الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يتعلم منه يجب عليه القضاء فيما مر. وهذا قول أبي حنيفة. والقول الآخر: أنه يقضي ما مرّ من الصلوات والصيام، وهو قول أبي يوسف رحمه الله.
* * *
195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ
أي: هذا باب في بيان تفريع أنول أحكام الجمعة؛ وفي بعض النسخ بعد قوله باب تفريع أبواب الجمعة: " باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة"(1) .
1017-
ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيْرُ يوم طلعت فيه الشمسُ يوم الجمعة فيه خُلِق اَدمُ وفيه اهْبطَ وفيه تيب عليه وفيه ماتَ وفيه تقومُ الساعةُ وما منْ دابة إلا وهي مُسيخة يوم الجمعَة من حين تُصْبح حتى تطلع الشمسُ شَفَقاً من الساعة إلا اَلجن والإنس وفيها (2) ساعة لا يُصادفها عبدٌ مُسلِمٌ وهو يُصلي يَسألُ الله حاجة إلا أعطاه إياها ". قال كعب: ذلَك في كل سنة يوم؟ فقلت: بلى (3) في كل جمعة. قال: فقرأ كعب التوراةَ فقال: صدق رسول الله. قال أبو هريرة: ثم لقيتُ عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام: قد علمتُ أيّ (4) ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلتُ له: أخبرني (5) بها، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخرُ ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسوَل الله: " لا يصادفُها عبد مسلم وهو يُصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يَقُل
(1) كما في سنن أبي داود.
(2)
في سنن أبي داود:" وفيه".
(3)
في سنن أبي داود: " بل ".
(4)
في سنن أبي داود: "أية".
(5)
في سنن أبي داود: " فأخبرني".
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلسَ مجلساً يَنْتظر الصلاةً فهو في صلاة حتى يصلي؟ فقلتُ (1) : بلى، قال: هو ذاك (2) .
ش- مالك بن أنس، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهند الليثي المدني، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث القيمي.
قوله: " خيرُ يومٍ " مبتدأ.
وقوله: " طلعت فيه الشمس " صفة اليوم، من الصفات الكاشفة. وقوله:" يوم الجمعة " خبر المبتدأ. ومعنى قوله: " خير يوم ": أخيرُ الأيام، يعني: أفضلها، وقد علم أن الهمزة حذفت من خير وشر اللذين هما للتفضيل؛ لكثرة دورانهما في الكلام، حتى صار إثباتها فيهما شاذا. والجُمعة: بضم الميم (3) وإسكانها وفتحها؛ حكاها الفراء، ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناسَ ويكثرون فيها كما يقال: هُمزة ولُمزة لكثير الهمز واللَّمْز ونحو ذلك. وفي " المعاني " للزجاج: قرئت الجُمِعة- بكسر الميم - سميت جمعة لاجتماع الناس فيها، وكان يوم الجمعة في الجاهلية تسمى العَرُوبة. وعن ابن عباس: سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم. وفي " الأمالي " لثعلب: إنما سمي يوم الجمعة؛ لأن قريشا كانت (4) تجتمع إلى قصي في دار الندوة. وقال الطبري: سمي بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء عليهما السلام في الأرض. وروى ابن خزيمة، عن سلمان/ مرفوعاً " يا سَلْمان" هل تدري لم سمي يوم الجمعة؟ " قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال:" فيه جُمع أبوك أو أبوكم " الحديث.
(1) في سنن أبي داود: " قال: فقلت ".
(2)
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة (491)، النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء
يوم الجمعة (3/ 114) .
(3)
في الأصل "الجيم " خطأ.
(4)
في الأصل " كان ".
قوله:" فيه خلق اَدمُ" المراد منه: نفخ الروح فيه. قال العزيزي: تلج في آدم الروحُ يوم الجمعة عنْد الزوال.
قلتُ: يجوز أن يكون ابتداء خلق آدم من الطين يوم الجمعة، ثم قعد
ما شاء الله، ثم نفخ فيه الروح يوْم الجمعة- أيضاً-.
قوله: " وفيه أهبط " أي: وفي يوم الجمعة أنزل آدم إلى الأرض بعد أن أخرج من الجنّة على جبل سَرنديب.
قوله: " وفيه تيب عليه " أي: وفي يوم الجمعة تاب الله على اَدم بعد أن مكث ثلاثمائة سنةَ لا يرفع رأسه حياء من الله. وقال ابن عباس: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنّة مائتي سنة، لم يأكلا ولم يشربا أربعين سنةً، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، فلمًا أراد الله أن يرْحمه لقنه كلمات كانت سبب توبته كما قال تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مَن ربه كَلمَات فَتَابَ عًلَيْهِ} (1) قيل: هو قوله: {ربنا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} الآية (2) ،َ وقيلَ غير ذلك.
قوله: " وفيه مات " أي: في يوم الجمعة مات آدم على نوذ بالهند. وقال ابن عباس: لما كان أيام الطوفان حمل نوح تابوت آدم في السفينة، فلما خرج دفنه ببيت المقدس، وكانت وفاته يوم الجمعة في الساعة التي خلق فيها، وهي أفضل ساعة يوم الجمعة، وقيل: دُفن بمكة في غار أبي قبيس؛ وهو الذي يقال: غار الكنز. وعن ابن عساكر: قيل: ورأسه عند مسجد إبراهيم، ورجلاه عند صخرة بيت المقدس.
قوله: " وفيه تقوم الساعة" أي: القيامة.
قوله: " مُسيخة " من أساخ، وأساخ وأصاخ بمعنى واحد، أي: مُستمعة مقبلة علَى ذلك، وقيل: مستمعة مُشْفِقة.
قوله:" شفقة من الساعة " أي: خوفا من القيامة؛ وانتصابُه على التعليل.
(1) سورة البقرة: (37) .
(2)
سورة الأعراف: (23) .
قوله: " إلا الجنُّ والإنْسَ " بالنَصْب؛ لأنه مستثنى من قوله: " وهي مُسيخةٌ " وهو كلام موجب، والمُسْتثنى يَنْتصبُ إذا كان بعد "الا" غير صفة في كلام مُوجب- كما عرف في موضعه- والجن: ولد إبليس- عليه اللعنة- والكافر منهم شيطان، ولهم ثواب وعقاب، واختلف في دخولهم الجنة. وعن ابن عباس: إنهمِ ولد الجن بني الجان، وليسوا بشياطين؛ ومنهم كافر ومنهم مؤمن، ويعيشون ويموتون، والشياطين لا يموتون إلا عند موت إبليس. وذهبَ الجاحظ إلى أن الجن والملائكة واحد. فمن طَهُر منهم فهو ملك، ومَنْ خبُث منهم فهو شيطان، ومن كان بَيْن بين فهو جِن. وقال الجوهري: الجن خلاف الإنس، والواحِد: جني؛ يقال: سميت بذلك؛ لأنها تُتقى ولا تُرى.
قلت: سمّيت بذلك لأنهم مستورون من بني الدم؛ من الامتنان وهو الاستتار؛ ومنه الجُنة- بالضم- ما استترتَ به من سلاح، والجَنة - بالفتح- البستان؛ لاجتنانهم بأشجارها، والجَنين لاستتاره في بطن أمه، والجَنان: القلب كذلك، الجَننُ: القَبرُ كذلك- والإنسُ: البشر، والواحد: إنسِي وأنَسِي- أيضا- بالتحريك، والجمع: َ أناسي. وتقديم الجن لا يدل على تفضيله؛ لأن الواو لا تدل على الترتيب.
قوله: " وفيها ساعة " أي: في يوم الجمعة ساعةٌ؟ والساعة: اسمٌ لجزء مخصوص من الزمان، ويرد على أنحاء، أحدها: يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءاً؛ وهي مجموع اليوم والليلة، وتارة تطلق مجازاً على جزء ما غير مقدر في الزمان فلا يتحقق، وتارة تطلق على الوقت الحاضر، ولأرباب النجوم والهندسة وضع آخر؛ وذلك أنهم يقسمون كل نهار وكل ليلة باثني عشر قسماً سواء كان النهار طويلا أو قصيراً وكذلك الليل، ويُسمّون كل ساعة (1) من هذه الأقسام ساعةً؛ فعلى هذا
(1) كذا، والجادة " قسم ".
تكون الساعة تارةً طويلة وتارة قصيرة على قدر النهار في طوله وقصره، ويسمون هذه الساعات: المُعوَجة وتلك الأولة: مُستقيمة.
قوله: " لا يُصادفها " أي: لا يُوافقها.
قوله: " وهو يصلي " جملة حالية.
قوله: " يَسألُ الله حاجةً " جملة حالية- أيضا- وهما حالان متداخلتان أو مترادفتان.
[2/ 71 - ب] قوله: " قال كعب " وهو كعب/ بن ماتع بن هيثوع، ويقال: ابن هَسْلوع بن ذي هجرى بن ميتم بن سَعْد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد، ويقال غير ذلك، أبو إسحاق الحميري المعروف بكعب الأحبار، أدرك النبي- عليه السلام وأسْلم في خلافة أبي بكر الصديق، ويقال: في خلافة عمر بن الخطاب، وروى عنه، وعن صهيب، روى عنه: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب وجماعة آخرون كثيرة، سكن حمص، توفي بالشام سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، قال أبو فوزة: توفي بحمص ودفناه بين زيتونات أرض حمص. روى له: النسائي (1) .
قوله: " ثم لقيت عبد الله بن سَلام "- بتخفيف اللام- ابن الحارث الخزرجي، يكنى أبا يوسف حليف القوافلة، من بني عوف بن الخزرج من الأنصار، وهو رجل من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم السلام، أسلم عند قدوم النبي- عليه السلام المدينة، وكان اسمه: الحُصَين، فسماه رسول الله: عبد الله، وشهد له بالجنة، روي له عن رسول الله خمسة وعشرون حديثا؛ اتفقا على حديث واحد، وللبخاري آخرُ، روى عنه: ابناه: محمد، ويوسف، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن المغفل المزني، وعبد الله بن حنظلة بن الراهب، وأبو سلمي عبد الله بن عبد الرحمن بن
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4980) .
عوف، وقيس بن عبادة، وأبو بردة، وعطاء بن يسار وغيرهم، شهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس والجابية، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . قوله:؛ " لا يُصادفها عبد مُسلم وهو يصلي " إلى آخره، واختلفوا في تلك الساعة فقيل: هي من بعد العصر إلي الغروب، وقيل: من حين خروج الإمام إلي فراغ الصلاة، وقيل: من حين تقام الصلاة حتى يفرغ، وقيل: من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة، وقيل: آخر ساعة من يوم الجمعة وقد رويت في ذلك كلَّه آثار. وقيل: هي عند الزوال، وقيل: من الزوال إلي أن يصير الظل نحو ذراع، وقيل: هي مخفية في اليوم كليلة القدر، وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقال قوم: قد رفعت، وقد رد السلف هذا على قائله. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث صحيح. وقد أخرج البخاري، ومسلم طرفا منه في ذكر ساعة الجمعة من رواية الأعرج، عن أبي هريرة، وأخرج مسلم الفصل الأول في" فضل الجمعة" من رواية الأعرج- أيضا-.
1018-
ص- نا هارون بن عبد الله: نا حسين بن علي، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصَنْعاني، عن أوْس بن أوْس قال: قال النبي- عليه السلام: " إنّ من أفضل أيامكم: يوم الجمعة؛ فيه خلق آدمُ، وفيه قُبض، وفيه النفخةُ، وفيه الصَعْقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكَم مَعروضة علي". قال: قالوا: ياَ رسول الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ؟ قال: يَقُولُون: بَليتَ فقال: "إن الله عز وجل حَرم على الأرضِ أجساد الأنبياء"(2) .
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 382) ، أسد الغابة (3/ 264) ، الإصابة (2/ 0 32) .
(2)
أخرجه النسائي: كتاب الجمعة، باب: ذكر فضل يوم الجمعة (3/ 91)، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في فضل الجمعة (1085) ، وكتاب الجنائز، باب: ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم (1636) .