الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والخمسون
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ:"أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ".
قوله "صلى بنا" في روايته "لنا" أي إماما في الروايتين، وإلا فالصلاة لله لا لهم، وقوله "العشاء" بكسر العين والمد، أي صلاة العشاء. وقوله "في آخر حياته" مقيدًا في رواية جابر أن ذلك كان قبل موته عليه الصلاة والسلام بشهر. وقوله "أرأيتكم ليلتكم هذه" هو بفتح المثناة، لأنها ضمير الخطاب، والكاف ضمير ثان لا محل له من الإعراب، والهمزة الأولى للاستفهام التقريريّ، أي قد رأيتم ذلك فأخبروني. فأرأيتكم بمعنى أخبروني. وهو من إطلاق السبب على المسيِّب؛ لأن مشاهدة هذه الأشياء طريق إلى الإخبار عنها، فقد قال الزَّمَخْشَرِيّ: إن أرأيتكم ترد للاستخبار، كما في قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ} [الأنعام: 40] الَآية، فالمعنى: أخبروني، ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره من تدعون ثم بكَّتهم، فقال:{أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} [الأنعام: 40] وقيل: إن الهمزة الأولى للاستفهام، والرؤية بمعنى العلم أو البَصر، والمعنى أعلمتم أو أبصرتم ليلتكم، وهي منصوبة على المفعولية، والجواب محذوف تقديره: قالوا: نعم، قال: فاضبطوها، أي: هل تدرون ما يحدث بعدها من الأمور العجيبة؟ ولا يستعمل هذا اللفظ إلا في الإخبار عن حال عجيبة.
وقوله "فإن رأس مئة سنة منها" في رواية الأصيلي "فإن على رأس" أي عند انتهاء مئة سنة. وقوله "منها" فيه دليل على أن من تكون لابتداء الغاية في الزمان، لقول الكوفيين. وقد رد ذلك تجاه البصريين وأوَّلوا ما ورد من شواهده، كقوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة: 108] وقول أنس: مازلت أحب الدُّبَّاء من حينئذ. وقوله "مُطرنا من يوم الجمعة إلى يومِ الجمعة". وقوله "لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" يعني موجودًا اليوم، وقد ثبت هذا التقدير في رواية شُعيب عن الزُّهري عند المصنف في الصلاة، ولفظه هناك "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"، قال ابن عمر: يريد أنها تَخْرمُ ذلك القرن، فبيّن ابن عمر أن مراده عليه الصلاة والسلام، أن عند انقضاء مئة سنة من مقالته تلك ينخرم ذلك القرن، فلا يبقى أحد ممن كان موجودًا حال تلك المقالة، وكذلك وقع بالاستقراء، فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودًا حينئذ أبو الطُّفيل عامر بن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنه آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومئة، وهي رأس مئة سنة من مقالة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
قال ابن بطّال: إنما أراد النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم، أن هذه المدة تخترم الجيل الذي هم فيه، فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم، ليجتهدوا في العبادة. وقال النووي: المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعد هذه الليلة أكثر من مئة سنة، سواء قل عمره قبل ذلك أم لا. وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مئة سنة. وقال النّوويّ وغيره: احتج البخاريّ، ومن قال بقوله، بهذا الحديث على موت الخِضْر. والجمهور على خلافه، وأجابوا عنه بأن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر، فلم يدخل في الحديث.
قالوا: ومعنى الحديث: لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه، فهو عامٌ أريد به الخصوص. وقيل احترز بالأرض عن الملائكة، وقالوا: خرج عيسى من