الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع والأربعون
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنْ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ.
قوله: "قلت" بتاء المتكلم على سبيل الالتفات من الغيبة إلى التكلم، بقصد حكايته لفظه بعينه، وإلا فكان أسلوب الكلام أن يقول: قال: قلت.
وقوله: "أرايتَ" أي: أخبرني.
وقوله: "إذا جامع" أي الرجل امرأته كما هو صريح الرواية الآتية في الغسل، وكامرأته أمته.
وقوله: "فلم يُمن"، وفي رواية:"ولم يُمن" بضم الياء وسكون الميم وقد يُفتح الأول، وقد يُضم مع فتح الميم وشد النون.
وقوله: "كما يتوضأ للصلاة" أي: الوضوء الشرعي لا اللغوي، وإنما أمره بالوضوء من غير أن يجب الغسل، إما لكون الجماع مِظنة خروج المذي، أو لملامسة المرأة، وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة، من حيث دلالته على وجوب الوضوء من الخارج المعتاد لا على الجزء الآخر، وهو عدم الوجوب في غيره. ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل الترجمة، بل تكفي دلالة البعض على البعض.
وقوله: "ويغسِل ذَكره" أي: لتنجيسه برطوبة الفرج، كما تدل عليه ترجمة
البخاري الآتية في الغسل في باب: غسل ما يصيب من رطوبة فرج المرأة. واستدل لذلك بما في الرواية المذكورة هناك من قوله: "بغسل ما مسَّ المرأة منه". فقول القَسْطلاّني: لتنجيسه بالمذي. غير ظاهر لما ذكر.
فإن قيل: غسل الذكر متقدم على الوضوء، فلم آخره؟ أجيب بأن الواو لا تدل على الترتيب، بل على مطلق الجمع، ولهذا جاء في الرواية الآتية التصريح بتأخير الوضوء عن غسل الذكر، حيث قال:"يغسل ما مسَّ المرأة منه. ثم يتوضأ ويصلي" فلا فرق بين أن يغسل الذَكَرَ قبل الوضوء أو بعده على وجه لا ينتقض الوضوء معه.
وقوله: "فأمروه بذلك" فيه التفات، لأن الأصل أن يقول: أمروني أو: هو مقول عطاء بن يسار، فيكون مرسلًا.
وقال الكِرماني: الضمير المرفوع يعود للصحابة، والمنصوب يعود على المجامع الذي في ضمن إذا جامع. وجَزَم بأنه عن عثمان إفتاء ورواية مرفوعة، وعن الباقين إفتاء فقط.
قال في "الفتح": وظاهره أنهم أمروه بما أمره به عثمان، فليس صريحًا في عدم الرفع، لكن في رواية الإسماعيلي:"فقالوا، مثل ذلك"، وهذا ظاهره الرفع، لأن عثمان أفتاه بذلك وحدثه به عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمثلية تقضي أنهم أفتوه وحدّثوه أيضًا. وقد صرح الإسماعيلي بالرفع في رواية أخرى له، فقال:"فقالوا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " لكنه قال: لم يقل ذلك غير يحيى الحِمّاني، وليس هو على شرط هذا الكتاب.
وظاهر الحديث وجوب الوضوء على من جامع ولم ينزل لا الغسل، لكن حكى الأثرم عن أحمد أن حديث الباب معلول، لأنه ثَبَتَ عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث. وحكى يعقوب بن أبي شَيْبة عن ابن المديني أنه شاذٌّ.
والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته،
وقد روى ابن عُيينة عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة عنه، كما أخرجه ابن أبي شَيْبة وغيره، فليس هو فردًا، وأما كونهم أفتَوْا بخلافه فلا يقدح في صحته، لاحتمال أنهم ثبت عندهم ناسخه، فذهبوا إليه، وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية.
وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه حديث الباب من الاكتفاء بالوضوء إذا لم يُنزل المجامع منسوخ بما دلَّ عليه حديث أبي هريرة عند المصنف: "إذا جَلَس بين شُعبها الأربع وجَهَدَها، وجب الغسل" يقال: جَهَد وأجهد أي: بلغ المشقة، قيل: معناه كدَّها بحركته، أو بلغ جهده في العمل بها. وفي رواية أبي داود وألزَقَ الخِتان بالختان" بدل قوله:"ثم جهدها" وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الايلاج.
قال النووي: معنى الحديث أن إيجاب الغسل لا يتوقف على الإنزال. وتعُقِّب بأنه يُحتمل أن يراد بالجهد الإنزال لأنه هو الغاية في الأمر، فلا يكون فيه دليل. والجواب أن التصريح بعدم التوقف على الانزال قد ورد في بعض طرق الحديث المذكور، فانتفى الاحتمال. ففي رواية مسلم عن الحسن في آخر هذا الحديث:"وإن لم يُنْزل"، وفي رواية قَتادة أيضًا عن أبي خيثمة في "تاريخه":"أنزل أو لم يُنزل"، وكذا رواه الدّارقطني وصححه، وأبو داود الطَّيالسي. وبحديث عائشة أيضًا عند البيهقي:"إذا التقى الختان فقد وجب الغسل"، ورواه ابن ماجه عن عائشة، ورواه مسلم عنها بلفظ:"ومسَّ الختان الختان".
والمراد بالمس والالتقاء المحاذاة، ويدل عليه رواية الترمذي بلفظ:"إذا جاوز"، وليس المراد بالمس حقيقته لأنه لا يُتصور عند غيبة الحشفة، لأن ختانها في أعلى الفرج فوق مخرج البول الذي هو فوق مدخل الذكر، ولا يمسُّه الذكر في الجماع، فالمراد تغييب حشفة الذكر، ولو حصل المسُّ قبل الإِيلاج لم يجب الغسل بالاجماع.
ومن الدليل على النسخ صريحًا ما أخرجه أحمد وغيره عن الزُّهري عن سهل بن سعد، قال: حدثني أُبي بن كعب أن الفُتيا التي كانوا يقولون: "الماء من الماء". رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإِسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد. صححه ابن خُزيمة وابن حِبّان، وقال الإسماعيلي هو صحيح على شرط البخاري، إلا أنهم اختلفوا في كون الزُّهري سمعه من سعد، نعم، أخرجه أبو داود، وابن خُزيمة أيضًا من طريق أبي حازم عن سهل، وهو حديث صريح في النسخ، على أن حديث:"الغسل وإن لم ينزل" أرجح من حديث: "الماء من الماء"، لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث "الماء من الماء" بالمفهوم أو بالمنطوق أيضًا، لكن ذاك أصرح منه.
وحديث: "إنما الماء من الماء" أخرجه مسلم مطولًا عن أبي سعيد الخُدري، وفيه قصة عُتبان بن مالك، واقتصر البخاري على القصة دون قوله:"الماء من الماء". ورواه أبو داود، وابن خُزيمة، وابن حِبّان، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم.
وروى ابن أبي شَيْبة وغيره عن ابن عباس أنه حمل حديث: "الماء من الماء" على صورة مخصوصة، وهي ما يقع في المنام من رؤبة الجماع، وهو تأويل يجمع بين الحديثين من غير تعارض.
وفي قوله: "الماء من الماء" جناس تام، والمراد بالماء الأول ماء الغسل، وبالثاني المني.
وذكر الشافعي أن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تُطلق بالحقيقة على الجماع، وإن لم يكن معه إنزال، فإن كل من خوطب بأن فلانًا أجنب من فلانة، علم بأنه أصابها وإن لم ينزل. قال: ولم يُخْتَلَف أن الزنى الذي يجب به الجلد هو الجماع ولو لم يكن معه إنزال.
وقال ابن العربي: إيجاب الغسل بالايلاج بالنسبة إلى الإنزال، تطير