الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والعشرون
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ".
قوله: "من توضأ فليستنثر" بأن يخرج ما في أنفه من أذى بعد الاستنشاق، لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن، وبإزالة ما فيه من الثفل تصح مجاري الحروف، وفيه طرد الشيطان لما عند المؤلف في بدء الخلق:"إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ، فليستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يبيت على خَيْشومه" والخيشوم بفتح الخاء أعلى الأنف. وقيل: هو الأنف. وقيل: المِنْخر. ونوم الشيطان عليه حقيقة، أو هو على الاستعارة؛ لأن ما ينعقد من الغبار في رطوبة الخياشيم قذارة توافق الشياطين، فهو على عادة العرب في نسبتهم المستخبث والمستبشع إلى الشيطان، أو ذلك عبارة عن تكسيله عن القيام إلى الصلاة، ولا مانع من حمله على الحقيقة. وهل مبيته لعموم النائمين أو مخصوص بمن لم يفعل ما يحتَرِسُ به في منامه من الشيطان بشيء من الذكر لحديث أبي هريرة "اقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح". ويحتمل أن يكون المراد بنفي القرب هنا أنه لا يقرب من المكان الذي يوسوس فيه، وهو القلب، فيكون مبيته على الأنف، ليتوصل منه إلى القلب إذا استيقظ، فمن استنثر منعه من التوصل إلى ما يقصد من الوسوسة، فحينئذ فالحديث متناول لكل مستيقظ.
وظاهر الأمر فيه للوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق كأحمد وإسحاق وأبي عُبيد وأبي ثور وابن المنذر لورود الأمر به أن يقول به في
الاستنثار، وظاهر كلام صاحب "المغني" أنهم يقولون بذلك، وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار. وصرح ابن بطّال بان بعض العلماء قال بوجوبه. وفيه تعقب على من نقل الإجماع على عدم وجوبه.
واستدل الجمهور على أن الأمر فيه للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم من قوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي: "توضّأ كما أمرك الله" فأحاله على الآية، وليس فيها ذكر الاستنشاق. وأجيب بأنه يحتمل أن يُراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء، فقد أمر الله سبحانه باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو المبين عن الله أمره، ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق، بل ولا المضمضة، وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضًا، وقد ثبت الأمر بها أيضًا في "سنن" أبي داود بإسناد صحيح.
وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا لكونه لا يعلم خلافًا في أن تاركه لا يعيد، وهذا دليل قوي، فإنه لا يُحفظ عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإِعادة. ذكر كله ابن المنذر، ولم يذكر المؤلف في هذه الرواية عددًا، وذكر في بدء الخلق عن أبي هريرة:"فليستنثر ثلاثًا" كما مر. وأخرجه الحميدي في "مسنده" عن أبي الزِّناد بلفظ: "إذا استنثر فلْيستنثِر وترًا" وأصله لمسلم.
وقوله: "ومن استجمر فليوتر" أي: استعمل الجمار، وهي الحجارة الصغار في الاستنجاء، وحمله بعضهم على استعمال البخور، فإنه يقال: تجمَّر واستجمرْ، أي: فليأخذ ثلاث قطع من الطيب ويتطيب ثلاثًا أو أكثر وترًا، حكاه ابن حبيب عن ابن عمر، ولا يصح. وكذا حكاه ابن عبد البر عن مالك. وروى ابن خُزيمة في "صحيحه" عنه خلافه، والأظهر الأول، وقد تقدم القول على معنى قوله:"فليوتر" في الكلام على حديث ابن مسعود السابق، واستدل بعض من نفى وجوب الاستنجاء بهذا الحديث للإتيان فيه بحرف الشرط، ولا دلالة، وإنما مقتضاه التخيير بين الاستنجاء بالماء أو بالأحجار.