الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والخمسون
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ هِنْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَمْرٍو وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِى الآخِرَةِ".
قوله "قالت استيقظ النبي" أي تيقظ، فالسين ليست للطلب، أي انتبه. وقوله "ذات ليلة" أي في ليلة. ولفظ "ذات" زيد للتأكيد. وقيل: إن الإضافة من إضافة المسمى إلى الاسم، والتقدير قطعة ذات ليلة، أي صاحبة هذا الاسم، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه. وقوله "سبحان الله ماذا" ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم؛ لأن سبحان الله تستعمل لذلك. وقوله "أنْزِل" بضم الهمزة، وللكُشْمَيهني " أنزلَ الله" واستعمل المجاز في الإنزال والمراد به إعلام الملائكة بالأمر المقدور، أوأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أوحي إليه في نومه ذلك، بما سيقع بعده من الفتن، فعبر عنه بالإنزال. وقوله "من الفتن وماذا فتح من الخزائن" عبر عن العذاب بالفتن؛ لأنها أسبابه، وعبر عن الرحمة بالخزائن، لقوله تعالى:{خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100].
وقال الداودي: الثاني هو الأول، والشيء قد يعطف على نفسه تأكيدًا؛ لأن ما يُفتح من الخزائن يكون سببًا للفتنة، وكأنه فهم أن المراد بالخزائن خزائن فارس والروم وغيرهما، مما فتح على الصحابة، لكن المغايرة بين الخزائن والفتن أوضح؛ لأنهما غير متلازمين، وكم من نائل من تلك الخزائن سالم من الفتن.
وقوله "أيْقظوا صواحب الحُجَر" بصيغة الأمر، مفتوح الأول مكسور الثالث، وصواحب بالنصب على المفعولية، وجوّز الكرمانيّ "إيقَظوا" بكسر أوله وفتح ثالثه، وصواحب منادى، والحُجَر بضم الحاء وفتح الجيم، جمع حُجْرة، وهي منازل أزواج النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، كما هو مصرح به في بعض الروايات بلفظ "يريد أزواجه لكي يصلين"، وإنما خصهن بالإيقاظ لأنهن الحاضرات حينئذ، أو من باب إبدأ بنفسك ثم بمن تعول. وفي رواية "من يوقظ صواحب الحجرات"، ودلت رواية أيقظوا على أن المراد بقوله "من يوقظ" التحريض على إيقاظهن.
وقوله "فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة" بزيادة الفاء في أوله، وفي رواية بحذفها، وفي رواية ابن المبارك "يارُبَّ" بزيادة حرف النداء في أوله، وفي رواية هشام "كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة". وهذا يؤيد ما ذهب إليه ابن مالك من أن "ربَّ" أكثر ما ترد للتكثير: فإنه قال: أكثر النحويين أنها للتقليل، وأن معنى ما يصدر بها المضيّ، والصحيح أن معناها في الغالب التكثير، وهو مقتضى كلام سيبويه، فإنه قال في باب "كم" اعلم أن "كم" في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه "رب" لأن المعنى واحد، إلا أن "كم" اسم "ورب" حرف، ولا خلاف. إن معنى كم الخبرية التكثير، ولم يقع في كتابه ما يعارض ذلك، فصح أن مذهبه ما ذكر، وحديث الباب شاهد لذلك، فليس مراده أن ذلك قليل، بل المتصف بذلك من النساء كثير، وهنَّ أكثر أهل النار، ولذلك لو جعلت "كم" موضع "رب" لحسن، وقد وقعت كذلك في نفس هذا الحديث، لكن الحديث إنما يدل لورودها في التكثير لا لأكثريتها فيه، وأما تصدير "رب" بحرف النداء في رواية ابن المبارك، فقيل: المنادى فيه محذوف والتقدير: يا سامعين، وقد مر في باب "رُبّ مبلغ" استيفاء الكلام على مباحث "رب". وقوله كاسية على وزن فاعلة من كسا، ولكنه بمعنى مكسوَّة كما في قول الحطيئة:
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
قال الفراء يعني المكسو كقولك ماء دافق، وعيشة راضية؛ لأنه يقال: كُسِي العريان ولا يقال كَسَا.
وقوله "عارية" قال عياض: الأكثر بالخفض على الوصف للمجرور بِرُبَّ، وقال غيره: الأولى الرفع على إضمار مبتدأ، والجملة في موضع النعت لكاسية، أي هي عارية، والفعل الذي يتعلق به "رُب" محذوف. وقال السُّهيليُّ: الأحسن الخفض على النعت، لأن "رُبَّ" حرف جر يلزم صدر الكلام.
واختلف في المراد بقوله "كاسية وعارية" على أوجه أحدها كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى، عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا، ثانيها: كاسية بالثياب، لكنها شفافة لا تستر عورتها، فتعاقب في الآخرة بالعُري جزاء على ذلك.
ثالثها: كاسية من نعم الله، عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب.
رابعها: كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها، فيبدو صدرها، فتصير عارية، فتعاقب في الآخرة.
خامسها: كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح عارية في الآخرة من العمل، فلا ينفعها صلاح زوجها، كما قال تعالى {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101]، ذكر هذا الأخير الطَيْبِيّ، ورجحه لمناسبة المقام. واللفظة، وإن وردت في أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لكن العبرة بعموم اللفظ، وقد سبق لنحوه الداودي فقال: كاسية للترف في الدنيا، لكونها أهل التشريف، وعارية يوم القيامة. قال: ويحتمل أن يراد عارية في النار، وأشار صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك إلى موجب