الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيه جواز استخدام الأحرار، خصوصًا إذا أُرصِدُوا لذلك، ليحصل لهم التمرن على التواضع.
وفيه أن خدمة العالم شرفًا للمتعلم، لكون أبي الدَّرداء مدح ابن مسعود بذلك.
وفيه حجة على ابن حبيب حيث منع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم، لأن ماء المدينة كان عذبًا.
قلت: ما قاله في ماء المدينة بالعكس، فإن مياهها أكثرها ملح لا يصلح للشرب كما دلت عليه الأحاديث الواردة في ذلك، كحديث بئر رومة، وكحديث:"ذهب يستعذب لنا الماء".
واستدل به بعضهم على استحباب التوضُّؤِ من الأواني دون الأنهار والبرك. ولا يستقيم إلا لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وجد الأنهار والبرك فعدل عنها إلى الأواني.
رجاله خمسة:
الأول: محمد بن بشار مر تعريفه في الحديث الحادي عشر من كتاب العلم.
ومر تعريف محمد بن جعفر في الحديث السادس والعشرين من كتاب الإيمان. وشعبة في الحديث الثالث منه. وأنس في الحديث السادس منه أيضًا.
وعطاء بن أبي مَيْمونة في الحديث السادس عشر من كتاب الوضوء هذا.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث والعنعنة والسماع، ورواته أئمة أجلاّء.
وفيه هنا سمع أنس بن مالك، وفي الرواية السابقة سمعت أنس بن مالك، ومحصلهما واحد، والفرق بينهما من جهة المعنى أن الأول إخبار عن عطاء، والثاني حكاية عن لفظه.
تابعه النضر وشاذان عن شعبة العنزة عصا عليها زج.
ومتابعة النضر حديثها موصول عند النسائي، ومتابعة شاذان حديثها موصول عند البخاري في الصلاة كما سيأتي إن شاء الله، ولفظه:"ومعنا عُكّازة أو عَنَزة" والظاهر أن "أو" شكّ من الراوي لتوافق الروايات على ذكر العنزة.
وأما الرجلان:
فالأول: النضر بن شُمَيَّل بن خَرَشة بن يزيد بن كلثوم بن عَبْدة بن زُهير السكب الشاعر ابن عُروة بن حليمة بن حجر بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم التميمي المازني النحوي أبو الحسن.
كان عالمًا بفنون من العلم، صدوقًا، صاحب غريب وفقه ومعرفته بأيام العرب ورواية الحديث، وهو من أصحاب الخليل بن أحمد.
وثقه ابن المديني وابن مَعين. وقال أبو حاتم: ثقة، صاحب سنة. وسئل ابن المبارك عنه فقال: درةٌ بين مروين ضائعة، يعني: مرو الرُّوزِ، ومروَ الشّاهجانِ. وقال مرة فيه: ذلك أحد الآخذين، لم يكن أحد من أصحاب الخليل يدانيه.
وقال العباس: كان النَّضْر إمامًا في العربية والحديث، وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع خراسان، وكان أروى الناس عن شعبة، وأخرج كتبًا كثيرة لم يُسْبَق إليها، منها كتابه في الأجناس على مثال غريب سماه "كتاب الصفات" الجزء الأول منه يحتوي على خلق الإنسان والجود والكرم وصفات النساء. والثاني: يحتوي على الأخبية والبيوت، وصفات الجبال والشعاب. والثالث: على الإبل فقط. والرابع: على الغنم والطير والشمس والقمر والليل والنهار والألبان والكمأة والإبار والحياض والأرشية والدَّلاء وصفة الخمر. والخامس: على الزرع والكرم والعنب وأسماء البقول والأشجار، والرياح والسحاب والأمطار.
ومنها كتاب "السلاح"، وكتاب "خلق الفرس"، وكتاب "الأنواء"، وكتاب
"غريب الحديث"، وكتاب "المعاني"، وكتاب "المصادر"، وغير ذلك.
وقد ضاقت عليه المعيشة بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيعه من أهل البصرة نحو من ثلاثة آلاف رجل، ما فيهم إلا محدث أو نحوي أو لغوي أو عَرُوضي أو أخباري، فلما صار بالمِرْبَد جلس، وقال: أيها الناس يعزُّ علينا فراقكم، والله لو وجدت كل يوم كَيْلَجة باقلي ما فارقتكم، فلم يكن أحد فيهم يتكلف له بذلك. فسار حتى وصل خراسان، فأفاد بها مالًا عظيمًا، وكانت إقامته بمرو. وقع مثل هذه القضية للقاضي عبد الوهاب المالكي لمّا خرج من بغداد.
وله مع المأمون بن هارون الرشيد حكايات ونوادر لما كان مقيمًا بمرو، وكان يجالسه، فمن ذلك ما حكاه في "درة الغواص" من أنه قال: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت ذات ليلة وعليّ ثوب مرقوع، فقال: يا نضر ما هذا التقشف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخَلَقَات؟ قلت: يا أمير المؤمنين: إن حر مرو شديد، وأنا شيخ كبير، فأبرد بهذه الخَلَقات. قال: ولكنك رجل قَشِفٌ. ثم أجرينا الحديث، فأجرى هو ذكر النساء، فقال: حدثنا هشيم، عن خالد، عن الشعبي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سدادٌ من عَوَزٍ" فأورده بفتح السين. قال: فقلت: صدق يا أمير المؤمنين هُشيم، حدثنا عَوْف بن أبي جَميلة، عن الحسن، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سِدادٌ من عَوَزٍ" قال: وكان المأمون متكئًا، فاستوى جالسًا، وقال: يا نضر كيف قلت سِداد؟ قلت: لأن السِّداد هنا لحنٌ. قال: أوَ تُلَحِّنُني؟ قلت: إنما لحن هشيم وكان لحّانه. فتبع أمير المؤمنين لفظه، وقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السِّداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، والسِّداد بالكسر: البلغة، وكل ما سددتَ به شيئًا فهو سِداد. قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العَرْجيُّ يقول:
أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا
…
ليومِ كريهةٍ وسِدادِ ثَغْرِ
فقال المأمون: قبّح الله من لا أدب له، وأطرق مَليًّا، ثم قال: ما مالك يا نضر؟ قلت: أُريضةٌ أتصابُّها وأتمززها. قال: أفلا نفيدك مالًا معها؟ قلت: إني إلى ذلك لمحتاج، فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت أن يُثْرب؟ قلت: أتربه. قال: فهو ماذا؟ قلت: مُثْرَبٌ. قال: فمن الطين؟ قلت: طِنْه. قال: فهو ماذا؟ قلت: مَطِيْنٌ. قال: هذه أحسن من الأولى. ثم قال: يا غلام: أتِربْه وطِنْه. ثم صلى بنا العشاء، وقال لخادمه: تبلغ معه إلى الفضل بن سهل. قال: فلما قرأ الفضل القِرْطاس، قال: يا نضر: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم فما كان السبب فيه؟ فأخبرته ولم أكذبه. فقال: لحَّنْت أمير المؤمنين؟! فقلت: كلاّ، إنما لحن هُشيم وكان لحّانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه وقد تتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار، ثم أمر لي بثلاثين ألف درهم، فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف استُفيد مني.
ومن أخباره أنه مرض، فدخل عليه قوم يعودونه، فقال له رجل منهم يُكْنى أبا صالح: مسح الله ما بك. فقال: لا تقل: مَسَحَ بالسين، ولكن قل: مَصَح الله بالصاد أي: أذهبه وفرَّقه، أما سمعت قول الأعشى
وإذا ما الخمرُ فيها أزبَدَتْ
…
أفَلَ الازبادُ فيها ومَصَحْ
فقال له الرجل: إن السين قد تُبدل من الصاد، كما يقال: الصراط السراط، وصقر وسقر. فقال له النضر: فأنت إذًا أبا سالح.
وتشبه هذه النادرة ما حكي أيضًا من أن بعض الأدباء جوِّز بحضرة الوزير أبي الحسن الفرات أن تُقام السين مقامَ الصاد في كل موضع. فقال له الوزير: أتقرأ {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ} أم من سلح، فخجل الرجل وانقطع.
والذي ذكره أرباب اللغة في جواز إبدال الصاد من السين أن كل كلمة كان فيها سين وجاء بعدها أحد الحروف الأربعة، وهي: الطاء والخاء والغين والقاف، فيجوز إبدال السين بالصاد، فتقول في الصراط: السراط، وفي سخر
لكم: صخر لكم، وفي مسغبة: مصغبة، وفي سيقل: صيقل، وقس على هذا، وليس في هذا خلاف عند أهل اللغة سوى ما حكى الجوهري في لفظة صدغ، فإنه قال: وربما قال: السدغ بالسين، ولا فرق بين أن يكون أحد الحروف الأربعة متصلًا بالصاد كسخر ومصغبة، أو منفصلًا بحرف كسرق وكالسراط.
روى عن: هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وحُميد الطويل، وعبد الله بن عَوْن، وهشام بن حسان، وابن جُريج، وعوف بن أبي جميل، وخلق.
وروى عنه: يحيى بن أبي يحيى النَّيْسابوري، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن مَعين، وعلي بن المديني، ومحمود بن غَيْلان، وإسحاق بن منصور الكَوْسَج، ومحمد ابن مُقاتل، وخلق.
مات سلخ ذي الحجة سنة أربع ومئتين، وقيل: سنة ثلاث ومئتين بمدينة مرو من بلاد خراسان، وبها ولد، ونشأ بالبصرة، فلذلك نسب إليها رحمه الله تعالى.
الثاني: شاذان، وهو الأسود بن عامر أبو عبد الرحمن الشامي نزيل بغداد.
روى عن: شعبة، والحّمادَيْن، والثوري، والحسن بن صالح، وجرير، وجماعة.
وروى عنه: أحمد بن حَنبل، وابنا أبى شيبة، وعلي بن المديني، والحارث ابن أبي أُسامة خاتمة أصحابه، وغيرهم. وروى عنه بَقِيّة: وهو أكبر منه.
قال ابن مَعين: لا بأس به. وقال ابن المديني: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح. وقال ابن سعد: صالح الحديث. وذكره ابن حِبّان في "الثقات".
مات سنة ثمان ومئتين.