الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى هذا فالضمير في "يقسمه" في رواية أبي عَوانة يعود على الشِّق الأيمن، وكذا قوله في رواية ابن عُيينة:"اقسِمْه بين الناس" للجمع بين الروايات، وإن كان ظاهر اللفظ خلاف ذلك.
قال النّووي: فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق، وهو قول الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة. وفيه طهارة شعر الآدمي، وبه قال الجمهور، وهو الصحيح عندنا. وفيه التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم، وجواز اقتنائه.
قلت: وفي هذا الحديث كفاية في الرد على الملاحدة الذين يمنعون التّبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم، ويأتي الكلام على هذا إن شاء الله تعالى بأبسط.
وفيه المواساة بين الأصحاب في العطية والهدية. وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة، وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره.
رجاله سبعة:
الأول: محمد بن عبد الرحيم صاعِقة، مرّ في الحديث السادس من كتاب الوضوء هذا
الثاني: سعيد بن سُليمان الضَّبِيّ أبو عثمان الواسِطي البزّار المعروف بسعَدْوُيه، سكن بغداد، وسمى ابن حِبّان جدَّه كِنانة، وسمّى ابن عساكر جده نشيطًا فوهم.
رأى معاوية بن صالح، وروى عن سُليمان بن كثير، وسليمان بن المُغيرة، وحمّاد بن سَلمة، والليث بن سعد، وشَريك القاضي، وابن مبارك، وغيرهم.
وروى عنه: البُخاري، وأبو داود، والباقون بواسطة، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، وأبو حاتم، وأبو زُرعة، ويحيى بن مَعين، وقُتيبة بن سعيد، وخلق.
ذكره ابن حِبان في الثقات. وقال أبو حاتم: ثقة مأمون، ولعله أوثق من عفان. وقال صالح بن محمد عنه: ما دلست قطُّ، ليتني أحدث بما قد سمعت.
قال: وسمعته يقول: حججت ستين سنة. وقال الدُّوري: سئل ابن مَعين عنه وعن عمرو بن عَوْن، فقال: كان سعدُويه أكيسهما. وروى جعفر الطّيالسي عنه: كان سعدويه قبل أن يُحِّدث أكيس منه حين حدث. وقال العِجْلي: واسطي ثقة، قيل له بعد ما رجع من المحنة: ما فعلتم؟ قال: كفرنا ورجعنا. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان صاحب تصحيف ما شئت.
مات ببغداد لأربع خلون من ذي الحجة سنة خمس وعشرين ومئتين وله مئة سنة.
والضَّبِّي في نسبه مر الكلام عليه في الثامن والعشرين من الإيمان.
الثالث: عبّادة -بتشديد الباء- ابن العوّام بن عمر بن عبد الله بن المنذر بن مصعب بن جَنْدل الكلابي مولاهم أبو سهل الواسِطي.
قال ابن سعد: كان ثقة. وذكره ابن حِبان في "الثقات". ووثقه البزار، وابن مَعين، وأبو حاتم، والعِجْلي، وأبو داود، والنسائي. وقال الحسن بن عرفة: سألني وكيع عنه: أتحدث عنه؟ قلت: نعم. قال: ليس عندكم أحد يشبهه. وقال الفضل بن زياد عن أحمد: كان يشبه أصحاب الحديث. وقال الأثرم عن أحمد: مضطرب الحديث عن سَعيد بن أبي عَروبة. قال ابن حجر: لم يخرِّج البخاري من حديثه عن سعيد حديثًا واحدًا. وقال ابن سعد كان يتشيَّع، فأخذه هارون، فحبسه، ثم خلى عنه، فقام ببغداد. وقال سعيد بن سليمان: حدثنا عباد بن العوام، وكان من نبلاء الرجال في كل أمره.
روى عن: حُميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد، وابن عَوْن، وعَوْف الأعرابي، وحجّاج بن أرطأة، وسعيد بن أبي عَروبة، وأبي إسحاق الشَّيباني، وغيرهم.
وروى عنه: أحمد بن حنبل، وابنا أبي شيبة، وسعيد بن سليمان الواسطي، وأبو الربيع الزَّهراني، وإسماعيل بن عُلَيّة وهو من أقرانه.
مات سنة خمس وثمانين ومئة.
والكِلابي في نسبه مر في الثالث عشر من الإِيمان، ومر الواسِطي في الخامس من بدء الوحي.
الرابع: عبد الله بن عَوْن مر في الحديث التاسع من كتاب العلم، ومر تعريف محمد بن سيرين في الحديث الحادي والأربعين من كتاب الإيمان، ومر تعريف أنس بن مالك في الحديث السادس منه.
والسابع: أبو طلحة الأنصاريُّ النَّجاري زَيْد بن سَهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار مشهور بكنيته، وهو الذي يقول:
أنا أبو طَلْحة واسمي زيدُ
…
وكل يوم في سلاحي صيدُ
ووهم من سماه سهل بن زيد.
وهو زوج أم سُليم بنت مِلحان، خطبها بعد إسلامها، فقالت: يا أبا طلحة، ما مثلك يردُّ، ولكنك امرؤ كافر وأنا مسلمة لا تحِلُّ لي، فإن تُسلم فذلك مهري، فأسلم، فكان ذلك مهرها.
رجل شهد العقبة وبدرًا، وما بعدها من المشاهد، أم عُبادة بنت مالك بن عَدي بن زيد مناة بن عَدي بن عمرو بن مالك بن النجار، كان مربوعًا آدم، وكان من رماة الصحابة.
روي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حُنين: "من قتل كافرًا فله سلبُه" فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلًا، وأخذ أسلابهم.
وقال أنس: كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب، ويقول: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء، ثم ينثر كنانته بين يديه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مئة رجل"، وفي رواية:"خيرٌ من ألف رجل"، وفي رواية:"خير من فئة".
وكان أبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يرمي يوم أحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه من خلف أبي طلحة ليرى مواقع النَّبْل، فكان أبو طَلْحة يتطاول بصدره يقي به النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: نحري دون نحرك.
وفي "الصحيحين" لما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب مالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة أرجو بَّرها وذخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"بخٍ بخٍ، مال رابحٌ".
وكان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو، فصام بعده أربعين سنة لا يفطر إلا يوم أضحى أو فطر.
وروى مسلم وغيره من طريق ابن سيرين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق شعره بمِنى فرق شقه الأيمن على أصحابه الشعرة والشعرتين، وأعطى أبا طلحة الشِّق الأيسر كله.
كان من نقباء الأنصار، وشُلَّت يده يوم أحد يقي بها النبي صلى الله عليه وسلم.
له اثنان وسبعون حديثًا، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بواحد، ومسلم بآخر.
روى عنه: ربيُبه أنس، وولده عبد الله، وأنس، وأبو الحُباب، وعُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود.
مات سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان، وقيل: قبلها بسنتين. وعلى الحديث الذي تقدم من أنه عاش بعد النبي أربعين سنة، يكون موته سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وبه جزم المدائني، ويؤيده ما رواه في "الموطأ"، وصححه الترمذي من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أنه دخل على أبي طلحة، فذكر الحديث في التصاوير، وعبيد الله لم يدرك عثمان ولا عليًّا، فيدل على تأخر وفاته.
وروي عن أنس: مات أبو طلحة غازيًا في البحر، فما وجدوا جزيرة يدفِنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم يتغير.