الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما مكث الإمام في مصلاه بعد السلام فكرهه أكثر الفقهاء إذا كان إماماً راتبا، إلا أن يكون مكثه لعِلة كما فعل رسولُ الله. وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال مالك: يقومَ ولا يقعد في الصلوات كلها إذا كان إمام مسجد جماعة، فإن كان في سفر: فإن شاء قام، وإن شاء قعد. قال ابن خربود: من غير أن يَسْتقبل القبلة. وعن عمر بن الخطاب: جلوس الإمام بعد السلام بدْعة. وعن ابن مسعود: كان النبي- عليه السلام إذا قضى صلاته انفصل سريعاً: إما أن يقوم وأما أن ينحرف. وقال قتاده: كان أبو بكر إذا سلم كأنه على الرضْف حتى ينهض. وعن الحسن والزهري: لا ينصرفون حتى يقوم الإمام؛ ذكرها عبد الرزاق. وفي كتاب ابن شاهين من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر: كان النبي عليه السلام إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً وفي حديث ابن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس: صليت مع النبي- عليه السلام، فكان ساعة يُسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر فكان إذا سلم وثب من مكانه كأنه يقوم عن رضفة. قال ابن شاهين الحديث الأول عليه العمل في الصلاة التي لا يتنفل بعدها، والثاني: في التي بعدها تنفل. وحديث أم كلمة: أخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة
؟
أي: هذا باب في بيان كيفية الانصراف من الصلاة.
1012-
ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة، عن سماك بن حرب، عن قَبيصة بن هُلب- رجل من طيئ-، عن أبيه أنه صلى مع النبي- عليه السلام فكان ينصرفُ مع شِقيه (1) .
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله (301)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة
ش- قبيصة بن الهلب: الكوفي الطائي، روى عن: أبيه، روى
عنه: سماك بن حرب، قال علي بن المديني: هو مجهول، لم يرو عنه
غير سماك، وقال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وهُلْب: بضم الهاء وسكون اللام، وقيل: الصواب فيه: فتح الهاء
وكسر اللام، وذكر بعضهم فيه ضم الهاء وفتحها وكسرها، واسمه: يزيدُ
ابن قنافة، ويقال: يزيد بن عدي بن قنافة، وفد على رسول الله وهو
أقرع فمسح رأسه، فنبت شعرُه فسُمّي هلباً (2) .
قوله: "مع شقيه" أي: مع جانِبَيْه؛ يعني: تارةً عن يمينه وتارة عن
شماله. وفي رواية ابن ماجه بسند صحيح، عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده: رأيت رسول الله ينفتل عن يمينه ويساره في الصلاة.
وعند ابن حبان، عن قبيصة بن هُلْب- أيضاً-، عن أبيه قال: أمّنا
رسولُ الله- عليه السلام فكان ينصرف عن جانبيه جميعاً.
وقال الترمذي: نا قتيبة: نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب،
عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: كان رسول الله يؤمنا فينصرف على
جانبيه على يمينه وشماله، وقال: حديث هلب حديث حسنٌ، وعليه
العمل عند أهل العلم: أنه ينصرف على أقي جانبيه/ شاء، إن شاء عن [2/68- ب] يمينه، دان شاء عن يساره، وقد صحّ الأمران عن النبي- عليه السلام،
ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن
يمينه، أن كانت حاجته عن يَساره أخذ عن يَساره.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4846) .
(2)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 614) ، وأسد الغابة (5/ 413) ، والإصابة (3/ 906) .
1013-
ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سُلَيْمان، عن عمارة، عن الأسْود بن يزيد، عن عبد الله قال: لا يجعلْ أحدكم نصيبا للشيطان من صلاته أن لا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرفُ عن شماله قال عمارة: أتينا المدينةَ بعدُ فرأيت منازلَ النبي- عليه السلام عن يَسارِه (1) .
ش- سليمان: هو الأعمش، وعمارة: ابن عُمَيْر.
وفي رواية مسلم: "لا يجعلن " بنون التأكيد. وأخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه؛ وليس فيه قول عمارة. وقد أخرج مسلم في "صحيحه" والنسائي في "سننه " من حديث إسماعيل بن عبد الرحمن السُدي قال: سألت أنساً كيف أنصرفُ إذا صليتُ عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه. وجه الجمع بين الروايتين: أنه- عليه السلام كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل على جوازهما ولا كراهة في واحد منهما. وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانصراف عن اليمين أو الشمال؛ دائما هي في سنن من يرى أن ذلك لا بد منه؛ فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : ومذهبنا: أنه لا كراهة في واحد من الأمرين؛ لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته، سواء كانت عن يمينه أو شماله، فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل؛ لعموم الأحاديث المصرية في فضل اليمين في باب المكارم ونحوها.
وقال صاحب "المحيط ": والمستحب: أن ينحرف إلى يمين القبلة،
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: التسليم (852)، النسائي: كتاب السهو، باب: الانصراف من الصلاة (3/ 81)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة (930) .
(2)
شرح صحيح مسلم (220/5) .