الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: " الحُجر" مفعول قوله: "ثم دخل ".
وقوله: " قال عن مسلمة " مُعترض بينهما.
قوله: "فخرج مغضبا يَجر رداءه " يعني: لكثرة استعجاله لبناء الصلاة خرج يجر رداءه، ولم يتمهل ليلبسَه.
قوله: " ثم سجد سجدتيها " أي: سجدتي الصلاة. وفي بعض النسخ: "ثم سجد سجدتَيْن ". والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
184- بَاب: إذا صَلى خمساً
أي: هذا باب في بيان ما إذا صلى المصلي خمس ركعات وزاد ركعةً سهواً. ولما بين حكم الذي نقص شرع في بيان حكم الذي يزيد.
990-
ص- نا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم المعنى، قال حفص:
نا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صلي رسولُ الله- عليه السلام الظهر خَمساً، فقيل له: أزِيدَ في الصّلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قال: صلَيتَ خمساَ، فَسَجَدَ سَجْدتين بَعْدَ مَا سلم " (1) . ش- عبد الله: ابن مسعود.
وهذا الحديث حجة لأبي حنيفْة وأصحابه أن سجدتي السهو بعد السلام
وأن كانت للزيادة.
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القبلة (404)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 891 (572)، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام (392)، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من صلى خمساً (3/ 31)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من صلى الظهر خمساً وهو ساه (1205) .
وقال الشيخ محيي الدين (1) : قال الإمام أبو عبد الله المازري: أحاديث الباب خمسة؛ حديث أبي هريرة فيمن شك فلم يدر كم صلي وفيه " أنه يَسْجد سجدتين "، ولم يذكر موضعهما، وحديث أبي سعيد فيمن شك وفيه " أنه يسجد سجدتين قبل أن يُسلم"، وحديث ابن مسعود وفيه القيام إلى خامسة، وأنه يسجد بعد السلام، وحديث ذي اليدين وفيه
السلام من اثنتين والمشي والكلام، وأنه سجد بعد السلام، وحديث ابن بُحَينة وفيه القيام عن اثنتين والسجود قبل السلام. واختلف العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث فقال داود: لا يُقاس عليها؛ بل تستعمل في مَواضعها على ما جاءت به، وقال أحمد كقول داود في هذه الصلوات خاصة وخالفه في غيرها، وقال: يسجد فيما سواها قبل السلام لكل
سهو، وأما الذين قالوا بالقياس فاختلفوا فقال بعضهم: هو مخير في كل سهو: إن شاء سجد بعد السلام، وإن شاء قبله في الزيادة والنقص. وقال أبو حنيفة: الأصل هو السجود بعد السلام، وتأول باقي الأحاديث عليه. وقال مالك: إن كان السهو زيادة سجد بعد السلام، وان كان نقصا فقبله. فأما الشافعي فيقول في حديث أبي سعيد: فإن كانت خامسةً شفعها، ونص على السجود قبل السلام مع تجهيز الزيادة، والمجوز كالموجود، ويتأولُ حديث ابن مسعود في القيام إلى خامسة، والسجود بعد السلام على أنه- عليه السلام ما علم السهو إلا بعد السلام، وهو علمه قبله لسجد قبله، ويتأول حديث ذي اليدين على ابنها صلاة جرى فيها سهو فينهى/ عن السجود قبل السلام فتداركه بعده. وقال الشيخ [2/61 - ب] محيي الدين: أقوى المذاهب هنا: مذهب مالك، ثم مذهب الشافعي، وللشافعي قول كمذهب مالك وقول بالتخيير، وعلى القول بمذهب مالك لو اجتمع في صلاته سهوان: سهو بزيادة وسهو بنقص سجد قبل السلام. قال القاضي: لا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء، أنه لو
(1) شرح صحيح مسلم (56/5-57) .
سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا يفسد صلاته؛ وإنما اختلافهم في الأفضل.
وقال الحازمي في كتابة "الناسخ والمنسوخ": اختلف الناس في هذه المسألة على أربعة أقوال، فطائفة رأوا السجود بعد السلام عملا بحديث ذي اليدين، وهو مذهب أبو حنيفة، وقال به بعض الصحابة: على بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين: الحسن وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلي، والثوري، والحسن بن طالح وأهل الكوفة. وذهبت طائفة إلي أن السجود قبل السلام أخذا بحديث ابن بحينة، وزعموا أن حديث ذي اليدين منسوخ، وحديث ابن بحينة رواه البخاري ومسلم، وأخذا بحديث الخدري رواه مسلم، وبحديث معاوية. المذهب الثالث: أن السهو إذا كان في الزيادة كان السجود بعد السلام أخذا بحديث ابن مسعود، وإذا كان في النقصان كان قبل السلام أخذا بحديث بحينة. والمذهب الرابع مثل قول داود؛ وقد ذكرناه.
قلت: مذهب أبي حنيفة أقوي المذاهب كلها؛ لأن قوله عليه السلام: "فإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين" - رواه البيهقي وعزاه إلي البخاري (1) - عام يشمل الزيادة والنقصان؛ والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ما هو المشهور عند أهل الأصول، وإن كان الشافعي خالف في ذلك فهو خلاف ضعيف. وحديث عبد الله رواه البخاري، ومسلم، الترمذي، والنسائي وابن ماجه، وابن ماجه.
991 -
ص - نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قال عبد الله: صلي رسول الله عليه السلام قال إبراهيم:
(1) انظر الحديث الآتي
فلا أدري زاد أم نقص - فلما سلم قيل له: يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذاك؟ " قالوا صليت كذا وكذا، قال: فثني رجليه واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم فلما انفتل أقبل علينا بوجهه فقال: "إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به؛ ولكن إنما أنا بشر أنسي كما تنسون فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين". (1)
ش - جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور ابن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس.
قوله: "أحدث" الهمزة فيه للاستفهام، و"حدث" بفتح الدال.
قوله: "فثني" بتخفيف النون أي: عطف.
قوله: " فسجد بهم سجدتين ثم سلم" فيه دليل لأصحابنا في أن سجدة السهو بعد السلام.
قوله: "لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به" أي: أخبرتكم به، فيه دليل أن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.
قوله: "أنا بشر أنسي"(2) فيه دليل على جواز النسيان عليه عليه السلام في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء؛ وهو ظاهر القرآن والأحاديث، واتفقوا على أنه عليه السلام لا يقر عليه؛ بل يعلمه الله تعالي به. ثم قال الأكثرون: شرطه: تنبيهه عليه السلام على الفور متصلا بالحادثة، ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان (401)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له (89/572)، النسائي: كتاب السهو، باب: التحري (3/28)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن شك في صلاته فتحري الصواب (1211) .
(2)
انظر: شرح صحيح مسلم (2/ 61 - 62) .
مدة حياته عليه السلام، واختاره إمام الحرمين، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات، كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه (1) عليه السلام في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك بأن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم تحصل منه مفسدة؛ بل يحصل فيه فائدة، وهو بيان أحكام الناسي وتقرير [2/62 - أ] الأحكام، وإليه مال أبو إسحاق الإسفرائيني/ الصحيح: الأول. وقال القاضي: واختلفوا في جواز السهو عليه عليه السلام في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ، وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته، وأذكار قلبه، فجوزه الجمهور. وأما السهو في الأقوال البلاغية: فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده، وأما السهو في الأقوال الدنياوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام، الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلي وحي، فجوزه قوم؛ إذ لا مفسده فيه. قال القاضي: والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا، لا في صحة ولا في مرض، ولا رضا ولا غضب. وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع. (2)
قوله: " فإذا نسيت فذكروني" فيه أمر التابع بتذكير المتبوع لما ينساه.
قوله: "فليتحر الصواب"(3) وفى رواية: " فلينظر أحري ذلك للصواب" وفى رواية: "فليتحر أقرب ذلك إلي الصواب" وفى رواية: "فليتحر الذي يري أنه صواب"، التحري: طلب أحري الأمرين وأولاهما بالصواب. وفيه دليل لأبي حنيفة على أن من شك في صلاته في عدد ركعاته تحري وبني على غالب ظنه، ولا يلزمه الاقتصار على الأقل والإتيان بالزيادة، وبه قال مالك؛ ولكن هذا فيمن يعرض له الشك كثيراً، وإذا كان أول ما عرض له استأنف الصلاة على ما عرف في
(1) كتب فوقها: "صح".
(2)
إلي هنا انتهي النقل من شرح صحيح مسلم.
(3)
المصدر السابق (5/62 - 63) .
مَوضعه، وقال الشافعي: لزمه البناء على اليقين؛ وهو الأقل، فيأتي بما بقي ويسجد للسهو؛ واحتج بقوله- عليه السلام في حديث أبي سعيد:"فليطرح الشك، وليَبْن على ما استَيْقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان "(1) . وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين، وحَمْلُ التحري (2) في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين؛ لأن التحري هو القَصد، ومنه قوله تعالى:"تَحَروا رَشَد "(3) فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعملُ به، وقصدُ الصواب: هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره.
قلنا: حديث أبي سعيد محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحركه على شيء، وعندنا: إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء يَبْني على الأقل؛ ولأنه حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا، لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يَبْني على الأقل بالإجماع. وقول الشيخ محيي الدين في دفع هذا (4)"أن تفسير الشك بمُستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين، وأما في اللغة: فالترددُ بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سوى المستوي والراجح والمراوح. والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح " غير مُجْد ولا دافع؛ لأن المراد الحقيقة العرفية؛ وهي أن الشك: ما استوى طرفاَه؛ ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي، فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره؛ لأن صاحب "الصحاح" فستر الشك في باب الكاف فقال: الشك خلاف اليقين، ثم فسر اليقين في باب النون فقال: اليقين: العلم، فيكون الشك ضد العلم، وضع العلم: الجهل، ولا يُسَمى
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2)
في شرح صحيحا مسلم: "وحملوا ".
(3)
سورة الجن: (14) .
(4)
شرح صحيح مسلم (63/5-64) .
المتردّد (1) بين وجود الشيء وعدمه جاهلاً؛ بل يُسمّى شاكا، فعلم ابن قوله:" وأما في اللغة: "فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمي شكا" هو الحقيقة العرفية لا اللغوية، فافهم.
ثم معنى كيفية البناء على الأقل: أنه إذا وقع الشك في الركعة والركعتين يجعلها ركعةً واحدةً، وإن وقع الشك في الثلاث والركعتين يجعلها ركعتين، وإن وقع في الثلاث والأربع يجعلها ثلاثا واهتم صلاته على ذلك، وعليه أن يتشهد لا محالة في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته؛ لأن القعدة الأخيرة فرض- والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
992-
ص- نا محمد بن عبد الله بن نُمَير: نا أبي: نا الأعمش، عن إبراهيم/، عن علقمة، عن عبد الله بهذا قال:"فإذا نسي أحدكم فليَسْجد سجدتين " ثم تحولَ فسجَد سجدتين (2) ..
ش- عبد الله بن نمير: أبو هشام الكوفي.
قوله: " بهذا " أي: بهذا الحديث.
قوله: "فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " عَام يتناول الزيادة والنقصان، وأن السجدة فيهما بعد السلام.
قوله: " ثم تحول " أي: رسولُ اللهِ.
ص- قال أبو داود: رواه حُنَين نحو الأعمش (3) .
ش- أي: روى الحديث المذكور: حُنَين بن قبيعة الكوفي نحو حديث سليمان الأعمش.
(1) في الأصل: "للمتردد".
(2)
انظر الحديث السابق.
(3)
في سنن أبي داود: "نحو حديث الأعمش ".
993-
ص- نا نصرُ بن علي. أنا يوسف بن موسى: نا جريرِ- وهذا حديث يوسف-، عن الحسَن بن عُبيد الله، عن إبراهيم بن سويد، عن القمة قال: قال عبد الله: صلى بنا رسول الله خمسا فلما انفصل توَسْوسَ (1) القومُ بينهم فقال: " ما شأنكم؟ " قالوا: يا رسولَ الله هل زبد في الصلاة؟ قال: " لا"، قالوا: ما فإنك قد صليت خمسا لما فانفتح فسجد سجدتين ثم سهم ثم قال:" إنما أنا بَشر أنسى كما تنسون "(2) .
ش- يوسف بن موسى: القطان الكوفي، وجرير بن عبد الحميد، والحسن بن عبيد الله بن عروة النوعي الكوفي، وإبراهيم النوعي، وعبد الله ابن مسعود.
قوله:" فلما انفتل" أي: انصرف.
قوله: " توَسْوسَ القوم" قال الشيخ محيي الدين في لشرح مسلم، (3) : ضبطناه بالشين المعجمة، وقال القاضي: رُوي بالمعجمة وبالمهملة وكلاهما صحيح، ومعناه تحركوا، ومنه: وسواس الحلي بالمهملة وهو تحركه، ووسوسة الشيطان. قال أهل اللغة: الوشوشة بالمعجمة: صَوْت في اختلاط، قال الأصمعي: ويُقال: رجل وشوال أي خفيف. قوله: "هل (4) زيد في الصلاة؟ قال: لا" إلى آخره. " قال الشيخ محيي الدين: فيه دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف: أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته؛ بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحةً، ويَسْجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقريب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها،
(1) في سنن أبي داود: "توشوش"، وانظر الشرح.
(2)
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 92- (572) .
(3)
(5/ 65- 66) .
(4)
مكررة في الأصل.
ويتشهدُ ويسجد للسهو ويُسلم. وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة. إذا زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته ولزمه إعادتها، وقال أبو حنيفة: إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسةً، انضاف إليها سادسةً تشفعها وكانت نفلا؛ بناء على أصله: أن السلام ليس بواجب، ويخرج من الصلاة بكل ما يُنافيها وأن الركعة الفَرْدة لا تكون صلاة، قال: وإن لم يكن تشهّد بَطلَتْ صلاته؛ لأن الجلوس بقدر التشهد واجب، ولم يأت به حتى أتى بالخامسة. وهذا الحديث يَرُد كل ما قالوه؛ لأن النبي- عليه السلام لم يرجع من الخامسة ولم يَشْفَعْها. وإنما تذكر بعدَ السلام، ففيه رد عليهم وحجة للجُمهور.
قلنا: قوله.: " وهذا الحديث يرد كل ما قالوه " غير مُسلم؟ لابنه لم يُبين في الحديث أنه لم يَقعُدْ على الرابعة؛ بل الظاهرُ: أنه قعَد على الرابعة؛ لأن حمل فعله- عليه السلام على الصواب أحسَنُ من حمله على غَيْره وهو اللائق بحاله؛ على أنه روي في رواية أخرى أنه صلى الظهر خمساً والظهرُ اسمٌ لجميع أركانها. وقوله: " لأن النبي- عليه السلام لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها " لا يَضرنا هذا لأنا لا نُلزِم المُصلي بضم (2) الركعة السادسة على طريق الوجوب، حتى قال صاحب " الهداية ": ولو لم يضم لا شيء عليه لأنه مظنون. وقال صاحب "البدائع ": والأولى: أن يضيف إليها ركعةً أخرى لتصير الركعتان له نفلا إلا في العصر. دائما قال أصحابنا: يضم إليه ركعة سادسةً على طريق الاستحباب ليصير نفسه شفعا؛ لأنه ورد النهي عن التنفل بركعة واحدة؛ وهو ما روي عن ابن مسعود: والله ما أجزتُ ركعةَ.
وقال الشيخ محيي الدين (3) : ثم مذهب الشافعي ومن وافقه: أن
(1) شرح صحيح مسلم (64/5) .
(2)
في الأصل: "يضم".
(3)
المصدر السابق.
الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء وقت أم كثرت إذا كانت من
جنس الصلاة، فسواء زاد ركوعا أو سجوداً أو ركعة أو ركعات كثيرة
ساهياً فصلاته صحيحة في كل ذلك، ويسجد للسهو استحبابا لا
إيجاباً وأما مالك: فقال القاضي: مذهبه: أنه إن زاد دون نصف
الصلاة لم تُبطل صلاته؛ بل هي صحيحة ويسجد للسهو، وإن زاد
النصف فآثر: فمن أصحابه مَنْ أبْطلها وهو قول مطرف، وابن القاسم،
ومنهم مَنْ قال/: إن زاد ركعتين بطلت، وإن زاد ركعة فلا؛ وهو قول [2/63 - أ] عبد الملك وغيره، ومنهم من قال: لا تبطل مطلقا؛ وهو مروي عن
مالك. والحديث: أخرجه مُسلم.
994-
ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب أن
سُوَيْد بن قيس أخبره عند مُعاوية بن حُديج أن رسول الله- عليه السلام
صلّى يوما فسَلّم وقد بقيتْ من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال: نسيتَ من
الصلاة ركعةً [فرجع فدخل المسجدَ، وأمر بلالا، فأقام الصلاة، فصلى
للناس ركعة] (1) فأخبرتُ بذلك الناسَ فقالوا لي: أتعرفُ الرجل؟ قلتُ:
لا إلا أن أراهُ، فمر بي فقلتُ: هذا هو، فقالوا: هذا طلحة بن عُبَيد الله (2) .
ش- حُديج- بضم الحاء المهملة، وفتح الدال، وفي آخره جيم-
وقد ذكرناه.
وروى الحاكم، عنه: صليتُ مع النبي- عليه السلام المغرب فسلّم
في ركعتين ثم انصرف، فقال له رجل- يعني: طلحة بن عبيد الله-:
إنك سهوتَ فسلمتَ في ركعتين، فأمر بلالا فأقام الصلاة، ثم اهتم تلك
الركعة. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وأخرجه الحمدُ فيه مسنده
ولفظه: إن رسول الله صلى يوما وانصَرَف وقد بقي من الصلاة ركعة،
فأدركه رجل فقال: نسِيتَ من الصلاة ركعة، فرجَعَ ودَخل المسجدَ،
(1) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2)
النسائي: كتاب الأذان، باب: الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة (2/ 18) .
521 شرح سنن أبى داود 4
وأمرَ بلالا فأقامَ الصلاة، فصلي بالناسِ رَكْعةً، فأخبرتُ بذلك الناسَ فقالوا لي: أتعرفُ الرجلَ؟ قلتُ: إلا أن أراه، فمر بي فقلتُ:- هو هذا، فقالوا طلحة بن عُبَيْد الله. انتهى.
وهذا الحديث فيه أشياء: سهو النبي- عليه السلام ركعة، وخروْجه من المسجد ثم دخوله فيه، وأمره بلالا بالإقامة، وكلامُه في أثناء الصلاة، وكلام طلحة بن عبيد الله.
فإن قيل: ما حكم هذه الأشياء إذا وقعت لأحد من المسلمين؟ قلتُ:
قد أوضحت لك غير مرة ابن الكلام والخروج منه المسجد ونحو ذلك قد نُسخ، حتى لو فعلَ احد مثل هذا اليومَ بطلت صلاته؛ ألا ترى إلى ما روى الطحاويّ أن عمر رضي الله عنه كان مع النبي- عليه السلام يوم ذي اليدين، ثم حدثت به تلك الحادثة بعد النبي- عليه السلام فعمل فيها بخلاف ما عمل- عليه السلام يومئذ، ولم ينكر عليه أحد ممن حضر فعله من الصحابة؛ وذلك لا يصح أن يكون منه ومنهم إلا بعدَ وُقوفهم على نسخ ما كان منه- عليه السلام يوم ذي اليدين.
فإن قيل: الأخبار التي ورَدت من حديث أبي هريرة وحديث عمران بن الحصين وحديث معاوية بن حُديج هل هي قضية واحدة أو قضيتان أو كثر؟ قلت: الذي يظهر من كلام البخاريّ أن حديث أبي هريرة وعمران واحدة لقوله إثر حديث أبي هريرة: فربما سألوه- يعني: محمداً- ثم سلم قال: نبئتُ أن عمران قال: ثم سلم. والذي يقوله ابن حبان أنه غيرُه قال: لأن في حديث أبي هريرة الذي أعلمَ النبيَّ- عليه السلام ذو اليدين، وفي خبر عمران: الخرباقُ، وفي خبر معاوية بن حديد: طلحة بن عُبيد الله، قال: وخبر الخِرباق: سَلم في الركعة الثالثة، وخبر ذي اليدين: من ركعتين، وخبر معاوية: من الركعتين من صلاة المغرب؛ فخذ أنها ثلاثة أحوال مُتباينة في ثلاث صلوات لا واحدة، فافهم. وحديث معاوية: أخرجه النسائي- أيضا وقال أبو سعيد بن يونس: هذا الصح حديثٍ: معاوية بن حُديج.
* * *