الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعقبه ابن المنير بأن الذي يباح للضرورة، يشترط حصولها فيه، فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته إليه والِإجماع على أنه مباح مطلقاً من غير قيد الضرورة، ويحتمل أن يكون مراد المهلب أن أصل إباحته كان للضرورة وسببها، لا أنه يريد أنه مقيد بها. قلت: هذا الاحتمال هو الظاهر المتعين، فإن المراد أن أهل مكة في ضرورة دائمًا إلى الإذْخِر، لما ذكر وما ذكر دائم لا ينقطع، وبهذا التقرير يبطل تعقب ابن المنير.
ثم قال ابن المنير: والحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة، وترخيص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان تبليغًا عن الله، إما بطريق الإلهام أو الوحي. ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم. وفي الحديث بيان خصوصية النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، بما ذكر في الحديث، وجواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد، وعظيم منزلة العباس عند النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وعنايته بأمر مكة لكونه كان بها. أصلُهُ ومنشؤه. وفيه أن من قتل متأولاً كان حكمه حكم من قتل خطأ في وجوب الدية، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم "فإنّي عاقله".
رجاله خمسة:
الأول أبو نعيم الفضل بن دُكَين مر تعريفه في الحديث السادس والأربعين من كتاب الإيمان وفيه أبو سَلَمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عَوْف، ومر تعريفه بعد الحديث الثالث من بدء الوحي، ومر تعريف أبي هُريرة في الحديث الثاني من كتاب الإِيمان.
والثاني من السند: شَيْبان بن عبد الرحمن، أبو معاوية النَّحْوِي المؤدب البصريّ، مولى بني تميم، سمع الحسن البصريّ، وعبد الملك بن عُمَير وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، والأعمش وخلقًا، وروى عنه أبو حنيفة، وزَائدة بن قُدَامة، وهما من أقرانه، وأبو داود الطَّيالسِيّ، وشبَّابة، ومعاوية بن هشام، وغيرهم. قال العيني: إنه روى عنه علي بن الجَعْد وأبو
حنيفة، وبين وفاتيهما تسع وسبعون سنة. كان صاحب حروف وقراآت، قال أحمد: هو ثبت في كل المشايخ، وشيبان أثبت في يحيى بن أبي كثير من الأوزاعي. وقال ابن مَعين: هو أحب إلي في قتادة من معمر. وقال أيضًا: هو ثقة. صاحب كتاب. وقال أيضًا: ثقة في كل شيء ووثَّقه النَّسائِي والعَجْلِيّ وابن سعد والتِّرمْذِيّ والبَزّار.
وقال عثمان بن أبي شيبة: كان معلمًا صدوقًا حسَن الحديث. وقال أحمد: هشام حافظ، وشيبان صاحب كتاب، قيل له: حَربُ بن شداد كيف هو؟ قال: لا بأس به، وشيبان أرفع. وقال السَّاجيّ: صدوق، عنده مناكير، وأحاديثه عن الأعمش تفرد بها، وكان أحمد يثني عليه. وكان ابن مَهْديّ يحدث عنه ويفخر به، وقرأت بخط الذهبيّ في "الميزان" قال أبو حاتم: صالح الحديث لا يحتج به. قال ابن حجر: وهو وَهمٌ في النقل، فالذي في كتاب ابن أبي حاتم عن أبيه:"كوفي حسن الحديث صالح، يكتب حديثه" وكذا نقل الباجيّ عنه، وكذا هو في تهذيب الكمال. وهو الصواب وأما قول السَّاجِيّ فهو معارَض بقول أحمد أنه ثبت في كل المشايخ، ومع ذلك، فليس في البخاريّ من حديثه عن الأعمش شيء لا أصلًا ولا استشهادا، نعم أخرج له أحاديث من روايته عن يحيى بن أبي كثير ومنصور بن المعتمر، وقتادة، وفراس بن يحيى، وزياد بن علاقة، وهلال الوَزّان، واعتمده الجماعة كلهم.
والنَّحْوي في نسبه نسبة إلى قبيلة ولد النَّحْو بن الشَّمس بن عمرو بن غَنْم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران، وليس في هذه القبيلة من يروي الحديث سواه، هو ويزيد بن أبي سعيد. وأما ما عداهما فنسبة إلى النحو، علم العربية، كأبي عمرو بن العلاء النَّحْويّ، وغيره. وليس في البخاري من اسمه شيبان غيره، وفي مسلم هو وشيبان بن فَرُّوخ، وفي أبي داود شيبان أبو حُذَيفة النَّسائيّ وليس في الكتب الستة غير ذلك. مات ببغداد ودفن في مقبرة الخَيْزران، أو في باب التِّين، سنة أربع وستين ومئة في خلافة المهدي.
والثالث من السند: يحيى بن أبي كثير، واسمه أبي كثير صالح بن المُتَوكِّل، وقيل: نشيط، وقيل دينار، مولى عليّ اليَعماميّ الطائي مولاهم، العطار، أحد الأعلام الثقات، العبّاد، روى عن أنس وجابر مرسلًا، وعن أبي سَلَمة وهِلال بن ميمونة، ومحمد بن إبراهيم التميميّ وغيرهم، روى عنه ابنه عبد الله وأيوب السَّخْتيانيّ، ويحيى بن سعيد الأنصاريّ، وهما من أقرانه، والأوزاعي وغيرهم، قال وهُيب عن أيوب: ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى، وقال ابن عُيينة: قال أيوب: ما أعلم أحداً بعد الزُّهريّ أعلم بحديث أهل المدينة من يحيى، وقال القطان: سمعت شُعْبة يقول: يحيى أحسن حديثًا من الزهريّ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه يحيى: من أثبت الناس، إنما يعد مع الزُّهريّ، ويحيى بن سعيد، وإذا خالفه الزُّهْري فالقول قول يحيى، وقال العِجْليّ ثقة، كان يعد من أصحاب الحديث وقال أبو حاتم: يحيى إمام لا يحدث إلا عن ثقة. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان من العُبَّاد، رأى أنسًا يصلي في المسجد الحرام رؤية لم يسمع منه، وقال يحيى القَطَّان: مرسلاته تشبه الريح؛ لأنه كان كثير الإرسال والتحديث من الصحف.
قال همام: كان يسمع الحديث منا بالغداة، فيحدث به بالعشيّ، يعني: ولا يذكر من حدثه به. وقال أبو حاتم: لم يسمع من أحد من الصحابة، وقال حسين المعلِّم: قال لي يحيى بن أبي كثير: كل شيء عن أبي سَلَام إنما هو كتاب. قال: وقلنا له: هذه المرسلات، عمن هي؟ قال: أترى أحدًا أخذ مدادًا وصحيفة يكتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب؟ قال: فقلت له: فإذا جاء مثل ذلك، فأخبرنا. قال: إذا قلت بلغني فإنه من كتاب.
مات سنة تسع وعشرين ومئة، وقيل سنة اثنتين وثلاثين بعد أيوب بسنة وليس في الكتب الستة يحيى بن أبي كثير غيره، نعم فيها يحيى بن كثير العَنْبريّ، وفي أبي داود يحيى بن كثير الباهِليّ، وفي ابن ماجه يحيى بن كثير صاحب البصريّ، وهما ضعيفان.