديث ذي اليدين.

فإن قيل: قد سجد النبي- عليه السلام سجدتي السهو في حديث

ذي اليدين، ولو كان الكلام حينئذ مباحا كما قلتم لما سجدهما. قلنا:

لم تتفق الرواةُ على أنه- عليه السلام سجدهما؛ بل اختلفوا في ذلك. قال البيهقي: لم يحفظهما الزهري لا عن أبي سلمة، ولا عن جماعة حدثوه بهذه القصة عن أبي هريرة. وخرج الطحاوي، عن الزهري قال: سألت أهل العلم بالمدينة فما أخبرني أحد منهم أنه صلاها- يعني: سجدتي السهو- يوم ذي اليدين؛ فإن ثبت أنه لم يسجدهما فلا إشكال، وإن ثبت أنه سجدهما نقول: الكلام في الصلاة- "أن كان مباحا حينئذ- لكن الخروج منها بالتسليم قبل تمامها لم يكن مباحا، فلما فعل- عليه السلام ذلك ساهيا كان عليه السجود لذلك.

وقال الشيخ علاء الدين المارديني في "الجوهر النقي في الرد على البيهقي": ثم إني نظرتُ فيما بأيدينا من كتب الحديث، فلم أجد في شيء منها أن عمران بن الحصين حضر تلك الصلاة، ولم يذكر البيهقي ذلك مع كثرة سَوْقه للطُرق؛ بل في كتاب النسائي، عن عمران أنه- عليه السلام صلي بهم وسهى، فسجد ثم سلم، وكذا في "صحيح مسلم " وغيره بمعناه؛ والأظهر: أن ذلك مختصر من حديث ذي اليدين؛ فظاهر قوله: مصلى بهم " أنه لم يحضر تلك الصلاة، وإذا حُمل حديث أبي هريرة على الإرْسال بما ذكرنا من الأدلة، فَحمْلُ حديث عمران على ذلك أوْلى، وحديث مُعاوية بن حُدَيْج رواه عنه سُويدُ بن قَيْس المِصْري التُجِيبي. قال الذهبي في كتابه " الميزان" و "الضعفاء": مجهول

ص: 165

تفرد عنه: يزيد بن أبي حبيب. وفي حديث معاوية هذا مخالفة لحديث

ذي اليدين من وجوه تظهر لمن ينظر فيه، وفيه: أنه- عليه السلام أمر

بلالا فأقام الصلاة، ثم أتم تلك الركعة، وأجمعوا على العمل بخلاف

ذلك، وقالوا: إن فعلَ الإقامة ونحوها يقطع الصلاة، وتَصويبُ ابن

عباس لابن الزبير في ذَلك ذكره البيهقي من طريقي، في أحدهما: حماد

ابن سلمي، عن عسل بن سفيان، وقال في " باب منْ مر بحائط إنسان":

ليس بالقوي، وعسْل: ضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وغيرهم.

وفي الطريق الثانيَ: الحارث بن عُبيد أبو قدامة. قال النسائي: ليس

بالقوي. وقال أحمد: مضطرب الحديث، وعنه قال: لا أعرفه. وقال

البيهقي في "باب سجود القرآن إحدى عشرة": ضعفه ابن معين.

وأما قوله: "وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين قبض النبي- عليه

السلام-" فكأنه أراد بذلك استبعاد قول من يقول: إن قضية ذي اليدين

كانت قبل بدر؛ لأن ظاهر قول ابن عباس: ما أماط عن سُنَة نبيه- عليه السلام يدلُ على أنه شهد تلك القضية، وقبل بدر لم يكن ابن عباس

من أهل التمييز، وتحمل الرواية لصغره جدا، ونحنُ بعد تسليم دلالته

على أنه شهد القضية نمنع كون سنه كذلك؛ بل قد رُوِي عنه أنه قال:

توفي- عليه السلام وأنا ابن خمس عشرة. وصوب أحمد بن حنبل

هذا القول، ويدل عليه ما روي في " الصحيح "(1) عن ابن عباس أنه

قال في حجة العدل: وكنتُ يومئذ قد ناهزتُ الحُلم. ولا يلزمُ من رواية

[2/32 - ب] ابن عمر ذلك، وإجازته- عليه السلام بعد بدر أن لا تكون/ القضية قبل بدر؛ لأنه كان عند ذلك من أهل التحمل.

وقوله: " علمنا أن حديث ابن مسعود خص به العمد دون النسيان ".

قلنا: لم يكن الكلام الذي صدر من ذي اليدين سهواً وكذا من النبي

عليه السلام وأصحابه؛ لأن ذا اليدين لما قال: " بلى قد كان بعض

(1) البخاري: كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير؟ (76) .

ص: 166

ذلك" علم- عليه السلام أن النسيان قد وقع، فابتدأ عامدا فسأل الناس فأجابوه- أيضا- عامدين؛ لأنهم علموا أنها لم تقصر، وأن النسيان قد وقع. ثم خرج البيهقي، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي قال: كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر، ثم قال: فلم يأمره النبي- عليه السلام بإعادة الصلاة، فمن تكلم في صلاته ساهيا أو جاهلَا مضت صلاته. والجواب: أن الوليد بن مسلم مُدلس ولم يصرح هاهنا بالسماع من الأوزاعي، وكان معاوية جاهلَا بتحريم الكلام. ثم قال البيهقي: الذي قُتل ببدرِ هو ذو الشمالين ابن عبد عمر [و] ، بن نضلة حليف لبني زهرة من خزاعة، وأما ذو اليدين الذي أخبر النبي- عليه السلام بسَهوه فإنه بقي بعد النبي- عليه السلام؛ كذا ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ، ثم خرج عنه بسنده إلى معدي بن سليمان قال: حدثني شعيب بن مطير، عن أبيه- ومطير حاضر وصدقه- قال شعيب: "يَا أبتاه، أخبرتَني أن ذا اليدين لَقيك بذي حُسْب فأخبرك أن رسول الله" الحديث. ثم قال البيهقي: وقالَ بعض الرواة فًي حديث أبي هريرة: "فقال ذو الشمالين: يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ ". وكان شيخنا أبو عبد الله يقولُ: كل من قال ذلك فقد أخطأ؟ فإن ذا الشمالين تقدم موتُه ولم يُعقِب، وليس له راوِ.

والجواب في "المُوطأ": مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن (1) أبي حثمة: بلغني أن رسول الله- عليه السلام ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار: الظهر أو العَصْر، فسلم من اثنتَيْن، فقال له ذو الشمالين- رجل من بني زهرة بن كلاب-: أقصرت الصلاة؟ الحديث؛ وفي آخره: مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمه بن عبد الرحمن مثل ذلك، فقد صرح في هذه الرواية أنه ذو الشمالين وأنه من بني زهرة.

(1) في الأصل: "عن" خطأ.

ص: 167

فإن قيل: إنه مُرسل. قلنا: ذكر أبو عمر في "التمهيد" أنه متصل من وجوه صحاح، وقد قال النسائي في " سننه" (1) : نا محمد بن رافع: ثنا عبد الرزاق: نا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبي هريرة قال: صلى النبي- عليه السلام الظهر أو العصرَ فسلّم من ركعتين فانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عَمْرو: أنقصَ الصلاة أم نسيت؟ الحديث. وهذا سند صحيح متصل، صرح فيه بأنه ذو الشمالين. وقال النسائي (2) - أيضا-: نا هارون بن موسى الفروي: حدثني أبو ضمرة، عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: نسي رسول الله فسلّم في سجدتين فقال له ذو الشمالين: أقصرت الصلاة؟ الحديث. وهذا- أيضا- سند صحيح صرح فيه- أيضا- أنه ذو الشمالين.

فإن قيل: فقد ذكر أبو عمر في "التمهيد" و" الاستيعاب " أن هذا وهم من الزهري عند كثر العلماء. قلنا: قد تابع الزهري على ذلك عمران بن أبي أنس. قال النسائي (3) : نا عيسى بن حماد: نا الليث، عن يزيد بن (4) أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله- عليه السلام صلى يومأ فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال: يا رسول الله، أنقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث. وهذا سند صحيح على شرط مسلم يثبت أن الزهري لم ينفرد بذلك، وأن المخاطب للنبي- عليه السلام ذو الشمالين، ويؤيد ذلك ما في كتاب النساَئي من قوله: ذو الشمالين بن عَمرو، وكأنه ابن عبد عمرو، فأسْقط الكاتب لفظة " عبد"، ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في "الصحيحين" عدم صحته على ما عرف، وثبت- أيضا أن ذا اليدين وذا الشمالي واحد، وقد ورد اللقبان جميعاً

(1) كتاب السهو، باب: ما يفعل من سلم ركعتين ناسيا وتكلم (3/ 24) .

(2)

(3/ 24) .

(3)

(صم 23) .

(4)

في الأصل: "عن " خطأ.

ص: 168

/ في كتاب النسائي من الوجهين المتقدمين. وقال السَمْعاني في "الأنْساب": ذو اليدين، ويقال له: ذو الشمالين؛ لأنه كان يعمل بيديه جميعاً. وفي "الفاصل " للرامهُرمزي: ذو اليدين وذو الشمالين، قد قيل: إنهما واحد. وقال ابن حبان في "الثقات": ذو اليدين، ويقال له- أيضا-: ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وقال- أيضا-: ذو الشمالين عمرو بن عبد عمرو بن نضلة بن عامر بن الحارث بن غبشان الخزاعي حليف بني زهرة. وهذا أوْلى من جعله رجلين لأنه خلاف الأصل. والحديث الذي استدلّ به البَيْهقي وغيره على بقاء ذي اليدين بعد النبي- عليه السلام سندُه ضعيف؛ لأن مَعدي بن سليمان متكلم فيه. قال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال النسائي: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يُحدّث عن ابن عجلان بمناكير. وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات، والمُلزقات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وشعيب ما عرفنا حاله ووالده: مَطير قال فيه ابن الجارود: سمع ذا اليدين، روى عنه: ابنه: شعيب، لم نكتب حديثه. وفي لا الضعفاء، للذهبي: لم يصح حديثه، وفي "الكاشف ": مطير بن سليم عن ذي الزوائد، وعنه: ابناه: شعيب وسليم، لم يصح حديثه. ولضَعْف هذا السند قال البيهقي في كتاب "المعرفة ": ذو اليدين بقي بعد النبي- عليه السلام فيما يُقال، ولقد أحسن وأنصف في هذه العبارة، وقول الحاكم عن ذي الشمالين:" لم يُعقِب " يفهم من ظاهره: أن ذا اليدين أعقب، ولا أصل لذلك. ثم ذكر البيهقي حديث أبي سعيد بن المعلى وقوله- عليه السلام: ما ما منعك أن تُجيبني حين دعوتك؟ أما سمعت الله يَقولُ: استجيبوا لله وللرسول؟ " الحديث، ثم قال: وفي هذا دلالة على أن جواب أصحاب النبي- عليه السلام حين سألهم عما يقول ذو اليدين لم تبطل صلاتهم مع ما روينا عن حماد بن زيد في تلك القصة أنهم أومأوا.

والجواب: "قوله: مع ما روينا عن حماد " إلى آخره لا يلائم كلامَه

ص: 169

المُتقدم؛ لأنه استدل أولا على أن كلامهم لم يُبطل الصلاة، وفي رواية حماد بن زيد أنهم لم يتكلموا؛ بل أومأوا، على أن حمادا اختلف عليه في هذه اللفظة، والله أعلم.

فإذا تأملت جميع ما ذكرنا في هذا الموضع حصل لك جواب عما قاله الخطابيّ في " معالم السنن"، وما قاله البيهقي في "سننه"، وكتابه "المعرفة"، وما قاله الشيخ محيي الدين في "شرح مُسلم "، وما قاله غيرهم، ويَظهر لك ضعف كلامهم، ويَحصل لك الريُّ؛ وليْس الري من التشاف.

901-

ص- ثنا يَزيدُ بن خالد بن مَوْهب، وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهمِ عن بُكَير، عن نَابل صاحب العبَاء، عن ابن عُمر، عن صُهَيب أنه قال: مرَرْتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي فَسلمتُ عليه فرَد إِشارةً، قال: ً ولا أعلَمُه إلا قال: إشارَةً بإِصْبعه (1) .

ش- نابل: بالنون في أَوَله، وبالباء الموحدة المكسورة صاحب العَبَاء، ويقال: صاحب الشمال، وهي [جمع] شملة. سمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة. روى عنه: بكير بن عبد الله بن الأشج، وصالح بن عُبَيد. قال البرقاني: قلت للدارقطني: نابل صاحب العباء ثقة؟ فأشار بيده أن لا. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .

وصهيب: ابن سنان بن مالك القيمي، أبو يحيي، كان أبوه عاملا لكسرى على الأبلة، وكانت ديارهم بأرض الموصل، ويقال: كانوا في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صُهيبا وهو غلام صغير، فنشأ صهيب بالروم فصار ألْكَن، فابتاعه كلب منهم فقدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جُدْعان التيمي

(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإشارة في الصلاة (367)، النسائي: كتاب السهو، باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة (3/ 5) .

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6349) .

ص: 170

منهم فأعتقه، وقيل غير ذلك، شهد صهيب بدرا مع رسول الله وهاجر

إلى المدينة في شهر ربيع الأول في النصف منه، وأدرك رسول الله بقباء

قبل أن يدخل المدينة. روى عنه: عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله،

وبنوه: عثمان، وصيفي، وسَعْد/، وعباد، وحبيب، ومحمد، [2/ 33 - ب] وصهيب، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكعب الأحبار. مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ودفن بالبقيع. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .

قوله: " فرد إشارةً " أي: فرد السلام علي من حيث الإشارة بإصبعه.

وبهذا استدل الشافعي ومالك أن المصلي إذا سُلم عليه يَرد إشارة.

وقال الخطابي (2) : والإشارة حَسنة، ثم روى هذا الحديث؛ فكأنه

استدل به على ما قال. وقال أصحابنا: لا يرد لا نطقا ولا إشارة- كما

ذكرناه-؛ لأن قول عبد الله: "فلم يَرُدَّ علي السلام يَتناولُ جميع أنواع

الرد، على أن الحديث فيه مقال؛ حيث رواه النسائي، ثم قال: نابل

ليس بالمشهور. وأخرجه الترمذي وقال: حديث صهيب حديث حسن،

لا نعرفه إلا من حديث الليث، عن بكير.

وفي "المصنف ": حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن

يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بشر بن سعيد قال: سلم على النبي

عليه السلام رجل وهو يُصلي فأشَار إليه بيده كأنه يَنْهاهُ.

ص- وهذا لفظُ حديثِ قُتيبةَ.

ش- أي: الحديث المذكور لفظ حديث قتيبة بن سعيد، أحد شيوخ

أبي داود.

902-

ص- نا عبد الله بن محمد النُفيلي: لا زهير: لا أبو الزبير، عن

(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 174) ، وأسد الغابة (3/ 36) ، والإصابة (2/ 95 1) .

(2)

معالم السنن (1/ 189) .

ص: 171

جابر قال: أرْسَلَني نبي الله- عليه السلام إلى بَني المُصْطَلَق فأتيتُه وهو يُصلِّي على بَعيرهَ فكلَمْته فقَالَ لي بيده هكذا، ثم كلَمتُه فقال ليَ بيده هكذا وأنا أسمَعُه يَقرأَ ويُومئُ برأسه قال: فلما فَرغ قال: " ما فَعلتَ في الذي أرسلتُك؛ فإنه لم يَمْنعَنِي أن أكلِّمَكَ إلا أني كنتُ أصَلِّي"(1) .

ش- زُهَيْر: ابن معاوية، وأبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس المكي.

قوله: "إلى بني المُصطلق " هو مُفتعل من الصَّلْق، وهو رفع الصَوْت؛ وبنو المصطلق هم بنو جذيمة بن سَعْد بن عمرو بن ربيعة بن جابر بن عَمرو ابن عامر، بطن من خزاعة.

قوله:" أن أكلمك " في محل النَّصْب، و"أنْ" مَصْدرية؛ والمعنى:

لم يَمْنعني كلامَك، وفاعل " لم يَمْنعْني " قوله:" أني كنت أصلي "، والتقدير: إلا كَوْني في الصَلاة. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

903-

ص- نا حُسَيْن بن عيسى الخُراسَاني الدامغاني: نا جَعْفر بن عون: نا هشام بن سَعْد: نا نافع قال: سمعت عبد الله بن عُمرَ يَقولُ: خرجَ رسولُ الله- عليه السلام إلى قُبَاءَ يُصلِّي فيه، قال: فجاءته الأنْصار فَسلَّمُوا عَليْه وهو يُصلي، قال: فقلتُ لبلال: كيف رَأيتَ رسولَ الله يَرد عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو يصلي؟ قَال: يقولُ هكذا وبَسَطَ كَفَّه، وبَسَطَ جَعْفرُ بنُ عونٍ كَفَّه، وجَعلَا بَطنَه أسفلَ وظهرَه إلى فوقَ (2) .

(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة (539)، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء

في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به (351)، النسائي: كتاب السهو، باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة (3/ 6)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المصلي يسلم عليه كيف يرد (1017) .

(2)

الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإشارة في الصلاة (368) .

ص: 172

ش- حسين بن عيسى المذكور، أحد شيوخ أبي داود. روى عن: جَعفر بن عَوْن بن جعفر بن عَمرو بن حريث المخزومي أبو عون، وجَعْفر ابن عون: ثقة، قاله ابن معين. وقال أبو حاتم: صدوق. مات بالكوفة سنة ست ومائتين. روى له الجماعة.

ونافع: مولى ابن عمر- رضي الله عنهما.

قوله: "إلى قُبَاء" قد مر تفسير قُباء غير مرة.

904-

ص- نا أحمد بن حنبل: نا عبد الرحمن بن مَهْدي، عن سفيان، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هُريرةَ، عن النبي- عليه السلام قال:"لا غِرَارَ في صلاة ولا تسليمَ "(1) .

ش- سفيان: الثوري، وً أبو مالك: سَعْد بن طارق، الكوفي

الأشجعي.

وأبُو حازم: اسمُه: سَلْمان الأشجعي الكوفي، مولى عزةَ الأشجعية. روى عن: الحسن بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبي هريرة وكثر عنه، وقال: قاعدتُ أبا هريرة خمس سنين. روى عنه: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعدي بن ثابت، وغيرهم. قال أحمد ويحيى: ثقة. توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. روى له الجماعة (2)

وقال الطبراني: أبو حازم أربعة، كل منهم يروي عن أبي هريرة، أحدهم: هذا، والثاني: أبو حازم التمار، اسمه: دينار مولى بني رهم، والثالث: أبو حازم: سلمه بن دينار الزاهد، والرابع: أبو حازم نَبتل الكوفي.

قوله: "لا غِرارَ" الغِرار- بكسر الغين المعجمة-: النقصان، وغرار

(1) تفرد به أبو داود.

(2)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ 2440) .

ص: 173

النوم. قلته: ويُريد بغرار الصلاة: نقصان هيئاتها وأركانها، وغِرارُ التسليم: أن يقول المُجيبُ: وعليك، ولا يقول: السلامُ، وقيل: أراد بالغرار النوم أي: ليس في الصلاة نوم.

قوله: "ولا تسليمَ " يُروى بفتح الميم، ويروى بالجر، فمَنْ فتحها كان معطوفا على (1) / الغرار، ويكون المعنى: لا نَقْص ولا تسليمَ في الصلاة؛ لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز، ومَنْ جَرها يكون معطوفا على الصلاة ويكون المعنى: لا نقص في صلاة ولا في تسليم. واعلم أن " لا" هاهنا لنفي الجنْس، واسمها مبني على الفتح، نحو:

لا رجلَ في الدار؛ وإنما عملت في الاسم لاختصاصها بالاسم، إذ هو الذي له أفراد يقصد نفي جميعها بها، وإنما بني اسمها لتضمنه معنى الحرف؛ لأن معنى" لا رجل": لا من رجل، وعلى الفتح لأنه أخف الحركات، فيكون المعنى في الحديث نفي جنس الغرار، ونفي جنس التسليم على عطفه على اسم "لا" كما قررناه، وإذا نُفي جنس التسليم يُنْفى- أيضا- جنس الجواب، وهو يَشملُ أنواعه من اللسان والإشارة ونحو هما، فافهم.

ص- قال أحمدُ: يعني فيما أرَى: أن لا تُسلم ويُسَلم عليكَ ويُغررُ الرجلُ بصلاِتهِ فينصرفُ وهو شاك (2) .

ش- أي: قال أحمد بن حنبل: فيما أرَى أي: فيما أظن أن لا تسلم أنْت في الصلاة، ولا يُسلم غيرُك عليك؛ وهذا تفسيرُ "ولا تسليمَ". وقوله:"ويُغررُ الرجل " إلى آخره تفسير قوله: " لا غرارَ" وهو أن يغرر الرجل بصلاته فيسلم ويخرج منها وهو شاك، هل صلى ثلاثا أو أربعا؟ فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين، ويَنْصرف وهو شاك. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " جامع المسانيد"، فقال: نا أحمد قال: نا عبد الرحمن قال: ثني سفيان، عن أبي مالك الأشجعي، عن

(1) مكررة في الأصل.

(2)

في سنن أبي داود: "وهو فيها شاك".

ص: 174

أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام: " لا إغرار في صلاة ولا تسليمَ ". قال أحمد: سألت أبا عمرو الشيباني عنه فقال: إنما هو " لا غِرارَ" قال أحمد: ومعناه: لا يخرج من الصلاة وهو يظن أنه قد بقي عليه منها شيء حتى يكون على اليقين والكمال.

905-

ص- نا محمد بن العلاء: نا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن

أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: أرَاهُ رفَعه قال: " لا غِرارَ في تسليمِ ولا صلاة"(1) .

ش- " أراهَ "- بضم الهمزة- أي: أظنه رَفعَ الحديثَ وقال: " لا غرارَ في تسليم ولا صلاة"، وهذه الرواية تؤيدُ قول من جر:" ولا تسليم" في الرواية الأولىً عطفا على قوله: " في صلاة". وأخرج البيهقي الطريقين ثم قال: هذا اللفظ- أعني: الطريق الثاني- وهي طريق معاوية بن هشام يقتضي نفي الغرار عن الصلاة والتسليم جميعاً والأخبار التي مضت تُبيح التسليمِ على المصلي والرد بالإشارة، وهي أوْلى بالاتباع. وأراد بالأخبار التي مَضتْ: خبر صهَيب ونحوه.

قلنا: لا يلزم من نفي الغرار عن الصلاة والتسليم تحريم التسليم حتى يكون ذلك مُعارضا للأخبار المُبيحة للتسليم والرد بالإشارة حتى يحتاج إلى الترجيح، نعم الرواية الأولى تقتضي منع التسليم مطلقا، وهي التي تقتضي المُعارضة للأخبار المُبيحة، وكان يتعين عليه أن يُذكر هذا، ثم نقولُ: لا نُسلم أن المُبِيح والمحرم إذا اجتمعا أنْ يكون المُبيح أولى؛ بل المحرم أولى كما هي القاعدة عند المحققين من العلماء، فالأخبارُ التي مضت تشيرُ بإباحته السلام على المصلي وإباحة رد المصلي إشارةً، وهذا الخبرُ يُحَرًمُ السلامَ بالكلية، فلا يَستحق المُسلم بالسلام الحرام جوابا، لا نطقا ولا إشارةً، وهذا أولى بالاتباع عكس ما قاله البيهقي، عملاً بالقاعدة المذكورة، فافهم.

(1) تفرد به أبو داود.

ص: 175