الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاضريها منهم، وتَنْبيههم على التوبة وغيرها مما فيها من القواعد؛ لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس كثر من اجتماعهم فيها. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، والبيهقي.
* * *
207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة
(1)
أي: هذا باب في بيان اللبس يوم الجمعة.
1047-
ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه رأى حُلةَ سيَرَاءَ- يعني: تُباعُ- عند باب المسجد فقال: يا رسولَ الله، لو اشتريت هذه فلبستَهِا يوم الجمعة وللوَفْد إذا قدِموا عليك، فقال رسول الله:"إنما يلبَسُ هذَه من لا خلاقَ له في الآخرة "، ثم جاءت رسولَ الله منها حُلَل فأعْطى عمر بن الخطاب منها حلةَ، فقال عُمر: يا رسول الله، كسَوْتنيها (2) وقد قلتَ في حُلة عطارد ما قلتَ؟ فقالَ رسولُ الله:" إني لم أكسكها لتَلبَسَها " فكسَاهَا عمرُ أخاً له مُشْرِكاً بمكة (3) .
ش- الحلةُ: ثوبان غير لفقين: رداء وإزار؛ سميا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يحُل عن الآخر؛ والجمعُ: حُلَل وحلال. وقال ابن التين: لا يُقال: حلة حتى تكون جديدة؛ سميت بذلك لَحلها عن طيها.
قوله: " سيراء"- بكسر السين المهملة، وفتح الياء آخر الحروف، وبعدها راء مهملة ممدودة- وهو الحرير الصافي؛ فمعناه: رأى حلة
(1) في سنن أبي داود:" باب اللبس للجمعة".
(2)
في سنن أبي داود:" كسوتنيها يا رسول الله".
(3)
البخاري: كتاب الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد (886)، مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أناء الذهب والفضة على الرجال (2068)، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الهيئة للجمعة (1382)، ابن ماجه: كتاب اللباس، باب: كراهية لبس الحرير (3591) .
حريراً. وقال ابن قرقول: ضبطناه على الإضافة عن ابن سراج ومتقني شيوخنا.
قلت: فحينئذ ينبغي أن يُسقط التنوينُ من " حلة". ورواه بعضهم بالتنوين على الصفة، وزعم بعضهم أنه بدل لا صفة.
وقال الخطابي (1) : " حلة سِيَراء" كناقة عُشَراء.
قال ابن قرقول: وأنكره أبو مَرْوان؛ لأن سيبويه قال: لم يأت فعلاء صفة؛ لكن اسماً.
وقال الخطابي (1) : الحلّة السيراء: هي المضلعة بالحرير التي فيها خطوط، وهو الذي يسقونه المُسير؛ وإنما سقوه مُسيّراً للخطوط التي فيه كالسيور.
ويقال: السيراء وَشْي من حرير. وعن ابن الأنباري: السيراء: الذهبُ، وقيل: نبت ذو ألوان وخطوط ممتدة كأنها السيور شُبه به بعضُ الثياب، وقيل: السيراء: المُضلّع بالقز. وفي " الصحاح ": هي برود فيها خطوط صُفْر. وقال صاحب " المغيث": برود يخالطها حرير كالسيور، فهو فعلاء من السَّيْر الذي هو القِد- بكسر القاف-؛ لأن عليها أمثال السيوَر. وقال الخليل: ليس في الكلام " فعلاء"- بالكسر ممدوداً- إلا حِولاء وعنباء وسيراء. وقال غيرُه: الحِوًلاء: الماء الذي [2/ 79 - ب] يخرج على رأس الولد/ إذا وُلد، والعنباء لغة في العنب، وقد قيل: الحُولاء- با لضم.
قوله: "لو اشتريت هذه" جوابُ " لو" محذوف، والتقدير: لو اشتريت هذه الحقة فلبستها يوم الجمعة أو للوفد لكان حسًناً، ونحو ذلك. والوَفْدُ: جمعُ وافد؛ وهم القوم يجتمعون ويَرِدون البلادَ ويقصدون الأمراء لزيارة أو استرفادِ أو غير ذلك.
(1) معالم السنن (1/ 213) .
قوله: " من لا خلاق له" الخلاق: الحظ والنصيب من الخير والصلاح، ورجل لا خلاق له: لا رغبة له في الخير.
قوله: " في حلة عُطارد " بالإضافة؛ وهو عطارد بن حاجب بن زرارة ابن عُدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفد على النبي- عليه السلام سنة تسع؛ وعليه الأكثرون، وقيل: سنة عشر، وهو صاحب الثوب الديباج الذي أهداه للنبي- عليه السلام، وكان كسرى كساه إياه فعجب منه الصحابة فقال عليه السلام:" لمناديل سَعْد بن معاذ في الجنة خير من هذا"(1) .
قوله: "أخا له مشركاً بمكة" أخوه هذا: هو عثمان بن حكيم، وكان أخاه لأمّه، فأما زيد بن الخطاب أخو عُمر فإنه أسلم قبل عُمر. وفي "صحيح أبي عوانة": فكساها عمر أخاً له من أمه من أهل مكة مشركاً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي. والحديث لا يُطابق الترجمة؛ لأن كثر ما فيه أن عُمر أشارَ مشورة ردت عليه، والذي يناسبُ الباب: ما رواه ابن ماجه عن عائشة: قال صلى الله عليه وسلم: " ما على أحدكم إن وجَد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته".
وعند ابن أبي شيبة- بسند صحيح على شرط مسلم-: نا عبدة: نا عثمان بن حكيم، عن عثمان بن أبي سليمان، عن أبي سعيد مرفوعاً: فإن من الحق على المسلم إذا كان يوم الجمعة: السواك، وأن يلبس من صالح ثيابه، وابن يتطيب بطيب إن كان".
وأخرج عن أبي جعفر أن رسول الله كان يلبس بُرْده الأحمرَ يوم الجمعة، ويعتم يوم العيدين. وعن ابن أبي ليلى قال: أدركت أصحاب محمد- عليه السلام من أصحاب بدر، وأصحاب الشجرة إذا كان يوم
(1) انظر: ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 165) ، وأسد الغابة (4/ 42) ، والإصابة (2/ 483) .
الجمعة لبسوا أحسن ثيابهم، وان كان عندهم طيب مَسّوا منه، ثم راحوا إلى الجمعة.
ويُستفاد من حديث الباب فوائد؛ الأولى: جواز بيع الحرير صان كان حراماً على الرجال.
الثانية: حرمة الحرير على الرجال.
الثالثة: جواز تملك الإنسان ما لا يجوز له لبْسه.
الرابعة: جواز قبول الهدية من الكافر.
الخامسة: جواز الهدية للكافر.
وقال القرطبي: وفيه دلالة على أن عمر من مذهبه: أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، إذ لو اعتقد ذلك لما كساه إياها، ولقائل أن يقول: لم يهدها إليه ليلبسها بل لينتفع بها كما فعل صلى الله عليه وسلم مع عمر وغيره.
1048-
ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونُس، وعمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: وَجدَ عمر ابن الخطاب حلة إستبرق تُباع بالسُوق فأخذها فأتى بها رسول الله- عليه السلام فقال: " ابتَعْ هذه تجملْ بها للعيد وللوفود لما ثم ساق الحديث، والأولُ أتمُ (1) .
ش- الإستبرق: ما غلظ من الحرير والإبريسم؛ وهي لفظة أعجميّة معرّبة أصلها: إستبره، وقد ذكرها الجوهري في الباء من القاف على أن الهمزة والسن والتاء زوائدُ وأعاد ذكرها في السن من الراء. وذكرها الأزهري في خماسي القاف على أن همزتها وحدها زائدة، وقال: أصلها بالفارسية: استَفَره، وقال- أيضا- إنها وأمثالها من الألفاظ حروف
(1) انظر الحديث السابق.
عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية، وقال: هذا عندي هو الصوابُ. وفي لفظ: "من ديباج أو خز "، وفي رواية:"من سُنْدس ". قوله: " ابْتع هذه " أي: اشِترِ.
قوله: " تجمل " بجزم اللام على أنه أمر.
قوله: " ثم ساق الحديث " أي: الحديث المذكور.
قوله: " والأول أتم " أي: الحديث الأول؛ وهو رواية القعنبي أتم؛ لأنه أكثر فوائد.
1049-
ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني عمرو (1) ،
[2/80 - أ] / أن يحيي بن سعيد الأنصاري حدثه، أن مُحمد بن يحيي بن حبان حدثه، أن رسولَ الله- عليه السلام قالَ:" ما على أحدكم إن وجَد أو ما على أحدكم إن وجدتُم أن يَتخذ ثوبَيْن ليَوْم الجمعة سوى ثوبي مَهْنته ". قال عَمرو: وأخبرني ابنِ أبي حبيب، عن موسى بن سَعْد، عن ابن حبان، عن ابن سلام أنه سمع رسُولَ الله يقولُ ذلك على المنبر (2) .
ش- حَبان- بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- وقد ذكرناه.
قوله: " ثوبي مهنته "- بفتح الميم وكسرها- أي: ثوبي بذلته وخدمته؛ والرواية بفتح الميم. قال الأصمعي: المَهنة- بفتح الميم-: الخدْمة، ولا يقال: مِهنة- بالكسْر- وكان القياس أن يقال مثل جلسة وخدْمة؛ إلا أنه جاء على فَعلة، وحكى غيرُه الكسر- كما تقدم.
قوله: " قال عمرو " أي: عمرو بن الحارث المصري. وابنُ أبي حبيب:
هو يزيدُ بن أبي حبيب- سُويد- المصري.
وموسى بن سَعْد: ابن زيد بن ثابت الأنصاري، وقال عبد الرزاق: موسى بن سعيد. روى عن: حرص بن عبيد الله بن انس، وربيعة بن
(1) في سنن أبي داود: " أخبرني يونس وعمرو ".
(2)
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الزينة يوم الجمعة (1095) .