الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ الَّذِى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِى الصَّلَاةِ. فَقَالَ:"لَا يَنْفَتِلْ أَوْ لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا".
قوله: "أنه شكا" هو بالألف، ومقتضاه أن الراوي هو الشاكي، وصرح بذلك بان خُزيمة عن سفيان بلفظ:"سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الرجل"، وفي بعض الروايات:"شُكِي" بالبناء للمفعول، وعلى هذه فالهاء في إنه ضمير الشأن، ووقع في "مسلم":"شُكِي" بالضم كما ضبطه النّووي، وقال: لم يسمَّ الشاكي. قال: وجاء في رواية البخاري أنه الراوي. قال: ولا ينبغي أن يُتوَهَّم من هذا أن "شُكِيَ" في رواية مسلم بالفتح.
وقوله: "الرجلُ" بالضمِّ على الحكاية، وهو وما بعده في موضع نصب. قال في "التنقيح": وعلى هذين الوجهين في شكا يجوز في الرجل الرفع والنصب. قال الدّماميني: إن الوجهين محتملان على الأول فقط، وذلك أن الضمير في أنه يُحتمل أن يكون ضمير الشأن، وشكا الرجل فعل وفاعل مفسر للشأن، ويحتمل أن يعود إلى الراوي، وشكا مسند إلى ضمير يعود إليه أيضًا، والرجل مفعول به.
وقوله: "الذي يُخَيل إليه" بضم المثناة وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول، وأصله من الخيال، والمعنى يظن، والظن هنا أعم من تساوي الاحتمالين أو ترجيح أحدهما، على ما هو أصل اللغة من أن الظن خلاف اليقين.
وقوله: "أنه يجد الشيء" أي: الحدث خارجًا منه، وصرح به الإسماعيلي، ولفظه:"يخيل إليه في صلاته أنه يخرج منهُ شيءٌ"، وفيه العدول عن ذكر الشيء المستقذر بخاص اسمه إلا للضرورة.
وقوله: "في الصلاة" قال في "الفتح": تمسك بعض المالكية بظاهره، فخصوا الحكم بمن كان داخل الصلاة، وأوجبوا الوضوء على مَنْ كان خارجها، وفرقوا بالنهي عن إبطال العبادة، والنهي عن ابطال العبادة متوقف على صحتها، فلا معنى للتفريق بذلك، لأن هذا التخيُّل إن كان ناقضًا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك فيها كبقية النواقض.
قلت: القائل بهذا التفصيل هو مالك وابن القاسم، قالا: يتمادى في صلاته إذا طرأ له الشك فيها، فإن بان له الطهر بعد ذلك صحت صلاته، وإن بان له الحدث أو استمر على شكه أعاد الصلاة لنقض وضوئه، متمسكين بقوة جانب الصلاة لدخوله فيها جازماً بالطهر، وبحديث:"إن الشيطان يَفْسو بين ألْيَتَيْ أحدكم إذا كان يصلي، فلا ينصرفْ حتى يسمعَ صوتًا أو يجدَ ريحًا" وفي رواية: "فإذا كان يصلي فلا ينصرِفْ
…
إلخ"، أخرجه أبو داود بلفظ: "إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحًا أو حركة في دُبُره فأشكل عليه فلا ينصرفْ
…
الحديث"، وأخرج أحمد والبزار قريبًا من اللفظ الأول.
وقد قال هو في "تلخيص الحبير": حديث أبي داود حجة لمالك، فالحديث نص في إلغاء الشك العارض في أثناء الصلاة، وأنه لا ينصرف من تلك الصلاة إلا بتحقق الحدث، فأعملا ظاهر الحديث، واحتاطا للصلاة بأنه إذا استمر على الشك ينتقض وضوؤه ويعيد الصلاة.
وقوله: "لا ينفتِلُ" بالجزم على النهي، ويجوز الرفع على أن لا نافية.
وقوله: "أو لا ينصرف" بالشك من الراوي، وكأنه من علي، لأن الرواة غيره رووه عن سفيان بلفظ:"لا ينصرف" من غير شك.
وقوله: "يسمعَ صوتًا" أي: من مخرجه.
وقوله: "أو يجدَ ريحًا" أو للتنويع، وعبر بالوجدان دون الشم ليشمل ما لو لمس المحل ثم شمَّ يده.
والمراد تحقق وجودهما، حتى إنه لو كان أخشم لا يشم، أو أصم لا يسمع كان الحكم كذلك.
وذكرهما ليس لقصر الحكم عليهما، فكل حدث كذلك، إلا أنه وقع جوابًا لسؤال، والمعنى: إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى، وهذا كحديث:"إذا استهل الصبي ورِثَ وصُلِّي عليه" إذ لم يرد تخصيص الاستهلال دون غيره من إمارات الحياة كالحركة والنبض ونحوهما.
قال النووي: هذا الحديث أصل في حكم بقاء الأشياء على أصولها حتى يتحقق خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارىء عليها، وأخذ بهذا الحديث جمهور العلماء. ورُوي عن مالك النقض مطلقًا، يعني: بالشك في الحدث. وروي عنه النقض خارج الصلاة دون داخلها، وقد مرَّ قريبًا ما في ذلك. وروي هذا التفصيل عن الحسن البَصْري، والأول مشهور مذهب مالك، قاله القُرْطبي، وهو رواية ابن القسام عنه.
قلت: التفصيل هو المشهور عند المالكية.
وروى ابن نافع عنه: لا وضوء عليه مطلقًا. كقول الجمهور. وروى ابن وهب عنه: أحب إليَّ أن يتوضأ. ورواية التفصيل لم تثبت عنه، وإنما هي لأصحابه.
قلت: بل هي مروية عنه، وعن ابن القاسم كما مر.
وحمل بعضهم الحديث على مَنْ كان به وسواس، وتمسك بأن الشكوى لا تكون إلا عن علة، وأجيب بما دل على التعميم، وهو حديث أبي هُريرة عند مسلم، ولفظه:"إذا وجدَ أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخَرَجَ منه شيء أم لا فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". وقوله: "فلا يخرجن من المسجدِ" أي: من الصلاة، وصرح بذلك أبو داود في روايته.