الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا".
قوله: "فلا يستقبِلِ القبلة" بكسر اللام على النهي وبضمها على النفي.
وقوله: "ولا يولِّها ظهره" مجزوم بحذف الياء على النهي، أي: لا يجعلها مقابل ظهره.
وقوله: "شرِّقوا أو غرِّبوا" أي: خذوا في ناحية المشرق أو ناحية المغرب.
وفيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، وهو لأهل المدينة ومن كانت قبلته على سمتهم، أما مَنْ كانت قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنه ينحرف إلى جهة الجنوب أو الشمال.
وقد دل حديث ابن عمر الآتي على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر الماضي على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيّوب لا يُخَصُّ من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط، ولا يُقال: يلحق به الاستقبال قياسًا، لأنه لا يصح إلحاقه به لكونه فوقه.
وقد تمسك به قوم، فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال، حكي عن أبي حنيفة وأحمد.
وقيل بالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقًا قال الجمهور، وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق، وهو أعدل الأقوال، لإعماله جميع الأدلة.
ويؤيده من جهة النظر ما مرَّ عن ابن المُنير أن الاستقب الذي البنيان مضاف إلى الجدار عرفًا، وبأن الأمكنة المعدة لذلك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة، بخلاف الصحراء فيهما.
وقال قوم بالتحريم مطلقًا، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد، وقال به أبو ثور صاحب الشافعي، ورجحه من المالكية ابن العربي، ومن الظاهرية ابن حزم. وحجتهم أن النهي مقدم على الإِباحة، ولم يصححوا حديث جابر الذي أشرنا إليه، واحتجّوا أيضًا بان تعظيم القبلة موجود فيهما، وبأن الجواز في البنيان إن كان لوجود الحائل فهو موجود في الصحراء، كالجبال والأودية.
وقال قوم بالجواز مطلقًا، وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود، واعتلّوا بأن الأحاديث تعارضت، فليُرجع إلى أصل الإِباحة.
وقيل: بجواز الاستدبار في البنيان فقط، تمسكًا بظاهر حديث ابن عمر، وهو قول أبي يوسف.
وقيل: بالتحريم مطلقًا حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس، وهو محكيٌّ عن إبراهيم وابن سيرين، عملًا بحديث معقِل الأسدي:"نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببولٍ أو غائط" رواه أبو داود وغيره، وهو حديث ضعيف، لأن فيه راويًا مجهول الحال، وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها، لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة، فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس.
وقد ادّعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة، قال في "الفتح": وفيه نظر، لما مرَّ عن إبراهيم وابن سِيرين، وقد قال به بعض الشافعية، حكاه ابن أبي الدّم.
قلت: يمكن الجواب عن إيراده بانعقاد الإجماع بعد عصر المذكورين، وبأن ما ذكر عن بعض الشافعية لا يقدح في الإجماع لضعفه.
وقيل: إن التحريم مختصٌّ بأهل المدينة ومَنْ كان على سمتها، فأما مَنْ كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقًا، لعموم قوله:"شرِّقوا أو غرِّبوا" قاله أبو عَوانة صاحب المُزَني، وعكسه البخاري فاستدل به على أنه ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة كما يأتي في باب قبلة المدينة من كتاب الصلاة.
ويُستثنى من القول بالحرمة في الصحراء ما لو كان الريح يهب على يمين القبلة أو على شمالها، فإنهما لا يحرمان للضرورة.
ولمسلم: "ولا يستدبرها ببول أو بغائط" والغائط في الحديث غيره في الترجمة، فقد أطلق فيها على الخارج من الدبر مجازًا من إطلاق اسم المحل على الحال كراهية لذكره بصريح اسمه، وحصل من ذلك جِناس تام.
والظاهر من قوله: "ببول" اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، ويؤيده قوله في حديث جابر:"إذا هَرَقْنا الماء". وقيل: مثار النهي كشف العورة، وعلى هذا فيطَّرِد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلًا، وقد نقله ابن شاس المالكي قولًا في مذهبهم، وكأن قائله تمسك برواية في "الموطأ":"لا تستقبلوا القبلةَ بفروجِكم" ولكنها محمولة على المعنى الأول، أي: حال قضاءَ الحاجة، جمعًا بين الروايتين. قاله في "الفتح".
قلت: ما قاله من حمله على حال قضاء الحاجة لم يحمله عليه مالك صاحب الرواية، بل حمله على ظاهره، فمنع الوطء في حال استقبال القبلة هو مشهور مذهب مالك، فقوله:"قولًا في مذهبهم" غير صحيح لكنه لا عار عليه فيه لأنه غير مذهبه، وحمله على ظاهره أولى من حمله على حال قضاء الحاجة، لأن حال الجماع أقبح بكثير من حالة قضاء الحاجة، فإذا منع التوجه إلى القبلة حال قضاء الحاجة، فلئن يمنع في حالة الجماع أولى، وقد نظمت ملخص مذهب مالك في الوطء وقضاء الحاجة، فقلت: