الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والستون
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِىُّ بْنُ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ "اسْتَنْصِتِ النَّاسَ" فَقَالَ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
قوله: "قال له في حَجِة الوَداع" بفتح الحاء وكسرها، عند جمرة العقبة، وادعى بعضهم أن لفظ "له" زيادة؛ لأن جريرًا إنما أسلم بعد حجة الوداع بشهرين، فقد جزم ابن عبد البرّ بأنه أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين ليلة، وما جزم به معارضٌ بقول البَغَويّ وابن حبّان بأنه أسلم في رمضان سنة عشر، وللمصنف في "باب حجة الوداع" أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال لجرير، وهذا لا يحتمل التأويل، فيقوّي ما قال البغَويّ. وقوله "استنصت" استفعال من الإنصات، ومعناه طلب السكوت، وقد وقع التفريق بين الانصات والاستماع في قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، ومعناهما مختلف، فالإنصات هو السكوت، وهو يحصل ممن يستمع وممن لا يستمع، كأن يكون مفكرًا في أمر آخر، وكذلك الاستماع قد يكون مع السكوت، وقد يكون مع النطق بكلام آخر، لا يشتغل الناطق به عن فهم ما يقول الذي يستمع منه.
وقد قال سفيان الثَّورِيّ وغيره: أول العلم الاستماع ثم الإنصات ثم العمل ثم النشر. وعن الأصمعي تقديم الإنصات على الاستماع، وقد ذكر علي بن المدِينّي أنه قال لابن عُيَينة: أخبرني معتِمر بن سليمان عن كهمس عن مُطْرف قال: الإنصات من العينين، فقال له ابن عُيينة: وما
ندري كيف ذلك؟ قال: إذا حدثت رجلًا فلم ينظر إليك لم يكن منصتًا. وهذا في الغالب.
قال ابن بّطال فيه: إن الإنصات للعلماء لازمٌ للمتعلمين؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، كأنه اراد بهذا مناسبة الترجمة للحديث، وذلك أن العقبة المذكورة كانت في حجة الوداع، والجمع كثير جدًا، وكان اجتماعهم لرمي الجمار، وغير ذلك من أمور الحج، وقد قال لهم "خذوا عني مناسككم" كما ثبت في صحيح مسلم، فلما خطبهم ليعلمهم ناسب أن يأمرهم بالإنصات. وقوله "لا ترجعوا بعدي كفارًا" بصيغة النهي، وهو المعروف أي: لا تصيروا. ولأبي ذَر "لا ترجعون" بصيغة الخبر، وقد أطلق الكفر على قتال المؤمنين مبالغة في التحذير من ذلك، لينزجر السامع عن الإقدام عليه أو أنه على سبيل التشبيه؛ لأن ذلك من فعل الكافر، أي لا تتشبهوا بالكفر في قتل بعضهم بعضًا.
وجملة ما قيل في معناه عشرة أقوال:
قيل: المراد به ستر الحق، والكفر، لغةً، الستر؛ لأن حق المسلم أن ينصره ويعينه، فلما قاتله، كأنه غطَّى على حقه الثابت له عليه.
الثاني: هو أن الفعل المذكور يفضي إلى الكفر؛ لأن من اعتاد الهجوم على كبار المعاصي جره شؤم ذلك إلى أشد منها، فيخشى أن لا يختم له بخاتمة الإِسلام.
الثالث: قول الخوارج: إنه على ظاهره.
الرابع: هو في المُسْتَحلِّين.
الخامس: كفارًا بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين.
السادس: تفعلون فعل الكفار في قتل بعضهم بعضًا.
السابع: لابسين السلاح، يقال: كفَر دِرْعة، إذا لبس فوقها ثوبًا.