الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وتسعين، روى له الجماعة، وفي الصحيحين الأسود جماعة غيره، منهم: الأسود بن عامر شادان. والنخعي في نسبه مر في الخامس والعشرين من الإيمان.
لطائف إسناده:
منها أن فيه التحديث والعنعنة، ورواته إلى الأسود كوفيون، وفيه صحابيان، أخرجه البخاريّ هنا، وفي الحج والتمني، وابن ماجه في الحج أيضًا، ومسلم فيما انفرد به، أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول: سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجر، فإن قومك اقتصروا في البناء" فقال ابن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، إني سمعتها تحدث بهذا، قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته علي بناء ابن الزبير. ثم قال المصنف:
باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا
قوله "دون قوم" أي سوى قوم، لا بمعنى الأدون، وقوله "كراهية" بتخفيف الياء، والنصب على التعليل، مضاف لقوله "أن لا يفهموا" وأن مصدرية، والتقدير لأجل كراهية عدم فهم القوم، الذين هم سوى القوم الذين خصهم بالعلم. ولفظ أنْ ساقط للأصيلي، وهذه الترجمة قريبةٌ من التي قبلها لكن هذه في الأقوال، وتلك في الأفعال، أو فيهما، ثم قال:
وقال عليّ: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله؟ وقوله "يعرفون" أي: يفهمونه وتدركه عقولهم. وزاد آدم بن أبي إياس "ودعوا ما ينكرون" أي: ما يشتبه عليهم فهمه، وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ومثله قول ابن مسعود: ما أنت مُحَدثًا قومًا حديثًا لا تبلغُهُ عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم.
وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد، في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف
في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين، وإن المراد ما يقع من الفتن ونحوه، عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يتعمده من المبالغة في سفك الدماء، بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخْشى عليه الأخذ بظاهره -مطلوبٌ.
وقوله "أن يكذَّب الله ورسوله" يكذب بصيغة المجهول، ومعناه أن الإنسان إذا سمع ما لا يفهم، وما لا يتصور إمكانه، اعتقد استحالته جهلًا، فلا يصدق وجوده، فإذا أسند إلى الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم. لزم ذلك المحذور. ثم ذكر المصنف سند الأثر السابق فقال:
حدثنا عُبيد الله بن موسى عن معروف بن خَرَّبوذ، عن أبي الطُّفيل عن علي بذلك. وقد أخر المؤلف هنا الإسناد عن المتن في رواية غير أبي ذَر، ليميز بين طريقة إسناد الحديث وإسناد الأثر، أو لضعف الإِسناد بسبب ابن خَرَّبوذ أو للتفنن وبيان الجواز، وقد وقع في رواية أبي ذَرٍ مقدمًا على المتن، وسقط هذا الأثر كله من رواية الكشميهنيّ.
ورجال هذا الأثر أربعة: الأول عُبيد الله بن موسى، مر تعريفه في الحديث الأول من الإيمان، ومر تعريف علي بن أبي طالب في السابع والأربعين من كتاب العلم. والثالث معروف بن خَرَّبوذ، بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الراء وضم الباء الموحدة في آخره ذال معجمة، ورواه بعضهم بضم الخاء، المكيّ القرشيّ مولى عثمان، روى عن أبي الطفيل، وأبي جعفر، وروى عنه وكيع وعُبيد الله بن موسى، وهو من صغار التابعين، ضعفه يحيى بن مَعين، وقال أحمد: ما أدري كيف هو. وقال الساجيّ: صدوق، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقول ابن حبّان في الضعفاء: كان يشتري الكتب فيحدث بها، ثم تغير حفظه، فكان يحدث على التوهم. كأنه ترجمه لغيره، فإن هذه الصفة مفقودة في حديث معروف. قاله في
"تهذيب التهذيب" وليس له في البخاري سوى هذا الأثر، وأخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجه حديثه عن أبي الطُّفيل: أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحج.
الرابع: أبو الطُّفيل، بضم الطاء وفتح الفاء، عامر بن واثلة، وقيل عمرو بن واثلة بن عبد الله بن جَحْش بن جَريّ بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن عليّ بن كنانة، الكنانيّ الليثيّ، ولد عام أحد، وأدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين. نزل الكوفة وصحب عليًا، رضي الله عنه، في مشاهده كلها، فلما قتل علي، رضي الله عنه، انصرف إِلى مكة، فأقام بها حتى مات.
روى عن أبي بكر وعمر وعلي ومعاذ وحُذيفة وابن مسعود وابن عباس وغيرهم، وروى عنه الزُّهرْيّ وأبو الزبير وقتادة وعكرمة بن خالد وعمرو بن دينار، ومعروف بن خَرَّبوذ وغيرهم. جاءت عنه روايات ثابتة أنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأما سماعه منه فلم يثبت روى سعيد الجَريريّ عن أبي الطُّفيل أنه قال: ما على وجه الأرض اليوم رجلٌ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري، كان شاعرًا محسنًا، وهو القائل:
أيدعونني شيخًا وقد عشتُ حِقبة
…
وهنَّ من الأزواج نحوي نوازعُ
وما شاب رأسي من سنين تتابعتْ
…
عليَّ ولكن شيبتنيِ الوقائع
وذكره ابن أبي خيثمة في شعراء الصحابة، وكان فاضلاً عاقلاً حاضر الجواب فصيحًا، وكان متشيعًا في عليّ يفضّله ويثنى على الشيخين، ويترحم على عثمان، قدم على معاوية يومًا فقال له: كيف وَجْدكَ على خليلك أبي الحسن؟ قال: كوجد أُم موسى على موسى، وأشكو إلى الله التقصير. قال له معاوية: كنت فيمن حصر عثمان؟ قال: لا ولكني كنت فيمن حضره. قال له: وما منعك من نصره؟ قال له: وأنت فما منعك من نصره إذ تربصت به ريب المنون؟ وكنت مع أهل الشام وكلهم تابع لك فيما
تريد؟ فقال له معاوية: أو ما ترى طلبى لدمه نصرة له؟ قال: بلى، ولكنك كما قال أخُو حجف:
لا ألفينك بعد الموت تندبني
…
وفي حياتي ما زودتني زادًا
وهو آخر من مات من الصحابة على الإِطلاق، مات بمكة سنة مئة، وقيل سنة اثنتين ومئة، وقيل سنة سبع ومئة، وقيل عشر ومئة. وحديث علي بن زيد بن جدعان عن أبي الطفيل قال:"كنت أطلب النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يطلبهُ وهو بالغار" ضعيف؛ لأنهم لا يختلفون في أن أبا الطفيل لم يكن ولد في تلك الليلة. قال في الإصابة: وأظن أن هذا من رواية أبي الطفيل عن أبيه.
والكناني في نسبه، بكسر الكاف، نسبة إلى كنانة بن خُزَيمة الجد الرابع عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وروي بفتح الكاف، والأول أصح، كنيته أبو النضر، قيل: سمي به لأنه كان يُكنُّ قومه. وقيل: لأنه لما ولدته أمه خرج أبوه يطلب شيئًا يسميه به، فوجد كنانة السهام، فسماه بها. وفي غير عمود النسب خمسُ قبائل: بنو عبد مناة بن كنانة، ويقال لولده بنو علي، وبنو عمرو بن كنانة، وبنو عامر بن كنانة، وبنو مَلْكان بن كنانة، وبنو مالك بن كنانة، وهذا الإِسناد من عوالي البخاريّ؛ لأنه ملحق بالثلاثيات من حيث أن الراوي الثالث منه صحابيُّ، وهو أبو الطفيل المذكور، وعلى أنه تابعي ليس منها.