الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والاربعون
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
قوله: "إنه كان" أدّى عُروة معنى كلام أبيه بعبارة نفسه، وإلّا فكأن السياق يقتضي أن يقول: قال: إني كُنْتُ. وكذا قوله: "وإن المغيرةَ جعلَ"، ويُحتمل أن يقال: هو التفات على رأي، فيكون عُروة أدّى لفظ أبيه.
وقوله: "في سفرٍ، وإنه ذهب لحاجة له" الضمير في "إنه" وفي قوله: "له" للنبي صلى الله عليه وسلم.
والسفر المذكور، في "المغازي" أنه كان في غزوة تبوك على تردد في ذلك من بعفرواته، ولمالك وأحمد وأبي داود أنه كان في غزوة تبوك بلا تردد، وإن ذلك عند صلاة الفجر.
وفي الرواية الآتية في المسح على الخفين: "فاتَّبعه المغيرة بإداوة فيها ماء"، واتَّبعه بتشديد المثناة المفتوحة. وللمصنف عن المغيرة في الجهاد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره أن يتَّبعه بالإِدواة، وزاد:"فانطلق حتى توارى عني، فقضى حاجته، ثم أقبل فتوضأ"، وعند أحمد عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به أخذه المغيرة من أعرابيّة، صبته له من قُربة كانت جلد ميتة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"سَلْها، فإن كانت دبَغَتها فهو طهور"، وأنها قالت: إي والله، لقد دبغتها.
وقوله: "جعل يصبُّ الماء عليه وهو يتوضأ" في الرواية الآتية: "فصب عليه حين فَرَغَ من حاجته، فتوضأ"، زاد في الجهاد:"وعليه جُبّة شاميّة"، ولأبي داود:"من صوفٍ من جباب الروم".
وقوله: "فَغَسَل وجهه ويديه" الفاء في فغسل تفصيلية، وتَبَيَّن من ذلك أن قوله:"توضأ" المراد به بالكيفية المذكورة، لا أنه غسل رجليه.
واستدل به القُرطبي على الاقتصار على فروض الوضوء دون سننه، لاسيَّما في حال مِظنّة قلة الماء كالسفر، قال: ويُحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها فلم يذكرها المغيرة، والظاهر خلافه.
قال في "الفتح": بل فعلها، وذكرها المغيرة، ففي رواية أحمد أنه:"غسل كفيه"، وله من وجه آخر قوي:"فغسلهما، فأحسن غسلهما" قال: وأشك أقال: دلكهما بتراب أم لا. وللمصنف في الجهاد أنه: "تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه" زاد أحمد: "ثلاث مرات، ثم ذهب يُخرج يديه من كميه، فكانا ضيِّقين، فأخرجهما من تحت الجُبة"، ولمسلم من وجه آخر:"وألقى الجُبة على منكبيه"، ولأحمد:"فغسل يده اليمنى ثلاث مرات، ويده اليسرى ثلاث مرات".
وقوله: "ومسح رأسه ومسح على الخُفَّين"، وفي رواية لمسلم:"ومسح بناصيته، وعلى عِمامته، وعلى الخُفين"، وللمصنف فيما يأتي في باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان:"فأهَويَت لأنزَع خُفَّيه، فقال: دعهما فإني أدخلتُهُما طاهِرتين، فمسح عليهما".
وحديث المغيرة هذا ذكر البزّار أنه رواه عنه ستون رجلًا.
قلت في: "الفتح": وقد لخِّصْتُ مقاصد طرقه الصحيحة في هذه القطعة.
قلت: وأنا لخَّصت ما لخصه تبعًا له في ذلك، والمراد منه هنا عند المصنف الاستدلال به على الاستعانة.
قال ابن بطال: هذا من القُربات التي يجوز للرجل أن يعملها من غيره بخلاف الصلاة، قال: واستدلَّ البخاري من صبِّ الماء عليه عند الوضوء على أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره، لأنه لما لزم المتوضىء الاغتراف من الماء لأعضائه، وجاز له أن يكفيه غيره ذلك بالصب، والاغتراف بعض عمل الوضوء، كذلك يجوز في بقية أعماله.
وتعقبه ابن المُنير بأن الاغتراف من الوسائل لا من المقاصد، لأنه لو اغترف ثم نوى أن يتوضأ جاز، ولو كان الاغتراف عملًا مستقلًا لكان قد أخّر النية عليه، وذلك لا يجوز وحاصله التفرقة بين الإعانة بالصبِّ وبين الإعانة بمباشرة الغير لغسل الأعضاء، والحديثان دالاّن على عدم كراهة الاستعانة بالصبِّ، وكذا إحضار الماء من باب الأولى، وأما المباشرة فلا دِلالة فيهما عليها.
قلت: قد مر ذلك قريبًا ما أبديته مما يصحُّ أن يكون هو مُراد البخاري، وما رواه أبو جعفر الطبري عن ابن عمر أنه كان يقول: ما أُبالي من أعانني على طُهوري أو على رُكوعي وسُجودي. محمول على الإِعانة بالمباشرة لا الصبِّ، بدليل ما رواه الطبري أيضًا وغيره، عن مجاهد أنه كان يسكُبُ على ابن عمر وهو يغسِلُ رجليه. وقد روى الحاكم في "المستدرك" عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فقال:"اسكبي" فسكبت عليه، وهذا أصرح في عدم الكراهة من الحديثين المذكورين، لكونه في الحضر، ولكونه بالطلب، لكنه ليس على شرط البخاري.
وفي الحديث من الفوائد باعتبار طرقه المتقدمة غير ما مر: الإبعاد عند قضاء الحوائج، والتواري عن الأعين، واستحباب الدّوام على الطهارة لأمره صلى الله عليه وسلم المغيرة أن يتبعه بالماء، مع أنه لم يستنج به، وإنما توضأ به حين رجع.
وفيه غسل ما يُصيب اليد من الأذى عند الاستجمار، وأنه لا تكفي إزالته بغير الماء، والاستعانة على إزالة الرائحة بالتراب ونحوه.
وفيه الانتفاع بجلود الميتة إذا دُبغت، والانتفاع بثياب الكفار حتى تتحقق