الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: عاش مئة وثمانين سنة، وقيل: مئة وعشرين سنة. مات بالكوفة زمن المختار سنة ثمان وستين.
وقال جرير عن مُغيرة الضَّبّي: خرج عدي بن حاتم وجرير بن عبد الله وحنظلة الكاتب من الكوفة إلى قَرْقيساء، وقالوا: لا نُقيم ببلد يُشتم فيها عثمان.
وفي "الصحيحين" أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور تتعلق بالصيد، وفيهما قصته في حمله قوله تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187]، على ظاهره، وقوله له:"إنك لعريض الوسادة".
والطائي في نسبه مر في الثالث والخمسين من العلم.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث والعنعنة، ورواته ما بين بَصري وكوفي، وكلهم أئمة أجلاء.
أخرجه البخاري أيضًا في البيوع والصيد والذبائح، ومسلم في الصيد عن أبي بكر بن أبي شَيْبة، وأبو داود فيه عن هنّاد السّريّ، وابن ماجه فيه أيضًا عن علي بن المنذر.
باب من لم ير الوضوء إلاّ من المخرجين القبلُ والدبر لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}
.
قوله: "إلا من المخرجين" الاستثناء مفرغ، والمعنى: من لم ير الوضوء واجبًا من الخروج من شيء من مخارج البدن إلا من القُبل والدُّبر، وأشار بذلك إلى الرد على من قال بالوضوء مما يخرج من غيرهما من البدن، كالقيء والحِجامة وغيرهما وسيأتي تبين القائل بذلك قريبًا.
ويمكن أن يقال: إن نواقض الوضوء المعتبرة ترجع إلى المخرجين، فالنوم مظِنة خروج الريح، ولمس المرأة ومس الذكر مظنة خروج المني.
وقوله: "القبل والدبر" بالجر فيهما عطف بيان أو بدل، والقُبل يتناول ذكر
الرجل وفرج المرأة.
وقوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43]، أي: فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين القبل والدبر، فعلق وجوب الوضوء أو التيمم عند فقد الماء على المجيء من الغائط، وهو المكان المطمئن من الأرض الذي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة فهذا دليل الوضوء مما يخرج من المخرجين.
ولكن ليس في هذه الآية ما يدُلُّ على الحصر الذي ذكره المؤلف. غاية ما فيها أن الله تعالى أخبر أن الوضوء أو التيمم عند فقد الماء يجب بالخارج من السبيلين.
وقوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} دليل الوضوء من ملامسة النساء.
وفسر الشافعي الملامسة المذكورة بجسِّ اليد، مستدلاًّ بأن ابن عمر فسّرها بذلك، والمعنى في النقض به أنه مظِنة الالتذاذ المُثير للشهوة.
وقال الحنفية: الملامسة هنا كناية عن الجِماع، فيكون دليلًا للغسل لا للوضوء، محتجين بما رُوي عن علي وأبي موسى رضي الله تعالى عنهما، وعطاء وطاووس والحسن البَصري والشعبي أن الملامسة كناية عن الجماع، فالملامسة عندهم لا ينقُضُ منها إلا المباشرة بالإِفضاء الفاحش مع الانتشار.
وأجيب عما قالوه بأن اللفظ لا يختصُّ بالجماع، قال تعالى:{فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7]، وقال عليه الصلاة والسلام لماعز:"لعلّك قبّلت أو لمست" وفي الحديث الآخر: "اليد زناها اللمس".
وفصلت المالكية في اللمس جمعًا بين الآية والأحاديث، فقالوا اللمس مع قصد اللّذة أو وجدانها ناقض، وعند انتفاء القصد والوجدان لا نقض فيه، لحديث عائشة في مسلم:"أن يدها وقعت على قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد"، ولحديثها في "الصحيحين":"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة، فإذا سجد غمزني، فقبضتُ رجلي" ففي قولها: "غمزني" دليل واضح
على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، فيُجمع بين الحديث والآية يحمل الآية على لمس قُصِدت به اللذه أو وجدت، والحديث على ما خلا من ذلك، لأنه في وقت العبادة بعيد من وقت الشهوة.
وما أجاب به في "الفتح" من احتمال الحديث لأن يكون بحائل، أو يكون خصوصية بعيد جدًا، لأن الاحتمال لا ينفي الظاهر ولا تثبت به الأحكام، والخصوصية لا تثبت إلا بدليل.
قال في "الفتح": وفي معنى اللمس مسُّ الذكر، مع صحة الحديث فيه، إلا أنه ليس على شرط الشيخين، وقد صححه مالك، وجميع من أخرج الصحيح غير الشيخين، والحديث هو حديث بُسرة بنت صفوان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من مسَّ ذكره فليتوضأ" أخرجه أحمد، والأربعة، وابن خُزيمة، وابن حِبان، والحاكم، وابن الجارود.
وعند الحنفية أن مَن مسّ الذكر لا ينتقض وضوؤه واحتجوا بحديث طَلْق بن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن مس الذكر في الصلاة، فقال:"هل هو إلا بَضْعة منك؟ " أخرجه أحمد، والأربعة، والدّارقطني وصححه، وقد مر في الاستنجاء.
وقال: عطاء فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة يعيد الوضوء.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وسُفيان الثّوري، والأوزاعي. والمخالف في ذلك إبراهيم النَّخَعي، وقَتادة، وحمّاد بن أبي سلمة، قالوا: لا ينقُض النادر. وهو قول مالك، لأن الناقض عنده هو الخارج من أحد السبيلين المعتاد خروجه في الصحة، والدود والحصى المختلفة في البطن والقملة لا نقض عنده في خروجها، لعدم اعتيادها، ولو كان معها أذىً من بول أو عَذِرة، ولو كان أكثر منها، ويعفى عن غسل ما خرج معها إن كان
قليلًا، وتجب إزالته بماء أو حجر إن كثر.
وعند الحنفية في القُدُوري أن الدودة الخارجة من قِبَل المرأة تنقض الوضوء، ومن الذكر لا تنقض، وإن خرجت من الفم أو الأذن أو العين لا تنقض.
وعطاء: المراد به عطاء بن أبي رباح، وقد مر تعريفه في الحديث التاسع والثلاثين من كتاب العلم.
وهذا الأثر وصله ابن أبي شَيبة في "مصنفه" بإسناد صحيح.
وقال جابر بن عبد الله إذا ضحك في الصلاة أعاد الصلاة لا الوضوء.
والمخالف في ذلك إبراهيم النَّخَعي والأوزاعي والثَّوري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينقض الضَّحكِ إذا وقع داخل الصلاة لا خارجها وكان بقَهْقَهْة، فالضَّحِك يُبطل الصلاة ولا يُبطل الوضوء، والقَهْقهة تبطلهما جميعًا، والتبسم لا يبطلهما.
والضَّحك ما يكون مسموعًا له دون جيرانه، والقهقهة ما يكون مسموعًا له ولجيرانه، والتبسم ما لا صوت فيه ولا تأثير له دون واحد منهما.
قال ابن المنذر: أجمعوا على أنه لا ينقض خارج الصلاة، واختلفوا إذا وقع داخلها، فخالف من قال: به القياس الحلبّي، وتمسكوا بحديث لا يصحُّ، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحديث هو ما أخرجه ابن عدي في "الكامل" عن ابن عمر قال: من ضَحِكَ في الصلاة قهقهةً فليُعِدِ الوضوء والصلاة.
وهذا الأثر المعلق وصله البيهقي في "المعرفة" عن ابن عبد الله الحافظ. ورواه أبو نُسيبة قاضي واسط عن يزيد بن أبي خالد عن أبي سفيان مرفوعًا.
واختلف عليه في "سننه"، وفي الموقوف وهو الصحيح ورفعه ضعيف.
وجابر بن عبد الله مر تعريفه في باب الخروج في طلب العلم بعد الحديث التاسع عشر منه.
وقالَ الحَسَنُ: إن أخَذَ مِن شَعْره وأظْفَارهِ أو خَلَع خُفَّيهِ فَلا وُضُوء عَلَيْه.
قوله: "من شعره أو أظفاره" خالف في ذلك مجاهد والحكم بن عُتيبة وحمّاد، قالوا: من قصَّ أظفاره أو جزَّ شاربه فعليه الوضوء. ونقل ابن المنذر أن الإجماع استقرَّ على خلاف ذلك.
وقوله: "أو خلع خُفَّيه" وافقه على ذلك إبراهيم النَّخَعي، وطاووس، وقتادة، وعطاء، وبه كان يُفتي سليمان بن حرب، وداود.
وخالفهم الجمهور على قولين مرتبين على إيجاب الموالاة وعدمها، فمن أوجبها قال: يجب استئناف الوضوء إذا طال الفصل، ويبادر إلى غسل الرجلين بالقرب، وهذا مذهب مالك. ومن لم يُوجبها قال: يكتفي بغسل رجليه وهو الأظهر من مذهب الشافعي. وقال بعض العلماء من الشافعية وغيرهم: يجب الاستئناف وإن لم تجب الموالاة، وعن الليث عكس ذلك.
وهنا تعليقان: الأول "من شعره وأظفاره" وقد أخرجه سعيد بن المنصور وابن المُنذر بإسناد صحيح موصولًا.
والثاني: قوله: "أو خلع خُفَّيه .. إلخ" وقد وصله ابن أبي شَيْبة بإسناد صحيح عن هشام، عن يونس، به.
والحسن: المراد به البَصْري، وقد مر تعريفه في الحديث الخامس والعشرين من كتاب الإيمان.
وقالَ أبو هُرَيْرَةَ: لا وُضُوءَ إلاّ مِنْ حَدَثٍ.
و"الحدث" في اللغة الشيء الحادث، ثم نُقل إلى الأسباب الناقضة للطهارة، وقد مرت معانيه في كتاب الوضوء.
وهذا التعليق وصله إسماعيل القاضي في "الأحكام" بإسناد صحيح من حديث مجاهد عنه موقوفًا. ورواه أبو عبيد في كتابه "الطهور" بلفظ: "لا وضوء إلا من حدث أو صوت أو ريح"، ورواه أبو داود، وأحمد، والترمذي من طريق شُعبة.
وأبو هريرة مر تعريفه في الحديث الثاني من كتاب الإيمان.
ويُذْكَرُ عن جابرٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ في غَزْوَةِ ذاتِ الرِّقاع فَرُمِي رَجُل بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَركَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى في صَلَاتِهِ.
قوله: "فرُمي رجلُ بسهم" محصل هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بشِعب، فقال:"من يحرُسُنا الليلة؟ " فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فباتا بفم الشِّعب، واقتسما الليل للحراسة، فنام المهاجري، وقام الأنصاري يصلي، فجاء رجل من العدوِّ، فرأى الأنصاري، فرماه بسهم، فأصابه، فنزعه، واستمر في صلاته، ثم رماه بثان، فصنع كذلك، ثم رماه بثالث، فانتزعه وركع وسجد وقضى صلاته، ثم أيقظ رفيقه، فلما رأى ما به من الدِّماء قال له: لم لا أنبهتني أول ما رَمَى؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن لا أقطعها.
وسمّى البيهقي في "الدلائل" المهاجري عمار بن ياسر، والأنصاري عبّاد بن بِشْر، والسورة الكهف.
وعمّار مر تعريفه في تعليق بعد العشرين من الإيمان، وعبّاد بن بِشْر يأتي تعريفه في الثامن والستين من استقبال القبلة.
وقوله: "فَنَزَفَهُ الدَّمُ" يقال: نزفه الدم وأنزفه إذا سأل منه كثيرًا حتى يُضعفه، فهو نزيفٌ ومنزوفٌ.
وأراد المصنف بهذا الحديث الرد على الحنفية في أن الدم السائل ينقُضُ الوضوء.
فإن قيل: كيف مضى في صلاته مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه، واجتناب النجاسة فيها واجب. وأجاب الخطابي بأنه يُحتمل أن يكون الدم جرى من الجراح على سبيل الدَّفق، بحيث لم يُصب شيئًا من ظاهر بدنه وثيابه.
وفيه بعد. ويُحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط، فنزعه عنه، ولم يسِلْ على جسمه إلا قدر يسير معفوٌّ عنه.
ثم الحجة قائمة به على كون خروج الدم لا ينقض، ولو لم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه، والظاهر أن البخاري كان يرى أن خروج الدم في الصلاة لا يبطلها، بدليل أنه ذكر عقب هذا الحديث أثر الحسن البصري الآتي قريبًا، وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع دمًا.
وهذا الحديث وصله ابن إسحاق في "المغازي"، وهو صحيح أخرجه ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وأبو داود وصححه، وابن خُزيمه في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، والدارقطني في "سننه"، كلهم من طريق ابن إسحاق، عن صدقة، عن عقيل.
وصدقة ثقة. وعَقيل لا يُعرف راو عنه إلا صدقة، فلهذا لم يجزم به المصنف، أو للخلاف في ابن إسحاق.
ومر تعريف جابر بن عبد الله في باب الخروج في طلب العلم.
وَقَالَ الحَسَنُ: ما زالَ المُسْلِمَونَ يُصَلّون في جِرَاحَاتِهِمْ.
بكسر الجيم، وقال العيني منتصرًا لمذهبه: أي يصلون في جراحاتهم من غير سيلان الدم، والدليل على ما رواه ابن أبي شَيْبة في "مصنفه" عن الحسن بإسناد صحيح: إنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلًا، قال: وهذا هو مذهب الحنفيه، وحجة لهم على الخصم.
وليس الأمر كما قال، لأن الأثر الذي رواه البخاري ليس هو الذي ذكره هو، فإن الأول هو رواية عن الصحابة وغيرهم، والثاني هو مذهب الحسن.
ولم أر من أخرج هذا التعليق حين كان الذي أخرجه ابن أبي شيبة ليس هذا.
والحسن المراد به البَصْري، وقد مر تعريفه في الحديث الخامس والعشرين من كتاب الإيمان.
وقالَ طَاووسُ ومُحَمدُ بنُ عَليّ وعطاءُ وأهلُ الحِجَاز لَيْسَ في الدَّمِ وُضُوء.
واللفظ المروي عن طاووس أنه كان لا يرى في الدم وضوءً، يغسل عنه الدم ثم حسبُه.
والمروي عن محمد بن علي لفظه: قال الأعمش: سألت أبا جعفر الباقِر عن الرُّعاف. فقال: لو سأل نهرٌ من دم ما أعدت منه الوضوء.
وقوله: "وأهل الحجاز" هو من عطف العام على الخاص، لأن الثلاثة المذكورين قبلُ حجازيون.
وقد رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة وسعيد بن جُبير، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عُمر وسعيد بن المسيِّب، وأخرجه إسماعيل القاضي عن أبي الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهو قول مالك والشافعي.
وأوجب أبو حنيفة الوضوء بالدم إذا سأل إلى موضع الطهارة مستدلاًّ بما رواه الدّارقُطني، إلا أن يكون دمًا سائلًا، وبقوله: قال الثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حَنْبل، وإسحاق بن راهويه.
أما أثر طاووس فقد وصله ابن أبي شَيْبة بإسناد صحيح عن عُبيد الله بن موسى. وأثر محمد بن علي وصله الحافظ أبو بشْر المعروف بَسمَّوَيه في "فوائده"
من طريق الأعمش. وأثر عطاء وصله عبد الرزاق عن ابن جُريج عنه.
الرجال:
الأول: طاووس بن كَسيان اليماني أبو عبد الرحمن الحِميْري الجَنَدي -بالتحريك- مولى بحير بن ريسان من أبناء الفرس، كان ينزل الجند، وقيل: هو مولى هَمذان، وقال ابن حِبان: كانت أمه من فارس وأبوه من النَّمِر بن قاسط، وقيل: اسمه ذكوان، وطاووس لقب له، وإنما لقب طاووسًا لأنه كان طاووس القراء، والمشهور أنه اسمه.
قال عبد الملك بن مَيْسرة عنه: أدركت خمسين من الصحابه. وقال ابن جُريج عن عطاء عن ابن عباس: إني لأظن طاووسًا من أهل الجنة. وقال ليث بن أبي سُليم: كان طاووس يَعُد الحديث حرفًا حرفًا. وقال قَيْس بن سعد: كان فينا مثل ابن سيرين في البصرة. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن مَعين: طاووس أحب إليك أم سعيد بن جُبير؟ فلم يخير. وقال ابن حِبان: كان من عُبّاد أهل اليمن ومن سادات التابعين، وكان قد حج أربعين حجة، وكان مستجاب الدعوة. وقال الزُّهري: لو رأيت طاووسًا علمت انه لا يكذب. وقال عَمرو بن دينار: ما رأيت أحدًا أعفَّ عما في أيدي الناس من طاووس. وقال ابن عُيينه: متجنِّبو السلطان ثلاثة: أبو ذرٍّ في زمانه، وطاووس في زمانه، والثوري في زمانه. وقال أيضًا: قلت لعبد الله بن يزيد: مع من تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء وأصحابه. قلت: وطاووس؟ قال: هيهات، ذلك يدخل مع الخواص. ولما ولي عُمر بن عبد العزيز الخلافة، كتب إليه طاووس المذكور إن أردت أن يكون عملك خيرًا كله فاستعمل أهل الخير، فقال عمر: كفى بها موعظة.
وروي أن أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور استدعى عبد الله بن طاووس المذكور ومالك بن أنس رضي الله عنهما، فلما دخلا عليه أطرق ساعة، ثم التفت إلى ابن طاووس، وقال له: حدثني عن أبيك. فقال: حدثني أبي أن أشد الناس عذابًا يوم القيامه رجلٌ أشركه الله في سلطانه، فأدخل عليه الجور في
حكمه. فأمسك أبو جعفر ساعة. قال مالك: فضممت ثيابي خوفًا من أن يصيبني دمه. ثم قال له المنصور: ناولني تلك الدّواة، ثلاث مرات، فلم يفعل. فقال له: لم لا تناولني؟ فقال: أخاف أن تكتب بها معصية، فأكون قد شاركتك فيها. فلما سمع ذلك قال: قوما عني. قال: ذلك ما كنا نبغي. قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاووس فضله من ذلك اليوم.
روى عن: العبادلة الأربعة، وأبي هريرة، وعائشة، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وجابر، وسُراقة بن مالك، وصفوان بن أميه، وعبد الله بن شدّاد بن الهاد، وغيرهم.
وروى عنه: ابنه عبد الله، ووَهْب بن منبِّه، وسليمان الأحول، والزُّهري، وعمرو بن دينار، والحكم بن عُتيبه، وعبد الملك بن مَيْسره، وخلق.
مات حاجًّا بمكة قبل يوم التروية بيوم، وصلى عليه هشام بن عبد الملك، وذلك في سنة ست ومئة، وقيل: سنة أربع ومئة. وقال ابن شوْذب: شهدت جنازة طاووس بمكة سنة مئة، فجعلوا يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن حجَّ أربعين حجة. قال بعض العلماء: مات طاووس بمكة، فلم يتهيأ إخراج جنازته لكثرة الناس، حتى وجه إبراهيم بن هشام المخزومي أمير مكة بلحارث، فلقد رأيت عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم يحمل السرير على كاهله، وقد سقطت قلنسوة كانت على رأسه، وفُرِّق رداؤه من خلفه.
وبمدينة بعلبك داخل البلد قبرٌ يزار، وأهل البلد يزعُمون أنه لطاووس المذكور، وهو غلط.
واليماني في نسبه مر في الخامس والثلاثين من الإيمان.
والجَنَدي بالتحريك نسبة إلى جَنَد بلد باليمن بين عَدَن وتَعْز، وهو أحد مخالفيها المشهورة، نزلها مُعاذ بن جَبَل.
الثاني: محمد بن علي، فيُحتمل أن يكون محمد بن علي المعروف بابن
الحَنَفيّة وقد مر تعريفه في الحديث الثاني والسبعين من كتاب العلم وليس هذا الاحتمال بصواب، والصواب أنه:
محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، الملقب بالباقِر، أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإِمامية، وهو والد جعفر الصادق.
وكان الباقِر عالمًا سيدًا كبيرًا، وإنما قيل له: الباقر لأنه تبقَّر في العلم، أي: توسع، والتبقُّر التوسُّع، وفيه يقول الشاعر:
يا باقِرَ العلمِ لأهلِ التُّقى
…
وخيرَ مَن لبّى على الأجبلِ
كان مولده بالمدينة يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة سبع وخمسين للهجرة، وكان عمره يوم قتل جده الحسين رضي الله عنه ثلاث سنين، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال ابن سَعْد: كان ثقة كثير الحديث، وليس يروي عنه من يُحتج به. وقال العِجْلي: مدني تابعي ثقة. وقال ابن البَرقي: كان فقيها فاضلًا. وذكره النسائي في فقهاء أهل المدينة من التابعين. وقال محمد بن المُنْكَدِر: ما رأيت أحدًا يفضُل على علي بن الحسين حتى رأيت ابنه محمدًا، أردت أن أعظه يومًا فوعظني. وقال سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر وابنه جعفرًا عن أبي بكر وعمر، فقالا لي: يا سالمٍ تولَّهما وابرأ من عدوِّهما، فإنهما كانا إمامي هُدى. وعنه قال: ما أدركت أحدًا من أهل بيتي إلا وهُو يتولاّهُما.
روى عن: أبيه، وجدَّيه الحسن والحسين، وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلًا، وعمِّ أبيه محمد بن الحنَفِيّة، وابن عم جده عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسَمرة بن جُنْدَب، وابن عباس، وابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، وام سلمة. وقال أحمد: لم يسمع من عائشة ولا أم سلمة، ولم يدرك جدَّه عليًّا أيضًا.
وروى عنه: ابنه جعفر، وإسحاق السَّبيعي، والأعرج، والزُّهري،
وعَمْرو بن دينار، والأوزاعي، وابن جُريج، وعبد الله بن عطاء، والأعمش، وخلق كثير.
توفي في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة ومئة. وقيل: في الثالث والعشرين من صفر سنة أربع عشرة، وقيل: سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة بالحُمَيْمة، ونقل إلى المدينة، ودفن بالبقيع في القبر الذي فيه أبوه وعم أبيه الحسن بن علي رضي الله عنهم في القُبة التي فيها قبر العباس رضي الله عنه، والحُمَيْمة -بالتصغير- قرية بنواحي الشَّوبْك كانت لعلي بن عبد الله بن العباس وأولاده في أيام بني أمية وفيها وُلد السفاح والمنصور، وبها تربّيا، ومنها انتقلا إلى الكوفة، وبويع السفاح بالخلافة فيها كما هو مشهور.
وعطاء بن أبي رباح مرَّ تعريفه في الحديث التاسع والثلاثين من كتاب العلم.
وقوله: "أهل الحجاز" المراد به ما رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جُبير، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن المسيِّب، وأخرجه إسماعيل القاضي من طريق أبي الزِّناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة.
وَعَصَرَ ابنُ عمر بثرة فَخَرَجَ مِنْها الدّمُ وَلَمْ يَتَوَضّأ.
والبَثْرة -بفتح الموحدة وسكون المثلثة، ويجوز فتحها- وهي خراج صغار، يقال: بثر وجهه، مثلث الثاء المثلثة.
قال العيني: هذا الأثر حجة للحنفية، لأن الدم الخارج بالعصر لا يُنقض عندهم، لأنه مًخرج، والنقض يُضاف إلى الخارج دون المُخْرج كما هو مقرر في كتبهم.
قلت: وهذا يصحُّ جوابًا لهم عن حديث جابر السابق.
وهذا الأثر وصله ابن أبي شَيْبة بإسناد صحيح، وزاد قبل قوله:"ولم يتوضأ"، "ثم صلّى".
وعبد الله بن عمر مرَّ تعريفه في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه.
وبزق ابن أبي أوفى دمًا فمضى في صلاته.
وهذا الأثر وصله سفيان الثوري في "جامعه" عن عطاء بن أبي السّائب، وسفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه، فالإسناد صحيح. ورواه ابن أبي شَيبة في "مصنفه" بسند جيد عن عبد الوهاب الثَّقَفي.
وابن أبي أوفى هو عبد الله أبي أوفى الأسْلَمي، واسم أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث بن أسد بن رِفاعة بن ثعلبة بن هَوازن بن أسلم بن أفضى بن حارثة ابن عمرو بن عامر أخو زيد بن أبي أوفى، يُكنى أبا معاوية، وقيل: أبا إبراهيم، وقيل: أبا محمد.
شهد الحُديبية وخيبر وما بعدها من المشاهد، ولم يزل بالمدينة حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تحول إلى الكوفة، وهو آخر من بقي بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: رأيت على ساعد عبد الله بن أبي أوفى ضربة، فقلت: ما هذه؟ فقال: ضربتها يوم حنين، فقلت: أشهدتَ معه حنينًا؟ قال: نعم، وقبل ذلك.
مات بالكوفة سنة ست أو سبع وثمانين، وكان ابتنى بها دارًا في أسلم، وكان قد كُفَّ بصره.
روى خمسة وتسعين حديثًا، اتفقا على عشرة، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بواحد.
روى عنه عمرو بن مُرّة وطَلْحة بن مُصرِّف، وعديّ بن ثابت، والأعمش.
قال الذهبي: قيل: حديثه عنه مرسل، وقد سمع الأعمش ممن مات قبله، فما المانع من أن يكون سمع منه.
وقال ابن عمرو والحسن فيمن يحتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه.
وفي رواية الأصيلي وغيره: "ليس عليه غسل محاجمه" بإسقاط أداة الاستثناء، وهو ذكره الإسماعيلي. وقال ابن بطال: ثبتت إلا في رواية المُستملي دون رفيقه. قال في "الفتح": وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذرٍّ عن الثلاثة. وقد حكي عن الليث أنه قال: يُجزىء المحتجم أن يمسح موضع الحجامة ويصلي ولا يغسله.
وأثر ابن عمر وصله الشافعي وابن أبي شَيْبة بلفظ: "كان إذا احتجم غسل محاجمه".
وعبد الله بن عمر مرَّ تعريفه في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه.
وأثر الحسن البَصْري وصله ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه".
والحسن البَصْري مرَّ تعريفه في الحديث الخامس والعشرين من كتاب الايمان.