الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والسبعون
حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَجُلاً قَامَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله "إن رجلًا قام في المسجد" قال في "الفتح": لم أقف على اسم هذا الرجل، والمراد بالمسجد، مسجد النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم. ويستفاد منه أن السؤال عن مواقيت الحج كان قبل السفر من المدينة. وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل في أي وَقْتٍ وَقَّت النبيّ، صلى الله تعالى عليه وسلم، المواقيت؟ فقال: عام حَجَّ. وهذا موافق لما استفيد من الحديث إلا أن المستفاد منه مبين، لكون التوقيت قبل سفره للحج.
وقوله "من أين تأمرنا أن نُهِل" أي: بالإهلال، وأصله رفع الصوت، لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم اطلق على نفس الإحرام اتساعًا، والسؤال عن "المُهَلّ" بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام، وهو موضع الإهلال، وهو الميقات المكانيّ. وقال أبو البقاء العَكْبَرِيّ: إن المُهَل مصدر بمعنى الإهلال، كالمدخل والمخرج، بمعنى الإدخال والإخراج. وقوله "يهلُّ أهل المدينة من ذي الحُليفة" بالمهملة والفاء مصغر، مكان معروف بينه وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال بينهما ميل واحد، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال
لها بئر عليّ، وهي أبعد المواقيت من مكة، فقيل: الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة، وقيل: رفقًا بأهل الآفاق؛ لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي ممن له ميقات معين.
وقوله: "ويهلُّ أهل الشام من الجُحْفَة" بضم الجيم وسكون المهملة، وهي قرية خَرِبة بيتها وبين مكة خمس مراحل أو ستة. وفي حديث ابن عمر أنها مَهْيعةٌ، بوزن علقمة، وقيل بوزن لطيفة، وسميت الجُحفة لأن السيل أجحف بها. قال ابن الكلبيّ: كان العمالق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عَبِيل، بفتح المهملة بوزن عظيم، وهم أخوة عاد حرب، فأخرجوهم من يثرب، فنزلوا مهيعة، فجاء سيل فاجتحفهم، أي استأصلهم، فسميت الجحفة.
وقوله "ويهل أهل نجدٍ من قَرْن"، أما نجد فهو كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق، وجميع ما يسمى نجدًا مضاف أي: نجد كذا، إلا هذا، أو يقال لقْرن قَرْن المنازِل، بلفظ جمع المنزل، وهو اسم المكان، وهو بفتح القاف وسكون الراء، وغلط من قال بفتح الراء، لكن حكى عياض عن القابِسيّ أن من قاله بالإسكان أراد الجبل، ومن قاله بالفتح أراد الطريق.
والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان، وحكى الروياني عن بعض الشافعية، أن المكان الذي يقال له قَرْن موضعان: أحدهما في هبوط، وهو الذي يقال له قَرْن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرْنُ الثعالب، والمعروف الأول. وفي أخبار مكة للفاكهانيّ: أن قَرن الثعالب جبل مشرف على أسفل مِنى، بينه وبين مسجد مني ألف وخمس مئة ذراع. وقيل له قرن الثعالب، لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت.
وقوله "ويهل" في الكل على صورة الخبر في الظاهر، والظاهر أن المراد منه الأمر، فالتقدير "ليهل"، وقوله "وقال ابن عمر" هو بواو العطف في
غير رواية ابن عساكر والأصيلي، فإنها أي: الواو، ساقطة، والعطف على لفظٍ عن عبد الله بن عمر عطفا من جهة المعنى، كأنه قال: قال نافع قال عبد الله بن عمر ما مر. وقال "ويزعمون" وهو عطف على مقدر، أي: وقال: قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: كذا. ويزعمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلمْلَم" وهذا التقدير لابد منه؛ لأن هذه الواو لا تدخل بين القول ومقوله، ويلملم بفتح المثناة التحتية وفتح اللامين، جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة، بينهما ثلاثون ميلًا ويقال "ألملم" بالهمزة بدل الياء، وهو الأصل والياء تسهيل لها، وحكي فيه "يَرَمْرَم" براءين بدل اللامين، وفي عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس "ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قَرْن"، وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث ابن عباس، وإنما يوجد ذلك من مرسَل عطاء، وهو المعتمد، فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين: إحداهما طريق أهل الجبال، وهم يصلون إلى قَرْن أو يحاذونه، فهو ميقاتهم، كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى طريق أهل تهامة، فيمرون بيلملم، أو يحاذونه، وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم.
وقول ابن عمر "ويزعمون" إلى آخره، يفسر بمن روى الحديث تامًا، كابن عباس وغيره، وقوله "وقال ابن عمر: لم أفقه هذه من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم" أي: لم أفهم هذه الأخيرة، أي يلملم لأهل اليمن، وهذا من شدة تحرّيه وورعه.
وفيه دليل على إطلاق الزعم على القول المحقق، لأن ابن عمر سمع ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، لكنه لم يفهمه، لقوله: لم أفقه هذه، أي الجملة الأخيرة، فصار يرويها من غيره، وأيضًا فإن ابن عمر لا يريد بهؤلاء الزاعمين إلا أهل الحجة، والعلم بالسنة، ومحالٌ أن يقولوا ذلك بآرائهم، لأن هذا ليس مما يقال بالرأي.