الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحضرة موكّله، وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتوقيره، وفيه استعمال الأدب في ترك المواجهة لما يستحيا منه عُرفًا، وحسن المعاشرة مع الأصهار، وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه، بحضرة أقاربها.
رجاله ستة:
الأول مسدد بن مُسَرهَد، مر تعريفه في الحديث السادس من كتاب الإِيمان، ومر تعريف سليمان بن مهران الأعمش في الحديث السادس والعشرين من كتاب الإيمان، ومر تعريف عليّ بن أبي طالب في الحديث السابع والأربعين من كتاب العلم.
والثاني: عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الخُرَبْبيّ، نسبة إلى خُرَيْبة تصغير خَرْبة، ملحة بالبصرة، أبو محمد، أو أبو عبد الرحمن، الهَمْدانيّ، الكوُفيّ الأصل. روى عن الأعمش وهشام بن عروة وابن جُرَيج وإسماعيل بن أبي خالد، والأوزاعيّ وخلق. وروى عنه الحسن بن صالح ابن حَيّ، وهو من شيوخه، وعامر ومسدد، وعمرو بن أبي ليلى الصَّيرفيّ، وخلق.
قال ابن سعد: كان ثقة عابدًا ناسكًا. وقال ابن مَعين: ثقة مأمون صدوق. وقال عثمان الدارميّ: سالت ابن مَعين عنه وعن أبي عاصم فقال: ثقتان، قال الدارميّ: الخريبي أعلى ووثَّقه أبو زَرعة والنَّسائِيّ. وقال الدارقطنيّ: ثقة زاهد. وقال ابن عُيينة ذلك أحد الأحدين، وقال مرة: ذلك شيخنا القديم. قال الكُدَيميّ: سمعته يقول: ما كذبت قط إلا مرة واحدة، كان أبي قال لي: قرأت على المعلم؟ قلت: نعم، وما كنت قرأت عليه. وقال أبو نصر بن ماكولا: كان عسرًا في الرواية، وقال محمد بن أبي مسلم الكجيّ عن أبيه: أتينا عبد الله بن داود ليحدثنا، فقال: قوموا اسقوا البستان، فلم نسمع منه غير ذلك. قال ابن قانع: كان ثقة. وقال الخليليّ: أَمسك عن الرواية قبل موته. وقال أبو حاتم: كان يميل إلى الرأي، وكان صدوقًا.
ولد سنة إحدى وعشرين ومئة، ومات في شوال سنة ثلاث عشرة ومئتين. روى له الجماعة إلا مسلمًا، وليس في البخاري والكتب الأربعة عبد الله بن داود غير هذا. نعم، في التِّرْمِذيّ آخر واسطي مختلف فيه. والخُريَبة المنسوب إليها التي هي محلة بالبصرة، تسمى البَصْرة الصغرى ينسب إليها خلق كثير، والنسبة إليها على غير قياس؛ لأن فُعَيلة النسبة إليها بطرح الياء إلا ما شذ.
الثالث من السند: مُنذر، بضم الميم، ابن يَعْلى، بفتح الياء آخر الحرِوف، أبو يعلى الثَّوْرِيّ الكوفيّ، روى عن محمد بن الحَنْفية، والربيع ابن خيْثم وسعيد بن جُبير وجماعة. وروى عنه ابنه الربيع والأعمش وقَطَر ابن خَليفة وغيرهم. ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة، وقال: كان ثقة قليل الحديث. وقال ابن مَعين والعِجْليّ وابن خِراش: ثقة، وذكره ابن حِبّان في الثقات. روى له الجماعة.
رابع السند، محمد بن الحَنَفية، وهو محمد بن عليّ بن أبي طالب الهاشميّ، أبو القاسم، المدنيّ، المعروف بابن الحنفية، وهي خَوْلة بنت جَعفر بن قيس بن ثَعْلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدُّؤل بن حَنفية بن لجَيم. ويقال: بل كانت من سبْي اليمامة، وصارت إلى عليّ رضي الله عنه، وقيل: بل كانت سِنْدِيَّة سوداء، وكانت أَمة لبني حنيفة، ولم تكن منهم، وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق، ولم يصالحهم على أنفسهم. استولد عليّ تلك الجارية من السبيّ، ثم لم ينقرض عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبى. وكنيته بأبي القاسم رُخْصة من النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ. يقال إنه قال لعليّ: سيولد لك بعدي ولد، وقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا تحل لأحد من أمتي بعده.
وممن سمي محمدًا وتكنَّى أبا القاسم، محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن طلحة بن عُبَيد الله، ومحمد بن سعد بن أبي وقّاص، ومحمد
ابن عبد الرحمن بن عَوف، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن حاطب بن أبي بَلْتَعة، ومحمد بن الأشعث بن قيس.
روى عن أبيه وعثمان وعمار ومعاوية وأبي هريرة وابن عباس، ودخل على عمر، وروى عنه أولاده إبراهيم والحسن وعبد الله وعمر وعَوْن، وابن أخيه محمد بن عمر بن علي، ومحمد بن بشرِ الهَمْدانّي، وكان مؤدبًا له، وخلق. قال العِجْليّ: تابعي ثقة، كان رجلًا صالحًا. قال إبراهيم بن الجُنَيد: لا نعلم أحدًا أسند عن عليّ، ولا أصح مما أسند محمد.
وتسميه الشيعة المهديّ، وكانوا إذا سلموا عليه يقولون: السلام عليك يا مهديّ، فيقول: أجل، أنا مهديٌّ أُهدى إلى الخير، ولكن إذا سلم أحدكم فليقل: السلام يا محمد. وقال ابن حبان: كان من أفاضل بيته، كان كثير العلم والورع. وقد ذكره الشيخ أبو إسحاق الشِّيرازِيّ في "طبقات الفقهاء"، وكانت راية أبيه يوم الجمل بيده، ويُحكى أنه توقف أول يوم في حملها لكونه قتال المسلمين، ولم يكن قبل ذلك شهد مثاله، فقال له عليّ رضي الله عنه: هل عندك شك في جيش مقدمه أبوك؟ فحملها. وقيل له: كان أبوك يُقْحمك المهالك ويُولجك المضايق دون أخَويك: الحسن والحسين، فقال: لأنهما كانا عيْنيه، وكنت يديه، فكان يقي عينيه بيديه.
ومن كلامه. ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف، مَنْ لا يجد في معاشرته بُدًا، حتى يجعل الله له فرجًا. كان رضي الله عنه شديد القوة، وله في ذلك أخبار عجيبة، منها ما حكاه المُبَرِّد في كتابه "الكامل" أن أباه عليًا، رضي الله عنه، استطال درعًا كانت له، فقال: لينقص منها كذا وكذا حلقة، فقبض محمد بإحدى يديه على ذيلها، وبالأخرى على فضلها، ثم جذبها، فقطع من الموضع الذي حَدَّه أبوه.
وكان عبد الله بن الزبير، إذا حُدِّث بهذا الحديث، غضب واعتراه أفْكَل، وهو الرعدة؛ لأنه كان يحسده على قوته. وكان ابن الزبير أيضًا شديد القوة، ومن قوته أيضًا ما حكاه المُبَرِّد في كتابه أن ملك الروم في أيام
معاوية، وجه إليه أن الملوك قَبْلك كانت تراسل الملوك منا، ويجهد بعضهم أن يغرب على بعض، أفتأذن لي في ذلك؟ فأذن له، فوجه إليه رجلين، أحدهما جسيم طويل، والآخر أيِّد، فقال معاوية لعمرو بن العاص: أما الطويل فقد أصبنا كفؤه، وأما الآخر الأيِّد، فقد احتجنا إلى رأيك فيه، فقال عمرو: هاهنا رجلان كلاهما إليك بغيض، محمد بن الحنفية، وعبد الله بن الزبير. قال معاوية: من هو أقرب إلينا على كل حالى، فلما دخل الرجلان، وجه إلى قيس بن سعد بن عبادة يعلمه، فدخل قيس، فلما مثل بين يدي معاوية، نزع سراويله، ورمى بها إلى العلج، فلبسها فبلغت ثندوته فأطرق مغلوبًا، فقيل: إن قيسًا لاموه على ذلك، وقيل له: لِمَ تَبَذَّلْت هذا التَّبَذُّل بحضرة معاوية؟ وهلّا وجّهت إليه غيرها؟ فقال:
أردتُ لكيما يعلم الناس أنها
…
سراويلُ قيس، والوفودُ شهودُ
وأن لا يقولوا غاب قيسٌ وهذه
…
سراويلُ عاديّ نَمَتْهُ ثَمُودُ
وإنّي من القوم اليمانين سيّدٌ
…
وما الناس إلا سيد ومَسَودُ
وبَدَّ جميع الناس أصلي ومنصبي
…
وجسمٌ به أعلو الرجال مديدُ
ثم وجه معاوية إلى محمد بن الحنفية فحضر، فخُبر بما دُعي إليه فقالى: قولوا له إن شاء فليجلس، وليعطني يده حتى أُقيمه، أو يقعدني، وإن شاء فليكن هو القائم وأنا القاعد، فاختار الرومي الجُلوس، فأقامه محمد، وعجز الرومي عن إقعاده، ثم اختار أن يكون محمد القاعد، فجذبه محمد فأقعده، وعجز الرومي عن إقامته، فانصرفا مغلوبين.
ولما دعا ابن الزبير إلى نفسه، وبايعه أهل الحجاز، دعا عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية، رضي الله عنهما، إلى بيعته فأبيا ذلك، وقالا: لا نبايعك حتى يجتمع لك البلاد، ويتفق الناس، فأساء جوارهما، وحصرهما وآذاهما، وقال لهما: لئن لم تبايعا أحرقتكما بالنار. والشرح في ذلك يطول.
كانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وتوفي رضي الله عنه في أولى
المحرم سنة إحدى وثمانين، وقيل: سنة ثلاث وثمانين، وقيل: سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين، بالمدينة، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو والي المدينة يومئذ، ودفن بالبقيع، وقيل: إنه خرج إلى الطائف هاربًا من ابن الزبير، فمات هناك، وقيل إنه مات ببلاد أَيْلة، وتعتقد الفرقة الكَيْسانية إمامته، وأنه مقيم بجبل رَضْوى وإلى ذلك أشار كثير عزة بقوله، من جملة أبيات وكان كيْسَاني الاعتقاد:
تغَيَّب لا يُرى فيهم زمانًا
…
برضوى، عنده عسلٌ وماء
وأول هذه الأبيات:
ألا إن الأئمة من قريش
…
ولاة الحق أربعة سواء
عليٌّ والثلاثة من بنيه
…
هم الأسباط وليس بهم خفاء
فسبطٌ سبي إيمان وبِرٍ
…
وسبطٌ غَيَّبَتْه كرْبلاء
وسبطٌ لا يذوق الموت حتى
…
يقول الخيل يَقْدُمُه اللواء
وكان المختار بن عُبيد الثقفيّ يدعو الناس إلى إمامة محمد بن الحنفية، ويزعم أنه المهديّ، وقال الجوهري في كتاب "الصحاح" كَيْسان لقب المختار المذكور، وقال غيره: كيسان مولى علي، رضي الله عنه، والكيسانية يزعمون أنه مقيم برضوى في شِعبٍ منه، ولم يمت، دخل إليه ومعه أربعون من أصحابه، ولم يوقف لهم على خبر، وهم أحياء يرزقون، ويقولون: إنه مقيم في هذا الجبل بين أسد ونمر، وعنده عينان نضاختان تجريان عسلًا وماءً، وأنه يرجع إلى الدنيا فيملأها عدلًا، وانتقلت إمامته إلى ولده أبي هاشم عبد الله، ومنه إلى محمد بن عليّ والد السَّفَّاح والمنصور، ويقال: إن له ولدًا اسمه الهَيْثَم.
وكان مُوَخَّذًا عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يقدر أن يدخله، والأخيذ في اللغة الأسير، ووالأُخْذة، بضم الهمزة، رُقْيَةٌ كالسحر، فكأنه كان مسحورًا. كان محمد، رضي الله عنه، يخضب بالحناء والكتَم، وكان يتختم في اليسار، وله أخبار مشهورة. ورضَوى، بفتح الراء بعدها
ضاد ساكنة، جبل جُهَينة، وهو في عمل اليَنْبُع، بينهما مسيرة يوم واحد، وهو من المدينة على سبعة مراحل، ميامنة طريق المدينة، ومياسرة طريق البَرّ، لمن كان مُصَعَّدًا إلى مكة. وهو على ليلتين من البحر، ومنه تحمل حجارة المِسَنّ إلى سائر الأمصار، والحنفيّ في نسبه مر في تعريفه ما هو النسبة له.
وفيه ذكر المقداد، وهو المقداد بن الأسود، نسب إلى الأسود بن عَبْد يَغُوث بن وَهب بن عبد مناف بن زُهْرة الزُّهْرِيّ؛ لأنه كان تبناه وحالفه في الجاهلية، فقيل له: المقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مطرود، النهروانيّ، وقيل الحضرميّ. قال ابن الكلبيّ: كان عمرو أبو المقداد أصاب دمًا في قومه، فلحق بحضرموت، فحالف كندة، فكان يقال له الكنديّ، وتزوج هناك امرأة فولدت له المقداد، فلما كبر المقداد وقع بينه وبين أبي شمِر بن حُجْر الكنديّ، فضرب رجله بالسيف، وهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهريّ وكتب إلى أبيه فقدم عليه، وتبنى الأسود المقداد، فصار يقال له المقداد بن الأسود، وغلب عليه واشتهر بذلك، فلما نزلت {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5] قيل له المقداد بن عمرو، واشتهر شهرته بابن الأسود.
وكان المقداد يكنى أبا الأسود، وقيل: كنيته أبو عمرو، وقيل أبو سعيد، أسلم قديمًا، روي عن ابن مسعود أنه قال: أول من أظهر الإِسلام سبعة، فذكر المقداد منهم. وكان من الفضلاء النجباء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبىٌّ إلا أعطى سبعة نُجَباء ووزراء ورفقاء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وأبو بكر وعمر وعليّ والحسن والحسين وعبد الله بن مسعود وعمّار وسَلْمان وحذَيفة وأبو ذَرٍّ والمِقْداد وبلال.
وروي عن ابن مسعود: لقد شهدت مع المقداد مشهدًا، لأن أكون
صاحبه أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، وذلك أنه أتى النبيَّ، صلى الله عليه وسلم، وهو يذكر المشركين، فقال: يا رسول الله، إنا والله لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى، إذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكنا نقاتل من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك، قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق وجهه بذلك، وسره وأعجبه.
وروي عن عبد الله بن بُرَيدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله عز وجل أمرني بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني أنه يحبهم، فقيل له: يا رسول الله من هم؟ قال: عليٌّ والمقداد وسَلمان وأبو ذر. وروي عن أنس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، سمع رجلًا يقرأ القرآن، ويرفع صوته به، فقال:"أوَّاب"، وسمع آخر يرفع صوته به، فقال "مراءٍ" فنظر فإذا الأول المقداد بن عمرو. وروي عن المقداد أنه قال: لما نزلنا المدينة عَشَرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، عشرة عشرة في كل بيت، فكنت في العشرة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن لنا إلا شاةٌ نتجزَّأ لبنها.
وهو أول من قاتل علي فرس في سبيل الله، معِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد شهد بدراً على فرس له يقال لها سَبْخَة. تزوج ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد بعدها.
كان المقداد وعبد الرحمن بن عوف جالسين، فقال له: مالك لا تتزوج؟ قال: زوِّجني ابنتك، فغضب عبد الرحمن وأغلظ له، فشكاه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا أزوجك، فزوجه بنت عمه ضُباعة. كان المقداد عظيم البطن، وكان له غلام، روميٌّ، فقال له: أشُقُّ بطنك فأُخرج من شحمه حتى تلطف؟ فشق بطنه ثم خاطه، فمات المقداد، وهرب الغلام.