الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مستعملًا. وفيه أن الأمر بغسل اليد قبل إدخالها في الإناء أمر ندب لا حتم. وفيه استحباب التماس الماء لمن كان على غير طهارة، والرد على من أنكر المعجزة من الملاحدة.
رجاله أربعة:
الأول: عبد الله بن يوسف، والثاني الإمام مالك، وقد مرّا في الحديث الثاني من بدء الوحي. ومر أنس بن مالك في الحديث السادس من كتاب الإِيمان. والثالث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وقد مر في الثامن من العلم.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث والإخبار والعنعنة، ورواته ما بين تِنّيسيّ ومدني وبصري، وهو من رباعيات البخاري.
أخرجه البخاري هنا، وفي علامات النبوة عن القَعْنَبي. ومسلم في الفضائل عن إسحاق بن موسى، والتِّرمذي في المناقب عنه أيضًا، والنّسائي في الطهارة عن قُتيبة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان
أي: حكم الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان.
أشار المصنف إلى أن حكمه الطهارة، لأن المغتسل قد يقع في ماء غسله من شعره، فلو كان نجسًا لتنجس الماء بملاقاته، ولم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب ذلك في اغتساله، بل كان يخلل أصول شعره كما يأتي، وذلك يفضي غالبًا إلى تناثر بعضه، فدل على طهارته، وهو قول جمهور العلماء، ونص الشافعي في القديم والجديد، وصححه جماعة من أصحابه، وهو طريقة الخُراسانيين، وصحح جماعة القول بتنجيسه، وهي طريقة العراقيين.
قال في "الفتح": وهذا كله في شعر الآدمي، أما شعر الحيوان غير المأكول المذَكىّ ففيه اختلاف بين العلماء، مبني على أن الشعر هل تُحِلُّه الحياة فيتنجس بالموت، أو لا. والأصح عند الشافعية أنه ينجُس بالموت، وذهب
جمهور العلماء إلى خلافه.
واستدل ابن المنذر على أنه لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت ولا بالانفصال بأنهم أجمعوا على طهارة ما يُجَزُّ من الشاة وهي حية، وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية، فدل ذلك على التفرقة بين الشعر وغيره من أجزائها، وعلى التسوية بين حالتي الموت والانفصال.
وقال البغوي في "شرح السنة" في قوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: "إنما حُرِّم أكلها" يُستدل به لمن ذهب إلى أن ما عدا ما يؤكل من أجزاء الميتة لا يحرُمُ الانتفاع به.
وعند المالكية: كل ما أزيل بجزٍّ أو نُورة أو حرق من صوف ووبرٍ وزَغَب ريش وشعر ولو من خنزير يكون طاهرًا، سواء أزيل قبل الموت أو بعده، أو بعد النتف بان أزيل عن الأصل المنتوف معه.
وكان عطاء لا يرى به بأسًا أن يُتَّخذ منها الخيوط والحبال.
عطاء المراد به عطاء بن أبي رَباح، وقد مر تعريفه في الحديث التاسع والثلاثين من كتاب العلم. وهذا التعليق وصله محمد بن إسحاق الفاكِهِيّ في "أخبار مكة" بسند صحيح. وسؤر الكلاب وممرها في المسجد.
وهو بالجر عطفًا على قوله "الماء"، والتقدير: وباب سؤر الكلاب، أي: ما حكمه؟ والسؤر البقية، والظاهر من تصرف المصنف أنه يقول بطهارته، وفي بعض النسخ بعد قوله:"في المسجد" و"أكلها" وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، وقال الزهري إذا ولغ الكلب في إناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به.
أي: فيه ماء، بأن أدخل لسانه فيه فحركه فيه تحريكًا قليلًا أو كثيرًا، وفي رواية أبي الوقت:"في الإناء".
وقوله: "ليس له وَضوء غيره"، أي: ليس لمريد الوُضوء، وَضوءَ -بفتح الواو- ماء يتوضأ به غير ما ولغ فيه الكلب، ويجوز في غير الرفع والنصب.
وقوله: "يتوضأ به" أي: بالماء الباقي عن الكلب، وهو جواب إذا الشرطية. وفي رواية أبي ذر:"حتى يتوضأ بها" أي: بالبقية، وفي رواية:"منه".
جمع المصنف في هذا الباب بين مسألتين، وهما: حكم شعر الآدمي، وسؤر الكلب، فذكر الترجمة الأولى وأثرها معها، ثم ثَنّى بالثانية وأثرها معها، ثم رجع إلى دليل الأولى من الحديث المرفوع، ثم ثنى بأدلة الثانية.
وهذا الأثر رواه الوليد بن مُسلم في "مصنفه" عن الأوزاعي وغيره عنه. وأخرجه ابن عبد البَر في "التمهيد" من طريقه بسند صحيح.
والزُّهري مر تعريفه في الحديث الثالث من بدء الوحي.
وقال سفيان هذا الفقه بعينه يقول الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وهذا ماء وفي النفس منه شيء يتوضأ به ويتيمم.
فسمى الثوري الأخذ بدلالة العموم فقهًا، وهي التي تضمنها قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: 6] لكونها نكرة في سياق النفي، فتعم، ولا تُخَصّ إلا بدليل، وتنجيس الماء بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم.
وقال: إن في نفسه منه شيئًا لعدم ظهور دلالته، أو لوجود معارض له من القرآن، أو غيره، فيتوضأ به حينئذ، ويتيمم؛ لأن الماء الذي يُشَكُّ فيه لأجل اختلاف العلماء كالعدم، فَيحتاط للعبادة.
وتعقبه الإسماعيلي بأن اشتراطه في جواز التوضُّؤ به إذا لم يجد غيره يدل على تنجيسه عنده، لأن الطاهر يجوز التوضُّؤ به مع وجود غيره.
وأجيب بأن المراد أن استعمال غيره مما لم يُختلف فيه أولى، فأما إذا لم يجد غيره فلا يعدِلُ عنه وهو يعتقد طهارته إلى التيمم.
وقد تُعقِّب أيضًا بأنه يلزم من استعماله أن يكون جسده الطاهر بلا شك مشكوكًا في طهارته باستعماله له.
وقال بعض الأئمة: الأوْلى أن يُراق ذلك الماء ثم يتيمم.
وفي رواية أبي زيد المَرْوَزي عن سفيان: "يقول الله: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا} " وهو مخالف للتلاوة، والظاهر أن الثوري حكاه بالمعنى، ولعله كان يرى جواز ذلك، ولم يوجدمن قرأ بها في جميع القراءات.
وسفيان هنا المتبادر إلى الذهن أنه ابن عُيينة، لكونه معروفًا بالرواية عن الزُّهري دون الثوري، لكن المراد به هنا الثوري، لأن أبا الوليد بن مسلم لما روى هذا الأثر قال: فذكرت ذلك لسفيان الثوري، وسفيان الثوري مر تعريفه في الحديث الخامس والعشرين من كتاب الإيمان.