الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والعشرون
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ:"هَذَا رِكْسٌ".
قوله: "ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود" يعني: إن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يذكره له، ولكن ذكره له عبد الرحمن بن الأسود، بدليل قوله في الرواية المعلقة الآتية قريبًا: حدثني عبد الرحمن.
وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عُبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن، مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له، لكون أبي عُبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح، فتكون منقطعة، بخلاف رواية عبد الرحمن، فإنها موصولة.
ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عُبيدة، عن أبيه عبد الله بن مسعود رواها الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق. فمراد أبي إسحاق هنا بقوله:"ليس أبو عبيدة ذكره" أي: لست أرويه الآن عن أبي عُبيدة، وإنما أرويه عن عبد الرحمن.
ويأتي في تعريف أبي عُبيدة ما قاله العيني من أنه سمع من أبيه.
وقوله: "أتى الغائط" أي: الأرض المطمئنة لقضاء الحاجة، فالمراد به معناه اللغوي.
وقوله: "فالتمست الثالث فلم أجده" بالضمير المنصوب، أي: الحجر.
ولأبي ذرٍّ: "فلم أجد" بحذفه.
قال في "الفتح" وفي قوله: "بثلاثة أحجار" العمل بما دل عليه النهي في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا يستنجِ أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار"، وأخذ بهذا الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، فاشترطوا أن لا ينقص عن الثلاث، مع مراعاة الإِنقاء، إذا لم يحصل بها فيزداد حتى ينقى، ويستحب حينئذ الإِيتار، لقوله:"من استجمر فلْيوتر" وليس بواجب، لزيادةٍ عند أبي داود حسنةٍ، قال:"ومن لا فلا حرج" وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في الحديث.
قال الخطابي: لو كان القصد الإِنقاء فقط لخلا اشتراط العدد من الفائدة، فلما اشتُرط العدد لفظًا، وعُلم الإِنقاء فيه معنى، دَلَّ على إيجاب الأمرين، ونظيره العدة بالأقراء، فإن العدد مشترط، ولو تحققت براءة الرحم بقرء واحد.
قلت: هكذا قال انتصارًا لمذهبه، وبعض كلامه يرد بعضه، فقد قال: ليس بواجب لحديث أبي داود، ونقل عن الخطابي قوله: دل على وجوب الأمرين. وهذا مخالف لما مر.
وقوله: لخلا اشتراط العدد من الفائدة. يقال فيه: إن العدد لم يشترط، وإنما جاء على سبيل الندب، وقول أبي داود:"ومن لا فلا حرج" كاف في عدم اشتراطه.
وقد جاء الإِيتار في أكثر أفعاله عليه الصلاة والسلام في وضوئه بثلاث غرفات على ما هو الغالب من أحواله عليه الصلاة والسلام، وكتكحله، وكإعادته للحديث ثلاثًا. وفي الحديث:"إن الله وتر يحب الوتر".
وأما القياس على الأقراء في العدة فقياس مع وجود الفارق، لأن الأقراء واجبة بنص القرآن العظيم، وكون البراءة تحصل بالقرء الواحد أمر غير قطعي، لوجود الحيض من الحامل، فجُعلت الثلاثة لبراءة الرحم احتياطًا في البراءة، ليحصل القطع ببراءة الرحم. واشتراط الأقراء لم يحصل له معارِض،
والاستجمار بالثلاثة جاء النص على عدم اشتراطه.
وقوله: "فأخذت روثةً" زاد ابن خُزيمة في روايته في هذا الحديث: "إنها كانت روثة حمار"، ونقل التيمي أن الروث مختصٌّ بما يكون من الخيل والبغال والحمير.
وقوله: "وألقى الرَّوْثة" يعني: واستنجى بالحجرين على ما هو ظاهر هذا الحديث. وفيه دلالة لمذهب مالك وأبي حنيفة وداود من عدم اشتراط الثلاث في الاستنجاء. وقال الطحاوي: لو كان العدد مشترطًا لطلب ثالثًا. وقال أبو الحسن القصّار المالكي: روي أنه أتاه بثالث، لكن لا يصح، ولو صح فالاستدلال به لمن لا يشترط الثلاثة قائم، لأنه اقتصر في الموضعين على ثلاثة، فحصل لكل منهما -أي: المخرجين- أقل من ثلاثة.
واعترض في "الفتح" ما قالاه، قال: إن الطحاوي غفل عما أخرجه أحمد في "مسنده" عن معمر، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن ابن مسعود في هذا الحديث، فإن فيه:"فألقى الروثة، وقال: إنها رِكس، اتيني بحجر" ورجاله ثقات أثبات، وقد تابع عليه معمرًا أبو شعبة الواسطي -وهو ضعيف- أخرجه الدَّارقطني، وتابعهما عمار بن رُزَيْق وهو أحد الثقات عن أبي إسحاق، وقد قيل: إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة، لكن أثبت الكرابيسيّ سماعه لهذا الحديث منه، وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين، وعندنا أيضًا إذا اعتضد.
واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك، لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة، فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث، لان المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات، وذلك حاصل ولو بواحد. والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد ورماه، ثم جاء شخص آخر فمسح بطرقه الآخر لأجزأهما بلا خلاف.
هذا ما اعترض به على الطحاوي، وفي بعض اعتراضه نظر، فقوله: إن
المرسل حجة عند المخالفين، فيه أن هذا الواقع في الحديث انقطاع لا إرسال، وليس المنقطع كالمرسل في القبول عند من يقبل المرسل كما هو معلوم عنده. وقوله: إن المقصود ثلاث مسحات ولو بواحد فيه أن هذا مخالف لمذهبه من اشتراط ثلاثة أحجار، وللحديث الذي استدل به من أنه لا يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، فالمسحات بحجر واحد لا تصيِّره ثلاثة أحجار.
ثم قال: وفيما قاله ابن القصار نظر أيضًا، لأن الزيادة ثابتة كما قدمناه. وكأنه إنما وقف على الطريق التي عند الدّارقطني فقط. ثم يُحتمل أن يكون لم يخرج منه شىء إلا من سبيل واحد، وعلى تقدير أن يكون خرج منهما، فيحتمل أن يكون اكتفى للقبل بالمسح في الأرض، وللدبر بالثلاثة، أو مسح من كل منهما بطرفين.
وفي اعتراضه هذا نظر ظاهر، أما قوله: إن الزيادة ثابتة. فابن القصار ممكن أنه لم يصح عنده ما قاله الكرابيسيّ من سماع أبي إسحاق من علقمة، فحكم بانقطاع الحديث، فلم يقبل الزيادة لضعف المنقطع. ومتابعة عمار بن رُزَيْق إنما هي لمَعْمر عن أبي إسحاق، فلا تنفي الانقطاع. وما أبداه من الاحتمالات في طعن قوله:"إنه يحصل لكل واحد منهما أقل من ثلاثة احتمالات" عقلية لا يُعترض بها على الظاهر من كون ثلاثة أحجار للقبل والدبر لا يحصل لكل واحد منهما إلا أقل من ذلك، وما أبعد قوله: إنه يمكن أن لا يخرج من أحد السبيلين شيء، فهذا وإن جوزه العقل فالمعتاد يمنعه.
وقوله: "هذا رِكْس" بكسر الراء وإسكان الكاف، فقيل: هي لغة في رجس بالجيم، ويدل عليه رواية ابن ماجه وابن خُزيمة فإنها عندهما بالجيم. وأغرب النَّسائي فقال عقب هذا الحديث: الركس: طعام الجن. وهذا إن ثبت في اللغة فهو مريح من الإشكال. وقيل: الركس: الرَّجيع، سُمي الرجيع لأنه ردَّ من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة، قاله الخطابي، والأولى أن يقال: رد من حالة الطعام إلى حالة الروث. قلت: المعنى متقارب، لأن حالة الطهارة هي حالة الطعام. وقال ابن بطّال: لم أر هذا الحرف في اللغة، أعني: الركس. وتُعُقِّب بأن معناه