الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قعد في خطبتيه جازت الجمعة ولا فضل، فكذا إذا قام موضع القعود. وفي "نوادر الفقهاء" لابن بنت نعيم: أجمعوا أن الإمام إذا خطب للجمعة خطبة لا جلوس فيها أجزأته صلاة الجمعة، إلا الشافعي فإنه قال: لا تجزئه إلا أن يخطب قبلها خطبتين بينهما جلسة، وإن قَلت. ويؤيد قول الجماعة: ما أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال: ثنا حميد بن عبد الرحمن- هو الرُؤاسي- عن الحسن- يعني: ابن صالح- عن أبي إسحاق- هو السبيعي- قال: رأيت عليا يخطب على المنبر، فلم يجلس حتى فرغ. وهذا سند صحيح على شرط الجماعة، ورواه عبد الرزاق، عن إسرائيل بن يونس، أخبرني أبو إسحاق، فذكر بمعناه. والعجب من الشافعي كيف جعل الخطبتين والجلسة بينهما فرضاً بمجرد فعله عليه السلام، ولم يجعل الجلوس قبل الخطبة فرضاً، وقد صح أنه عليه السلام فعله، وقال الشافعي أيضا: لو استدبر القوم في خطبته صحت مع مخالفته فعله- عليه السلام.
* * *
216- باب: الخطبة قائماً
أي: هذا باب في بيان الخطبة حال كونه قائماً.
1064-
ص- نا النفيلي، نا زهير، عن سماك، عن جابر بن سَمُرةَ: أن رسولَ اللهِ- عليه السلام كان يَخطُبُ قَائماً، ثم يَجْلسُ، ثم يَقُومُ فيخْطُبُ قَائماً، فَمَنْ حَدثكَ أنه كان يَخطُبُ جَالساً فقد كَذَبً، والله (1) صليتُ مَعه أكثرَ من ألفَيْ صَلاةِ (2) .
(1) في سنن أبي داود: "فقد والله ".
(2)
مسلم: كتاب الجمعة، باب: ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة (862)، النسائي: كتاب العيدين، باب: قيام الإمام في الخطبة (573 1) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الخطبة يوم الجمعة (1105) .
ش- النفيلي: عبد الله بن محمد، وزهير بن معاوية، وسماك بن
حرب.
قوله: "والله صليت معه " أي: مع رسول الله- عليه السلام،
وهذا محمول على المبالغة؛ لأن هذا القدر من الجمع إنما يكمل في نيف
وأربعين سنة، وهذا القدر لم يُصَفه رسول الله. وقال الشيخ محيي
الدين: " المراد الصلوات الخمس لا الجَمعة ". قلت: سياقُ الكلام ينافي
هذا التأويل، فافهم. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
1065-
ص- نا إبراهيم بن موسى وعثمان بن أبي شيبة- المعنى- عن
أبي الأحوص، ثنا سماك، عن جابر بن سَمُرَةَ قال: كان لرسولِ اللهِ خُطبتانِ
يَجلِسُ (1) بينهما، يَقْرأ القُرآنَ، ويُذَكِّرُ الناس (2) .
ض- أبو الأحوص: سلام بن سليم.
قوله: " ويذكر الناس " من التذكير، أي: يعظهم ويأمرهم،
وينهاهم، ويعدهم، ويُوعِدُهم، ونحو ذلك. وقال الشيخ محيى الدين:
فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقراءة. قال الشافعي: لا تصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى، والصلاة على رسول الله
فيهما والوعظ، وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، ويجب قراءة آية من
القرآن في إحديهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح. وقال مالك، وأبو حنيفة، والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم، والجواب عنه ما ذكرناه. واستدل البيهقي على وجوب التحميد أيضا بقوله- عليه السلام:" كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع ".
قلت: على تقدير ثبوته لو دل على وجوب التحميد لدل/ على [2/85 - أ] وجوبه في كل أمر ذي بال، ولا نعلم أحدا يقول بذلك، ثم ذكر حديث
عبد الواحد بن زياد، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي هريرة:
(1) في سنن أبي داود: "كان يجلس".
(2)
انظر التخريج السابق.
28 * شرح سنن أبي داود 4
" كل خطبة ليس فيها شهادة كاليد الجذماء"، في " باب ما يستدل به على وجوب التحميد في الخطبة"، ثم قال: عبد الواحد من الثقات الذين يقبل منهم ما تفردوا به.
قلنا: هو موثق مخرج له في الصحيح، ومع ذاك تكلم فيه جماعة. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو داود الطيالسي: عَمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها، وقد عرف أن الجرح مقدم على التعديل، ولئن سلمنا فذكره ليس بمناسب في هذا الباب؛ لأن الشافعي لا يقول بفرضيتها في الخطبة، ثم قال:" باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي- عليه السلام في الخطبة" ذكر فيه عن مجاهد في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكْرَكَ} (1) قال: لا أذكَرُ إلا ذُكِرتَ: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
قلنا: قوله: "ورَفَعْنَا " خبر لا عموم فيه، وقد أريد به كلمة الشهادة ونحوها، فلا يلزم إرادة غير ذلك، وتفسير مجاهد أيضا مفسر بكلمة الشهادة، إذ يلزم من تعميمه الخُلفُ في الخبر.
فإن قلت: يجعل خبراً بمعنى الأمر. قلت: إن جعل الأمر فيه للوجوب لزم فيه مخالفة الإجماع، إذ لا نعلم أحداً يقول بوجوب ذكره عليه السلام كلما ذكر الله تعالى، وإن جعل للاستحباب بطل الاستدلال، ثم ذكر حديث أبي هريرة:" ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا فيه ربهم، ولم يصلوا على نبيهم إلا كانت تِرةٌ عليهم ".
قلنا: في سنده صالح مولى التوأمة اختلط في آخر عمره، وتكلموا فيه. وقال البيهقي في "باب الغُسل من غَسْل الميت ": ليس بالقوي. ثم على تقدير ثبوت حديثه، في دلالته على وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام نظر، وعلى تقدير صحة دلالته على ذلك لا يخص الجمعة، فافهم.
(1) سورة الشرح: (4) .