الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ "اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ".
قوله: "يقول: كان النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلّم إذا دخلَ الخلاء" أي: إذا أراد دخول الخلاء كما هو مصرح به في رواية سعيد بن زيد الآتية قريبًا، وعبر بلفظة كان للدلالة على الثبوت والدوام، ويلفظ المضارع في يقول استحضارًا لصورة القول.
قوله: "أعوذُ بك من الخُبُث والخبائث" أي: ألوذ بك وألتجىء من الخبث بضمتين، وقد تسكن الموحدة تخفيفًا، جمع خبيث، ذكر أن الشياطين. والخبائث جمع خبيثة إناثهم.
وإنما استعاذ صلى الله تعالى عليه وسلم إظهارًا للعبودية، ويجهر بها للتعليم، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام محفوظ من الجن والإنس، وقد ربط عفريتًا على سارية من سواري المسجد.
وصرّح الخطابي بأن تسكين الخبث ممنوع، وعده من أغاليط المحدثين. وردَّه النووي وابن دقيق العيد بأن فُعُلًا -بضم الفاء والعين- تخفف عينه بالتسكين اتفاقًا. ورده الزَّرْكشيُّ بأن التخفيف إنما يطرد فيما لا يُلْبس كعُنُق من المفرد، ورُسُل من الجمع، لا فيما يُلْبِس كحُمُر، فإنه لو خفف التبس بجمع أحمر. وتعقبه صاحب "المصابيح" بأن هذا التفصيل لا يُعرف لأحد من أئمة العربية. وفي كلامه ما يدفعه، فإنه صرح بجواز التخفيف في عنق، مع أنه
يلتبس بجمع أعنق، وهو الرجل الطويل العنق، والأنثى عنقاء بيِّنةُ العنق، وجمعهما عُنْق بضم العين وإسكان النون.
وفي نسخة ابن عساكر: قال أبو عبد الله البُخاريُّ: ويقال: الخبْث -أي بإسكان الموحدة- فإن كانت مخففة من المحركة فقد مرَّ توجيهه، وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار، وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة، ليحصل التناسب، ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره:"أعوذ بالله من الخبْث والخبيث، أو من الخُبث والخبائث" هكذا بالشك، الأول بالإسكان مع الإفراد، والثاني بالتحريك مع الجمع، أي: من الشيء المكروه ومن الشيء المذموم، أو من ذكران الشياطين وإناثهم.
وقد روى المَعْمَري هذا الحديث عن عبد العزيز بن صُهيب بلفظ الأمر، قال:"إذا دخلتم الخلاءَ فقدلوا: بسم الله أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث" وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية.
قال في "الفتح": ولم أرها في غير هذه الرواية، وظاهر ذلك تأخير التعوذ عن البسملة، لأنه ليس للقراءة، وخص الخلاء لأن الشياطين تحضُرُ الأخلية لأنه يُهجر فيها ذكر الله، وهذا في الأمكنة المعدَّة لذلك، بقرينة الدخول، ولهذا قال ابن بطّال: رواية "إذا أتى" أعم لشمولها.
والكلام هنا في مقامين: أحدهما: هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضُرها الشياطين كما في حديث زيد بن أرقم في "السنن" أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلًا في جانب البيت، الأصح الثاني ما لم يَشْرَع في قضاء الحاجة.
المقام الثاني: متى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصّل، فأما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قُبيل دخولها، وأما في غيرها فيقوله في أول
الشروع، كتشمير ثيابه مثلًا، وهذا مذهب الجمهور، وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقلبه لا بلسانه. ومن يجيز مطلقًا كما نُقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل. كذا قال في "الفتح".
قلت: ما نسبه لمالك لم أجد نسبته له في كتب المذهب عندنا، وإن ثبتت نسبته له فلعله كول ضعيف جدًّا لا يُلتفت إليه، فمذهب المالكية كمذهب الجمهور: المحلُّ المعَدُّ لقضاء الحاجة يُكره فيه الذكر غير القرآن، ويحرم فيه القرآن، وغير المعد لها يجوز فيه الذكر ما لم يجلس لقضائها، وقيل: ما لم يخرج منه الحدث، ويزيل عند دخول المعد لها ما فيه كتابة ذِكرٍ ندبًا في غير القرآن، ووجوبًا في القرآن، إلا أن يكون حرزًا مستورًا، أو خاف عليه الضياع.
ولم يذكر المؤلف ما يُقال بعد الخروج منه، لأنه ليس على شرطه. وفيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند ابن حِبّان وابن خُزيمة في "صحيحيهما": كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال: "غفرانَك"، وحديث أنس عند ابن ماجه إذا خرج من الخلاء قال:"الحمد لله الذي أذهبَ عني الأذى وعافاني" وحديث ابن عبّاس عند الدّارقُطني مرفوعًا: "الحمد لله الذي أخرجَ عني ما يُؤذيني، وأمسك عليَّ ما ينفعني"، وحديث ابن عمر عند الدّارقُطني مرفوعًا:"الحمد لله الذي أذاقني لذَّته وأبقى عليَّ قوَّته، وأذهب عني أذاه"، وأصح شيء في هذا الباب حديث عائشة.
والحكمة في قوله: "غفرانك" مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن متلبِّسًا بشيء يستوجب طلب المغفرة، هو أنه عليه الصلاة والسلام لما كان ممنوعًا في تلك الحالة من الذكر اللساني، عدّ ذلك كأنه مما يُوجب الاستغفار في حقه، لأنه دائمًا مشتغل القلب واللسان بذكر الله، وهذا من باب ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقيل: إنه لشكر النعمة التي أنعم عليه بها إذ أطعمه وهضمه، فحق على مَنْ خرج سالمًا مما استعاذه منه أن يؤدي شكر النعمة في إعاذته واجابة سؤاله، وأن يستغفر الله تعالى خوفًا أن لا يؤدي شكر تلك النعمة، ولهذا ورد في بعض الأحاديث المارة الحمد لله
…
الخ.