الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(معلقة طرفة بن العبد)
نسب طرفة بن العبد، وشيء من سيرته، وحديث قتله
هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنا.
كان طرفة في حسب كريم وعدد كثير، وكان شاعرًا جريئًا على الشعر، وكانت أخته عند عبد عمرو بن بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس
…
إلخ وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه، وكان من أكرم الناس على عمرو بن هند الملك، فشكت أخت طرفة شيئًا من أمر زوجها إلى طرفة، فعاب عبد عمرو وهجاه، وكان من هجائه إياه أن قال:
ولا خير فيه غير أن له غنى
…
وأن له كشحًا إذا قام أهضما
تظل نساء الحي يعكفن حوله
…
يقلن: عسيت من سرارة ملهما
العسيب: الغضن من أغصان النخل. سرارة الوادي: قرارته ونعمه وجوده نبتًا. ملهم: قرية باليمامة فبلغ ذلك عمرو بن هند الملك، فخرج يتصيد، ومعه عبد عمرو، فرمى حمارًا وحشيًا فعقره، فقال لعبد عمرو: انزل فاذبحه، فعالجه فأعياه، فضحك الملك، وقال: لقد أبصرك حيث يقول: ولا خير فيه
…
إلخ وكان طرفة قد هجا قبل ذلك عمرو بن هند، فقال فيه:
فليت لنا مكان الملك عمرو
…
رغوثًا حول قبتنا تخور
من الزمرات أسبل قادماها
…
وضرتها مركنة درور
لعمرك إن قابوس بن هند
…
ليخلط ملكه نوك كثير
قسمت الدهر في زمن رخي
…
كذاك الحكم يقصد، أو يجور
فلما قال عمرو بن هند لعبد عمرو ما قال طرفة فيه، قال: أبيت اللعن! ما قال فيك أشد مما قال في، فأنشده الأبيات، فقال عمرو بن هند: أو قد بلغ من أمره أن يقول في مثل هذا الشعر؟ فاغتاظ وكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين، وهو المعلى ليقتله، فقال له بعض جلسائه: إنك إن قلت طرفة هجاك المتلمس رجل مسن مجرب، وكان حليف طرفة وقريبه من بني ضبيعة، فأرسل عمرو إلى طرفة والمتلمس فأتياهن فكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين لقتلهما، وأعطاها هدية من عنده وحملهما، وقال: قد كتبت لكما بحباء، فخرجا حتى نزلا الحيرة، فقال المتلمس لطرفة: والله إن ارتياح عمرو لي ولك لأمر عندي مريب، وإن انطلاقي بصحيفته لا أدري ما فيها لشيء مريب أيضًا، فقال طرفة: إنك لتسيء الظن، وما نخاف من صحيفة، إن كان فيها الذي وعدنا، وإلا رجعنا من حيث أتينا؟ وأبى أن يجيبه إلى النظر فيها، ففك المتلمس ختم صحيفته، ثم جاء إلى غلام من أهل الحيرة، فقال له: أتقرأ يا غلام؟ فقال: نعم، فأعطاه الصحيفة فقرأها، فقال الغلام: أنت المتلمس؟ قال: النجاء قد أمر بقتلك، فأخذ الصحيفة، فقذفها في نهر الحيرة، ثم أنشأ يقول:
وألقيتها بالثني من جنب كافرٍ
…
كذلك ألقي كل رأيٍ مضلل
رضيت لها بالماء لما رأيتها
…
يجول بها التيار في كل جدول
فقال المتلمس لطرفة: تعلمن والله أن الذي في كتابك مثل الذي في كتابي، فقال طرفة: لئن كان أجترأ عليك ما كان بالذي يجترئ علي، وأبي أن يطيعه، فسار المتلمس من فوره حتى أتى الشام، فقال في ذلك:
من مبلغ الشعراء عن أخويهم
…
نبأ فتصدقهم بذاك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما
…
ونجا حذار حياته المتلمس
ألقى صحيفته، ونجت كوره
…
وجناء مجمرة المناسم عرمس
عيرانة طبخ الهواجر لحمها
…
فكأن نقبتها أديم أملس
وخرج طرفة حتى أتى صاحب البحرين بكتابه، فقال له صاحب البحرين: إنك في حسب كريم، وبيني وبين أهلك إخاء قديم، وقد أمرت بقتلك فاهرب إذا خرجت من عندي، فإن كتابك إن قرئ لم أجد بدًّا من أن أقتلك، فأبى طرفة أن يفعله، وقال: لقد اشتدت عليك جائزتي، فأحببت أن أهرب، وأن أجعل لعمرو بن هند علي سبيلًا، كأني أذنبت ذنبًا، والله لا أفعل ذلك أبدًا، فلما أصبح أمر بحبسه، وجاءت بكر بن وائل، وقالت: قدم عليك طرفة، فدعا صاحب البحرين فقرأ عليهم وعليه كتاب الملك، ثم أمر بطرفة فحبس، وكتب إلى عمرو بن هند أن ابعث إلي عاملك، فإني غير قاتل الرجل، فبعث إليه عمرو بن هند رجلًا من بني تغلب، يقال له: عبد هند بن جرد، واستعمله على البحرين، وكان رجلًا شديدًا شجاعًا، فأمره بقتل طرفة وقتل ربيعة بن الحارث العبدي، قال الزوزني: انقضى حديث طرفة برواية المفضل، وذكر العتبي سببًا آخر في قتله، وذلك أنه كان ينادم عمرو بن هند يومًا، فأشرفت أخته فرأى طرفة ظلها في الجام الذي في يده، فقال:
ألا يا ثاني الظبي
…
الذي يبرق شنفاه
ولولا الملك القاعد
…
قد ألثمني فاه
فحقد عليه ذلك، قال العتبي: ويقال: إن اسمه عمرو، وسمي طرفة ببيت قاله، وأمه وردة، وكان من أحدث الشعراء سنًا وأقلهم عمًا قتل وهو ابن عشرين سنة، فيقال له: ابن العشرين، فقبره بالبحرين، وقالت أخت طرفة تهجو عبد عمرو زوجها لما كان من إنشاده الملك ذلك الشعر، واسمها كبيشة: