المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث السابع والستون - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري - جـ ٤

[محمد الخضر الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الثالث والخمسون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الرابع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب العلم والعظة بالليل

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌رجاله ثمانية:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السمر في العلم

- ‌الحديث الثامن والخمسون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب حفظ العلم

- ‌الحديث الستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الإنصات للعلماء أي السكوت والاستماع لما يقولونه

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يستحب للعالم إذا سئل أيُّ الناس أعلم فيكل العلم إلى الله تعالى

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌رجاله خمسة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب السؤال والفُتيا عند رمي الجمار

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قول الله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الحياء في العلم

- ‌الحديث الحادي والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ذكر العلم والفتيا في المسجد

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من أجاب السائل بكثر مما سأله

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌خاتمة

- ‌فائدة في الخاتمة

- ‌كتاب الوضوء

- ‌باب لا تُقبلُ صلاة بغير طُهور

- ‌الحديث الأول

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب فضل الوضوء والغرُّ المحجّلون من آثار الوضوء

- ‌الحديث الثاني

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن

- ‌الحديث الثالث

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التخفيف في الوضوء أي جوازه

- ‌الحديث الرابع

- ‌رجاله خمسة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب اسباغ الوضوء

- ‌الحديث الخامس

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة

- ‌الحديث السادس

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التسمية على كل حال وعند الوِقاع

- ‌الحديث السابع

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب ما يقول عند الخلاء

- ‌الحديث الثامن

- ‌رجاله أربعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب وضع الماء عند الخلاء

- ‌الحديث التاسع

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث العاشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مَنْ تبرَّزَ على لبنتين

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب خروج النساء إلى البَرَاز

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌رجاله ستة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التبرز في البيوت

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس عشر

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاستنجاء بالماء

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مَنْ حمل معه الماء لطهوره

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب النهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال

- ‌الحديث العشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب لا يُستنجى بروث

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌رجاله سبعة

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء مرة مرة

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء مرتين مرتين

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاستنثار في الوضوء

- ‌الحديث السادس والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الاستجمار وترًا

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل الرجلين

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌باب المضمضة في الوضوء

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل الأعقاب

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التيمن في الوضوء والغسل

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من لم ير الوضوء إلاّ من المخرجين القبلُ والدبر لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}

- ‌الحديث الحادي والأربعون

- ‌رجاله أربعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثاني والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الثالث والأربعون

- ‌رجاله ستة

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌رجاله أحد عشر:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث الخامس والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب الرجل يوضىء صاحبه

- ‌الحديث السادس والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌الحديث السابع والاربعون

- ‌رجاله سبعة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

- ‌الحديث الثامن والأربعون

- ‌رجاله خمسة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

- ‌باب مسح الرأس كله

- ‌الحديث الخمسون

- ‌رجاله ستة:

- ‌لطائف إسناده:

الفصل: ‌الحديث السابع والستون

‌الحديث السابع والستون

حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَسْأَلُوهُ لَا يَجِيءُ فِيهِ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ. فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ. فَقُمْتُ، فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ، قَالَ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} . قَالَ الأَعْمَشُ هَكَذَا فِى قِرَاءَتِنَا.

قوله "في خِرَب المدينة" هو بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء، جمع خِرْبة بالسكون، ويقال بفتح الخاء وكسر الراء، ككَلِمة وكلْمَة، وهذا أصوب، وأوفق للقياس. وفي التفسير:"في حرث" بفتح المهملة وسكون الراء، وعند مسلم بلفظ "كان في نخل" ولابن مردويه "في حرث للأنصار". وهذا يدل على أن نزول الآية وقع في المدينة، لكن روى التِّرمِذيُّ عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل عنه فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه، فأنزل الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] ورجاله رجال مسلم، ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول يحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك إن ساغ هذا، وإلا فما في الصحيح أصح. وقوله "وهو يتوكأ" جملة اسمية حالية، أي يعتمد. وقوله "على عَسِيب" بمهملتين آخره موحدة بوزن عظيم، وهي الجَرِيدة التي لا خُوص لها. وفي رواية ابن حبان "ومعه جريدة". قال ابن فارس: العُسْبان من النخل كالقُضْبان من غيره. وقوله "فمر بنفر من اليهود" النَّفَر بالتحريك، عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، وفي

ص: 113

رواية التفسير "إذ مر اليهود" بالرفع على الفاعلية، وعند الطبريّ "إذ مررنا على يهود" ويحمل هذا الاختلاف على أن الفريقين تلاقوا، فيصدق أن كلًا مر بالآخر.

وقوله "على يهود" هذا اللفظ معرفة تدخله اللام تارة، وتارة يتجرد، وحذفوا منه ياء النسبة، ففرقوا بين مفرده وجمعه بالياء في المفرد، كما قالوا زنْج وزنْجي، وليس في شيء من الطرق تسمية من هؤلاء اليهود. وقوله "لا يجيء فيه بشيء تكرهونه" برفع يجيء على الاستئناف، والمعنى لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، وبالجزم على جواب النهي، وهو على مذهب الكوفيين، وبالنصب على معنى لا تسألوه خشية أن يجيء فيه بشيء. ولا زائدة. وفي رواية التفسير "لا يستقبلكم بشيء تكرهونه" وفي الاعتصام لا يسمعكم ما تكرهون"، وهي كلها بمعنىً وإعراب.

وقوله فقال: يا أبا القاسم، ما الروح؟ وسؤالهم بقولهم: ما الروح؟ مُشْكلٌ، لأن الروح جاء في القرآن لمعان كثيرة، كما سترى إن شاء الله تعالى، لكن الأكثرون على أنهم سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد. وقال أهل النظر: سألوه عن كيفية مسلك الروح في الجسد، وامتزاجه به، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه. وقال القرطبي: المرجح أنهم سألوه عن روح الإنسان، لأن اليهود لا تعترف بان عيسى روح الله، ولا تجهل أن جبريل ملَك، وأن الملائكة أرواح.

وقال فَخْر الدين الرّازِيّ: المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، كما قال الجمهور، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه، وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيته، وهل هي متحيزة أم لا؟ وهل هي حالة في متحيّز أم لا؟ وهل قديمة أو حادثة؟ وهل تبقى بعد إنفصالها عن البدن أو تفنى؟ وما حقيقة تنعيمها أو تعذيبها؟ وغير ذلك من متعلقاتها. قال: وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهية، وهل الروح قديمة أو حادثة. والجواب يدل على أنها

ص: 114

شيء موجود، مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها، فهو جوهر بسيط مجرد، ولا يحدث إلا بمحدث، وهو قوله تعالى {كُنَّ} [البقرة: 228]، فكأنه قال: هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه.

وجنح ابن القيِّم في "كتاب الروح" إلى ترجيح أن المراد بالروح المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38]، قال: وأما أرواح بني آدم، فلم تقع تسميتها في القرآن إلا نفسًا، كذا قال، وفيه نظر، إذ لا دلالة في ذلك لما رجحه، بل الراجح الأول، فقد أخرج الطبري عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح: وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله؟ فنزلت الآية.

وقيل: سألوه عن جبريل، وقيل: عن عيسى، وقد مر ما قاله القرطبيُّ في ذلك، وقوله "فقلت إنه يوحى إليه فقمت" أي: حتى لا أكون مشوشاً عليه، أو فقمت حائلًا بينه وبينهم. وفي رواية التفسير "فقمت مقامي" وفي الاعتصام "فتأخرت عنه". وقوله "فلما انجلى عنه" أي: انكشف عنه عليه الصلاة والسلام الكرب الذي كان يتغشاه حال الوحي. وقوله "فقال"، وفي رواية الأربعة "قال". وقوله "ويسألونك" بإثبات الواو، كالتنزيل. وفي رواية أبي ذَرّ والأصيليّ وابن عساكر "يسألونك" بحذف الواو. وقوله "قل الروح من أمر ربي". أي من الإبداعيات الكائنة "بكن" من غير مادة، وتولد من أصل واقتصر على هذا الجواب، كما اقتصر موسى عليه السلام في جواب {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] بذكر بعض صفانه، إذ الروح لدقته، لا تمكن معرفة ذاته، إلا بعوارض تميزه عما يلتبس، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، ولم يبين الماهية لكونها مما استأثر الله بعلمها، ولأن في عدم بيانها تصديقاً لنبوة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم.

وقوله "من أمر ربي" قال الفخر: يحتمل أن يكون المراد بالأمر الفعل، كقوله {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] أي فعله، فيكون الجواب

ص: 115

الروح من فعل ربي، إن كان السؤال هل هي قديمة أو حادثة، فيكون الجواب أنها حادثة. وقال الإسماعيلى: المراد أن الروح من جملة أمر الله، وأن الله اختص بعلمه، ولا سؤال لأحد عنه، وقال ابن القيم: ليس المراد هنا بالأمر الطلب اتفاقًا، وإنما المراد به المأمور، والأمر يطلق على المأمور، كالخلق على المخلوق، ومنه {لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: 101] وقال ابن بطّال: معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه، بدليل هذا الخبر، قال: والحكمة في إبهامه اختبار الخلق، ليُعرِّفَهُم عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه.

وقال القرطبيُّ: الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء؛ لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده، كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق من باب الأولى، وقيل: المراد بقوله "من أمر ربي" كون الروح من عالم الأمر الذي هو عالم الملكوت، لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة. ووقع في بعض التفاسير أن الحكمة في سؤال اليهود عن الروح، أن عندهم في التوراة، أن روح بني آدم لا يعلمها إلا الله، فقالوا نسأله، فإن فسرها فهو نبيَّ، وهو معنى قولهم "لا يجيء بشيء تكرهونه" وروى الطبريُّ في هذه القصة: فنزلت الآية، فقالوا: هكذا نجده عندنا. ورجاله ثقات، إلا أنه سقط من الإِسناد علقمة.

وقد اجتمع من كلام أهل التفسير في معنى لفظ الروح الوارد في القرآن لا خصوص هذه الآية، أقوالٌ كثيرةٌ، فمن الذي في القرآن {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء: 193] {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]{يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ} [غافر: 15]{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38]{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر: 4]. فالأول جبريل، والثاني القرآن. والثالث الوحي، والرابع القوة، والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره.

ص: 116

ووقع إطلاق روح الله على عيسى، وقد روى ابن إسحاق في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: الروح من الله، وخلق من خلق الله، وصور كبني آدم، لا ينزل ملك إلا ومعه واحد من الروح. وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح، أي لا يعين المراد به في الآية، وقد مر ما قيل في الروح المسؤول عنه من الاختلاف، وقيل: الروح ملَكٌ يقوم وحَدْه صفًا يوم القيامة، وقيل: ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه. وقيل: ملك له سبعون ألف لسان، وقيل: له سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان ألف لغة، يسبح الله تعالى، يخلق الله بكل تسبيحة ملكًا يطير مع الملائكة. وقيل: ملك رجلاه في الأرض السفلى، ورأسه عند قائمة العرش. وقيل: خلق كخلق بني آدم، يقال لهم الروح، يأكلون ويشربون، لا ينزل ملك من السماء، إلا نزل معه واحد منهم. وقيل: بل هم صنف من الملائكة يأكلون ويشربون.

وقد اختلف في حقيقة الروح التي بها حياة البدن من ادَّعى معرفة حقيقتها اختلافًا كثيرًا متباينًا، فقيل هي النَّفس الداخل والخارج، وقيل الحياة، وقيل: جسم لطيف يحل في جميع البدن، وقيل: هي الدم، وقيل: هي عرض، حتى قيل إن الأقول فيها بلغت مئة. ونقل ابن مَنْده عن بعض المتكلمين أن لكل نبي خمسة أرواح، ولكل مؤمن ثلاثة، ولكل حي واحدة. وقال ابن العربيّ. اختلفوا في الروح والنفس، فقيل متغايران، وهو الحق، وقيل هما شيء واحد، وقد يعبر بالروح عن النفس وبالعكس، كما يعبر عن الروح والنفس بالقلب وبالعكس، وقد يعبر بالروح عن الحياة، حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء، بل إلى الجماد مجازًا.

وقال السهيليّ: يدل على مغايرة الروح والنفس. وقوله تعالى {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] وقوله تعالى {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] فإنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، ولولا التغاير لساغ ذلك.

ص: 117

قلت: لم أفهم ما قاله من كونه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، فمن أي وجه عدم الصحة؟ من اللفظ؟ فاللفظ ممكن، أو من جهة المعنى، فالمعنى غير محقق حتى يحكم عليه بعدم الصحة.

وقد أمسك كثير من السلف عن الخوض فيها، فممن رأى الإمساك عن ذلك أستاذ الطائفة أبو القاسم الجُنَيد، فقال فيما نقله في "عوارف المعارف" عنه، بعد أن نقل كلام الناس في الروح: وكان الأولى الإمساك عن ذلك، والتأدب بادب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. ثم نقل عن الجنيد أنه قال: الروح استأثر الله تعالى بعلمه، ولم يطلع عليه أحداً من خلقه، فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود وعلى ذلك جرى ابن عطية وجمع من أهل التفسير.

وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز وتغليط، لكونه يطلق على أشياء، فأضمروا بأنه بأي شيء أجاب، قالوا: ليس هذا المراد، فرد الله تعالى كيدهم، وأجابهم جوابًا مجملًا مطابقًا لسؤالهم المجمل. وقال السَّهْروردي في "العوارف": يجوز أن يكون من خاض فيها، سلك سبيل التأويل لا التفسير، إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلا، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل، وهو ذكر ما لا يحتمل إلا به من غير قطع، بأنه المراد، فمن ثم يكون القول فيه.

قال: وظاهر الآية المنعُ من القول فيها، لختم الآية بقوله {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] أي اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه، فلا تسألوا عنه، فإنه من الأسرار. وقال بعضهم: ليس في الآية دلالة على أن الله لم يطلع نبيه على حقيقة الروح، بل يحتمل أن يكون أطلعه، ولم يأمره أنه يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا، وقد خالف الجُنَيد ومن تبعه من الأئمة جماعةً من متأخري الصوفية، فأكثروا من القول في الروح، وصرح بعضهم بمعرفة حقيقتها، وعاب من أمسك عنها. ونقل ابن مَنْده في كتاب الروح له، عن محمد بن نصر المَرْوَزِي

ص: 118